عمرو خالد.. والجينز
بقلم/ مأرب برس
نشر منذ: 15 سنة و شهرين و يوم واحد
الأحد 30 أغسطس-آب 2009 09:39 م


عمرو خالد.. داعية من طراز جديد؛ لذا فقد قوبل بضجة كبيرة عند ظهوره.. ولا يزال.. فلم يتعود الناس على أسلوبه وطريقته في عدة أمور؛ فهو يرتدي الملابس الشبابية "بدلة" أو "تي شيرت"، أو حذاء رياضيًّا، وهو حين يضرب مثالاً ما في دروسه يستمده غالبًا من أرقى الأندية، وأماكن الطبقة الثرية في مصر، وبالمثل فإن أسلوبه يثير جدلاً كبيرًا؛ حيث ابتعد عن الطريقة العادية في الوعظ، واعتمد على تبسيط قواعد الدين للشباب الذين يجهلونها، والاقتراب من مشاكلهم الواقعية ومعايشتها، وهو بالإضافة إلى ذلك يجيد التعامل مع المعطيات الحديثة للعصر، فله موقع على الإنترنت: www.forislam.com ،وهو ضيف دائم على المحطات الفضائية، كما تنتشر أشرطة مسجلة لدروسه، وكذلك " C.Ds ”، وأشرطة فيديو..

ولقد تصدينا لهذه الظاهرة، وكان هذا التحقيق:

غير تقليدي

"إسلام لطفي" (22 سنة) خريج حقوق: من أشد المعجبين بعمرو خالد، والسبب -كما يقول- أن أسلوبه في الدعوة يناسبه تمامًا، وعن أهم أسباب هذا الإعجاب يقول: "إنه تخلى عن الصراخ والعويل، وتأنيب الناس دائمًا، كما أنه اعتمد على التوازن بين الترغيب والترهيب"، وعن الفروق بينه وبين الخطباء التقليديين قال: "إن البعض حصر الدين في الآخرة، وكأن الإنسان المتدين لا يعيش في الدنيا، ولا يحتكّ بها، ولا يشتبك معها.. وكل ما يعنيه أن تنتهي الدنيا بسلام، ويصل إلى مكانه الأصلي وهو الآخرة، بينما عمرو يعرف جيدًا كيف يجعل الدنيا مزرعة الآخرة، وكيف يمكن للإنسان أن يترك بصمة جيدة فيها".

وحول اتهام البعض لعمرو بأنه يجعل الدين سهلا جدًّا، ومريحًا بما يناسب الطبقات الغنية التي يخاطبها.. رَدَّ "إسلامٌ" قائلا: "هذا ربما خطأ في تحليل الأمر على هذا النحو، ثم ما المشكلة أن يُسهِّل الداعية الدين على الناس، ويشعرهم بإمكانية تطبيق الدين؟! وإنه ليس صعبًا ولا مستحيلا أن ينزل إلى دنيا الناس، أعتقد أن ذلك يتواءم مع مبدأ الإسلام في تحبيب الناس في الله وفي الخير، ثم هناك اختيار الرسول دومًا لأيسر الأمور وغير ذلك من مبادئ عظيمة".

وعن أهم ميزات عمرو أنه يعيش العالم من حوله ويدرك تغيرات المجتمع.. فهو لا يكتفي بما يقرأ في كتب سلفية أو فكرية، وإنما يطبق هذا الأمر على مظاهر الحياة التي لا يسمع عنها الكثير من الدعاة، وإنما يعيشها، فهو يتكلم عن "مارينا"- منتجع في الساحل الشمالى-، "الجونة"-منتجع في الغردقة، و"كورتيجانو" -مطعم إيطالي بالقاهرة-، وعن مواقع الإنترنت المختلفة، وحفلات الغناء وغير ذلك من واقع الشباب الذي يحيونه..

ويرى إسلام أن الدعاة التقليدين كانوا يخافون من ذكر أسماء الممثلين أو لاعب الكرة حتى لا يتهمهم الناس بأنهم يشاهدون التليفزيون. بينما الشيخ عمرو خالد يوجه رسالة شديدة الوضوح: "إنني منكم ومعكم، واستطعت أن أتعامل مع كل هذه الحياة، وأستخلص المفيد منها، لكن دون أن تضطرني إلى التخلي عن مبادئي، أو طريق الالتزام"، ولا يتوقع "إسلام" أن تندثر طرق الخطابة التقليدية، ولكن ستسير جنبًا إلى جنب مع الطريقة الجديدة (أسلوب عمرو خالد)، وستتأثر في تخفيف لهجة الخطاب التقليدي وحدته، والذي يذكره إسلام أكده الواقع؛ حيث بدأ البعض يغير من أسلوب الخطاب بالفعل ويميل إلى الهدوء والمنطق العقلاني، ومن هؤلاء الشيخ "محمد حسين يعقوب" الذي أخرج ثلاثة شرائط، وهي: "التدخين"، و"الصلاة"، و"الحجاب" مختلفًا عن أسلوبه السابق الصارخ.

يعرف من أين تؤكل الكتف

أما "أسامة البليدي" (18 عامًا) بالفرقة الثانية - تجارة القاهرة، فيؤكد أن "عمرو" أصبح ملتقى للشباب الذي يريد أن يكتشف دينه في وقت ندرت الدروس في المساجد، وقلّت من أجهزة الإعلام البرامجُ التي تغطي هذا الجانب، وهو حريص على الحضور مع أصدقائه في دروس لعمرو ولغيره من الدعاة مثل الشيخ "صفوت" الذي يتخصص في السيرة النبوية.. وهو نفس أسلوب الشيخ عمرو خالد؛ فهو يرتدي الأزياء العادية، ويقترب من الشباب في حديثه ويواجههم بمشاكلهم.

ويرى "أسامة" أن أهم ما يميز أسلوب عمرو وصفوت أنهما يدخلان إلى الشباب من المداخل التي تناسبهم؛ فلا أحد مستعد لأن يسمع كلاما في الماضي فقط دون أن يربط ذلك بواقعة، ودون أن يتولى الداعية الإشارة إلى المشاكل الحقيقية التي تعوق الشاب في حياته؛ فعمرو حين يتكلم عن قيام الليل يقول: "إنه أفيد من المعاكسات الهاتفية التي تستمر حتى الفجر"، ولا شك أن هذه المعاكسات أصبحت واقعًا في حياتنا كلنا، وعن أهم ما يصل الناس بعمرو يقول أسامة: "إنه حريص على التواصل معهم، ويفتح لذلك كل ما يستطيع من قنوات مثل الهاتف أو البريد الإلكتروني وغيره".

وهو يولي عناية خاصة بهذا البريد، ويتولى الرد عليه أسبوعيًّا باهتمام بالغ، ويذيع منه في درسه الأسبوعي ما يستحق أن يذاع.

كفاية عذاب وسياسة

أما "يسرا طنطاوي" (20 سنة)، وهي طالبة في كلية السياسة والاقتصاد، فترى أن تأثير "عمرو" كان كبيرًا جدًّا في محيط عائلتها وأصدقائها؛ حيث تحجبت الكثير من الفتيات رغم أنهن في بداية الأمر، وكن قد تحدين تمامًا أن يؤثر فيهن "عمرو"، وتضحك "يسرا" قائلة: "إن البعض وصل إلى مرحلة أن يسد أذنيه حتى لا يستجيب.. لكن شيئًا فشيئًا بدأ الكثير من زميلاتها في الاقتناع". وحول إذا ما كان هذا التغير ظاهريًّا فقط، قالت: "إن التحول بداية قد يكون ظاهريًّا، لكن مع الوقت يبدأ التغير في السلوك والعادات".

وتلمس "ياسمين عبد الشكور" (21 سنة) -طالبة في تجارة عين شمس- أن الكثيرات كن يتغيرن ظاهريًّا، لكن الأهم هو التغير الفكري الذي يحدث لهن، والذي كان يفاجئهن، وعما تقصد بهذا التغير، قالت: النظر إلى الحياة والآراء حولها، ورؤيتهم للمال والثروة والجمال والمستقبل.

ويسرا ترى أن أهم ما يجذب الشباب في شخصية "عمرو" سنه الصغيرة؛ فهو قريب من تفكير الشباب، كما أنه ابتعد تمامًا عن الحديث حول السياسة وإصلاح الدولة، وهذا ما قرب له الشباب؛ لأن هذه الفئة العمرية قد ملت من الحديث حول الإصلاح، خاصة أنها محبطة وليس في يدها شيء تفعله، بالإضافة إلى ذلك ترى "ياسمين" أن أهم ما فيه أنه لا يُقصر حديثه حول النار والعذاب، بل يحبب الشباب في الدين. وتعتقد "ياسمين" أن الشباب يمكن أن يقودوا المجتمع إلى الأفضل؛ لأنهم قادرون على الفعل خاصة أن معظمهم ذو تعليم متميز ومستوى اجتماعي ومادي يؤهله لأداء دور في المجتمع، وعلى العكس من ذلك فـ"يسرا" ترى أن الشباب سيكتفي بالحضور الروحاني، لكنه لا يمكن أن يتحمل مخاطرة التغيير في المجتمع؛ بل إنها تعتقد أنها يمكن أن تمنع أولادها في المستقبل من الذهاب كما حاول أهلها من قبل! وأفضل ما أعجبها أن "عمرو" يطلب منهم بهدوء أشياء سهلة وفي متناولهم مثل تنظيم برنامجهم اليومي، وكيف يقضونه باستمتاع، وبالإضافة أيضًا إلى مراقبة الله في يومهم هذا، وهذا ما نفتقده في الكبار جدًّا، الذين دائمًا لا يهتمون بحياتنا ولا يومياتنا.

وترى "ياسمين" أن الأهل كانوا يخافون علينا من أن يصب المشايخ الجدد –كما تسميهم- أشياء خاطئة في أذهاننا، مثل تلك التي انتشرت في بداية التسعينيات في المناطق الشعبية، ومفاهيم أقرب إلى التطرف.

ولكن بعد إصرارنا واصطحاب الآباء والأمهات معنا اطمأنوا، أضف إلى ذلك انتشار "عمرو" ذاته في الفضائيات، والتليفزيون المصري، وتوزيع أشرطته مع إصدارات الأهرام وموافقة الأزهر الشريف عليها.

تدين طبقي

وعن السبب في انتشار هذه الأساليب الجديدة في الدعوة بين طبقات بعينها قالت "يسرا": "إن الطبقات الشعبية أزماتها طاحنة هذه الأيام، والضغوط عليها أصبحت أقوى من جعلهم يفكرون في وقت يقضونه في الدروس الدينية؛ لذا فالطبقة المتوسطة ينتشر بينها التدين الآن أكثر؛ لأنها تملك الوقت والظروف الملائمة لأن يكون لها اهتمامات وأنشطة".

وحول سؤال عن الحملات الإعلامية المضادة التي تعرض لها "عمرو" قالت ياسمين: "هذه الحملات لم تؤثر تمامًا إلا على من لم يرَ "عمرو" أو يسمع منه، ولكن كل من شاهده أو سمعه لم يتأثر؛ لأنه علم أنها حملة كاذبة.. أضف إلى ذلك عدم مصداقية المجلات التي أثارت هذه الحملة". أما "يسرا" فتقول: "إن الحملات اعتمدت على اتهامات مقززة، ولا يمكن لإنسان محترم أن يتفهمها، أو يشك في من نُسبت إليه".

ولذا فهي لم تنجح؛ بل أعتقد أنها جذبت جمهورًا جديدًا، وهو الذي أراد أن يرى مَن هذا الذي تتحدث عنه الصحف، وحتى من جاء بنفسية مشوشة وجد أن الرجل على غير ما يزعمون.

ولا يقتصر الأمر أبدًا على الأجيال الصغيرة الناشئة، ولكن "حسن علي" ( 39 سنة) يصطحب زوجته وأبناءه ويذهب أسبوعيًّا، ويؤكد حرصه الشديد على هذا الدرس، وأن ابنته "مروة" (5 سنوات) تحزن كثيرًا حين لا يذهبون لأي سبب. ويقول: "إنها فرصة طيبة لأن تجتمع الأسرة في رحاب المسجد، وفي ظلال حديث الشيخ عمرو؛ لأنه رجل ميزته الأساسية أنه يحيا وسطنا في المجتمع، ويعرف مشاكلنا وهمومنا، والإغراءات التي يتعرض لها الإنسان، ثم هو يخاطبنا بلغة بسيطة غير معقدة نستطيع جميعًا فهمها".

ومن أشد المواقف التي أعجبتني أنه كان في يوم مباراة مصر والمغرب في كأس العالم كان هناك درس له، ومعروف أن الدرس ينتهي بعد بدء المباراة فعلّق "عمرو" في بداية درسه على أنه لن يطيل أو يثقل، وإن كان يقسم أن المكوث في المسجد أكثر إفادة وراحة للنفس من المباريات، لكنه لا يريد أن يثقل عليهم، ويرى "حسن" أن هذا رقيّ في عدم إجبار الشباب الصغير الذي يتعلق كثيرًا بالكرة أن يضعه في ورطة المفاضلة بين الدرس والمباراة.

محتاجون لك يا رب

أما "جمال عبد العظيم" (29 سنة) –مهندس-، فيقول: "رغم انشغالي طوال أيام الأسبوع فإنني أفرغ نفسي تمامًا في هذا اليوم، وأترك كل ما ورائي؛ فالحقيقة نحن محتاجون ومتعطشون تمامًا لمثل هؤلاء الدعاة الشباب؛ لأنهم ألصق بنا وأعرف"، وعن أهم ما لفت انتباهه في أسلوب "عمرو خالد" قال: "هو البساطة في كل شيء، أول مرة أرى من يدعو دون لغة عربية فصيحة ولا غيره، ويكلم الله -سبحانه وتعالى- بالعامية فيقول: (ضعفنا يا رب.. محتاجين لك يا رب.. ماتسيبناش للدنيا..)، وهذه البساطة تدخل القلوب فورًا مهما انغمس الإنسان في الدنيا وانشغل".

وفي نظرة أعمق بعض الشيء يعزو "محمد علي إبراهيم"- ليسانس الدراسات الإسلامية والعربية- نجاح "عمرو" إلى أمرين:

1 - إنه دائم الاستشارة لمن حوله واستقبال ملاحظاتهم، ودائم القبول للنصيحة وإبداء الرأي؛ بل الأشد من ذلك أنه يعمد إلى استقبال مشاركتهم، ويفخر أن له معاونين في إعداد المواد العلمية، أو إدارة موقعه على الإنترنت، وكذلك إعداد برامجه في الفضائيات، وهؤلاء من جمهوره العادي من الشباب الذين تأثروا به وأرادوا المشاركة في الخير معه.

2 - والسبب الثاني أنه يحاول جعل هذا الشباب يرتبط بمجتمعه ويخدمه؛ فهو لا يقدم التدين كنظرية، ولكن كواقع يحيا بين الناس ويخدم البلد، فهو يدفعهم لمساعدة الفقراء وزيادة ملاجئ الأيتام، ويقود حملات للتبرع بالدم؛ وهو ما يجعل لهؤلاء الشباب هدفًا وقيمة في الحياة.

وعن سؤاله حول: هل يمكن أن تكون (موضة) وتنتهي؟ أجاب محمد: هذا إذا كان "عمرو" قد ظهر خلال فترة قصيرة، ولكن ما لا يعلمه كثير من الناس أن "عمرو" يعمل منذ سنوات طويلة في الدعوة من خلال المساجد الصغيرة، وصالونات البيوت الراقية، والأندية المختلفة، ولكن الإعلام لم يهتم به سلبًا أو إيجابًا إلا منذ فترة وجيزة، وهذا يعني أنه عمل بدأب وهدوء، ولم يصعد فجأة كما يزعم البعض.