اليمن ديمقراطية بدون ديمقراطيين
بقلم/ دكتور/عبدالله أحمد عبدالصمد
نشر منذ: 18 سنة و 5 أشهر و 19 يوماً
السبت 08 يوليو-تموز 2006 09:19 ص

حققت موجة المناداة بالديمقراطية في السنوات الأخيرة من القرن العشرين وبدايات القرن الواحد والعشرين نجاحا متميزا. والسبب وراء هذا النجاح حسبما يراه المعنيون هو أن النفس البشرية ميالة بطبيعتها لنيل الحرية اكثر من استعدادها للرضوخ تحت وطأة الاضطهاد والاستعباد والقمع. الا ان هذه الرؤيا لا تعني أن الأنظمة السياسية التي تدّعي الديمقراطية تسعي لتحقيق الديمقراطية وفق ما تبغيه النفس البشرية. فمفهوم الديمقراطية له جذور وأسس متينة راسخة في الذات البشرية، الا أن تطبيـــــقها صعب ومحفوف بالمخاطر.

لا يعد المجتمع الديمقراطي ميدانا للتنافس بين قيادات تسعي لتحقيق أهداف شخصية. فالأنظمة الديمقراطية تترعرع وتزدهر عندما يرعاها أولئك الذين يبذلون الغالي والنفيس من اجل تطبيقها في حياتهم اليومية ـ يضيفون أصواتهم الي أصوات الناس من حولهم، وينتخبون ممثليهم الذين سيؤدون الأعمال اليومية بالنيابة عنهم، ويوافقون علي ضرورة الحاجة الي التسامح وتحمل الصعاب، ويرضون بايجاد الحلول للمسائل المستعصية وغير المستعصية عن طريق التفاهم بين أفراد المجتمع.

أصبحت الديمقراطية من الكلمات المألوفة لدي الناس قاطبة، الا أنها كفكرة، ما زالت مبهمة أسيء فهمها واستخدامها في وقت حاولت فيه الأنظمة الاستبدادية والدكتاتوريات العسكرية استثمار التأييد الشعبي من خلال شعارات زائفة تشير فقط الي الديمقراطية. ومع ذلك فان فكرة الديمقراطية أبرزت عبارات شديدة التأثير علي النفس البشرية وحفزت رغبة الانسان وفطنته لنيل الحرية والتخلص من الاستبداد، ويمكن لنا أن نري ذلك في كتب التاريخ القديم والحديث.

ورد معني الديمقراطية في المعاجم بأنه (حكم الشعب الذي يتسلم مقاليد السلطة العليا وهو الذي يدير دفة الحكم ومن ينوب عنه تحت ظل نظام انتخابي حر). وقد عبر أبراهام لنكلن، أحد الرؤساء الأمريكان، بان (الديمقراطية هي سيطرة الشعب، لتحكم الشعب، من اجل الشعب).

اليمن لم يجرب الديمقراطية من قبل ولم يتعرف عليها الا نظرياً .. لتعلن السلطة بان الديمــــقراطية في اليمــــن قد حققت نجاحا باهرا!

ولتفسير هذا السلوك انما هو للاستهلاك الخارجي بدرجة اولي ورئيسية واستجابة لمتطلبات السياسة الخارجية الامريكية للمنطقة والشرق الاوسط بشكل عام.

ويعزو العديد من المراقبين بانها تعود لتعاظم نزعة الحرب التي اجتاحت الولايات المتحدة الامريكية بعد هجمات الحادي عشر من ايلول (سبتمبر). وتعاظم هذه النزعة، لا يمكن فهمها بمعزل عن حيثيات التفكير الاستراتيجي لمرحلة ما بعد الحرب الباردة.

فكان الانتصار المدوي للكتلة الغربية الذي اعقب انهيار الشيوعية، وتحول التوازن الاستراتيجي، لصالح الولايات المتحدة، عاملا من العوامل الرئيسية في تعاظم مفهوم القوة الامريكية، التي اصبحت الي حد كبير القوة العظمي الوحيدة في العالم. وتبوأت مكانة مهيمنة لم تتبواها اي دولة اخري في العصر الحديث. فاصبحت نزعة التوسع في السياسة الخارجية واقتحام الساحة الدولية في كل مكان نابعة من الثقة العالية بالنفس.

فظهرت كتابات كمقالة فوكوياما، تعبر عن فكرة (نهاية التاريخ)، والتبشير بانتصار الليبرالية، كنهاية لصراع الاديولوجيات في العالم.. وما علي الشعوب لكي تكون من (الفرقة الناجية) الا اعتناق صيغة الديمقراطية الغربية التي اصبحت ذات هيبة ومجد. ونتيجة لعولمة الديمقراطية عنوة دون توفر الشروط اللازمة لتطبيقها، ظهر التناقض بين التنبؤات النظرية بفردوس الديمقراطية وبين نتائج التطبيق التي نجم عنها نتـــــــائج مأساوية في أماكن عديدة من العالم.

يقول أستاذ العلوم السياسية في جامعة جورج تاون الامريكية دانيال برومبرغ، ان عولمة الديمقراطية شجعت المجموعات الاثنية او الدينية او القومية علي لبس عباءة الديمقراطية. فبسبب المزج بين الديمقراطية وبين الهويات الاثنية والطائفية، ظهرت احزاب قومية وطائفية، تدعي لنفسها الديمقراطية، بينما تتبني برامج عمل طائفية، وتعارض اعطاء الحقوق للاحزاب الاخري التي تختلف معها في الانتماء القومي او الديني او الطائفي.

المرحلة تتطلب وعيا سياسيا وحاجة الي ثقافة ديمقراطية، ونشره في كل المنابر وفي وسائل الاعلام المختلفة وفي الثقافة الحزبية، لأن الاختلاف في الرأي او النظرة المغايرة لا يفسد للود قضية، والاعتراف بالآخر علامة صحية والاجتهاد في الرأي ليس معناه التطابق الكلي في النظر الي الامور والقضايا، كل ذلك يجعلنا في حاجة الي الأفراد المستنيرين والي العقول المثقفة والنزيهة، ومن هنا يجب اعادة النظر في بنية المفاهيم الخاطئة في المجتمع واطرها التقليدية السابقة في العمل السياسي والحزبي، واعتبار العمل السياسي واجبا وتكليفا ونكران ذات، وليس مبعث التعالي والتفاخر، كي لا يصبح العمل السياسي عمل من لا عمل له، وللسياسة رجالها واداؤهم تمس حاجات الجماهير ووجودها، مع الأخذ بنظر الاعتبار ان التحالفات والعمل الحزبي والثقافة الديمقراطية، ليست هياكل جاهزة ننقلها متي ما شئنا، بل هي ايمان مشترك بالمبادئ المنبثقة لصالح الشعوب، تدفع السياسي الي العطاء وفق رؤية واضحة لشروط النجاح في الحياة، والسياسة الصحيحة لا تكون بعيدة عن المنطلقات القومية والانسانية، لذا تعتبر التحالفات هي تجاوز للعمل المجزأ سواء جاءت علي اسس مشروطة معينة، او جاءت عن طريق التوافقات، عند ذاك لا تكون للحزبية الضيقة حيز للتنفس، ومن ثم تتحول دعاية الأحادية الجانب الي بروباغندا غير مرغوبة لدي الجماهير، والتوافقات السليمة تجعل من الخصوصية الحزبية، رحبة الآفاق ذات آلية متحركة الي الأمام ونحو الأفضل، ويكون مردودها نتائج ايجابية لتلك الأحزاب ولصالح جماهير الشعب.

الديمقراطية السياسية ليست هياكل جاهزة، وليست هي بكساء نرتديه متي ما رغبنا، لأن هناك أزمة للديمقراطية نشأ القصور الديمقراطي منذ قرون نتيجة تراكمات، من تخلف واستبداد وقسوة الحكام وعدم وضوح الرؤية الديمقراطية الحقيقية لدي القوي السياسية، وتجربتنا الديمقراطية وليدة وحديثة العهد، لذا يتصور البعض منا بان الديمقراطية هي بكثرة الأحزاب، في حين هي بتعدد المنابر وتنوع الأفكار في اجواء الحريات المسؤولة، اذا كانت حقوق الانسان جوهر كرامة الانسان، فالديمقراطية تعتبر جوهرة حياته، من الضروري جعل الديمقراطية من مفردات التعامل اليومي فيما بيننا في جميع مجالات الحياة، وبها نجد الحلول المتوازنة والمطلوبة لعلاج مشاكلنا، وتؤدي الحلول السليمة الي استقرار الفرد والمجتمع نفسيا واجتماعيا واقتصاديا، ولن تأتي الديمقراطية الحقيقية الا بالحوار الديمقراطي بين مكونات المجتمعات، وهي مسؤولية من يملكون القدرة علي العطاء وانفتاحا اكثر قدرة علي استيعاب الآخرين.

يجب ان نقر بأن هناك هوة كبيرة تفصلنا عن العام المتقدم في مجال الديمقراطية، او في مجالات الحياة المختلفة، من الضروري العمل علي ردم هذه الهوة، مع الانتباه بأننا من بيئة لها تراثها وواقعها واخلاقها وفيها علاقات اجتماعية وسياسية واقنصادية علي نمط موروث معين، تحكمت في نشأتها عوامل عديدة ومتنوعة، ولغرض تضييق الهوة يتطلب مشاركة جماهير الشعب، وتفجير طاقاتها وامكانياتها وتسخيرها في هذا الاتجاه، لكي لا تصدم مع الواقع الجديد والصمود امام المستجدات والتفاعل مع الأحداث، لأن لها قدرة متميزة في تحمل الأعباء. والديمقراطية وضع الشخص المناسب في المكان المناسب، بعيدا عن المحسوبية والمنسوبية وابعاد الانتهازيين والوصوليين من مواقع القرار، ولتفعيل العدالة الاجتماعية يكون من الضروري عدم فسح المجال للاحزاب، بتدخلات يومية او تفصيلية في شؤون الوزارات والمؤسسات والدوائر .

ومع ذلك كان هناك اعتقاد في أن للنخبة مصلحة في استكمال التطور الديمقراطي.. وأن هذا يدفعها الي الالتزام بقيم الحرية وآليات الديمقراطية حتي بعد أن قصرت في دور أساسي كان مفترضا أن تقوم به وهو نشر الثقافة الديمقراطية في المجتمع.

غير أن التجربة خيبت هذا الأمل وأظهرت أن أغلبية النخبة التي تطالب باستكمال التطور الديمقراطي والوصول به الي نهايته تفتقد الحد الأدني من القيم اللازمة لتحقيق هذا الهدف.

المشكلة هي أن الأحزاب التي تطالب باصلاح سياسي تحتاج هي الي اصلاح أوضاعها الداخلية.. علي الأقل كي يصدق الناس ما تطرحه عليهم.

فالاصلاح الحزبي الداخلي ضروري للاصلاح السياسي والدستوري.. فالأحزاب تعاني اختلالات ناجمة عن ضعف الديمقراطية في داخلها بدرجات متفاوتة.. ولكن بشكل عام ثبت تجريبيا أن غياب القادة التاريخيين مؤسسي أحزاب المعارضة الأساسية يعرض هذه الأحزاب للخطر بسبب ضعف أو غياب الممارسة الديمقراطية في داخلها.. وعندئذ تفقد المناداة بالاصلاح السياسي والدستوري جدواها في الوقت الذي يستقيل من الأحزاب كل يوم أعضاء وأنصار يهربون من أوضاع لا ديمقراطية يصعب عليهم تحملها ويكفون غالبا عن ممارسة العمل السياسي.. فاذا كنا نريد اصلاحا سياسيا لتوسيع قاعدة المشاركة.. فكيف يستقيم ذلك مع ما يحدث في بعض الأحزاب من تضييق لهذه القاعدة؟

ونوشك أن نقضي علي الفساد دون أن نلقي القبض علي واحد من أولئك الفاسدين، وننشئ وزارات للثقافة وللتنمية السياسية ونعد المناهج للتربية الوطنية لكننا في المحصلة: محلك سر، وهكذا حتي نصل الي وصلة الغناء الوطني الطويلة عن التجربة الديمقراطية دون أن نتمكن من ايراد اسم واحد من أولئك الذين ينطبق عليهم التوصيف الديمقراطي.

تري أين هي المشكلة، أفي جينات الناس أم في النخبة وآليات انتاجها، هل في خيارات الناس باختيار ممثليهم أم في آليات الاختيار ذاتها؟

هل يمكن القول ان البرلمان والحكومة وسائر أعضاء نادي النخبة القيادية علي مختلف مستوياتها أصبحت في سلة واحدة من وجهة النظر الشعبية؟

ي الحقيقة لم يعد معقولا أن نذهب الي الانتخابات المقبلة وفق الآلية التي قادتنا الي الانتخابات الســـــابقة، كما لم يعد معقولا أن نبقي نتحزر أسماء الفريق الوزاري قبيل التشكيل فتخرج الينا أسماء لا تعرفنا ولا نعرفها. ان لعبة تبادل للمواقع والمواقف تجري الآن مما ينبئ أن لا معايير عامة ديمقراطيــــة تحكم قواعد اللعبة السياسية فهل يمكن أن نقول بأن تلك القواعد لم تعد مقبولة ولا مستساغة؟

حقيقة لا ديمقراطية بلا ديمقراطيين ولا مكان لديمقراطيين بدون قوانين ديمقراطية في الأحزاب والانتخاب والاجتماع وحرية الحصول علي المعلومات.

وللأسف فان خطوات الحل تبدو في الكثير من المرات متعثرة وقد تعصف بها احداث عرضية. وهذا يعود الي المعالجات المنقوصة التي لم تدخل الي جذور الازمة. فرغم اتفاق جميع القوي ومعظم الناس علي الحاجة لاعادة ترتيب البيت اليمني وتوحيد الجهود علي الاهداف الوطنية المشتركة، الا ان الخطوات العملية لتحقيق ذلك الهدف تتم باسلوب عشوائي وتجريبي بطيء.

الديمقراطية ليست تقليعة للاستهلاك الخارجي او وصفة سحرية معزولة عن حياة البشر. الديمقراطية منظومة من القيم التي تشكل في مجموعها ثقافة متكاملة من الاعتدال والتسامح والانفتاح والتكيف واحترام الآراء الاخري والتعاون والمشاركة والمساومة وايجاد التسويات في العلاقة بين الأنا والآخر داخل المجتمع. وتبني هذه الثقافة يعني التسليم بانه لا يوجد من يحتكر الحقيقة، ومن يقدم اجابة صحيحة وشافية علي الاسئلة التي يطرحها الناس. ويعني تجاوز الاطروحات الصارمة، كالتطرف والاقصاء والشخصنة والخضوع الاعمي والرفض العدائي والسلبية والتشاؤم والخوف من المستقبل وعدم الثقة. والسؤال هل نملك ثقافة ديمقراطية؟ السلوك اليومي والممارسة العملية تشير الي توغل البعض في ثقافة غير ديمقراطية، من خلال طرح نظام اجتماعي شمولي بديل او نقيض للنظام القائم قيد التشكل، نظام لا يقبل ولا يعترف بالتعددية السياسية والثقافية ويرفض الانفتاح الثقافي وكل الافكار وانماط السلوك.

ويرتبط التغيير الديمقراطي ايضا بنمو الطبقة الوسطي وبانتشار التعليم العالي والانفتاح علي التجارب الديمقراطية في العالم. كما ان التقدم الاقتصادي يحدث نزوعاً نحو الديمقراطية والتعددية، وخاصة انه يرتبط بتغيرات اجتماعية مترافقة مع دخول اجيال جديدة وفئات ذات اهتمامات مختلفة تتطلب استيعاباً ملائماً في بنية المجتمع.

الحكم الديمقراطي نظام يقوم المواطنون علي أثـره باتخاذ القرارات السياسية بحرية تامة وفق مبدأ الأغلبية. لكن ليس من الضروري أن يكون مبدأ الأغلبية ديمقراطيــــا علي الدوام: اذ ليس هناك من يقول ان النظام الذي يسمح لنسبة 51% أن تفوز علي نسبة 49% باسم الأغلبية نظام عادل ومنصف. ففي المجتمع الديمقراطي يجب أن يقترن مبدأ الأغلبية بضمانات حقوق الفرد التي بدورها تحمي حقوق الأقلية ـ ان كانت تلك الأقلية عرقية، أو سياسية، أو تلك الأقلية التي لم تحقق فوزا في معارضتها لتشريع مثير للجدل. ان حقوق الأقلية لا تعتمد علي النوايا الحسنة للأغلبية، ولا يمكن اهمالها أو تجاهلها بسبب تصويت الأغلبية. وتبقي حقوق الأقلية محفوظة ومصانة لان القوانين والمؤسسات الديمقراطية تحمي حقوق جميع المواطنين.

الديمقراطية أمر يتجاوز مجموعة القوانين والمبادئ والاجراءات الدستورية التي تحدد وتعين عمل الحكومة. الحكومة في النظام الديمقراطي مجرد عنصر واحد يتداخل ضمن بنية وهيكل اجتماعي متعدد المؤسسات، والأحزاب السياسية، والمنظمات والنقابات. هذا النوع يدعي بالتعددية، ويفترض أن لا تعتمد تلك البنية الاجتماعية في المجتمع الديمقراطي علي الحكومة من اجل وجودها وشرعيتها وسلطتها.

خلق الله سبحانه وتعالي البشر متساوين، ومنح كل انسان حقه وفق دستور هذا الكون وهذه الخليقة. والحقوق التي منحها الله عز وجل للبشر هي حق الحياة، والحرية، والعيش بكرامة وسعادة. وفق دستور الكون، تعد هذه الحقوق مكتسبة لا يجب أن تسلب من هذا الانسان الذي أمر الله الملائكة أن يسجدوا له في انه لا سجود الا لله وحده.

لكي يضمن هذا الانسان الضعيف حقوقه، علي الرغم من قوته، ابتكر وسيلة لحماية حقوقه أسماها نظام الحكم. وقد استنبط هذا النظام سلطته العادلة من قناعته بشرعية ودســـتورية تلك الحقوق الكونية من جانب، وبوجوب منح الناس اياها لاستحقاقهم لها دون أدني نقاش.

جاء في وثيقة الاستقلال الأمريكية التي أعلنها توماس جيفرسون، الرئيس الأمريكي التي تتحدث عن المبادئ الأساسية التي ترتكز عليها الحكومة الديمقراطية ان الحريات ليست منحة او هبة من الحكومة الديمقراطية، بل من ان الديمقراطية عملية تبادل آراء وأفكار بين بني الانسان: فهم يتحدثون عن مشاكلهم فيما بينهم، ويتوصلون الي صياغة مستقبلهم وقدرهم. لكن قبل أن يتمكن الناس من حكم أنفسهم، يجب أن يكونوا أحرارا بالتعبير عن ذاتهم.

يعيش الناس في المجتمع الديمقراطي وهم علي قناعة تامة أن الحقيقة تظهر عبر الفضاء المفتوح لتبادل الآراء والأفكار لتكشف الزيف المتأصل بالمجتمع؛ ومن جانب آخر يستطيع أولئك الناس تفهم القيم الأخلاقية والحضارية وتبادلها مع الآخرين. وبذلك يستطيعون تحديد المجالات التي يمكن أن تكون منابع للخلاف وبالتالي يحققون المصالحة فيما بينها. وهكذا ينفتح باب الأمل للتقدم علي طريق النجاح لتحقيق مستقبل افضل.

تعتمد الحكومة الديمقراطية علي المثقفين والمتعلمين من المواطنين الذين يكون نشاطهم عبر وسائل الاعلام بكل أنواعها ذا تأثير كبير لا حدود له في مرحلة بناء المجتمع. وفي الوقت الذي يخلف فيه الجهل اللامبالاة وعدم الاستقرار وضياع الحقوق، وبالتالي سيطرة المستبد، فان الديمقراطية تنمي طاقات المواطنين وتساندهم وتؤازرهم بتيارات متدفقة من البيانات والأفكار والآراء، وبالتالي المستقبل المرسوم بوضوح والمزدهر.

تستند الديمقراطية علي مبدأ أساسي وهو أن الحكومة وجدت لخدمة الشعب، وان الشعب لم يخلق لخدمة الحكومة. وهذا يعني أن الناس مواطنو الدولة الديمقراطية ورعاياها، وهم أسباب وجودها. وفي الوقت الذي تصون فيه الحكومة حقوق مواطنيها وتحميها، فبالمقابل يظهر المواطنون ولاءهم لحكومتهم. أما في النظام الدكتاتوري فان الدولة كيان منفصل عن المجتمع، وهي التي تطلب الولاء من الشعب وتجعله خادما لها بدون أي التزام قد يرضي قناعة المواطن بما تعمله تلك الحكومة.

عندما يصوت المواطنون في بلد ديمقراطي فانهم يمارسون حقهم ومسؤولياتهم لتحديد من سيحكم باسمهم. وعلي العكس من ذلك، في البلد الدكتاتوري يخدم التصويت غرضا واحدا وهو اضفاء الشرعية علي اختيار نظام قد نصب نفسه سلفاً. فالتصويت في مثل هذه البلدان لا يتضمن الحقوق ولا المسؤوليات التي يمارسها المواطن، انما لاظهار الطاعة العمياء لتأييد الحكومة.

يتمتع المواطنون في ظل الدولة الديمقراطية بحق اختيار الانضمام الي المنظمات التي لا علاقة لها بالحكومة، ويشاركون بملء ارادتهم في الحياة العامة في المجتمع الديمقراطي الذي يعيشون فيه. في هذا الوقت يتطلب من المواطنين القبول بالمسؤوليات التي تترتب علي هذه المشاركة ومنها: تعليم أنفسهم وتثقيفها بشتي مسائل الحياة، واظهار القدرة علي تحمل الصعاب التي تواجههم من الآراء المعارضة لهم، وابداء روح التسامح عند الضرورة من اجل التوصل الي تسوية تفيد الجميع.

أخيرا لم يعد في مقدور الناس الاستماع لمزيد من الانشاء الجميل، فالوطن الأنموذج لا يبني بالأمنيات.

* خبير علاقات دولية وسياسة خارجية

يقيم في روسيا