|
بالأمس القريب،كان الباحثون وطلاب العلم و المعرفة عندما تواجههم قضايا ومسائل علمية مجهولة أو عناوين مبهمة وغير واضحة ، يتوجه تفكيرهم إلى كيفية البحث عنها وفك طلاسمها ، وبشكل عام كان لديهم مصدران أساسيان للحصول على المعلومة فإما بالبحث عن مكتبة متخصصة يستقي منها المفيد ويبحث بين جنباتها عن المراد، أو بالتواصل مع أو مراسلة ذي علم متمرس في المجال يتزود منه المبتغى.وفي الطريق للبحث عن المعلومة والوصول لهذين المصدرين يواجه الباحث الكثير من المشاق، وقد يتطلب منه أحياناً السفر وصرف الكثير والكثير من الوقت والجهد والمال، وقد تكون الحصيلة لا تفي بالغرض؛ بسبب محدودية المصادر المتوفرة أو نتيجة التشعب الكبير في فروع المعرفة المختلفة التي لا يمكن أن تحتويها مكتبة واحدة ولا يمكن أن يُلِم بها شخص بمفرده.
أما اليوم وبفضل الله ثم بوجود الشبكة العنكبوتية "الإنترنت"وتقنيات المعلومات والإتصالات المتقدمة صارت المعرفة والمعلومة في متناول اليد ويمكن الحصول عليها عن طريق البحث في المواقع الإلكترونية ( Websites ) المعروفة على الإنترنت و بمصادر متعددة وهائلة كماً وكيفاً ،وضمن قاعدة: من أي مكان وفي أي زمان ( Anywhere, Anytime ).اذاً في وقتنا المعاصر أصبح تعامل الباحثين عن المعرفة وحتى المتصفحين العاديين للإنترنت تعاملاً مباشراً مع الموقع الإلكتروني لمصدر أو مستضيف المعرفة(كالمجلات الدورية و قواعد المعلومات والجامعات). ويتكون الموقع الإلكتروني عادة من بوابة الموقع ( Home Page )وهي أهم صفحة في الموقع لأنها أول شيءٍ تقع عليه عين المتصفح ومنها يتم إرشاد الداخل على الموقع لمكوناته عبر مجموعة روابط تحيل المتصفح إلى الصفحات الأخرى للموقع أو الوثائق التي يحتويها وقد توصله هذه الروابط إلى مواقع أخرى ذات علاقة من قريب أو بعيد. وبقدر سهولة تصفح الموقع وترتيبه وتصميمه و توفر المعلومات المفترضة به بحيث يمكن إيجاد المعلومات والوثائق بيسر وبدون تعقيد ، تزيد شهرة الموقع ومكانته وأهميته.
ومن الأولى القول في هذه الفرصة السانحة،أن مراكز الأبحاث والجامعات ولكونها المسؤول الأول عن تصدير المعرفة وتوفير المعلومة للباحثين عنها هي المأمل منها أن تكون مواقعها الإلكترونية متمتعة بأفضل خصائص وأحسن مميزات وأكثر معلومات وأقصى درجات الجودة و الشفافية.فترتيب المعلومات وتوفيرها في مواقع الجامعات الإلكترونية ذات التصميم الجيد،يحسن من أداء هذه المواقع بشكل مثالي ويساعد في الوصول السهل والسريع إلى المعلومات مع وجود بعض الاستثناءات في أحقية الوصول إلى مصادر المعلومات التي تتطلب دفع اشتراكات شهرية أو سنوية.
تصنيف المواقع الإلكترونية للجامعات والمؤسسات البحثية العالمية:
لأن الموقع الإلكتروني يعتبر الواجهة الرئيسة لمراكز الأبحاث والمؤسسات الأكاديمية وطريقة تصميمه والبيانات التي يوفرها مؤشر لمدى ترتيب واهتمام وتميز المؤسسة البحثية بالمعرفة ومصادرها ، فقد صار التنافس على أشده بين المؤسسات الأكاديمية والبحثية العالمية لتصميم مواقعها الإلكترونية بأسلوب سهل وكفاءة عالية.بل وأصبح تصميم الموقع الإلكتروني ومكوناته وسهولة استخراج وتحليل واستخدام المعلومة هو المقياس الذي تعتمده العديد من التصنيفات العالمية للمواقع الإلكترونية،مثل التصنيف الدولي للموقع الإلٍكتروني للجامعات والكليات (4 International College and Universities ) أو اختصاراً (4 ICUs ) وهو موقع ينشر من استراليا وحالياً يقوم بتصنيف المواقع الإلكترونية لـ 11160مؤسسة في 200 دولة؛ ويوجد كذلك التصنيف العالمي الشهير المسمى بتصنيف ويبومتريكس ( Webometrics Ranking )، ولشهرة هذا التصنيف سنتكلم عنه بالتفصيل فيما يلي.
تصنيف ويبومتريكس:
تصنيف المواقع الإلكترونية للجامعات ( Ranking Web of Universities ) أو ما يسمى بتصنيف ويبومتريكس ( Webometrics Ranking )يُنشر عن طريق معمل سايبرمتريكس ( Cybermetrics Lab ) في أسبانيا، و حالياً في آخر اصدار، الذي يحمل النسخة السابعة عشر ، يناير 2013م ، قام المعمل بتصنيف مواقع إلكترونية لأكثر من واحد وعشرين ألف(21000) معهد تعليم عالي (بالتحديد 21250 مؤسسة أكاديمية وبحثية عالمية) ويقوم معمل سايبرمتريكس ،بدءاً من عام 2004م ، بإصدار نسختين سنوياً من هذا التصنيف في شهري يناير ويوليو (يتم تجميع البيانات خلال الأسابيع الأولى من شهري يناير ويوليو وتصبح جاهزة للنشر للعامة عند نهاية كلا الشهرين). في هذا التصنيف تصنف الجامعات والمعاهد العالمية اعتماداً على خصائص الموقع ومميزاته. ومن أهم الإجراءات والمعايير التي يجب إتباعها بحيث تؤدي في النهاية إلى ارتفاع رتبة تصنيف الموقع الإلكتروني عالمياً ما يلي:
- استخدام محركات بحث متميزة ،ومواكبة الموقع لتقنيات البحث في المحركات العالمية، و إدراج خرائط الموقع ( Sitemap ) في محركات البحث لكي يسهل عملية الحصول على المعلومات.
- الانتشار في أدلة البحث العالمية: لإدراج موقع الجامعة في أدلة البحث العالمية بمختلف تصنيفاتها وبالتالي انتشار الموقع لدى الباحثين والمهتمين.
- تحسين أنظمة تقنية المعلومات.
- توفير معلومات عن الجامعة وكل مكوناتها (الكليات وأقسامها وبرامجها الدراسية وأعضاء هيئة التدريس والطلاب بمختلف رتبهم ومستوياتهم، وانجازات الجامعة في البحث العلمي ودورها في خدمة المجتمع)
- إنشاء وتفعيل صفحات أعضاء هيئة التدريس وسيرهم الذاتية.
- إمكانية تصفح الموقع باللغة الإنجليزية.
- توفير المقالات والرسائل العلمية(الماجستير والدكتوراه) على الموقع بالإضافة إلى الملخصات العربية والإنجليزية.
- وصف مهام موظفي الجامعة وظيفياً بحيث يكون التصنيف حسب الدوائر والأقسام بالجامعات.
- تفعيل مجلات الجامعة و تشجيع النشر العلمي للأبحاث العلمية المُحَكّمة.
- زيادة وتفعيل عدد الروابط بالجامعات والمؤسسات العلمية المحلية والعالمية المتعاونة.
- إنشاء الترابط الشبكي بين الجامعات لتعزيز وجودها على الإنترنت وتسهيل التبادل البحثي بينها.
- سهولة استخراج واستخدام وتحليل البيانات والمعلومات.
- زيادة كمية المواد البحثية المنشورة المهمة في مواقع الجامعات الإلكترونية.
- زيادة عدد المواقع التي تؤدي إلى مواقع تلك الجامعات.
- التطوير المستمر لموقع الجامعة الإلكتروني وعقد مسابقة بين الكليات والمراكز البحثية لأفضل موقع (كماً ونوعاً).
متاهات المواقع الإلكترونية للجامعات والتعليم العالي في اليمن:
بأخذ الإجراءات والترتيبات سالفة الذكر أعلاه بعين الإعتبار، يبدو لنا أن هذا الشيء ومن واقع التجربة مختلف وغير متحقق في مواقع جامعات اليمن الإلكترونية!؟ فبالرغم من أن تمويل وإنشاء المواقع الإلكترونية في الجامعات يسند إلى شركات خاصة (أسأل القارئ الكريم أن يفيدني: ما الغرض!؟) وبمبالغ كبيرة جداً جداً (مع أنهمن الأولى أن يقوم أعضاء هيئة التدريس في كليات الحاسوب وتقنية المعلومات بكل جامعة بإنشاء مواقع الجامعات وكلياتها) إلا أن هذه المواقع وللأسف تفتفد إلى الحد الأدنى من الكفاءة والقدرة على توفير المعلومات المهمة والمطلوبة وتعاني من صعوبة التصفح وضآلة المحتويات. وعلى سبيل المثال لا الحصر نجد أنه، أولاً: عند البحث عن موقع أي جامعة في الانترنت لا تجد الموقع لأول وهلة كبقية جامعات العالم، ولكن تجد روابط من منتديات أو مواقع أخرى غير رسمية ومنها ربما تجد الموقع؛ ثانياً: عند البحث عن الباحثين وأعضاء هيئة التدريس في الكليات أو الأقسام لا تجد أحياناً حتى أسماءهم فضلاً عن سيرهم الذاتية وإنتاجهم البحثي! ؛ ثالثاً: عدم فتح الروابط ( Links ) التي تحيل متصفح الموقع إلى الأقسام العلمية أو صفحات الموقع الأخرى ، وإذا ما فتحت للمتصفح سيجد عبارة: "الموقع تحت الإنشاء"!!وهذا ينطبق على معظم مواقع الجامعات الحكومية ؛ رابعاً: عدم توفر معلومات كمية ونوعية عن أعضاء هيئة التدريس والطلاب، والمنشورات البحثية وبراءات الإختراع ورسائل الماجستير والدكتوراه (بالنصوص الكاملة أو بالملخصات) ؛خامساً: عدم وجود نسخة إنجليزية (على الأقل) للمواقع الإلكترونية وكتابة الإسم الرسمي المعتمد للجامعة باللغة الإنجليزية وبشكل واضح؛ سادساً: وكمثال، قام كاتب المقال بتصفح للموقع الإلكتروني للجامعة البحثية الأولى في اليمن، وبالنقر على الرابط "الكليات والبرامج" فظهر للمتصفح خمس كليات فقط هي:كلية الطب البشري ، وكلية التربية، و كلية العلوم ،و كلية الآداب، و كلية الزراعة ، فهل هذه هي كل الكليات التي تتكون منها جامعة صنعاء!؟؟؛ وهناك سابعاً وثامناً وعاشراً، ... إلخ.
كاتب هذا المقال قال لنفسه: ربما سأجد في الموقع الإلكتروني لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي ما يشبع فضولي، فذهب ليتصفح الموقع الإلكتروني للوزارة، ولم يستطع الحصول على المعلومات التي من المفترض أن تقدمها الوزارة وعلى الأقل رابط عنوان الموقع الإلكتروني لكل جامعة وطنية تعترف بها الوزارة (جامعة تعز وذمار وعمران ليس لديهم روابط)! وبعد جهد جهيد وجد المتصفح رابطاً منعزلاً بعنوان "المؤسسات التابعة للوزارة" وموضوع باستحياءٍ شديد في مكان منزوٍ وأسفل الصفحة الرئيسة للموقع الإلكتروني للوزارة!وبفتح الرابطوجد المتصفح صفحة صماء تحتوي على 8 روابط ، تفتح 8 صفحات على الموقع، تختص بـ 8 جامعات يمنية حكومية (هل عدد الجامعات اليمنية الحكومية ما زال ثمان فقط!؟ مع علمي أن عددهن أصبح 16 جامعة ، منهن 7 جامعات قيد التأسيس) وبالنقر على أي من الروابط الثمانية تجد صفحة واحدة فقط نصفها مملوء بصورة للجامعة المعنية وكلاماً سطحياً شديداً عن الجامعة اليمنية المبينة صورتها، بل بالنقر على إحداها (جامعة عمران) وجد الكاتب العبارة المعتادة التالية: " جاري تحديث البيانات" ولا تجد أي كلام آخر!! لا إحصائيات ولا بيانات عن مستوى التعليم العالي والبحث العلمي أو العدد الدقيق لأعضاء هيئة التدريس بالجامعات الوطنية، ولا شيء من هذا القبيل.
هذا الوضع يعطي انطباعاً عن عدم تحديث البيانات ، و اللامبالاة في تنفيذ المهام ، وسوء إدارة الموارد البشرية ومتابعتها ، و غياب التنسيق والتواصل بين الوزارة من جهة والجامعات والمؤسسات الأكاديمية الأخرى التابعة للوزارة من جهة أخرى، وكلٌ يغني على ليلاه.
تصنيف الجامعات اليمنية في ويبومتريكس:
نتيجة لما سبق ذكره والاستشهاد به ، احتلت المواقع الإلكترونية لمؤسسات التعليم العالي والبحث العلمي في اليمن مواقع متأخرة جداً في سلم تصنيف ويبومتريكس، بل إن بعضها لم تدخل ضمن التصنيف أساساً مثل جامعة ذمار وجامعة عمران العاملتين في الميدان منذ فترة ليست بالقصيرة!!؟ وبلغ عدد المواقع الإلكترونية للجامعات والمعاهد اليمنية التي دخلت ضمن التصنيف 11 موقعاً فقط !! تمثل 11 معهداً وجامعة حكومية وخاصة: 7 حكومية و 4 خاصة. و الشيء الذي يلفت الإنتباه هو تصدر المواقع الإلكترونية للجامعات الخاصة (جامعة العلوم والتكنولوجيا وجامعة الأحقاف) في التصنيف المحلي. وبتصفح موقع جامعة العلوم والتكنولوجيا خصوصاً تجد فيه الحد الأدنى من بعض المميزات التي ذكرت أعلاه ، وعليه احتل الموقع الإلكتروني لجامعة العلوم والتكنولوجيا المركز الأول من بين الجامعات اليمنية والترتيب الثاني والثلاثين بعد المائة (132) عربياً و الترتيب 6532 عالمياً وتأتي جامعة الأحقاف ثانيا على المستوى المحلي و الترتيب الثالث والثمانين بعد المائة (183) عربياً و 8930 عالمياً!!
وفيما يلي نذكر ترتيب الجامعات اليمنية (محلياً ، وعربياً ، وعالمياً) طبقاً لتصنيف ويبومتريكس حسب آخر إصدار (يناير 2013م):
•جامعة العلوم والتكنولوجيا (خاصة) (محلياً =1 ، عربياً= 132 ، عالمياً= 6532)
•جامعة الأحقاف (خاصة) (محلياً =2 ، عربياً= 183 ، عالمياً= 8930)
•جامعة صنعاء (حكومية) (محلياً =3 ، عربياً= 233 ، عالمياً= 11043)
•جامعة عدن (حكومية) (محلياً =4 ، عربياً= 249 ، عالمياً= 11398)
•جامعة حضرموت (حكومية) (محلياً =5 ، عربياً= 419 ، عالمياً= 15099)
•جامعة سبأ (خاصة) (محلياً =6 ، عربياً= 425 ، عالمياً= 15129)
•جامعة الملكة أروى (خاصة) (محلياً =7 ، عربياً= 491 ، عالمياً= 16217)
•جامعة الحديدة (حكومية) (محلياً =8 ، عربياً= 556 ، عالمياً= 17301)
•جامعة تعز (حكومية) (محلياً =9 ، عربياً= 626 ، عالمياً= 18489)
•كلية المجتمع - صنعاء (حكومية) (محلياً =10 ، عربياً= 628 ، عالمياً= 18517)
•جامعة إب (حكومية) (محلياً =11 ، عربياً= 699 ، عالمياً= 20134)
قصة قصيرة
لمعرفة الوضع الذي تعيشه المواقع الإلكترونية للجامعات اليمنية (الحكومية تحديداً) أحب أن أسرد للقارئ الكريم القصة القصيرة التالية: أخبرني أحد الزملاء قبل سنتين وأثناء دراسته الدكتوراة في ماليزيا، أن مشرفه على البحث سأله عن إمكانية استدعاء بعض أعضاء هيئة التدريس من الجامعة اليمنية -التي ابتعثته للدراسة-من أجل التعاون في مشروع علمي وطلب المشرف من زميلي عنوان الموقع الإلكتروني للجامعة وبالتالي روابط أعضاء هيئة التدريس وسِيَرهم الذاتية لاختيار الأنسب من ذوي الاختصاص! فما كان من زميلي إلا أن تهرب من الموضوع بطريقته، والسبب الرئيس الذي أخفاه زميلي عن مشرفه هو أنه استحى أن يُصرِّح للمشرف بعدم وجود موقع إلكتروني للجامعة (عام 2011م)بنسخته الإنجليزية فضلاً عن وجود سِيَر ذاتية لأعضاء هيئة التدريس!؟
رسالة إلى رؤساء الجامعات:
أتمنى عليكم إعطاء الموقع الإلكتروني لكل كيان أنتم تديرونه كل الاهتمام والرعاية ، والعمل على تطوير محتوياته ، ومواكبة العصر التكنولوجي والمعرفي، والتصنيفات العالمية للجامعات التي تهتم بهذه الجوانب هي من يُحدد ويٌقيِّم مدى التحسين أو التدهور الذي يطرأ على المواقع الإلكترونية، وبالتالي التصنيفات العالمية أحد المؤشرات الشاهدة إما على حسن الإدارة أو العكس.
في الجمعة 21 يونيو-حزيران 2013 05:54:17 م