آفاق التعايش الإسلامي الغربي
بقلم/ د. محمد معافى المهدلي
نشر منذ: 15 سنة و 7 أشهر و 18 يوماً
الثلاثاء 17 مارس - آذار 2009 04:42 م

رفع كثير من العلماء والمفكرين الإسلاميين مبدأ التعايش والحوار الإسلامي الغربي، أو الحوار الإسلامي المسيحي، طوال عقود مضت، وهي دعوة إسلامية كريمة، نابعة من روح الإسلام، وصميم الثقافة الإسلامية، كان لهذه الدعوة الكريمة عظيم الأثر على المستوى الثقافي والدعوي والسياسي لدى الأمتين الإسلامية والمسيحية، على حد سواء.

بيد أنّ نظرة عابرة إلى آفاق هذه الدعوة ومستقبلها، يجعل كل مراقب يشعر بخيبة الأمل، حيث لا يمكن أن نفهم دعوة قوم إلى الحوار المنطقي الهادئ، في الوقت الذي تحصد فيه طائرات التحالف الغربي أرواح الملايين في العراق وأفغانستان وفلسطين، وتدمر القرى والمدن والمنشآت على النساء والأطفال والشيوخ، وتتم فيه عسكرة كل الأجواء، وتسرح وتمرح فيه جيوش لا حد لها ولا حصر أرجاء الأمة الإسلامية من أجهزة الاستخبارات والتصفيات، لتذكرنا صباح مساء بالحروب البربرية المغولية والتترية والصليبية.

كيف يمكننا أن نفهم الحوار الإسلامي المسيحي أو الغربي عموماً، في الوقت الذي يذبح فيه الغرب رؤساء بلدان عربية، في الأعياد والمناسبات، وهاهم يعدون العدة لمحاكمة الباقي منهم، الواحد تلو الآخر، أولهم الرئيس والزعيم التاريخي العربي المسلم المجاهد/ عمر حسن أحمد البشير، الصائم القائم .

أنّى لحوار المشانق والطائرات وآلاف الأطنان من المتفجرات، وأنى لاستعمال الأسلحة المحرمة دولياً، أن تتعايش مع مبادئ الحوار العقلاني المنصف، الذي يرفعه العرب، كتعبير عن حسن النوايا، فيما هو في واقع الحال يعد سذاجة ماحقة عندما يتحول هذا الحوار إلى وسيلة لمخادعة الجماهير واستغفالها بمثل هذه الشعارات المعسولة، لأنه حوار الضعفاء مع الوحوش الكاسرة.

صحيح أن ثمة منظمات عالمية غربية وشخصيات علمية وأكاديمية غربية، تنادي بالحوار وتسعى إليه، وتقف بحيادية إلى بعض المواقف والقضايا العربية، عبر المظاهرات والاحتجاجات المختلفة.

غير أن الحضارة الغربية في مجملها حضارة دموية، أكثر من كونها حضارة إنسانية أو تعايشية، وما يزيد الكارثة أن هذه ليست طفرة عابرة، أو ظاهرة تمر مرّ السحاب، بل هي تشكل ثقافة وديناً وعقيدة مسطرة في كتب القوم المقدسة، كالعهد القديم والجديد والتلمود وغيرها من الكتب العقائدية والسياسية والثقافية، ولتأكيد هذه الحقيقة أود أن أنقل بعض النصوص الدموية التي يعتنقها القوم ويؤمنون بها وينشرونها بكل وسيلة، كدليل مصدق لما نقول.

جاء في العهد القديم:

\"إنكم عابرون الأردن إلى أرض كنعان، فتطردون كل سكان الأرض من أمامكم، وتخربون جميع مرتفعاتهم، وتقتسمون الأرض بالقرعة حسب عشائركم، وإن لم تطردوا كل سكان الأرض من أمامكم، فإن الذين تستبقون منهم يكونون أشواكاً في أعينكم ومناخس في أجنابكم، ويضايقونكم على الأرض التي أنتم ساكنون بها\". سفر التثنية ص 102.

وورد أيضاً في سفر التثنية:

\"أما مدن هؤلاء الشعوب التي يعطيها الرب إلهك ، فلا تستبق منها نسمة واحدة ، بل تحرمها تحريماً بحد السيف\" . سفر التثنية ص 215.

ورد في سفر الخروج \"احفظ أنا موصيك اليوم، هاأنا طارد من قدامك الأموريين والكنعانيين والحثيين، احترز من أن تقطع عهداً مع سكان الأرض بل تهدمون مذابحهم وتقطعون سواريهم، احترز من أن تقطع عهداً مع سكان الأرض، لا تقطع لهم عهداً ولا تشفق عليهم ولا تصاهرهم ..دفعتهم أمامك فلا تستبق منهم نسمة واحدة كلهم جميعاً بحد السيف\". الإصحاح 34 ص101.

هذه الحقيقة أخبرنا الله عز وجل عنها في كتابه الكريم حيث قال سبحانه: {وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُم مَّيْلَةً وَاحِدَةً وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن كَانَ بِكُمْ أَذًى مِّن مَّطَرٍ أَوْ كُنتُم مَّرْضَى أَن تَضَعُواْ أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُواْ حِذْرَكُمْ إِنَّ اللّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُّهِيناً}النساء102.

وللعلم أن العهد القديم والجديد كلاهما محل تقديس لدى أتباع الديانتين اليهودية والنصرانية، وإن تبرّأ منها مؤخراً علمانيو هذه الديانتين، بعد أن اصطدمت هذه الكتب بأبجديات التصور الإنساني، وبدهيات العقل والكون والحياة، واصطدمت بالعلم والعلماء.

لعلّ لقائل أن يقول إنّ الحضارة الغربية قائمة أيضا على حوار الثقافات وتعايش الأديان، ومن أبرز نصوص الإنجيل ما جاء في إنجيل متىّ:

\"طوبى للرحماء لأنهم يُرحمون، طوبى لأنقياء القلب لأنهم يعاينون الله، طوبى لصانعي السلام ..\" متى 5 الإصحاح 5 الفقرة من 30 ـ 42 .

إلا أنّ نصوصاً أخرى من التوراة، وهي التي عليها العمل الآن تعلن الحرب على العالم وتدميره وإشعال الحروب في كل أرجائه، حتى قيل كذباً عن نبي الله موسى كما في إنجيل لوقا ما نصه: \"جئت لألقي ناراً على الأرض فماذا أريد لو اضطرمت ..أتظنون أني جئت لألقي سلاماً على الأرض\" لوقا 12 الإصحاح 12 فقرة 49-53.

مما يدل على التضارب والخداع والتحريف في أصول هذه الكتب.

وبالجملة فالعقلية الغربية في العموم لا تؤمن بثقافة التعايش الذي ينادون به، فيما يذبحونه هم من الوريد إلى الوريد في كل لحظة، وإلا فماذا تصنع أساطيلهم وبوارجهم الحربية التي تجوب أصقاع العالم الإسلامي، من أقصاه إلى أقصاه، ولم أنهار الدماء التي تسفك كل يوم، ولم الملايين التي قُتلت في العراق وأفغانستان وفلسطين، والبوسنة والهرسك..الخ.

إن الذي يحكم العالم هم رواد هذه الثقافة الدموية الإنجيلية التوراتية، التي تعتبر أنهار الدماء والأشلاء، قربة إلى الله، من زعامات هذه الثقافة وروادها، أمثال الإرهابي بوش والنتنياهو وليفني وباراك وغيرهم من مجرمي الحرب، وموقدوا الفتن في العالم.

وليس أدلّ على هذه الثقافة الغربية غير القابلة للتعايش والإخاء الإنساني والحوار، من مذكرة محكمة العدل الدولية باعتقال الرئيس عمر حسن البشير، ومئات وآلاف المعتقلين في السجون والمعتقلات الغربية، بلا ذنب أو جريرة، وقد أشرت إلى جوانب كثيرة من صور هذا التطرف الغربي على كافة الصعد في كتابي: \"منهج الغلو والتطرف في ميزان اليهودية والنصرانية والإسلام\" لمزيد توسع واطلاع.

إزاء هذه الثقافة الإستئصالية يبقى السؤال الأهم ما دور عقلاء الأمة الإسلامية وعلمائها وقادتها وأحرارها؟.

الجواب الكافي هو ألا نساير الحملات الإعلامية الغربية في تزييف وعي الأمة وتقديم الغرب بحضارته الدموية على أنها الحضارة الإنسانية، أو أنها الحضارة العادلة المشرقة، وإنما الواجب هو أن تعد أمتنا عدتها لبناء جيوش قوية حرة أبية مؤمنة، تأخذ على يد الظالم والمعتدي، أياً كان، وتصون كرامة أمتها وسيادتها، وأن تقرر أمتنا امتلاك قرارها بيدها، وأن تعيد بناء نفسها من جديد، يأتي في مقدمة هذا البناء المنشود البناء الإيماني والعقدي، الذي يجمع بين العقيدة والعلم، والثقافة والخلق، والمصحف والسيف، والسياسة والاقتصاد، والعلم والعمل. والحمد لله رب العالمين.

Moafa12@hotmail.com