رسالة مفتوحة لرئيس هيئة مكافحة الفساد (٤)
بقلم/ عبدالله عبدالكريم فارس
نشر منذ: 16 سنة و 8 أشهر و 15 يوماً
الأربعاء 20 فبراير-شباط 2008 04:28 م

مأرب برس - خاص

سيدي الفاضل/ الأستاذ أحمد محمد الآنسي... وأنا بصدد إرتكاب هذا المقال عن حاجتنا الماسة للنهضة في ظل إدارة رشيدة، - توقفت قليلاً - بعد أن راودتني الكلمات عن نفسها... خفت أن يكون القلم يحرضني.. راجعت نفسي... إلى أن أدركت أن مايتخبطني هو مسّ من حلم حضاري مشروع... بل مصيري.

وبما أنك شاهد على إمتلاك هذه الأمة مقومات الإقلاع الاقتصادي لتحقيق التنمية المنشودة، قررت أن أنثر شعوري هنا بعفوية تمزّق شروط الإستعداد، وتخترق صفوف الرتابة والإعداد... لأن وصف الشعور وهو مازال طازجاً... ليس كمحاولة إسترجاعه بعد إنتهاء مدة الصلاحية وتسرب بكتيريا الناصحين التي تحيل طعمه إلى شىء آخر.

سيدي،

ذات يوم مكتوم أردت أن أتنفس ففتحت النافذة... لكني تفاجأت بأن الهواء يتسلل إلى رئتي، فعلمت أننا جميعاً نبحث عن التنفس!

- معذرةً، لم أكن اُدرك مدى قوة العاصفة التي تهب عندما يطرق طارق باب الوطن، - وهو يقطر ندى وبراءة - يزف الخبر: لمن يهزه الأمر.. أخيراً جاء شجاع يحمل مصفوفة الوطن ورأسه بين كفيه، ليقول:

... أيها الإمبراطور أنت عريان!

كان الطارق يؤمل عرفاناً لمخوره كل المحيطات.. ليوقضنا... ليخبرنا بأننا موتى... ليترك على الأقل وشأنه... لكن هذيان المساجين تتداخل ببعضها البعض، تختلط بصدى سوط الجلاد، لا يعرف فيها السائل من المجيب ولا الجواب.. ولا يعرف فيها المجيب من السائل ولا السؤال... لحظات ساخرة ربما.. طريفة ربما... لكنها حقيقية.. وتشبهنا كثيراً.

سيدي... يقف المرء محتاراً.. أسفاً... عندما يستيقن بأن إزالة براميل أطراف التشطير، كان أبسط من إزالتها من الرؤوس.

ما يحزنك حقاً، سيدي، أن تلك البراميل المتربسة في العقول هي من النوع الغير قابل للصدأ، - مقاوم لعوامل الحت والتعرية وتقلّب آية الليل وآية النهار!

لقد كان نخاسة العبيد الأفارقة يضعونهم في السفن ويحررونهم من الأغلال كي يراقبونهم جيداً، فالحر الذي يتمرد باحثاً عن الحرية يُلقى في البحر، وتلك نهايته، وهكذا لم يكن يصل إلى القارة الجديدة - أمريكا - إلاّ العبد الذي لم يحرك ساكناً.

- أعتقد ذلك مايريدونه... وأعتقد أننا أصبحنا كذلك!

... نوعين فقط من الناس لاثالث لهما... مواطن يرتدي بردعة وقائية، لا يتقن سوى الضغط على الزناد والتلولب بين عفر التراب على شاكلة ذوات الأربع، - أسد ركوب لرفع المعنويات! - وآخر يذهب برجليه، يخلع نعليه عند الباب ويدخل السجن ساكتاً... - مواطناً صالحاً للتوضيح.

- لم يفطنوا بعد، - أنه اينما ذهبت - تكتشف ان كل إنسان ماعدى السلطان وأعوانه - كما قال السياب ذات مرة: انصاب من طين.

سيدي،

قالوا لي أفضل أن لا ترى.. أن لا تتكلم.. وألاّ تسمع... شأني شأن صورة ذلك القرد الهزلي المضحك الذي صك فمه وأذنيه وعينيه!

قالوا.. تجاهل ماقيل في المصفوفة، فلربما سمعت أو قرأت كلاماً لم تقصد سماعه أو قرآئته، بل تجاهل أذنيك تماماًً، فهما مجرد غضاريف صغيرة لرفع النظارة... وعينيك مجرد منافذ للدموع فقط!

حذروني، سيدي، من أن الشمس تتآمر علينا... وبأنها تسلط الضوء أفقياً...

ومن أثر نور الشمس الحراري على وطن مجمد بعناية: قالوا هناك شيء يبعث على الأمل في لون أشعتها... إنها مصنفة "ممنوعات خطيرة"، يعتقدون، سيدي، أن الضوء تصنعه مخلوقات إرهابية غريبة تعيش في بؤرة الشمس... يجب أن لاتتعاطى معها - هكذا قالوا...!

شكرتهم سيدي كثيراً، وقدرت كل كلمة نصح... والتي لم تكن في الحقيقة سوى رصاص رحمة على أحلامنا في المهد... بل على شعب ينحر بأكثر من طريقة، من الوريد إلى الوريد.

قد يكونوا على حق، سيدي! ... فالخفافيش تسعد أكثر بمص دماء ضحاياها في الظلام!... وهم تماماً على حق... لأن الجراثيم تموت عندما تتعرض للشمس... حقيقة علمية! - يقول نيتشه: عندما تنظر إلى الهاوية، فإن الهاوية أيضاً تنظر إليك!

- هل سيفهم معنى الحياة ميت لم يجربها قط؟ - آه... ما أصعب ان تتقاعد اُمة عن الحياة!

الا يتعرق هؤلا عندما تلتقي أعينهم بأعين بني الأصفر - الآسيويين - الكوريين - الصينيين - ... ألا يشعل ناتج حليفهم الجديد الممتد من النهر الى البحر فيهم بقية من نخوة فرسان العرب... ألا تبتلعهم الأرض خجلاً عندما يشاهدون صواريخ الفضاء الفارسية والهندية تلهب عمامة السماء؟

حزني شديد، سيدي: ، لكن ما خاب عزم على خير...

- إن الضعيف والجائع الذي يعيش على حافة الفقر سهل الانقياد، والإنتكاس، واليأس... هشّ وقابل للترويض بسرعة.... لهذا فالمرجفون ومن يتقاعسون اليوم، هم طابور خامس، وأعدآء أمة تجرحت محاجرها من الإستغاثة... إنهم المتلذذين بآهات المحرومين بيننا - لهم الله، فرُب حياة أنكى من موت!

أولئك هم من يعملون على تخدير الناس، فقاسات تفريخ لأشباه مثقفين متبلدين... ومرجعية الإنحطاط التي تدفع إلى تشويه تاريخنا وحاضرنا ومستقبلنا. - ببساطة، إنهم حرامية الأحلام والتطلعات، ولصوص عزة ورقي الاوطان.

وصدق ظنك فيهم يا غسان كنفاني.. فقد أتى الزمن الذي تعتبر فيه خيانة الأمة من صفات الزعامة!

دمتم بخير وعافية، وإلى اللقاء..

  abdulla@faris.com