من أجل حقن الدم اليمني المهدور
بقلم/ محمد المهدي الحسني
نشر منذ: 12 سنة و 11 شهراً و 29 يوماً
الأحد 06 نوفمبر-تشرين الثاني 2011 08:44 م

انتصار الثورة اليمنية منعطف خطير في حياة البشرية

 ذكرت كتب المغازي في وقعة اليرموك التي كانت زمن الخليفة الأول سيدنا أبي بكر الصديق، أن هرقل استنفر الروم وكل من يحمل الصليب لقتال المسلمين. فكان “أول جيوشه عنده بانطاكية وآخرها في رومية الكبرى”.كل أقطار أوروبا توحدت ضد الدين الجديد: الصقالبة والصاكسون والإنجليز والإفرنج والقوط …. فكانوا يدا واحدة على المسلمين مثل ما هم عليه اليوم تجاه العالم الإسلامي، يمزقونه ويسيطرون عليه بواسطة أنظمة هجينة لا علاقة لها بطموحات الشعوب، معطلة لأحكام القرآن في الحكم، لا هم لها سوى الخلود في العروش.

بعث الخليفة الصديق رسله لاستنفار قبائل العرب. وكما ذكره مؤرخ المغازي الواقدي رحمة الله عليه: ” كان الذي بعثه بالكتب إلى اليمن أنس بن مالك خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم. فما مرت إلا أيام حتى قدم أنس رضي الله عنه يبشره بقدوم أهل اليمن. وقال: يا خليفة رسول الله وحقك على الله ما قرأت كتابك على أحد إلا وبادر إلى طاعة الله ورسوله وأجاب دعوتك. وقد تجهزوا في العدد والعديد، والزرد النضيد، وقد أقبلت إليك يا خليفة رسول الله مبشرا بقدوم الرجال وأي رجال! وقد أجابوك شعثا غبرا وهم أبطال اليمن وشجعانها ! وقد ساروا إليك بالذراري والأموال والنساء والأطفال وكأنك بهم وقد أشرفوا عليك ووصلوا إليك فتأهب إلى لقائهم. قال فسر أبو بكر رضي الله عنه بقوله سرورا عظيما، وأقام يومه ذلك، حتى إذا كان من الغد، أقبلوا إلى الصديق رضي الله عنه، وقد لاحت غبرة القوم لأهل المدينة. قال: فأخبروه فركب المسلمون من أهل المدينة وغيرهم وأظهروا زينتهم وعددهم ونشروا الأعلام الإسلامية، ورفعوا الألوية المحمدية. فما كان إلا قليل حتى أشرفت الكتائب والمواكب، يتلو بعضها بعضا، قوم في أثر قوم، وقبيلة في أثر قبيلة. فكان أول قبيلة ظهرت من قبائل اليمن: حمير، وهم بالدروع الداودية، والبيض العادية، والسيوق الهندية. وأمامهم ذو الكلاع الحميري. فلما قرب من الصديق رضي الله عنه أحب أن يعرفه بمكانه وقومه، وأشار بالسلام وجعل ينشد ويقول:

أتتك حمير بالأهلين والولد أهل السوابق والعالون بالرتب

أسد غطارفة شوس عمالقة يردوا الكماء غدا في الحرب بالقضب

الحرب عادتنا والضرب همتنا وذو الكلاع دعا في الأهل والنسب

قال فتبسم أبو بكر الصديق رضي الله عنه من قوله ثم قال لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه: يا أبا الحسن أما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ” اذا أقبلت حمير ومعها نساؤها تحمل أولادها فابشر بنصر الله على أهل الشرك أجمعين”. فقال الإمام علي: صدقت وأنا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم.” انتهى كلام الواقدي رحمة الله عليه.

ولقد أبلى ذو الكلاع البلاء الحسن في طرد الغزاة من جزيرة العرب، وحرر الشام من هيمنتهمم.

وكان النصر العجيب الذي ساهم فيه في وقعة اليرموك من أهم المنعطفات في تاريخ البشرية، لأنه مهد الطريق للمستضعفين في العالم للخروج من جور الأديان إلى عدل الإسلام ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة.

فلربما حان وقت انبعاث وعي جيوستراتيجي لشعوب العالم ، لترجيح وتأييد تحولات كبرى، انطلقت بثورات الربيع العربي، وبدأت معالمها تتضح أثناء مخاض الثورة اليمنية.

 الحذر من خدمة مشروع الشيطان

وقد يحتاج أهل اليمن إلى التسلح بحكمتهم التي شهد لهم بها رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله: “الحكمة يمانية”. ذلك للإفلات من سيطرة بعض الأنظمة الهجينة التي تعارض مطالب الشعوب للتحرر من الفساد والاستبداد.

ولحد الآن النظام القائم في اليمن يرجح كفة المشروع الشيطاني الذي لا يتورع من سفك الدماء وإهدارها.

هذا الترجيح لكفة الباطل يذكر بما حدث زمن معاوية، مؤسس الحكم الوراثي العاض. كان الداهية يخطط لاستغلال مدد أهل اليمن، لما علم خطورة دورهم في موقعة اليرموك ومعارك تحرير الشام. لذلك صاهرهم، ولم تمض سنوات قلائل حتى قاتل ذو الكلاع اليمني الخليفة علي بن أبي طالب إلى جانب معاوية في معركة صفين. ورجحت كفة معاوية.

ربما فعل ذلك ذو الكلاع حفاظا لليمنيين على نصيبهم من غنائم الشام المشروعة. لكنه لم يكن ليرض عن المنعطف الخطير الذي ينتظر الأمة الإسلامية تحت حكم معاوية. لقد استغفله واستغله معاوية الداهية لخدمة مشروعه الانفصالي الظالم، ولنا الدليل في ذلك: ما ورد في كتب سير الصحابة ” كتاب أسد الغابة” : إن ذا الكلاع خرج إلى أهل الشام وأقام به ، فلما كانت الفتنة كان هو القيم بأمر صفين، وقتل فيها . قيل‏ :‏ إن معاوية سره قتله ‏.‏ وذلك أنه بلغه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعمار بن ياسر ‏:‏ ‏” ‏تقتله الفئة الباغية‏ “‏‏.‏ فقيل لمعاوية وعمرو ‏:‏ ما هذا‏ ؟‏ وكيف نقاتل علياً وعماراً‏ .‏ فقالوا‏ :‏ إنه يعود إلينا ويقتل معنا‏ .‏ فلما قتل ذو الكلاع وقتل عمار ، قال معاوية‏ :‏ لو كان ذو الكلاع حياً لمال بنصف الناس إلى علي‏.”‏ فالحذر يا إخواني في اليمن من استغفال الناس لكم كما سنبينه بعد قليل.

لقد أنبتت المصاهرة المغرضة مع القبيلة الكلبية الحميرية نباتا له أسنان العض على الحكم: ولد لمعاوية “يزيد” من أمه اليمنية البدوية التي ” نقلها معاوية من البادية واسكنها قصراً في دمشق. وعلى الرغم من كل ما هيأ لها من أسباب النعيم فإنها ظلت تحن إلى البادية حتى بعد أن ولدت ابنها يزيد، وقد سمعها معاوية وهي تنشد هذا الابيات :

للبس عباءة وتقر عين أحب إلي من لبس الشفوف

وبيتاً تخفق الارياح به أحب إلي من قصر منيف

ولما أنهت كـلامها قال لها معاوية: الحقي بأهلك فمضت إلى قومها وأرسل ابنها يزيد معها لأخواله “بني كلب” ليتعلم الخشونة والفروسية بعيداً عن ترف المدينة وسكانها”. ولما شب استدعاه إليه واستخلفه بدون مشورة شرعية على من بقي من جيل الصحابة.

 

وتلك هي الظروف المكفهرة التي دشن معاوية فيها نظام التوريث للحكم، وكان منعطفا من منعطفات انكسار الأمة بعد فترة الحكم الراشد الذي شع نوره في فترة وجيزة إلى العالم المأهول آنذاك. فرض معاوية ولاية ابنه “الأعرابي”. نتصوره شبيها لبعض غلمان أعراب النفط وسفهائها الموالين لأعداء الإسلام. فعاملهم يزيد معاملة سفيه ابن طليق لم تقومه تربية الإسلام، وكل من بدا جفا. فكان “يشرب الشراب ويلعب مع الكلاب”. ولقد كتب سيدنا الحسين رضي الله عنه إلى معاوية: ( … اتّق الله يا معاوية ، واعلم أنّ لله كتاباً لا يُغادر صغيرة ولا كبيرة إلاّ أحصاها ، واعلم أنّ الله ليس بناسٍ لك قتلك بالظنّة، وأخذك بالتُّهمة، وإمارتك صبيّاً يشرب الشراب ويلعب بالكلاب … ). وسبحان الله تلك أيضا أفعال الحكم العلماني العروبي التلمودي الحديث، “يقتل بالظنة ويأخذ بالتهمة” في إطار قانون الإرهاب المفروض على الشعوب الإسلامية، في سياق الغزو التشريعي الذي اجتاح أقطارهم.

لم يعبأ معاوية بنصيحة سبط خير الخلق صلى الله عليه وسلم وآله. فمهد الطريق للملك العاض الفاسد المستبد، الذي لا يتورع من سفك الدماء ولو كانت طهارتها في مستوى طهارة أهل البيت، خاصة دم الحسين الذي ضج الكون لفاجعة مقتله والتمثيل بجسده الشريف. لعنة الله على يزيد كما لعنته الشيعة وكما لعنه أهل السنة المنصفين، فقالوا حكمتهم المشهورة: إلعن يزيد ولا تزيد.

ثم كان لليمنيين دور حاسم في رجحان كفة الهاشميين، فظهرت الدولة العباسية بعد انهزام جند الشام الأموي.

ولهم كذلك حضور في ترجيح كفة التداول على الملك في الأندلس وفي إفريقية وسائر الأقطار الإسلامية.

ولهم الفضل الكبير في سيادة الإسلام في الهند والصين واندونيسيا وسائر جزر بحر الهند وبحر الصين والمحيط الهادي.

وفي العصر الحديث، لا يخفى على المغترب حيوتهم وحضورهم البارز وسط الجالية الإسلامية في الخارج. فهم كما تَـعَـرَّفْـنا عليهم في المهجر الأمريكي، المحبوبون الظرفاء المقرِّبُـون بين أعراق المسلمين، لأنهم مارسوا معاشرتهم في بلدانهم الأصلية، لما رحلوا من عدن وحضرموت، ناشرين للرسالة السماوية الخاتمة جزاهم الله عنا كل خير.

ّهيمنة واستخفاف في غير موضع

لكن شأنهم شأن كل البشر: إن كانت القيادة صالحة مصلحة تشجع التنافس في الخير بين الناس، فهم أهل خير ونجدة وحكمة. فتكون العصبية الحميرية آنذاك محمودة تنال إعجاب الصديق وعلى رضي الله عنهما. والعكس صحيح، كما عاشته أقطار المغرب والأندلس زمن ملوك الطوائف. في تلك الفترة، كان الصراع بين القحطانية والمضرية يؤجج عصبيات الجاهلية ويبعثها تبعا لمصالح الأمراء. مما ساهم في تمزيق المسلمين دويلات وطوائف تتطاحن بينها، ليبلغ بها الوهن مداه، فيسهل القضاء عليها وهي القريبة من معاقل أهل الصليب. وهو نفس النهج الذي يسلكه في عصرنا هذا بعض أمراء النفط في الجزيرة العربية. احتقروا قبائل اليمن وتجاهلوا قدرها، وقد كانت القبائل المضرية السعودية، كما يذكره المؤرخون، تحت سيادة قبيلة حمير القحطانية، يدفعون لها الجزية. ولقد حاولت القبائل المضرية الاستقلال عن قبيلة حمير، ولكنها لم تتمكن إلا بعد ظهور الإسلام، إذ انتهت الزعامة إلى قريش زعيمة المضرية.

ولقد ثارت ثائرة الشباب المناضل في هذه الأيام، ضد التدخلات الأجنبية بزعامة السعودية في شؤونهم. لأنها سبب ووسيلة لإطالة عمر النظام الجبري الفاسد. اليمنيون يعلمون أن رئيسهم والمخابرات الأجنبية، هم الحابكون لأحداث الإرهاب وأحداث الحوثيين. يستجدي بها حماية أمريكا وإسرائيل، مقابل مساعدته لهم في مواصلة الضغط على القاعدة و على إيران. وهم يأملون منه المزيد من الخدمات : توريط أمراء النفط في جر إيران إلى حرب بين السنة والشيعة. ذلك هدف مكرهم الذي تحبكهه شركات إنتاج السلاح والأبناك الربوية المستفيدة من أموال النفط … لم يتعظوا بخساراتهم الماضية لما سخروا صدام لنفس المهمات القذرة. ولم ينصتوا للمستضعفين الذين دشنوا حراكهم لاحتلال أوكار المرابين المفسدين في عقر ديارهم.

 التنافس في استقطاب اليمن طول مخاض الثورة

قانون التداول على إقامة الدولة الإسلامية القوية بين العرب والعجم، أجج التنافس على التحالف مع أهل اليمن لأنهم أهل الترجيح. النظام العروبي العلماني من جهة، والنظام الإسلامي الإيراني من جهة أخرى. أما النفوذ الغربي على المنطقة فهو تابع لنفوذ النظام العربي الهجين الذي أسسه لاورونس الإنجليزي. فهو وكيل الاستعمار وخلفه وخادمه في المرحلة ما بعد استعمارية ( néocolonialisme ) .

وما أخر اليمن عن الاصطفاف مع النظام الإيراني إلا ذكريات العهد الإمامي الشيعي القريب، الذي دام حكمه الوراثي أكثر من عشرة قرون وانتهى سنة 1962. واليمنيون الآن يحرصون كل الحرص على الهروب من الحكم الوراثي سواء كان “سنيا” أو “شيعيا” أو “صالحيا”. والسعودية تعطيهم المثل السيء المنفر من الحكم الوراثي الذي يعطل أحكام القرآن في المعاملات السياسية والاقتصادية والدبلوماسية وغيرها. أما الشيعة في إيران فلقد طوروا فقها حديثا لتنظيم التداول على الحكم، مع الحفاظ على المرجعية الإسلامية، وطريقة سريانها في الدستور عبر نظام ولاية الفقيه وحرس الثورة. والولاية نفسها جعلوها شورية بين أهل العلم النبهاء المدركين لتحديات العصر. وحرس الثورة ينافس الجيش في بناء القوة الدفاعية التي ترهب الغرب وإسرائيل، ليكفوا حروبهم على إيران وعلى المسلمين عامة. وطوروا كذلك آليات التنافس المحمود على الحكومة الإسلامية، وحصرها في ولايتين، كما أوجدتها الحكمة البشرية في أرقى الديمقراطيات طريقة تنظم شرع الشورى والتداول على الحكم، بدل الصراع الدامي الذي طبع تاريخ المسلمين، بعد الانكسار التاريخي الذي فرض فيه معاوية توريث الحكم المخالف لشرع الشورى.

ولقد كان أيضا من معسرات مخاض الثورة اليمنية، تأثر التيارات الإسلامية السنية اليمنية بالفكر الوهابي المكفر لمخالفيه في الرأي، والذي يريد تكريس صورة قاتمة متنطعة للإسلام في الغرب، تذكر بمحاكم التفتيش المعادية لقدر الله في التنوع والاختلاف الطبيعي، والذي به يعقل العقلاء شريعة الائتلاف، بعد التعجب من آيات الله في طبيعة الاختلاف. وقد بسطنا هذه الأفكار في مواضيع أخرى، وبسطنا كذلك نظرات حول الإعجاز العلمي، الذي زاغت فيه الحكمة اليمانية عن الصواب مثلما زاغت في التحالف “الكلبي” الذي أنتج الملك العاض الأموي. فالشيخ الزنداني رضي الله عنه، لا مناص له من مراجعات فكرية لدرء التعارض بين العقل والنقل في مسائل علمية، ما كان له أن يتورط فيها، حتى أصبح مهزلة في الأوساط العلمية المعروفة بصرامتها المنهجية وبدقتها وموضوعيتها في صياغة القوانين والنظريات العلمية. وأظن أن المجاهد “عبد المجيد” قد تبرأ من بعض أفكاره حول نظرية التطور، وعلاج الإيدز، وأصوات المعذبين في القبور… وغيرها من الأمور التي تعسر على صاحبها أن ينتج حكمة، فتحكيما، ثم حكما إسلاميا يرضى عنه ساكن الأرض وساكن السماء. وهو العدل الذي يطبق قوانين الله الطبيعية لبناء القوة التسخيرية للكون، ويقيم قوانينه الشرعية التي هي ميزان القيم والأخلاق. ذلك من أجل قطع الطريق على العلمانية التي تدعي أنها وحدها المالكة لمفاتيح الحكمة العقلية. ولا مناص له أيضا من السعي للتقريب بين السنة والشيعة في إطار المذهب الزيدي، المرشح لتيسير تحالف أهل القبلة على أعداء الأمة، الذين لن يرضوا عن المسلمين حتى يتبعوا ملتهم في تعطيل الأحكام القرآنية وهو أصل كل فساد واستبداد في الأرض.

فإن كانت “الحكمة يمانية”، وهي كذلك لأن الحبيب المصطفى لا ينطق عن الهوى، فلسوف تحقن الدماء عما قريب إن شاء الله بعد وضع الأمور في مواضيعها الطبيعية حسب هذه الممهدات والتصورات التي نسأل الله أن يجعلها حكمة يستفيد منها الجميع، من أجل حقن الدماء في يمننا المكلوم.

 اليمن فاعل لا مفعول به

 واليمن في واقع هذه التجاذبات والمستجدات يأبى أن يكون مجرد تابع مفعول به، وهو الشعب العريق الذي كان دائما الفاعل والمرجح لكفة الميزان، في عمليات التدافع على السلطان. ذلك أن حكمته المشهورة تجعله يبدع الحلول الوسطية التي تقوم بدور الحكم بين الخصمين، وتؤلف بين الضدين.

وما المذهب الزيدي المعتدل الذي تمسك به اليمنيون في معظم فترات تاريخهم الإسلامي إلا صورة من صور هذا الإبداع الوسطي الذي اهتدى إليه فقهاء اليمن. لكن مع الأسف لم يطوروه لمنع بدعة التوريث المبررة لسطوع نجم الديمقراطية الغربية.

فتوشك إيران أن تتعامل معه إيجابيا، إن كانت لها رغبة في التخفيف من معارضة الفرق السنية المتطرفة في معاداة الشيعة.

وتوشك السعودية أن تنافسها في التقارب مع المذهب الزيدي لكي تستميل أهل اليمن وتستقطب الشيعة اليمنية والسعودية.

واليمنيون لهم طموحهم المشروع الذي لم يفتر رغم استخفاف البعض بهم. ولن يسمحوا لأي كان أن يخضعهم وهم الملوك عبر التاريخ، أو أن يستغفلهم ويستغلهم كما فعل بهم معاوية الداهية. بله هم يعلمون أن كل من استطاع التحالف معهم فهو إلى صعود والعكس صحيح. وهم الذين سوف يختارون حليفهم المفيد. والشباب الثائر يعلم أن الاختيار السليم لن يكون إلا في جو الحرية التي يريدون انتزاعها من نظام أفسدته ثم فرضته التدخلات الأجنبية.

والشباب الثائر هو الرافع لشعار التحرر من الاستبداد والفساد والتوريث للحكم. والسعودية تعطيهم المثل السيئ في نظام الحكم الوراثي. فالتحالف معها هو إكراه، وقهر ترفضه الطبيعة وتمجه الشريعة. طبيعة الشعب ترفض عبر التاريخ هيمنة مضر كما بينا سابقا. والشريعة واضحة في موقفها مع الحكم المعطل للشورى، والمطيع لأوامر الغرب وإسرائيل في إشعال الحروب على المسلمين وتبذير ثرواتهم. فلذلك نرى استماتة النظام السعودي في تعسير مخاض الثورة، وفي استئصال كل المناوئين، خاصة إن كانوا من الحوثيين الشيعة، أومن السلفية المجاهدة التي لا يرون فيها إلا ذكريات خضوع المضرية للقحطانية، فهم في تحالف غريب مع الشيطان ضدها.

فلو تحررت الإرادة اليمنية لولد يمن الحكمة والتحكيم العادل بين إيران والسعودية. والتحكيم العادل سوف يفضي إلى ظهور تحالف إسلامي يحرر الأقطار الإسلامية من سيطرة التحالف الصهيو إنجيلي عليه. فهذا بذاك الله يحب الخير لعياله فلا بد من توازن وتنافس على الدولة الصالحة المصلحة… التحالف الصهيو إنجيلي كان مستخلفا في زمن ابتعد فيه المسلمون عن دينهم فسلط الله عليهم هيمنة دين العلمانية التلمودية. التي أدت دورها الاستخلافى ما شاء الله أن تؤدي: بعثها الله لكشف ولتسخير قوانين الطبيعة الميسرة لعمارة الأرض. والآن جاء دور الدولة الإسلامية لتسخير قوانين الشريعة المحددة لميزان قيم العدل والقسط والأخلاق والشورى والحرية والكرامة… فإن الاستخلاف الصالح المصلح يأتي كلما تم احترام قوانين الطبيعة وقوانين الشريعة.

واليمن هو المرشح للتحكيم بين الأمم وترجيح كفة الاستخلاف، بعد حصوله على حقه في حرية تقرير مصيره. وتلك هي المهمة الطبيعية التي تنتظر اليمنيين، لتوحيدهم في إطار ذلك المشروع الخطير، الذي لا يقدر عليه إلا أهل الحكمة والإيمان الراسخ.

طال المخاض لتجنب الإجهاض…

يحذر أحد أهل الحكمة والبيان في المغرب من سقوط المستقبل في يد أعداء الأمة، بعد تخليهم القريب عن أكباش الفداء من أمثال “صالح”. قربانا لكسب ثقة الشباب الثائر، ونيتهم مبيتة واضحة للنبهاء: استغفال الشباب الطاهر، أو إرشاؤه بجوائز نوبل وغيرها لجني ثمار الثورة. كما فعل معاوية مع ذي الكلاع الحميري. وهذا الكلام أسوقه ليلة عيد الأضحى. وشتان بين من يستغفل الناس ويقدمهم قربانا من أجل نيل أغراضه الخسيسة، وبين من يضحي لنيل رضا الله. يقول الأستاذ منير الركراكي في نصيحته لتفادي إجهاض ثورة الربيع العربي، أو جني ثمارها لصالح أعداء الأمة: “الحق المستجدى وَهْم ووَحْم في بدء الحمل؛ والحق الموعود انتفاخ بطن يوهم بقرب الوضع؛ والحق المعطى ولادة قبل الموعد فهي إجهاض، أو ابتسار مولود يوضع في قارورة الحجر والوصاية، بعيدا عن أمه، فهو في رعاية زجاج بلا قلب ولا كبد ولا حضن؛ والحق المكتسب ولادة من تسعة أشهر: بورك لك في الموهوب وشكرت الواهب ورزقت بره وبلغ أشده. وليس بعد تسعة أشهر إلا الحق المنتزع بعملية قيصرية نسأل الله العفو والعافية. وبعد الولادة ماذا أعددت للمولود من إقامة بعد أذان، ورضاع من ثديي العدل والإحسان، ومن لباس تقوى وإيمان، ومن فطام عن المنكرات، وحبو إلى المكرمات، ومداعبة حانية، وتعليم رباني، وضرب على الأيدي الآثمة، ومصاحبة لأهل العلم والعرفان والصلاح، واستقلال إرادة وكفاية بعد نضال وكفاح.”

نسال الله الحكيم الخبير في يوم عرفة المبارك هذا، أن يجعل هذه الكلمات دعوة مستجابة لحقن الدماء في يمننا المفجوع، وفي سائر بلاد المسلمين. ونجوى في صالح مستقبل الثورة الشبابية السلمية، يحفظها رب المستضعفين من كيد الكائدين وقهر المستكبرين. إليه نشكو ضعف قوتنا وقلة حيلتنا وهواننا عن المخلوقين. وصل اللهم وسلم على سيد المرسلين، وآله وصحابته الطيبين الطاهرين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

ا