الثورة اليمنية وإعادة صياغة علاقة الدين بالسياسة
بقلم/ أسامة إسحاق
نشر منذ: 13 سنة و شهر و 3 أيام
السبت 01 أكتوبر-تشرين الأول 2011 06:54 م

"  الإستبداد السياسي لا يقوم الا بغطاء ديني فهما قرينان لا ينفك أحدهما عن الآخر" الكواكبي.

إستطاع النظام اليمني المستبد مرة أخرى أن يجعل سلاحه الموجه الى صدور معارضيه مقدساً ومأموراً بأمر الله حيث جند الدين وطوع نصوصه من أجل مصالحه السياسية , فعلها بالأمس من خلال تقديس حرب الجنوب وصعدة بإستخراج التصاريح الدينية من بعض منتسبي هيئة علماء اليمن وفعلها اليوم بتقديس إستباحة دماء شباب الحرية والتغيير من خلال جمعية علماء اليمن , فمن سيكون بالغد المضحي من العلماء ومن سيكون المضحى به من المواطنين الأبرياء إن لم تدرك ثورتنا العظيمة في لحظتها الراهنة ضرورة إعادة صياغة العلاقة بين الدين السماوي المقدس والسياسة الأرضية البشرية.

بداية قبل الحديث في صلب الموضوع نستطيع تقريب مفهوم الدولة المدنية في ثلاثة معاني , الدولة المدنية هي المجتمع المتحضر وعكس الدولة البدائية كما أنها عكس الدولة العسكرية التي يحكمها العسكر وهي كذلك عكس الدولة الدينية التي تخضع لسلطة الحكم الألهي المقدس , الدولة المدنية تستند الى الدستور والقانون الوضعي كمرجعية للحكم , والنظام المدني له عدة أشكال فقد تكون مدنية شيوعية او مدنية إشتراكية او مدنية اوتوقراطية "حكم الفرد" ..الخ , ولكن ما ننشده في اليمن ونقصده بالدولة المدنية هو مدنية ديمقراطية.

لا يمكن أن تقوم دولة مدنية ديمقراطية والنظام الحاكم فيها قادر على إستدعاء الدين في أي لحظة للدفاع عن صوابية مشاريعه وتقديس تحركاته وإسكات معارضيه ,  وأتمنى أن لا يخرج علينا أحدهم ليقول أن الدين واضح في أمور السياسة ولا يحتاج الى إعادة صياغة ليدعم نظرته سواء كان مع الهيئة او الجمعية مع الثورة او ضدها , فلو كان واضحاً لما أختلف العلماء بالأمس البعيد والقريب وأختلفوا في يومنا هذا وسيختلفون بالغد , وتذكر أيها المواطن اليمني الثائر أن المعضلة ليست فقط في فتوى اليوم من قبل جمعية علماء اليمن ولكن يجب أن تتذكر أيضاً بأن المفتي بوجوب طاعة ولي الأمر بحرب أبنائنا في الجنوب وصعدة هو نفسه المفتي بوجوب الخروج عن طاعة ولي الأمر اليوم .. والعاقبة لأولي الألباب.

لحل تلك المعضلة يجب أن يدرك كل شاب يمني أولاً بأن السياسة مفهوم أشمل وأعم من مفهوم الدولة , ولفهم السياسية لا بد أن نفصل أركانها التي ترتكز عليها : الركن الأول "الدستور" وهو العقد الإجتماعي الأعلى الذي يحدد العلاقة بين المواطن والدولة التي تدير البلاد , الركن الثاني "الدولة" بما تتضمنه من مؤسسات وأجهزة تدير مصالح المواطنين , الركن الثالث "المواطن" والذي يحمل جنسية الوطن ويجب على الدولة أن تحترم حقوقه وحرياته بما لا يتعارض مع الدستور والقانون والصالح العام , الركن الرابع "القانون" والذي يدير وينظم العلاقة بين المواطنين أنفهسم وبين المواطنين والدولة وبتفصيل أكثر من الدستور وفي مختلف المجالات الإقتصادية والإجتماعية والتكنولوجية والمالية والإدارية ...الخ. وبناء على ذلك فإن السؤال المطروح بعلاقة الدين بالسياسة يكمن في علاقته بالأركان الأربعة.

بالنسبة لعلاقة الدين بالدستور والقانون فلا يوجد أي مانع من أن يحتوي الدستور او القانون اليمني على مقاصد ومبادئ الشريعة الدينية ولكنه في نفس الوقت لا يجب أن نرفع شعار "القرآن دستورنا" فالدستور غير القرآن وهو مجموعة بنود مقننة مأخوذة من مجموعة خبرات قانونية وحضارية وثقافية ودينية تراكمت في المجتمعات والتراث العالمي لتحقق الصالح العام للمجتمع وبشرط أن لا يحمل أي بند صفة القداسة الألهية الغير قابل للتعديل إن إستوجب الأمر ذلك لخدمة المصلحة العامة للمجتمع من خلال الهيئات والمجالس المنتخبة الممثلة للشعب.

وبخصوص علاقة الدين بالدولة.. فالدولة يجب أن تكون كيان محايد لا دين لها ولا تنظر الى المواطن بناء على إنتماءه الديني او المذهبي , فالدولة ترتقي بنفسها عن الدخول بخصوصيات المواطنين وتضمن للجميع حرية وحقوق متساوية وتحمي حتى الأقليات بكل تنوعاتها الدينية والمذهبية, ومسألة أن يكون للدولة هوية دينية او مذهبية هو نفس الشيئ عندما يكون لها هوية قبلية او طائفية أو عرقية وهو ضرب للحكم المدني الديمقراطي في مقتل. وإن كانت الحُجة أنها الأغلبية التي حددت تلك الهوية عندها يتحول حكم البلاد من ديمقراطية الأغلبية الى ديكتاتورية الأغلبية.

الحكم المدني الديمقراطي لا يرفض أن يكون هناك تيارات او أحزاب سياسية صاحبة مرجعيات ورؤى دينية ومذهبية وعلى سبيل المثال دولة ألمانيا فهناك ينشط على الساحة الألمانية السياسية "الحزب المسيحي الألماني الديمقراطي" وكذلك "حزب الإتحاد الإجتماعي المسيحي بولاية بافاريا" ولكن الدخول في معترك السياسة يشترط أن لا يحتكر أي حزب الدين بأسمه او أن يكون الناطق الرسمي له ولكن يصبح مكون سياسي صاحب رؤية من بين رؤى متعددة للدين وغير الدين وتكون برامجهم السياسية قائمة على مفهوم "برنامج الحزب" وليس "برنامج الله".

في الدولة المدنية الديمقراطية يجب على الأحزاب صاحبة المرجعيات والرؤى الدينية والمذهبية أن تفصل بين الخطاب الدعوي للدين وممارسة السياسة , لأن ميدان أفكار السياسة لا يجب ربطها بميدان الأفكار المقدسة الربانية السماوية , السياسة صراع السلطة والمصالح والأفكار التي تحتمل الصواب اليوم والخطأ بالغد , ومسألة إدخال الخطاب الدعوي الديني المقدس الى السياسة منافي للمدنية الديمقراطية كما أنه سيعرض قدسية الدين الى النقد والتشهير من قبل الأحزاب السياسية المتصارعة الأخرى والتي لن يلومها أحد في ذلك لأن الجميع يسعى للسلطة.

أخيراً .. الدولة المدنية الديمقراطية لن تهمش علماء الدين ولن ترمي الدين وتشريعاته في البحر ولكنها ستجعل لعلماء الدين مؤسستهم المستقلة التي تمارس نشاطها في مجتمعها بحرية دون تديين السياسة او تسييس الدين , كما أن الدين وتشريعاته يعتبر رافد مهم للدستور والقانون إضافة الى الخبرات القانونية والدستورية والثقافية التراكمية المتنوعة التي تسعى في مجملها لتحقيق الحرية والمساواة والعدالة الإجتماعية لبلد ما ضمن إطار زماني ومكاني معين ويتم تحديد وإقرار ذلك من خلال المجالس والهيئات السياسية المنتخبة الممثلة للشعب والتي ستضع نصب أعينها هدف الصالح العام.

تحيا الثورة , المجد للثوار , العزة لليمن

semoyemen@yahoo.com