الجارة الغامضة.. قصة قصيرة
بقلم/ محمد مصطفى العمراني
نشر منذ: 3 سنوات و أسبوعين و 3 أيام
الإثنين 18 أكتوبر-تشرين الأول 2021 07:00 م
 

 منذ سكنت هذه الشقة وأنا وحيدا إلا من كتبي ومجلاتي وصحفي والأوراق والأقلام ، أخرج كل مساء إلى البلكونة أرتشف الشاي

وأكتب ، ألمح سيارتها الخضراء الصغيرة تأتي قبيل المغرب ، توقفها وتسلم مفاتحها لحارس العمارة ليركنها وتأخذ أشيائها وتصعد ، أسمع الباب يفتح في الشقة المقابلة لشقتي فأعود إلى الداخل ، وهكذا صار هذا طقسي كل مساء ، من البالطو الأبيض التي ترتديه عرفت أنها طبيبة ، لكني بقيت أتساءل :

ـ لماذا تسكن وحيدة ؟

ـ هل هي متزوجة ؟

ـ هل زوجها مغترب ؟

ـ هل هي بلا أهل و" مقطوعة من شجرة " ؟

تساؤلات كثيرة فكرت بها نحو جارتي الغامضة ،

فكرت بسؤال حارس العمارة عنها لكنني أحجمت خشية أن يرتاب بنواياي وأن يخبر صاحب العمارة عن سؤالي عنها فيلومني فهو يعرفني جيدا ويقرأ لي وإلا لما سمح لي وأنا العازب بأن أسكن في عمارة تسكنها العوائل ولذا فقد أحجمت عن السؤال عن جارتي .

منذ أيام قررت أن أكتشف الأمر بنفسي ، سوف أنتحل أي عذر لأطرق عليها الباب وأتعرف عليها ، أتحرك لأطرق الباب عليها ثم يغلبني التردد واتراجع في آخر لحظة ، أخيرا قررت أن أذهب إليها وليكن ما يكون ، طرقت عليها الباب فلم ترد ، فكرت بالعودة لكن فضولي وتطلعي لمعرفة من تكون دفعني لأعاود طرق الباب بقوة فسمعت صوتها :

ـ من ؟ ـ

أنا أحمد جاركم ، فقط أريد ملح إذا تكرمتم .

وأضفت : ـ

لم استطع الذهاب إلى البقالة لأجل الملح .

لم أسمع شيئا وفكرت أنها تجاهلتني وعادت إلى كمونها المعتاد ، يبدو أنها لن تفتح وحين هممت بالعودة فتحت الباب ومدت لي بعلبة الملح ، شكرتها وانصرفت . من يدها البيضاء الناعمة عرفت أنها أصغر مما توقعت. ـ

هل هي طالبة في كلية الطب ؟ لقد سمعت البواب يقول لها : يا دكتورة . لكن أين أهلها ؟ لم أسمع أي صوت لرجل أو طفل ، بل انني لم أسمع لها هي أي صوت ، يبدو أنها تعود إلى شقتها لتنام وتغادر في الصباح إلى عملها. ـ ترى في أي مستشفى تعمل ؟ ـ هل لها عيادة خاصة ؟ في اليوم التالي أعدت علبة الملح في طبق من الفواكه ، أخبرتها أنني حصلت صندوق رمان هدية وأهديتها طبق منه ، شكرتني وأغلقت الباب .

وعدت أفكر : ـ ماذا سأهديها الآن ؟ ـ

وكيف سأخطو الخطوة التالية ؟

ـ ماذا لو رفضت الهدية ورأت في تصرفاتي مضايقة ؟ ـ ماذا لو اشتكت لصاحب العمارة ؟ صراع نفسي رهيب أعيشه ، وتساؤلات تشغل تفكير ، لدي رغبة قوية بمعرفتها وفي الوقت نفسه أخشى أن تتضايق مني وتشكوني

.! لو كنا خارج اليمن لطرقت عليها الباب ولعرفتها بنفسي ولتعرفت عليها بسهولة لكننا في مجتمع محافظ وشكوى منها قد تشوه سمعتي ككاتب محترم ، وايضا قد تتسبب بطردي من العمارة ، ولذا سوف أتحرك بحذر فالاحتياط واجب

. هبط المساء وأنا في البلكونة أرتشف الشاي كعادتي حين رأيت الدلالة العجوز " بائعة الثياب " تدخل بوابة العمارة فأسرعت انتظرها في باب الشقة ، طال الوقت وهي تصعد الدرج ببطء حتى وصلت ، طلبت منها عباءة للوالدة فسألتني :

ـ أين الوالدة ؟ لماذا لا تأتي وتختار بنفسها ؟ ـ الوالدة في القرية فتحت كيسها فاخترت عباءة مناسبة ودفعت لها قيمتها وزيادة وتجرأت وسألتها : ـ

بصراحة أريد أن أسألك عن جارتي ؟ نظرت نحوي باستغراب وسألتني : ـ

ما قصدك ؟

ـ أقصد هل تعرفيها ؟

هل هي متزوجة ؟

ـ أعرفها ، تشتري مني أحيانا وهي طبيبة نساء وأخبرتني أنها متزوجة وزوجها طيار حربي متقاعد ولكني لم أر زوجها . ـ

هل زوجها يعيش معها ؟

ـ قالت لي أنه يعيش معها لكني لم أره .! أخبرتني بهذا ومضت فزادت حيرتي وتساؤلاتي : ـ

كيف متزوجة وزوجها يعيش معها ولم أراه ؟

ـ هل هو مقعد ولا يخرج ؟ ـ هل هو أخرس لا يتكلم ؟ منذ سكنت هنا لم أسمع لأحد في شقتها أي صوت أو حركة كأنها شقة مهجورة .! كل ليلة بعد عودتها أطرق الباب وأقدم لجارنا الطيار الحربي المتقاعد طبق فواكه مشكلة وطبق حلوى وحزمة كبيرة من القات الفاخر .

أطرق الباب فتأخذ الأشياء بهدوء وتشكرني ، انتظرت أن تدعوني لزيارة جارنا الطيار الحربي المتقاعد والجلوس معه لكنها لم تفعل .! في تلك الليلة قررت أن أتوقف عن إهداء جارنا حزم القات والفواكه والحلوى وانتظر ردة فعله ، انتظرت ولا جديد ،

نزلت إلى البقالة لشراء حاجياتي وعند عودتي أهديت حارس العمارة العجوز علبة سجائر وبعض الفواكه وبقينا نتحدث لدقائق ، وفجأة سألته : ـ ألا تلاحظ يا عم حسن أن جيراننا لا حس لهم ولا خبر هل زوج الدكتورة أخرس ؟ نفث دخان سيجارته ثم قال : ـ بصراحة هي عندما سكنت كانت لوحدها واخبرتنا أنها متزوجة من طيار حربي متقاعد ولكني لم أره .! ثم قال بنوع من اللامبالاة : ـ قد يكون مصاب ومقعد أو أخرس كما تقول أنت لأني لم أره يوماً يخرج أو يدخل ولم أسمع له صوتاً . ودعت العم حسن وعدت إلى شقتي ، كانت الجارة الغامضة وقصة زوجها المحيرة قد شغلت ذهني لدرجة أني لم أستطع القراءة أو الكتابة ، سيطرت على تفكيري تماما. وعادت تحاصرني الأسئلة : ـ هل اخترعت قصة زوجها الطيار الحربي المتقاعد لكي لا يطمع أحد فيها وكي لا تكون مثار شبهات وأطماع كونها تسكن لوحدها ؟!

ـ هل زوجها مغترب ؟ ـ هل لزوجها بيت أخرى ؟ ـ

هل هي زوجته الثانية ويأتي إليها نادرا ؟ قطرات المطر تتساقط على النوافذ والبرد يشتد ، الليل طويل علي وأنا وحيد امضغ القات وتحاصرني الأسئلة ، أنظر للمجلات والكتب بازدراء فقد فقدت شهيتي للقراءة والكتابة واذا استمر حالي هكذا فسوف أفقد عملي وأتضور جوعا ،

قررت أن أنسى قصة جارتي وزوجها وأن ألتفت لحياتي لكن التساؤلات عادت إلي رغماً عني : ـ إذا كانت عازبة فهل تقبل بالزواج مني ؟ سأتزوجها حتى لو كانت أرملة . المطر يهطل بشدة ، هل هناك طرقات خفيفة على الباب أم أنه صوت المطر في النوافذ ؟

اقتربت من الباب وانصت ، فعلا هناك من يطرق الباب : ـ أفتح يا استاذ أحمد فتحت الباب فإذا هي وطرحتها تغطي نصف وجهها ، سألتني وهي ترتجف من البرد : ـ هل يمكن أن تأتي لتسمر مع زوجي فهو وحيد في المجلس ومقعد ؟ هززت رأسي بالموافقة واجتاحني شعور بالحزن فقد قضي الأمر وتأكدت أنها فعلاً متزوجة ، لقد سقطت كل أمنياتي في لحظات ، عدت لأحمل قاتي وأشيائي لأذهب إلى جاري المقعد ، أغلقت شقتي ، تنحنحت وأنا أدفع الباب وأدخل: ـ الله الله يا ساتر دخلت فرأيت صورته على جدار الصالة ،

طيار حربي شاب يقف بشموخ ببذلته العسكرية وفي عينيه نظرة إباء وابتسامة خفيفة . دعتني إلى المجلس وحين دخلت صعقتني المفاجأة فلا أحد غيري وهي في المجلس لكنها أشارت إلى زاوية المجلس طالبة مني أن أصافح زوجها الطيار الحربي المتقاعد .!!

عودة إلى وحي القلم
الأكثر قراءة منذ أسبوع
الأكثر قراءة منذ 3 أيام
صلاح الدين الاسدي
احتضان المملكة لثقافة اليمن.. نجاح باهر في انسجام عالمي
صلاح الدين الاسدي
وحي القلم
الوعي الرقمي
أروى علي يحيى
حسناء محمدالأنثى والرجل
حسناء محمد
مناشدة أخوية..!
محمد مهيوب العبيدي
بلال فيصلوداعا ميسي..
بلال فيصل
مشاهدة المزيد