الإسلاميون في اليمن.. التجربة والمستقبل
بقلم/ دكتور/محمد لطف الحميري
نشر منذ: 17 سنة و 3 أشهر و 3 أيام
الخميس 20 سبتمبر-أيلول 2007 10:37 م

في الـ 13 من الشهر الجاري احتفل حزب التجمع اليمني للإصلاح بعيد ميلاده السابع عشر، وبين فترة الحمل والمخاض والولادة التي أعقبت قيام دولة الوحدة عام 1990 بل وكانت إحدى تجلياتها وثمارها، مرت البلاد بظروف غاية في الصعوبة بدءا من الحرب الأهلية في نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات بين جماعات ماركسية مدعومة من النظام الاشتراكي الحاكم في جنوب اليمن وبين قوات الجيش الشمالي تدعمها وحدات تابعة لجماعة الإخوان المسلمين التي كانت حينها تنشط في السر قبل أن تنضوي في تكوينات حزب السلطة الواحد وهو المؤتمر الشعبي العام الذي يتزعمه الرئيس علي عبد الله صالح نفسه.

شكل الإسلاميون الذراع القوية للرئيس اليمني في أصعب مراحل حكمه الذي بدأ عام 1978 وتمكنت جحافلهم من ترجيح كفة المعادلة في حرب صيف 1994 لصالح الرئيس صالح على حساب خصومه وشركائه في إعادة تحقيق الوحدة اليمنية وعلى رأسهم نائب رئيس الجمهورية اليمنية السابق علي سالم البيض الذي كا ن رئيسا لدولة الجنوب قبل الوحدة.

ورغم العلاقة الاستراتيجية التي كانت قائمة بين الرئيس اليمني وحزب الإصلاح الذي يعد واجهة الحركة الإسلامية في اليمن فإن استقرار الأوضاع بعد حرب 94 جعل الرئيس يفكر في كيفية التخلص من هؤلاء الشركاء المزعجين الذين يحملون مشروعا يتصادم جملة وتفصيلا مع توجهاته، الأمر الذي جعله يكرر في أكثر من مناسبة أنه يتربع فوق رؤوس الثعابين، ورغم أن الرئيس وحزبه دخلا في جولات حوار مع الإسلاميين للحد من تأثيرهم وتجنب تشويشهم خاصة بعد إدراك قوة شعبيتهم في مناسبات عدة منها: المظاهرة المليونية السلمية التي جابت شوارع صنعاء في مايو 1991، واحتلالهم المرتبة الثانية في الانتخابات التشريعية عام 1993 وقيادتهم للمعارضة في الانتخابات المحلية عام 2001 حيث حصدت المعارضة نصف المقاعد تقريبا، فإن الرئيس وحزبه قررا التصدي لنشاطهم الآخذ في الاتساع، الذي ربما يهدد مستقبل الرئيس السياسي حيث تم إلغاء المعاهد العلمية عام 2002 وهي المؤسسة التربوية التي كانت تمثل بعدا استراتيجيا للإخوان المسلمين ومنها ينطلق تأثيرهم في المجتمع لتعبئته في المواعيد الانتخابية، وكنتيجة لهذا الخطوة التصادمية مع حلفاء الأمس رأى بعض المراقبين آنذاك أن الإسلاميين قد يلجأون إلى خيار المواجهة المسلحة للدفاع عما يعتبرونه حقا من حقوقهم المكتسبة بل ويعتقد بعضهم أن القرار حرب على الإسلام، لكن شيئا من ذلك لم يحدث إذ فضل قادة الإسلاميين النضال السلمي وتعزيز آليات التغلغل في أوساط شرائح المجتمع لكسب الأنصار وتحقيق الأهداف المسطرة.

الكثير من المراقبين المحليين والأجانب يعتقد وبالنظر إلى تاريخ الإسلاميين في اليمن أن حزب الإصلاح لا يمكن أن يتعرض في طموحه لرأس السلطة وأن مناوراته وتحالفاته لا تتجاوز رئاسة الحكومة وتشكيلاتها وتفرعاتها، خاصة أن الحزب اختار علي عبد الله صالح مرشحه لأول انتخابات رئاسية عام 1999 إلا أن مشروع الإصلاح السياسي الشامل الذي أعلنه تكتل أحزاب اللقاء المشترك بزعامة الإسلاميين عام 2005 مثل بداية الطلاق البائن بين الرئيس والحركة الإسلامية، التي عززت هذا التوجه بإعلان مرشحها لرئاسيات سبتمبر 2006 الأمر الذي جعل الرئيس اليمني يعلن عشية الانتخابات أنه استخدم الإسلاميين كورقة وأن هذه الورقة أصبحت محروقة، ورغم فوز الرئيس صالح في تلك الانتخابات فإنه أدرك فعلا أن رؤوس الثعابين بدأت تنهش كرسي حكمه بالنظر إلى النتائج التي جاءت مغايرة لما تعود عليه الناخب العربي 99,99%. 

إن تجربة الإسلاميين في اليمن تجربة فريدة من نوعها باعتبار أنها عززت طرق النضال السلمي المتدرج لإحداث التغيير في مجتمع تنتشر فيه ملايين قطع السلاح، ويمكن لهذه التجربة أن تحقق نتائج جيدة في مواعيد انتخابية قادمة، لكن مع ذلك يمكننا أن نسرد عددا من الإيجابيات والسلبيات التي رافقت المسيرة، بالنسبة للإيجابيات فإن الحركة الإسلامية اليمنية تمكنت من الآتي:

- فرض قيم التعايش والحوار في إطار نظام ديمقراطي تعددي.

- أنها تمكنت من التحول إلى حزب مدني يتبنى شعارات حقوقية ومطلبية يتجلى ذلك من خلال المقارنة بين شعار أول مؤتمر عام للحزب، الذي كان قوله تعالى: «واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا» وبين شعار آخر مؤتمر عام له «النضال السلمي طريقنا للإصلاح الشامل ".

- تمكن حزب الإسلاميين من تجاوز مرحلة الإيديولوجيات والصراعات الإيديولوجية وذلك بتحالفه مع أحزاب ذات توجهات يسارية وقومية حيث مثل هذا التحالف تجربة فريدة في الساحة العربية، لخلق معارضة قوية تحقق التوازن في المعادلة السياسية باعتبار المعارضة جزءا من نظام الحكم.

أما السلبيات التي يمكن اعتبارها نقاطا سودا في مسيرة حزب التجمع اليمني للإصلاح فتتمحور في الآتي:

- عدم قدرة الحزب حتى الآن على التخلص من عباءة الماضي التراثي المثقل بآراء تمنع الحزب من فتح آفاقه لكل التغيرات رغم الدعوات التي تنطلق من بين صفوفه منادية بضرورة تقديم اجتهادات فقهية تفسح المجال لتبني رؤى واقعية لبناء الدولة الحديثة، وتمكين المرأة بدون خجل من العمل السياسي وتولي مسؤوليات قيادية في الحزب والدولة.

- وقوف الإسلاميين ضد بعض ملامح تحديث الدولة ومنها معارضتهم لقانون تنظيم حمل السلاح وحيازته بدعوى أن نزع سلاح المواطن يحمل أهدافا غير مطمئنة تضمر شرا للإسلام والمسلمين.

- لم يستطع الإسلاميون الخروج من دائرة القبيلة المتخلفة حيث لا يزالون يتمسكون بها، باعتبارها قوة يُلجأ إليها في وقت الضيق وهذا يتعارض مع مبدأ الدولة المدنية التي يتضمنها مشروعهم للإصلاح السياسي الشامل في اليمن.

إن مستقبل جميع القوى السياسية - واليمنيين عامة - تتهدده صعوبات سياسية واقتصادية واجتماعية، هي التي جعلت أصواتا ترتفع بدون خجل ضد الوحدة اليمنية، وهذا يفرض على الرئيس وحزبه من جهة وتكتل اللقاء المشترك المعارض الذي يتزعمه الإسلاميون من جهة أخرى الإيمان بضرورة الحوار للخروج برؤية وطنية للإصلاح الشامل تؤمن بها كل الفئات والشرائح الموجودة على الساحة اليمنية، لمواجهة تحديات البناء والتنمية وتعزيز الوحدة اليمنية بإرساء قيم التعايش والعدل والمساواة.

hemyari_y@yahoo.com