خريطة زهراتي.. وندوة الإرهاب الأولى..!
بقلم/ زعفران علي المهناء
نشر منذ: 17 سنة و شهر و 14 يوماً
السبت 10 نوفمبر-تشرين الثاني 2007 07:11 م

مأرب برس – خاص

حطت بنا الطائرة على أرض الوطن وهي تحمل بين جناحيها العديد من العائدين والزائرين، أمسكتُ بيدها بلطف وكلي رجاء أن تحث الخطى فشوقي لرؤية زهراتي يفوق كل شوق شاكرة لها قبولها دعوتي بأن تكون ضيفة كريمة قبل أن تتوجه إلى حيث ابتغت .

استقبلتنا فرحة زهراتي على عتبة البيت مع إبتسامة ترحيب حائرة، تستوحي العديد من الأسئلة لمن حلت ضيفة بجانب والدتهن.

جلسنا جميعا إلى المائدة ،وتناولنا عشائنا وقد حفت زهراتي غبطة من لقاء هذه السيدة ذات العينين الشديدة الزرقة، والبشرة الناصعة البياض، والتي يكتنفها الغموض ويهيمن الصمت على سريرتها .

أجتمعنا بعد العشاء حول قهوتنا اليومية والممزوجة بالزنجبيل والقرفه ، أبدت ضيفتنا إستحسانها لقهوتنا فلمعت أسارير زهراتي فمن هنا سيفتحن الحوار مع الضيفة لمعرفة

من تكون؟ ما الذي أتي بها إلى بلدهن؟

حمدت الله على أن العيون الزرقاء واللغه المغايرة قد أنست زهراتي سؤالهن المعتاد..(هيا يا أمي .. أين الهدايا ...؟)

وقتها أنضمت إلى سهرتنا رفيقة دربي وصديقة عمري ومن تمتلك فك طلامس الحوار بيننا وبين ضيفتي، مما أضفى على ضيفتي إرتياح بعد أن وجدت من يستطيع أن يحاورها بنفس لغتها فهي تعرف في اللغة العربية مقدار ما أعرف أنا باللغه الإنجليزية والتي لاتخرج عن إطار الكتب التي تجزم أنها ستجعلك تتكلم اللغة الانجليزية في سبعة أيام .

المهم، كان الحوار دافئا هادئا، ومضيفتي رقيقة هادئة، وأفصحت لزهراتي حول سر مجيئها الى أرض السعيدة، فهي تعدُ بحثاً حول قصة الملكة بلقيس فقد جمعت كل ما هو نظري من معلومات وبقي لديها أن تستشعر المكان وتحاول أن تجمع أكبر قدر مماتبقى من جزيئيات بحثها من خلال المنطقة نفسها متمثلة:

 (بالسد، والمعبد، وعرش بلقيس).

قامت صديقتي بدور المترجمة بيننا وكان الحوار لإحدى زهراتي:

وكيف جمعتي معلوماتك وأنت في بلدك عن ملكتنا بلقيس!!؟.

إنبهرت ضيفتي بصيغة الملكية لزهرتي بخصوصية الملكة بلقيس لكل اليمنيين، وردت بإعجاب:

 من مكتبة الشرق الأوسط في جامعتنا ومن بعض الزملاء العرب الموجودين عندنا، وقد راسلت جامعتكم هنا في اليمن لمدّي ببعض الدراسات والبحوث ... وجاء دورك صغيرتي لتمُدّيني ببعض المعلومات عن ملكتك بلقيس ..؟

التقت عيني بعينى زهرتي وأنا أحثها بأن تدلو بدلوها وتصرّح بما عندها ...فرفعت منكبيها وردت بزهو: نعم .. مليكتنا، هي التي حكمت اليمن في الدولة السبئية وقد إشتهرت بالحكمة والذكاء والشجاعة، وتبسمت وأكملت قائلة: والجمال. ضحكنا جميعا حينها على صفة الجمال التي حكمت صغيرتي على الملكة بها .

بعدها دار الحوار بينهم عميقا، عُمق التاريخ الذي كُن يتحدثن عنه وخرجنا بقرار بأنه يجب أن نتقاسم واجب منزلي لليوم القادم كلٌ يأخذ قسمهُ حول تأريخ مأرب وسد مأرب وعرش بلقيس، والدلو بمعلومات أكثر دقة وبفسحة من الوقت حيث وقد أزف وقت النوم ويتخلل ذلك الشرح رسم لخريطة تقريبية لمدينة مأرب على أن يكون اجتماعنا في نفس هذا الوقت .

وفي الصباح التالي سلكن زهراتي طريقهن إلى مدرستهن وأخذنا ضيفتنا في جولة سياحية لصنعاء الأبيّة، فطافت في شوارع المدينة القديمة، تتأمل مبانيها وناطحات سحابها التي تحمل من العمر آلاف السنين، والشوارع الدافئة التي مشينا خلالها والأسواق المرتبة وتقف وقفة إجلال للإنسان اليمني الذي يعيش المدنية من قبل أن تعرف بلدها ناطحات السحاب ذات القالب الإسمنتي الجامد الخالي من أي ترابط وتحالف مجتمعي.

عدنا أدراجنا وقد بذلنا جهد عظيم بإقناع ضيفتي بأنه يجب أن نعود للمنزل فقد حان وقت الغداء ولابد من إنهاء مانقص منه إستعداداً لإلتهامه نحن والفتيات، وافقت على مضض، وهي تبدي إعجابها بكل شيء، وكانت بين الآونه والأخرى تخاطب العابرين مستفهمه عن مدينتهم وغرائبها فيتبسمون في وجهها فلا هم فهموا لغتها ولا هي فهمت لغة أحد منهم، حتى سائق التاكسي أخذت معه صورة تذكارية كان علينا على أثرها دفع أجرته مضاعفةً، حيث والسائحة معنا.. فالأصل أن ندفع أكثر .

وكان المساء، فتجمعنا على قهوتنا بعد أن أعدّ كل شخص منا واجبه حتى صديقتي جلست مع زهراتي لتفهم بعض الدلائل التاريخية لتعرف كيف توصلُ لها المعلومة صحيحة أثناء الترجمة وبدأنا الحديث مع زهرتي الاولى:

.. أنا سأتناول معكم مدينة مأرب التاريخية، وهذا رسم تقريبي للمدينة إستعنت بخيالى حتى أبسط لكم المعلومة، سُميت بهذا الأسم مأرب في مطلع الألف الأول ق.م وهي عاصمة مملكة سبأ لنحو مايزيد عن 1000 سنة أي من (القرن الثامن ق.م وحتى القرن الثالث بعد الميلاد ) وتقع على وادي (أُذنه) وتطل على مشارف صحراء (صهيد) وكانت تتحكم بطريق التجارة قديماً وكانت تسمى هذه الطريق (بطريق اللبان ) ويحيط مأرب سور منيع يحتضنها ويمنحها القوة والمنعة حيث يوجد في أسوارها وأبراجها الدفاعية سر من الأسرار التي جعلت مأرب رمزاً للشموخ والتصدي وجعلت جيوش الرومان يعودون خائبون عام ( 24 .ق .م ).

وقد صمم سورها بحيث يبدو ماثلا للخارج مما قد يوحي للناظر بأنه آيلٌ للسقوط والسور اليوم يكاد يكون مطموس.

هنا علّقت ضيفتي: وهل يعني أنه إذا ذهبت لن أرى هذا الوصف الجميل والسد مطموس معاه.

تدخلت من كان عليها شرح عن سد مأرب القديم، بعد أن جددنا القهوة في أكوابنا.. لاا.. لااا.. أيتها الباحثة العزيزة، سد مأرب القديم يقع غرب المدينة وتخيلنا ذلك في الخريطة فهو يبعد عن مدينة مأرب القديمة بحوالي ثمانية كيلو مترات فهو يقع على أعظم أودية اليمن وهو وادي (أُذنه) التي تجري إليه السيول من مساقط المياه والمرتفعات والقادمة من ذمار ورداع ومراد وخولان بعد إنتهاء موسم الأمطار ويقع بين جبلين هما (البلق الشمالي والبلق الأوسط) وقد كان هذا السد أيتها الباحثة هو عماد الدولة السبئية ومصدر قوتها حيث أُستخدم السد للتخزين المياه وتصريفها بصورة منظمه لتسقي الأراضي الزراعية التي عُرفت بإسم (أرض الجنتين) وقد بُني في القرن الثامن الهجري وقد تهدم أربع مرات كان آخرها في عهد أبرهه الحبشي والباقي حاليا من السد بعض معالم جداره والقناتين الرئيسيتين التي كانت تربط الجنتين بالمصارف، ومقاسم المياه في أرض الجنتين. وهنا إنتزعت منهم الحوار: بقي ياعزيزتي أن نحدثك عن عرش بلقيس، أو بما كان يسمى( بمعبد برآن ) فللننظر لخريطتنا البسيطة، العرش يقع هنا! ضحكنا جميعا فخيالنا كان واسعا وبدأنا الحديث عن ذلك العرش الذي كان يُعد من أهم المعابد في الدولة السبئية وقد بني للإله (المقه) ويتميز بعمدانه الشاهقة التي لاتزال قائمة، تشهد على عظمة وقوة السبئيين وقد بني في بداية القرن السادس ق.م وقد مرّ المعبد بعدة مراحل حيث كانت البداية في بناء الهيكل، المنعه، البوابه والسلم الموجود بعد ذلك تم بناء الفناء والبئر والأبراج الخارجية للسور وقد بُني من الحجر البركاني الأسود وأحجار البلق ذات اللون الأبيض المائل للإصفرار ، وحجر الرخام وأهم مكونات المعبد: (الهيكل، الرواق الشمالي، الرواق الجنوبي، الرواق الغربي، البئر.

دوّنت ضيفتي كل معلومة سمعتها مني أو من زهراتي، وصورت تلك الخريطة، مصاحبا ذلك الشكر الجزيل لرفيقتي على الجهد الكبير التي بذلته في الترجمة قاطعةٌ عهد على نفسي بأن ألتزم بحصص اللغة التي إقترحت رفيقتي على أن آخذها حتى أرحمها من القيام بهذا الجهد المضني.

طلبت من زهراتي بأن يخلدن للنوم بعد أن أخذوا وعد من ضيفتي بسهرة مماثله بعد عودتها من مدينة ملكتهن بلقيس كما أحبت أن تخاطبهن، وتخبرنا بمدى صحة المعلومات التي حصلت عليها.

فكان الصباح، وأوصلناها للباص الذي سيقلها إلى وجهتها متمنيين لها رحلة هادئة إن شاء الله.

ومر اليوم واليومين ونحن ننتظر ضيفتنا أن تعود لنا وتخبرنا عن ما رأته في مأرب ونسقطها على خريطة زهراتي التي أدخلن عليها بعض التعديلات من خلال ما أُضيف لهن من معلومات جديدة واليوم وبعد أن حاولنا أن نتناسى ذلك الحادث الإرهابي البشع الذي راح ضحيته ضيفتي وجميع من كانوا في ذلك الباص نناقش هنا في مأرب ندوة الأولى من نوعها حول الإرهاب وتأثيره السلبي على المجتمع وقد حرصت على الحضور متحدية مشاعر زهراتي الخائفة بأن الحق بضيفتي ولا أعود لهن فأقنعتهن بأنه الواجب يحتّم علينا أن لا نألوا لنصرة مأرب مهما كان الخطر ووعدتهن بأن أزور كل مأرب وإسمعها قصة ضيفتي وأتأكد من صحة وخريطة زهراتي.

مأرب 2007