تعرف على أول قمر اصطناعي خشبي في العالم تُطلقه اليابان إلى الفضاء قرارات حوثية جديدة على محال الإنترنت في صنعاء إعلان نتيجة أول اقتراع في انتخابات الرئاسة الأميركية مساحته شاسعة ويحتوي على غابات.. ماذا نعرف عن أكبر كهف في العالم مؤتمر حضرموت الجامع يعبر عن موقفه تجاه مجلس تكتل الأحزاب إسرائيل مسحت 29 بلدة لبنانية من الخريطة شاهد.. القسام تفجر عبوة ناسفة بـ4 جنود ودبابة إسرائيلية في جباليا تصريح أموريم عن جماهير مانشستر يونايتد يثير تفاعلاً.. هذا ما جاء فيه بهدف ابتزاز التجار ورجال الأعمال والشركات.. وثيقة مسربة تكشف عن أحدث الابتكارات الحوثية في مجال الجبايات مصر تجدد تمسكها بوحدة اليمن .. تفاصيل اجتماع الرئيس العليمي مع نظيره السيسي
شهد الأسبوع الماضي حدثين أحدهما في مشرق الوطن العربي، اليمن السعيد (أو التعيس)، والثاني في مغرب نفس الوطن الكبير، وهي الجزائر. حيث أعاد اليمنيون انتخاب نفس الرجل، علي عبد الله صالح لرئاسة جمهوريتهم لست سنوات أخري، بعد أن حكم اليمن 28 عاماً، أي أنه إذا امتد به العمر وأكمل مدة الرئاسة، سيكون قد حكم بلاده 34 عاماً متصلة وبذلك يضرب ثاني رقم قياسي بين الرؤساء العرب متخطياً صدام حسين (1978-2003، أي 25 عاماً)، وحافظ الأسد (1970-2000، أي 30 عاماً)، وحسني مبارك (1981-2006، أي 25 عاماً). أما الوحيد الذي يتفوق عليه، فهو طويل العمر معمر القذافي الذي يحكم ليبيا، بلا انتخابات أو وجع دماغ، منذ سبتمبر 1969، أي علي مدي 37 عاماً.
أما في الجزائر، فكان الخبر هو تعديل الدستور، بحيث يسمح بمدة رئاسية ثالثة للرئيس عبد العزيز بوتفليقة، الذي حكم الجزائر لمدتين متتاليتين بالفعل (10 سنوات). وهاهو علي وشك أن يشغل المنصب لخمس سنوات أخري، أي لتصل مجموع سنوات حكمه إلي 15 عاماً. هذا رغم أن الرجل مريض، وقضي ما يقرب من ثلث رئاسته الثالثة للعلاج خارج الجزائر.
والغريب والطريف أن كلا من الرئيس علي عبد الله صالح في اليمن، والرئيس عبد العزيز بوتفليقة في الجزائر، كانا قد أعلنا زهدهما في التجديد والتمديد. ولكن حزبيهما وقطاعات عريضة من شعبيهما هي التي أصرت، وحشدت جماهير غفيرة من ورائها للضغط علي الرجلين لإعادة ترشيح شخصيهما للمنصب الرفيع. طبعاً، هناك من تشكك في هذا الزهد المعلن . وهناك من أكد أن مشهد الزهد هذا، ثم الضغط الشعبي ، ثم إذعان الرجلين للمشيئة الشعبية هو مشهد مصطنع، وأن الأمر كله تمثيل في تمثيل. وأن علي عبد الله صالح في اليمن، وعبد العزيز بوتفليقة في الجزائر، لا يختلفان في النهاية عن حسني مبارك في مصر، وعمر البشير في السودان، ومعمر القذافي في ليبيا، وزين العابدين بن علي في تونس، وحافظ الأسد في سورية. فبصرف النظر عن الطريقة التي أتوا بها إلي الحكم، وهي في الغالب الأعم بالانقلابات العسكرية، فإنهم جميعا يستميتون في كرسي الرئاسة، مهما تظاهروا بغير ذلك، ولا يتركونه إلا:
1 بالوفاة الإلهية الطبيعية، أو 2 بالاغتيال، أو 3 بانقلاب عسكري، أو 4 بثورة شعبية.
وكانت السودان هي الأكثر تنوعاً في تغيير رؤسائها بثلاثة من البدائل الأربعة المذكورة أعلاه. فقد تغير رؤساؤها منذ استقلالها، قبل خمسين عاماً (يناير 1956) إما بالانقلابات العسكرية (1985-1969-1989)، أو الانتفاضات الشعبية (1964-1984)، والتي كانت تعقبها انتخابات ديمقراطية نزيهة، تأتي بحكومة مدنية. ولكن سرعان ما ينقض عليها العسكر من جديد، ولا يخرجون إلا بقيام انتفاضة شعبية جديدة عليهم.
كذلك كان السودان هو البلد العربي الوحيد، بين اثنين وعشرين، الذي حكمه رئيس عسكري - هو الفريق سوار الذهب، الذي حكم لفترة انتقالية في أعقاب انتفاضة شعبية (1985)، تعهد فيها أن يترك السلطة في خلال سنة واحدة، وأوفي بوعده طواعية، بعد أن أشرف علي انتخابات ديمقراطية، أتت إلي السلطة بالسيد الصادق المهدي. ويعتبر سوار الذهب في هذا الصدد هو الاستثناء الوحيد للقاعدة العربية الراسخة، لا فقط في القرن العشرين، ولكن ربما في التاريخ العربي كله (أي علي امتداد أربعة عشر قرناً). لذلك يستحق سوار الذهب، تمثالاً من ذهب، يوضع أعلي مقر الجامعة العربية، لتخليد المعني المفتقد في تاريخنا، ولكي يعيد زرع الأمل في الأجيال العربية الصاعدة أي نعم يمكن لرئيس عربي أن يصدق وعده، ويتخلي عن السلطة سلمياً وطواعية!، مهما كذب الأخرون.
لقد تصادف أنني كنت في اليمن في الأسبوع الأخير من يونيه لحضور مؤتمر إقليمي عن الديمقراطية وحرية التعبير . وتزامن مؤتمرنا مع مؤتمر الحزب الحاكم الذي يرأسه علي عبد الله صالح، والذي كان قد أعلن قبل سنة أنه لن يرشح نفسه للرئاسة، بعد أن حكم اليمن 28 سنة، وقال أنه آن لليمنيين أن يحلقوا رؤوسهم بأنفسهم، وأن يبحثوا ويرشحوا أخريين لشغل الموقع الرئاسي. وكنا نحن دعاة الديمقراطية في العالم العربي قد استبشرنا بهذه المبادرة اليمنية، ورددنا الحكمة الشعبية إن الله سبحانه وتعالي يضع سره في أضعف مخلوقاته . ولسان حالنا يردد ما دامت المبادرة لم تأت من مصر، كبيرة الأمة العربية، فلتأت من اليمن، التي لم تسمع بالديمقراطية إلا بعد مصر بمائة عام، ثم تناستها خلال الخمسين عاماً الأخيرة... ومع ذلك خيبت اليمن، أو بتعبير أدق خيب حزب المؤتمر الشعبي اليمني، أملنا... فقد حشد مسيرة مليونية ، مرت قرب اجتماعنا، لكي يراها ويسمعها الضيوف الأجانب، وهي تردد أسوأ ما تعلمه اليمنيون من المصريين، وهو هتاف بالروح، بالدم، نفديك (يا علي) . طبعاً في مصر كان فداء الروح والدم أولاً لجمال عبد الناصر، ثم أصبح لأنور السادات، ثم لحسني مبارك... ولكنه في اليمن في ذلك اليوم من شهر يونيه عام 2006، كان لعلي عبد الله صالح.. ودامت المسيرة ثلاثة أيام، وأصيبت الحياة العامة بما يشبه الشلل التام.. وبدأ حتي من لا يحبون علي عبد الله صالح، ولكنهم يخافون علي أموالهم ومصالحهم، يتوسلون إلي الرجل أن ينزل عند إرادة الشعب اليمني. وفي نهاية درامية هائلة، خرج الرئيس علي عبد الله صالح يعلن استسلامه لحصار الجماهير ، ويذعن لمطلبهم بترشيح نفسه. وهو ما حدث. وخاض الرجل الانتخابات، وفاز فيها بأغلبية كاسحة تتراوح بين 62% (طبقاً لأحزاب المعارضة) و80% طبقاً للجنة الإشراف علي الانتخابات!.
ونتوقع أن يحدث نفس الشيء في الجزائر، حتي لو اختلفت تفصيلات السيناريو.
والغريب أنني في طريقي إلي اليمن والعودة منه، وكذلك في لقاءاتي مع أخوة جزائريين عديدين في الشهور الأخيرة، وبعيداً عن أعين البصاصين في البلدين، كنت أجد خوفاً أو حتي هلعاً من التفكير في التغيير ، وقد كان لهؤلاء الخائفين حججهم في التمسك بالوضع الحالي. وهو أنه مع كل عيوب الرئيس الحالي، أو حتي فساده واستبداده، فقد تعود الناس عليه. وكنت أسمع حجة غريبة لهذا التمسك، من قبيل أن الرجل وأسرته قد نهبوا وسرقوا وشبعوا، أما من سيأتي بعده فإنه سينهب ويسرق من جديد! ، أو أن الشيطان الذي نعرفه، خير من شيطان لا نعرفه.. ، وهلم جرا.
وحجة الخوف من التغيير، أو الخوف من المستقبل، وبالتالي إبقاء الحال علي ما هو عليه، وعلي المتضرر أن يموت كمدا، هو جزء من تراث ثقافة سياسية بالية، بدأت بآل أمية، بعد أن ذبحوا الحسين بن علي في كربلاء، حينما صاح أحد عملائهم في المسجد الكبير بدمشق، موجهاً كلامه لمعاوية ابن أبي سفيان، الملك لك، والبيعة بعدك لابنك يزيد ، ثم شهر العميل سيفه في الهواء، وقال أما هذا (يقصد السيف) فلمن عصي. ثم تبع ذلك فقهاء آخرون بقول أصبح مأثوراً، ويبرر الصبر علي الظلم والهوان، مخافة الفرقة والانقسام، وهي حكم غشوم، خير من فتنة تدوم !.
طبعاً ما كان لهذه البداية الاستبدادية أن تتكرس في العصر الحديث إلا لغياب مؤسسات عصرية في مقدمتها دستور، وبرلمان، وقضاء، وإعلام مستقل. فهذه المؤسسات العصرية هي التي تحصن المواطنين ضد غوائل المجهول وخبايا المستقبل، حيث أنها تجعل الحكم للمؤسسات وليس للشخصيات ، مهما كانت جدارة هذه الأخيرة. فالأشخاص زائلون، ولكن المؤسسات تبقي. وحكم المؤسسات هو في الواقع، حكم القانون، أي هو الديمقراطية.
فإذا رأيتم في أي بلد عربي أو غير عربي رئيساً دام في الحكم أكثر من عشر سنوات، فأغلب الظن أن ذلك البلد غير ديمقراطي. أما إذا طال به الأجل في السلطة إلي عشرين عاماً، فمن المؤكد أنه مستبد. أما إذا تجاوز العشرين عاماً في السلطة فأغلب الظن أنه يخطط لتوريثها لأحد أبنائه، حتي لو كان النظام علي الورق جمهورياً. أي أنه بعد العشرين، يتحول نظام الحكم إلي نظام جملوكي ، أي جمهوري شكلاً، و ملكي جوهراً. ولأن العالم لم يعهد مثل هذا التهجين إلا عندنا (وفي كوريا الشمالية)، فقد انتحلنا نحن له هذه التسمية التهجينية نصف جمهورية ونصف ملكية فهي جملوكية ، ورغم اقترابها في السماع من ملوخية إلا أنها مختلفة عنها نطقاً وطعماً. ويقال إننا حينما أطلقنا هذه التسمية الجديدة علي أنظمة الحكم في سوريا والعراق واليمن وليبيا ومصر، منذ ست سنوات، وتحديداً في يونيه 2000، كان عقابنا السجن في مصر، في 30 من نفس الشهر. فالحمد لله، حيث لو كنت وقتها في أي من البلدان العربية الأخري، لكنت قد اختفيت إلي الأبد، فمصر هي مصر، واستبدادها أخف من غيرها.
والله أعلم. ورمضان كريم