|
الإهداء إلى أبطال ملحمة الجهاد المدني (هزاع المسوري ،محمد الحزمي،عبد الخالق بن شيهون)
\"اللهم إني اسألك العزيمة على الرشد\" دعاء نبوي
نقلت بعض القنوات الإخبارية الأربعاء الماضي عن صحيفة \"يديعوت أحرونوت\" الإسرائيلية، أن حركة حماس تمكنت من إحراز انتصار هائل دون أن تطلق طاروخاً واحدا. وما النصر في الحقيقة إلا من عند الله، يمنحه لأهل العزم من الراشدين كأبطال الجهاد المدني الذين تبنوا فكرة أسطول الحرية لكسر الحصار عن قطاع غزة.
ولسنا هنا في سياق استعراض أوجه الانتصار الكبير الذي حققه أسطول الحرية. ما يهمنا هو تسليط الضوء على أهم الدروس العملية التي يمكن استخلاصها، على ضوء النتائج الساطعة، لأصداء وتداعيات عملية الجهاد المدني التي دشنتها منظمات المجتمع المدني بالتعاون مع كافة أنصار الحرية والعدالة في العالم، من جميع الأديان والمذاهب الإنسانية.
إن الحماسة الدينية التي تفتقد إلى البصيرة الراشدة تسول لبعض المتحمسين أن الجهاد ليس له إلا مسلك واحد، هو المسلك العسكري القتالي، واستهداف جميع الأجانب في جميع أنحاء العالم، حسب حماقات أعضاء تنظيم القاعدة،التي لا تلحق الضرر إلا بالإسلام والمسلمين، والتي ينطبق عليها قول الإمام الشافعي:
رام نفعاً فضر من غير قصدٍ ومن البر ما يكون عقوقا.
والفرق بين عزيمة الحماسة الطائشة وعزيمة الراشدين، أن عزيمة الطيش، تتحول إلى ألعوبة بيد الأعداء يوظفونها لمصالحهم، أما عزيمة الراشدين فهي تسلب الأعداء مصدر قوتهم،وتفكك تحالفاتهم، وتكشف وحشيتهم،وتفقدهم القاعدة الأخلاقية والإنسانية التي يستعطفون من خلالها ضمير العالم، وتجعل جنود العدو في صراع مع ضمائرهم،والخطاب الدعوي والإعلامي الرشيد هو الخطاب الذي ينجح في خدمة هذه الأهداف، ولا يتوقف عند حدود التعبير عن العواطف والإنفعالات، ولكنه يتوخى أولاً وأخيراً خدمة الأهداف الإستراتيجية، ولهذا جاء تعريف الفعل الرشيد في لسان العرب بأنه الفعل \"الذي تنساق تدبـيراته إِلـى غاياتها علـى سبـيل السداد\".لأنه لا ينطلق من قاعدة\"السيف أصدق إنباءً من الكتب\" قدر إنطلاقه من قاعدة\"الرأي قبل شجاعة الشجعان\".
وعلماء الاجتماع يؤكدون أن للفعل الإنساني درجات ومراتب للترقي، وفي أول سُلَّمْ درجات الفعل، يقع الفعل البدائي حبيس فلسفة الفعل ورد الفعل، يليه الفعل العاطفي ثم الفعل الرشيد ثم الفعل الموجه .
وقد ظل العرب في كثير من مراحلهم التاريخية مرتهنين للفعل البدائي العفوي ولم نرتق إلا في أحايين قليلة إلى مستوى الفعل العاطفي الساذج ولهذا يقول شاعرنا :
إذا احتربت يوماً فسالت دماؤها تذكرت القربى فسالت دموعها
هذه العفوية والعاطفية الساذجة جعلتنا ألعوبة سهلة يستخدمنا غيرنا من الأمم التي تجاوزت مستوى الفعل البدائي والعاطفي إلى مستوى الفعل الرشيد والفعل الموجّه.
وقد جسد الحبيب المصطفى أعلى مستويات الفعل الإنساني \" الفعل الموجه\" في كثير من المحطات والمحكات العملية ولعل أظهر هذه المحكات ما حدث عند التوقيع على بنود صلح الحديبية وتروي لنا السير كيف أن الكثير من الصحابة لم يستوعبوا بنود الاتفاقية حتى أن كاتب الإتفاقية وهو أحد فضلاء الصحابة رفض بدوافع عاطفية، محو كلمة \"رسول الله\" ومحاها الحبيب بيده الكريمة واعتبر البعض أن الاتفاقية إعطاء للدنية في الدين وأكدت الأيام أن الفعل الهادف الموجه، كان أسلم وأسدد وإن لم تتقبله نفسية العربي، ولم يدرك عمر بن الخطاب أن هذا الصلح كان نصراً، حتى أنزل الخالق عز وجل سورة الفتح، وفي مستهلها قوله تعالى{إنا فتحنا لك فتحاً مبينا} وحينها سأل رسول الله:أهو فتح. فأجابه: نعم.
والفعل الموجه ليس بالضرورة فعلا سلمياً، فقد يكون ظاهره عنيفاً،أو غير منطقي، فالمهم أن صاحبه،يمتلك معطيات معلوماتية أو استدلالية قريبة من اليقين،عن المردود الإيجابي للفعل. فقد يكون الفعل الموجه،شبيهاً بما فعله الخضر أثناء رحلته مع نبي الله موسى عليه السلام،حين خرق السفينة، وحين كان يؤكد أن موسى لن يستطيع معه صبراً، لأن موسى لا يمتلك المعطيات المعلوماتية التي تبرر الأفعال الموجة الصادرة عن الخضر.
وإذا كان الخضر عليه السلام،يعتمد في أفعاله الموجهة على معطيات معلوماتية لدنية، فإن السياسي اليوم قد يقترح بعض الأفعال الموجهة، بناءً على معطيات معلوماتية من مصادر خاصة،أو معطيات استدلالية تحليلية.
و إذا كان الفعل الموجه لا يهتدي إليه إلا القليل من الناس،فإن الواجب الأهم اليوم، هو ضرورة تربية أنفسنا وتنميتها لترتق إلى مستوى الفعل الرشيد، وتتجاوز مرحلة الفعل البدائي والفعل العاطفي.
والفعل الرشيد ليس فعلاً سهلاً لأنه يتطلب ضبط الانفعالات، وضبط إيقاع الحركة في اتجاه الهدف.
والفعل الرشيد لا يستهدف المواجهة ولا يتمنى لقاء العدو، ولكنه عندما تستلزم الضرورة الموضوعية هذه المواجهة، فإنه سرعان ما يستنفر مخزون الصمود والثبات ولا يتزعزع، ولا يحدث في العدو حدثاً يؤثر على سير المعركة، ولا يتهافت على مغنم على حساب موقف استراتيجي، ولا يتنازل عما لا يجوز التنازل عنه، ويمتلك القدرة على المناورة، وتفكيك تحالفات الخصم،والاستفادة من تناقضات الأعداء،والدخول في تحالفات إنسانية تضامنية مشتركة مع أبناء دينه وغيرهم من أتباع الأديان والمذاهب الأخرى.و باختصار شديد فإن تأمل السيرة النبوية لنبينا عليه الصلاة والسلام في غزواته الدفاعية والهجومية على المحاربين، ومباركته للأحلاف الخاصة بالدفاع عن حقوق الإنسان التي نظمتها منظمات المجتمع المدني حينها\"القبائل\"في حلف \"الفضول\" و\"حلف المطيبين\" وسياساته في التصالح مع خصومه كما في صلح الحديبية.إن التأمل في الخطوط العامة والتفاصيل الهامة لهذه الأفعال النبوية يجعلنا نقف على مخزون ضخم من الأفعال الرشيدة والموجهة، التي تتجاوز الأفعال العفوية والأفعال العاطفية.
ولا شك أن إهدار هذا المخزون الضخم في السنة النبوية واستدعاء نماذج مشوهة من أساليب بعض الحركات الثورية في العصر الحديث،أحد أهم أسباب انحراف بعض التيارات الإسلامية عن رشدية التفكير الموضوعي في خدمة الدعوة والرسالة. وهذا ما أكده أكابر علماء هذه التيارات الذين عادوا إلى رشدهم، وكتبوا عدداً من المراجعات أهمها \"وثيقة ترشيد العمل الجهادي\" التي كتبها المنظر الأول لتيارات السلفية القتالية المعروف ب\"سيد إمام\".
لقد أثبت محمد الحزمي وهزاع المسوري وبن شيهون لأعضاء القاعدة أن الطريق إلى غزة، لا يمر على جثة الجندي اليمني الذي يغدر به في مأرب،أو الجنود الأتراك الذين يستهدفهم تنظيم القاعدة، في سياق خدمة الأجندة الصهيونية بالتزامن مع هجمات حزب العمال الكردستاني، التي تزامنت مع ملحة أسطول الحرية. لقد أثبت أبطال أسطول الحرية أن الطريق إلى غزة لن يكون على جثة الشيخ شريف في الصومال، أو أعضاء الحزب الإسلامي أو الشيعة في العراق، وأننا لن نستطيع مواجهة أعدائنا ما لم نحرص على وحدة أمتنا وتوحيد صفوفنا وحشد جميع أحرار العالم وأنصار العدالة والإنسانية للوقوف معنا، نحن في حاجة إلى حشد الشعوب للضغط على الأنظمة العربية لتتحرك لخدمة قضايا الأمة، ولسنا في حاجة إلى حشد الشعوب إلى الدفاع عن الأنظمة في مواجهة القاعدة ، ودفع دول العالم إلى تعزيز القدرات الأمنية للأنظمة في مواجهة شعوبها، والتعاون معها في تسديد ضربات جوية لأبناء شعبنا، لقد حان الوقت لمن أودعوا عقولهم في ثلاجات كهوف أفغانستان، أن يستعيدوا عقولهم، وتفعيل التفكير الموضوعي المقاصدي في جدوى العمليات العدمية.
ومن الجميل أن نختم هذه التناولة بهذا الدعاء النبوي الذي اعتبره نبينا عليه الصلاة والسلام أهم من كنوز الذهب والفضة.جاء في الحديث الذي صححه الألباني،أن نبينا عليه الصلاة والسلام قال:-يا شداد بن أوس إذا رأيت الناس قد اكتنزوا الذهب والفضة فاكنز هؤلاء الكلمات:- اللهم إني أسألك الثبات في الأمر والعزيمة على الرشد وأسألك موجبات رحمتك وعزائم مغفرتك وأسألك شكر نعمتك وحسن عبادتك وأسألك قلبا سليما ولسانا صادقا وأسألك من خير ما تعلم وأعوذ بك من شر ما تعلم وأستغفرك لما تعلم إنك أنت علام الغيوب.
alhomedi@gmail.com
في الأحد 06 يونيو-حزيران 2010 09:14:12 م