|
لا إشكال كبير في الزمن الصعب الحديث عن أي شيء في عالمنا، في زمن الانفتاح والحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان وحقوق الطفل وحقوق المرأة وحقوق الحيوان...حيث لا ممنوع، وحيث كل شيء ممكن ومعقول، إنه الزمن الذي لا يعرف المستحيل، حيث يلتقي الذئب والشاة، فيرعيان جميعاً، في أخوّة وودٍ وصداقة نادرة، كما التقت مؤخراً السياسة العربية الفذة مع إسرائيل العدو اللدود للعرب، وبات العرب المعتدلون واليهود يشكلون حلفاً قويا ومترابطاً ضد الشيعة الإيرانيين.
ولو بعث الرئيس أنور السادات من قبره أو جمال عبد الناصر لجُنّ الرجلان، أو لأهالا التراب على رأسيهما، ولطافا شوارع القاهرة ومنتجعات شرم الشيخ عاريين، على حالهما، فلم يكن يدور في خلدهما أو أحد منهما، مثل هذا التحالف الجائر، لأنّ قصارى ما كانا يفكران فيه مجرد تعاون أو تنسيق للتهدئة إلى حين، لا يصل بحال إلى التحالف والمناصرة، لكن كل شيء ممكن، في دنيا العرب، وفي ظل السياسة الأميركية الاستعمارية.
بالمقابل وفي ظلال هذه الأجواء الأريحيّة من الحرية والديمقراطية، لا بأس أن نجُدّ الخطى إلى وادي سوات لننقل الصورة كما هي، حيث لا مستحيل ولا معجز، لننقل الصورة المغايرة للفكر والصحافة والإعلام العربي المخادع، العالة في كل مواده على الآلة الإعلامية الأميركية والصهيونية.
وادي سوات وطالبان باكستان، التي تعد امتداداً طبيعياً لطالبان أفغانستان، هاهي اتسعت رقعتها يوماً عن يوم، حتى أنّ أميركا بقواتها الضاربة المنتشرة في كل محيط وخليج، بدأت تشعر بالخطر المحدق بقواتها الغازية المعتدية المستعمرة لأرض إسلامية، وبدأت تشعر بالخطر يقترب كذلك من المفاعل النووي الباكستاني، ولو بعد حين، فما كان من أميركا الاستعمارية إلا أن تحرك أذيال العمالة والخيانة في الحكومة الباكستانية، للقضاء على شعبها وأبناء جلدتها، فيما يسمى \"طالبان باكستان\" التي تشعر منها بالتوجس والخيفة والقلق، الذي يتعاظم ويكبر كل يوم.
وهذا ليس سراً فقد نشرت وكالات الأنباء المختلفة خبر دعم الحكومة الأميركية للحكومة الباكستانية بمبلغ يتجاوز أل 120 مليون دولار، كدفعة أولى عاجلة، وبالطبع ليس لأجل التنمية والبناء وانتشال الجوعى والمحرومين الذين يتضورون جوعا وعطشاً في وادي سوات، إنما للقضاء على ما يسمونه بالإرهاب.
وفي هذا الإطار يمكننا أن نفهم جيداً لِمَ جيء بالجنرال زرداري المعروف بملفات الجريمة والخيانة والعمالة والفساد، وتم تسريح الجنرال السابق مشرف، بالطبع لأنّ الأول يمتلك من القوة والبطش، ما لا يمتلكه الثاني، وهو ما جعل الأميركان يطيحون بالثاني لأجل الرجل الأول، في البطش والتدمير والفتك والإبادة، وهو ما يجري الآن في وادي سوات، حيث تم تهجير أكثر من مليون وربع المليون، من أرضهم، وتحوّل سكان وادي سوات إلى لاجئين ومشردين، يفتك بهم الجوع والمرض والصواريخ الأميركية، وهذا الأخير هو الأشد عليهم وعلى أبنائهم وأطفالهم وشيوخهم وضعفتهم.
ألا قد نختلف في قليل أو كثير مع طالبان بشقيها الباكستاني والأفغاني، إلا أنّ أحداً – لديه ذرة عروبة أو إسلام- لا يستطيع أن ينكر أن الشعب الباكستاني والأفغاني سنيه وشيعيه، وبمختلف أطيافه وألوانه جزء غال وعزيز، من الأمة الإسلامية المجيدة، يجب الوقوف معه ومناصرته ومؤازرته ودعمه ومساندته.
ولا يجوز في كل النظم والقوانين والأديان أن يُحرق ويباد شعب أو شعوب بأسرها لأجل شخص اسمه أسامة ابن لادن، غالب الظن أنه قد مات، في أحد كهوف تورا بورا، وعلى فرض حياته، في أي جزء من أجزاء باكستان أو أفغانستان، أو غيرهما، فكيف يجرّم شعب وتباد أمة، بلا أدنى ذنب أو جريرة، سوى أنه يدافع عن حريته وكرامته وأرضه وعرضه ودينه.
للأسف أيضاً أنّ ما يجري في وادي سوات في باكستان، تتكرر صورته في أكثر من بلد عربي وإسلامي، وإن تبدلت الصورة وتغيرت، لكنها في المحصلة النهائية صورة واحدة من الاستبداد والقمع تمارسه السلطات الديكتاتورية في أكثر من بلد عربي وإسلامي، كالذي جرى ويجري من مجازر بشعة وقتل وإبادة، في فلسطين، ما كانت لتقع بهذا القدر والمستوى لولا مخابرات الرئيس الفلسطيني عباس المنتهية ولايته، وأجهزة فياض المفروضة حكومته، على رقاب شعب فلسطين.
وكالذي يجري في أرض العراق من حرب إبادة للسنة على أيدي المالكي وشيعته وجلاديه وزبانيته، الذي ما كانوا ليحكموا العراق ولو للحظة واحدة، لولا أنهم في كنف الدبابة الأميركية، وفي ظلال ورعاية العلم الأميركي.
الصورة نفسها أو قريب منها، تجري الآن في أرض اليمن، حيث مجازر أخرى للحرية وللكلمة، من مصادرة للصحف وتضييق للحريات وعسكرة للشارع اليمني، ما كان ليقع هذا لو لا تراكم سنيي الاستبداد والفساد المالي والإداري، الذي حوّل الساحة اليمنية في شتى نواحيها ومحافظاتها إلى ألغام ومتفجرات، ثم بعد طول هذه السنين من الفساد المنظم والمقنن، إلى أن بلغت الحلقوم، راح النظام يتغنى بالحوار والشفافية والمكاشفة والسلم الاجتماعي والحفاظ على الوحدة اليمنية، وهو من ذبح بيديه الوحدة اليمنية من الوريد إلى الوريد، عبر عصابات النهب والفوضى والفساد، والمشيخات، لا بارك الله فيهم ولا فيمن جاء بهم!!.
إننا إذن أمام حروب جديدة من القمع والاستبداد والإبادة، سواء على أيدي المستعمرين أو المستبدين، لكنها حروب خافية عن وسائل الإعلام، وإن كشفتها فإنما تكشفها بصورة معكوسة مغلوطة مخادعة، حيث تصور وسائل الإعلام الضحية بأنه المجرم القاتل السفاح، وإن كان لا يملك سيفا ولا رمحا ولا قلما ولا إداوة ولا محبرة، وأنّ المستعمر الغازي المحتل إنما هو المنقذ والفاتح، بيد أن الصورة لا يمكن أن تكذب، لأنَ هذا الفاتح إنما حصد ملايين الأنفس والأرواح، وأهراق أنهاراً من الدماء والأشلاء، كل قطرة دم تقول له بأعلى صوت وحجة، أنت المعتدي أنت الغاصب أنت المستعمر المفسد في الأرض.
بقي ختاماً القول، أنه ما لم تعد الحكومات العربية والإسلامية إلى أصالة شعوبها، وتتخلى عن أجندة القوى الاستعمارية، فإنها ستجد نفسها وجهاً لوجه مع شعوبها، وسيتسع الخرق على الراقع، وستجد ذات النتيجة المرّة التي يمكن أن يلقاها أي مستعمر أو محتل، لأن الاستعمار والاستبداد أخوان، وهما وجهان لعملة واحدة، كما يشهد بذلك التاريخ، والسلام.
Moafa12@hotmail.com
في السبت 23 مايو 2009 05:49:40 م