|
في مقالي السابق منذ أيام بينت اهتمام رئيسي الدولة السابق والحالي بعلاج أهل المغنى بالخارج على نفقة الدولة وحرمان بقية فئات الشعب من هذا الحق وأشرت إلى قرار الرئيس صالح في 2007م بمعالجة الفنان محمد مرشد ناجي بالخارج على نفقة الدولة رغم أنه يمتلك "سكة من المحلات التجارية" بعدن يقوم بتأجيرها بينما لم يستجب لمناشدة المناضل الاكتوبري والنقابي الفقير عبده علي سعيد ميوني الذي طلب فقط تذكرتي سفر للسعودية ومصاريف الاقامة لشهر حيث سيعالج على نفقة أحد رجال الخير وكانت النتيجة أن توفي المناضل إلى رحمة الله فيما لا يزال الفنان حي يرزق رغم أنه يكبر المناضل بنحو 15 عاماً، كما منح الرئيس السابق منذ نحو عامين ستين ألف دولار أمريكي للفنان أيوب طارش العبسي ليتعالج بألمانيا! والآن وفي مارس الفائت أمر الرئيس عبدربه منصور هادي بمعالجة محمد مرشد ناجي بالخارج على نفقة الدولة (ومنحه تذاكر سفر وعشرون ألف دولار أمريكي!) وفي ابريل أمر بمعالجة ايوب طارش بالخارج وعلى نفقة الدولة من جديد! ثم اسبغ نفس النعمة في مايو الفائت على شخص ثالث من أهل المغنى هو كرامة مرسال فيما رفض أن تتحمل الدولة نفقة علاج ابن أحد قادة ثورة 14 أكتوبر رغم فقره وأمراضه الخطيرة التي تفرض سرعة علاجة بالخارج! فموضوع العلاج على نفقة الدولة بالخارج ليس له معايير يتقيد بها رئيس الدولة فهو يتصرف بمزاجية رغم أن هذه أرواح بشر فينبغي بصراحة تقييد تصرفات رئيس الدولة بمعايير قانونية ولكن هذا لن يحدث فكل ما يجري في اليمن من تصرفات للسلطات الثلاث يجري بالخروج على الدستور والقوانين النافذة بل إن السلطات الثلاث نفسها يفتقد وجودها للمشروعية الدستورية ويجب على الأقل أن ينظر رئيس الدولة للمواطنين بعين العدالة لأنه يجب أن يكون أميناً عليهم وإلا على ماذا هو "ولي أمر" فإذا الحاكم لم يكن أميناً على كل الشعب ويحكم بمعيار "العدالة" تسقط عنه صفة "ولي الأمر" فلا سمع له ولا طاعة وهذا من روح الدين الاسلامي وما جرت عليه الممارسة، قال أبو بكر الصديق "يا معشر المسلمين اطيعونى ما أطعت الله فيكم فأن عصيته فلا طاعة لى عليكم"، وعندما تولى الخلافة عمر بن الخطاب ألقى خطبة قال فيها "إذا أصبت فأعينوني، وإذا أخطأت فقوموني" فقال له رجل من بين الناس "إذا أخطأت قومناك بسيوفنا" ولم يغضب عمر ولم يستأ فما قاله الرجل كان منطقاً سليماً فالطاعة لولي الأمر لها حدود فيحق لرعيته الخروج عن طاعته بل ومقاومته وخلعه عن الحكم وليس كما يروج بعض الحكام العرب الطغاة والفاسدين بأن طاعة ولي الأمر واجبة حتى وإن كان ظالماً وفاسداً وهو ما يردده وبالذات في اليمن "أرض النفاق" (اسم رواية للأديب المصري الكبير يوسف السباعي) بعض علماء الدين من المنافقين للحاكم والمتملقين له ويخشونه ولا يخشون الله أو النار التي وقودها الناس والحجارة.
مثال لمناضل آخر
وحول ما حدث للمناضل الميوني وما يحدث الآن من تجاهل لمناضلي سبتمبر وأكتوبر وأسرهم وأبنائهم، تذكّرت المناضل سلطان احمد عمر العبسي الذي كان في خمسينات القرن الفائت وأثناء دراسته بمصر من أوائل من استقطبهم الطالب بالثانوية بالقاهرة فيصل عبداللطيف الشعبي (خالي فهو شقيق والدتي) إلى أول خلية لحركة القوميين العرب أسسها فيصل من بعض طلاب اليمن جنوباً وشمالاً الدارسين بمصر بعدما انضم للحركة كأول يمني في 1956م وكان أول من ضمه فيصل الطالب عبدالكريم الارياني ولكنه لم يمكث طويلاً إذ سافر للدراسة الجامعية بالولايات المتحدة الامريكية وكان ثاني من ضمهم الطالب يحيى عبدالرحمن الارياني (ابن رئيس المجلس الجمهوري بصنعاء الذي خلف الرئيس عبدالله السلال في 5 نوفمبر 1967) ثم استقطب سلطان فعبدالملك اسماعيل (من عدن) فعبدالحافظ قائد وجميعهم باستثناء عبدالكريم غادروا هذه الدنيا الفانية يرحمهم الله، وخلال فترة قصيرة استطاع سلطان ان يكون الشخص الثاني بعد فيصل في قيادة فرع الحركة باليمن بعد أن أسس فيصل فرعاً لها في الجنوب في 1959م وهو اول فرع لها على مستوى اليمن ودول الخليج وأسس سلطان فرع الشمال بعد أن تأسس فرع الجنوب بوقت قصير وظل الفرعان يعملان كفرع واحد بقيادة فيصل إلى أن أنفصلا في 1964م ، وكان فرع الحركة وتحديداً في الجنوب هو الفصيل الرئيسي بين 7 فصائل تشكلت منها في 1963م الجبهة القومية لتحرير جنوب اليمن المحتل التي فجرت في14 أكتوبر1963 الثورة المسلحة لتحرير الجنوب من الاحتلال البريطاني حتى حققت الاستقلال الوطني الكامل في 30نوفمبر1967، وقد ربطت سلطان علاقة وثيقة بفيصل وقحطان الشعبي الذي استقال ومجموعة وطنية من رابطة أبناء الجنوب في 1960م وانضموا للحركة وباستثناء علي أحمد ناصر السلامي (عضو مجلس الشورى حالياً) فارقوا جميعاً إلى الدار الآخرة، وفي يوم استقلال الجنوب انتهت علاقة سلطان الحميمة بقحطان وفيصل وذلك لأن رئيس الجمهورية قحطان الذي شكل حكومة برئاسته لم يضم إليها سلطان فتحول إلى معارض يتبنى الفكر اليساري المتطرف وأصدر كتاباً هاجم فيه قحطان وفيصل ولكن بعد استقالتهما من مناصبهما في 22 يونيو 1969 وحتى تحقيق الوحدة اليمنية لم يشغل أي منصب رسمي في عدن وأسس حزباً للعمل ضد نظام الحكم بالشمال، وقد زاملته في أول مجلس لنواب الجمهورية اليمنية وكان هو وزميلنا بالمجلس عبدالحافظ قائد يبديان لي الكثير من الود وفي استراحة بإحدى الجلسات كنا سلطان وانا نتجاذب اطراف الحديث بساحة المجلس فقال بأن سن الشباب دفعه للتهور ومعاداة قحطان وفيصل ولكنه يعد الآن مذكراته وسينصفهما، وللأسف شاء القدر أن يمرض بالقلب ويموت قبل أن يصدر مذكراته وقد توفي بمرض في القلب لم تسمح ظروفه المالية بمعالجته في الخارج ورفضت دولة "غني لي شوية شوية" أن تعالجه على نفقتها بالخارج كما أن حزبه الاشتراكي لم يوفر له العلاج بالخارج رغم استطاعة الحزب ذلك فحينئذ كان الحزب بقيادة علي البيض يتقاسم السلطة مع المؤتمر، توفي سلطان في ابريل 1993 لأنه لم يجد نفقات علاجه بالخارج وكم من مناضل مات بمرض لم يجد نفقة علاجه بالخارج بينما ولي الأمر السابق والحالي يهبان من فورهما لمعالجة أي من أهل المغنى.. وإذا كان الرئيس السابق قد عالج بالخارج اثنين من أهل المغنى خلال نحو 30 عاماً فالرئيس الحالي يأبى إلا أن يكون أكثر إنجازاً من سلفه فعالج ثلاثة من أهل المغنى خلال أقل من شهرين ونصف من توليه الرئاسة!! فإلى متى يا ليل؟
تنويه: لا يستطيع أحد من قادة الحزب الاشتراكي الحاليين والسابقين أو أعضائه أو أحد من بقايا النظام المتمركس الذي كان قائماً في الجنوب وذهب إلى المزبلة بدون رجعة المزايدة بأنهم كانوا في عدن يعالجون مناضلي 14 أكتوبر بالخارج أو حتى بالداخل فهم كانوا يعرفون فقط كيف يذبحون المناضلين، ففي الأربع سنوات الأولى من نشوء سلطة "التقدميين" خلفاء أبي جهل في 22 يونيو 1969 صفوا جسدياً نحو 90% من قادة ومناضلي الثورة المنتمين للجبهة القومية لتحرير جنوب اليمن المحتل، انهم أناس لم يرحموا حتى علماء الدين فسحلوهم حتى الموت في مختلف أرجاء اليمن الجنوبي بزعم انهم كهنوت وأنهم سبب تخلف المجتمع ومن بعد 1994م وهم ينفون أنهم كانوا يعادون الدين مع أنهم كانوا جميعاً غارقين في الإلحاد حتى آذانهم ودفعوا بمئات الألوف من ابناء الجنوب ليلحدوا وأقامت الدولة مصنعاً للخمور بعدن وأخرجت المواطنين في 1972م يهتفون في عدن "سحل الكهنوت واجب" وكان أكثر المتظاهرين والهتّيفة يستقدمون من "زنجبار" حيث مسقط رأس رئيس مجلس الرئاسة حينئذ سالم ربيع علي، والرجل الأول في السلطة عبدالفتاح اسماعيل الأمين العام للتنظيم السياسي الحاكم اجتمع قبيل تأسيس الحزب الاشتراكي في أكتوبر 1978 بعلماء الدين ليحمسهم على إقناع الناس بتأسيس الحزب الاشتراكي فمارس التنظير لهم في الدين ــ بغير علم ولا حتى بإعداد جيد لكلمته فيهم ــ فكان يخطئ في آيات قرآنية لا يخطئ فيها مسلم وتتردد كثيراً وأظنني سأفرد قريباً مقالاً أفند فيه حديثه لعلماء الدين الذين أشفقت عليهم إذ لم يجرؤ أحد منهم أن يصحح له أخطاءه عند استشهاده بآيات قرانية فقد كان سحل زملائهم حتى الموت ماثلاً أمامهم، والشهادة لله أن الوحدة اليمنية على كثرة سلبياتها إلا أنه بعد تحقيقها مباشرة عاد إلى الله معظم من ألحدوا من أبناء الجنوب.
تنويه: صحيفة "الناس" نشرت بعددها قبل الفائت في صفحة "ذاكرة الزمان" حديثاً لعبدالفتاح اسماعيل قاله وهو في السلطة عندما لم يكن هناك من يستطيع الرد عليه فأنتهزها فرصة ليسرد مغالطات لحقائق التاريخ وتلفيقات لخصومه وعنتريات لنفسه لم تحدث، وسأبين كل ذلك في مقالي القادم بإذن الله وبعض أدلتي ستكون مما تحدث به هو نفسه في ذكرى يوم 22يونيو1969 المشئوم الذي أوصله ورفاق اليسار الطفولي للسلطة.
توضيح: الصورة المنشورة عمرها نصف قرن ويظهر المناضل الطالب سلطان أحمد عمر العبسي يحتضن (من اليمين) ناصر ونجيب قحطان الشعبي في أول أيام عيد الفطر المبارك بالقاهرة ابريل 1961م ولليمين يقف الطالب سعيد شرف (صار وزيراً للصحة بعدن بعد الاستقلال) وطالبان آخران من تعز. وكانوا قد زاروا قحطان الشعبي اللاجئ السياسي بمصر للمباركة بالعيد واستأذنه سلطان أن يأخذ نجيب وناصر للنزهة معهم إبتهاجاً بالعيد.
في الجمعة 15 يونيو-حزيران 2012 04:35:28 م