الجنوب الحضاري لا يغدر
بقلم/ عبد السلام جابر
نشر منذ: 15 سنة و 3 أشهر و 14 يوماً
الأحد 26 يوليو-تموز 2009 05:41 م

مقتل القباطي وبنيه في مديرية حبيل جبر، لاشك بأنه فعل بشع تجرمه قيم وأخلاقيات وعادات وتقاليد أبناء ردفان خاصة والجنوب عامة، قبل أن يجرمه قانون النظام الاستبدادي الذي تحول في هذا البلد (العرطة) إلى سيف بيد الحكم يسلطه على رقاب الأبرياء متى أراد.

القيم النبيلة، المثل العليا والشجاعة التي عرف بها الذئاب الحمر، في مواجهة الظلم والاستبداد لا تسمح لهم بأي حال من الأحوال استخدام أساليب الغدر والخديعة مع خصومهم.

الصفات الرجولية النادرة التي يتحلى بها أبناء ردفان تربأ بهم، أن يقفوا إلى جانب الظلم، أو الانحياز إلى صف الجاني، كما تحاول بعض وسائل الإعلام إظهارهم على هذا النحو!!.

إن محاولات البعض استثمار جريمة مقتل القباطي للنيل من سمعة أبناء ردفان وتشويه المطالب العادلة لأبناء الجنوب لا أغراض حقيرة عمل أسوأ وأبشع من ارتكاب الجريمة ذاتها، وهذا ما يسعى بالفعل إلى تحقيقه الفاشلون في واجباتهم الوطنية، عبر العزف المكشوف على وتر المشاعر النبيلة للناس حيناً وعلى وتر المناطقية الشطرية حيناً آخر.

وبقدر تعاطف «الأشقاء» مع أسرة الضحايا، فإننا نثق جيداً بأن أبناء ردفان خصوصاً وأبناء الجنوب عموماً يشاطرون الجميع هذا الاحساس، وربما يشعرون بالألم أكثر من البعض الذين يتظاهرون بالغيرة والغضب وهم يبطنون نوايا لا تقل بشاعة وجرماً عما حدث, عبر النفخ غير الواعي في بالونه المناطقية الشطرية، غير مدركين بأنه إذا ما استمرت هذه المحاولات الممقوتة فأن انفجار البالونة سيكون كارثياً دون شك.

ما حصل للقباطي جريمة بكل المقاييس... لكن استثمار المصائب وتحويل أحزان الناس إلى مادة للاستهلاك السياسي أمر غير مقبول!!

واقعة «حبيل جبر» هي جريمة في نظرنا.. صدقت الرواية بكل تفاصيلها أو لم تصدق..لكن مالا يمكن السكوت عنه هو الاستغلال المشين للحادثة ومحاولة لصقها بالثورة السلمية

لابناء الجنوب.. الثورة المشبعة بقيم المجتمع الجنوبي وبمبادئ مناضليه واخلاقيات نخبه السياسية والثقافية التي لاتعرف الغدر بالابرياء.

فالمسألة تستحق من الجميع عناء التفكير في أبعاد الخطاب الرسمي تجاه هذه الحادثة، والتأمل في طبيعة الاهتمام الاستثنائي بهذه القضية ليدرك من لايعرف طرق واساليب نظام صنعاء تعامله مع خصومه سواء في الداخل او الخارج.. ومعرفة ماذا يريد هذا النظام من وراء تسييس قضية مقتل الحلواني بمديرية حبيل جبر.

ألا تذكركم هذه الحملة الإعلامية بقصة «القارورة» السياسية، التي ذاع صيتها قبل حرب 94 م من حيث استغلال عواطف الناس، وتوظيف مشاعرهم في إطار الصراع السياسي حينها والذي انتهى بشن الحرب ضد الجنوب، ألم تنكشف الحكاية فيما بعد، وكيف أن الإعلام الرسمي كان شريكاً في ارتكاب تلك الجريمة.

هاهو الإعلام نفسه،يعيد انتاج ذات الخطاب التعبوي الرخيص ضد أبناء ردفان بل ضد الجنوب، مع مفارق أن الجريمة هذه المرة حدثت بالفعل،ويراد بها ما هو أسوأ وأفضع... حدثت الجريمة نعم ومرتكبها معروف لدى أجهزة السلطة، غير أن الأخيرة على ما يبدو تريد القصاص من الجميع.

وهنا نتساءل: لماذا كل هذا الغضب «الوحدوي» ضد أبناء الجنوب, لمجرد أن حدثت جريمة لم يقرها أو يقبل بها أحد, سواء في ردفان أو في الجنوب؟ لماذا تثورون غضباً ايها (الاشقاء) حينما يكون المجني عليه شمالياً؟ وتخرص ألسنتكم حينما يكون الضحية من الجنوب؟.

هل تتذكرون قصة «القعقوع» الجندي الردفاني البريء الذي مرت سرية الجند على جسده بعد أن تعرض للسحل؟ أم أن ذاكرتكم لا تتسع لحكايات ضحاياكم!! أين ذهب صحو الضمير لديكم من مقتل «سكرتير باجمال» أمام مرأى ومسمع من الناس وفي قلب العاصمة (لا لشيء سوى أنه من الجنوب.. ولانه كذلك ينبغي عليه أن يسلم ماله وعرضه باعتبارهما مباحان لأمثال الجاني.. فأين ذهبت غيرتكم ومشاعركم الغاضبة.. هل تريدون أن تستصرخ ضمائركم القناة الفضائية اليمنية لتكونوا أحراراً وثواراً كما أنتم عليها اليوم ضد أبناء الجنوب.

لا أريد أن أفسد مزاجكم الوحدوي بقصص ضحاياكم الانفصاليين، فهم لا يستحقون كما يبدو القليل من غضبكم وتعاطفكم معهم.

ما يعنينا هنا هو التنبيه للكارثة التي يسوق مشاعركم إليها الإعلام الرسمي,ومحاولاته جركم إلى مواقف لا تخدم سوى القتلة الحقيقيين والإجهاز على الوعي المتنامي بأهمية التلاحم الاجتماعي في مواجهة الواقع الاستبدادي.

فلا تدعو العاطفة تطغى على العقل، فيسقط حلمكم تحت بيادة الديكتاتورية التي عانيتم من وطأتها زمناً طويلاً.

* رئيس تحرير صحيفة (القضية)