آخر الاخبار
هل سيعاقب الشعب التونسي على تضامنه وشجاعته؟
بقلم/ طارق العيني
نشر منذ: 13 سنة و 11 شهراً و 9 أيام
السبت 15 يناير-كانون الثاني 2011 05:59 م

التضامن الشعبي الفريد الذي شاهدتاه في تونس خلال الاسابيع الماضية ادهش العالم، ادهش بسرور بالغ كل الاحرار وادهش بفزع مقلق كل المستبدين، القريبين والبعيدين. ومن يظن ان ممكن ان يسمح بسهوله لهذه البادره النوعيه في العالم العربي ان تنجح باستقرار للشعب التونسي الذي اثبت عظمته لا يعرف اهمية ومدى حجم الاستثمار الامريكي والاسرائيلي في الشرق الاوسط وأنظمته.

ويؤكد ذلك تصريح الولايات المتحده الذي قال "أمر تونس يخص الشعب التونسي" بعد ما سلموا ان الرئيس بن علي غادر البلاد. وهذا نفس التصريح الذي صدر من الغرب في عام ١٩٩١م عندما فازت الجبهة الإسلامية للإنقاذ في الانتخابات الجزائرية وهو التصريج نفسه الذي صدر عن فلسطين بعد فوز حركة المقاومة الاسلامية في انتخابات ٢٠٠٦م. وهو التصريح نفسه الذي صدر بعد رحيل الديكتاتور الكوبي/الامريكي باتيستا في عام ١٩٥٩م وهو ايضاً نفس التصريح الذي صدر بعد فوز هيوجو شافيز لانتخابات فنزويلا عام ١٩٩٨م.

وما زالت جميع هذه الشعوب (ماعدى الجزائر، ربما...) تدفع ثمن تقديم نموذج ممكن ان يقتدي به، فمن يقدم نموذج مخالف لما تشتهيه المصالح الامريكيه الاسرائيليه التوسعيه ومهدداً ولو قليلاً لاستراتيجية التجويع وخنق الشعوب بالديون للبنك الدولي يجب ان يدفع الثمن وتنتهي سابقته بعذاب لمرتكبيها حتى تكون السابقه عبره يفرّ منها الغير ولا تكون مثل يقتدي به. 

لماذا سيأسف الغرب على رحيل بن علي؟ بن علي كان القائد النموذجي بالنسبة للغرب، خريج كلية عسكريه فرنسيه مع دراسات عليا في مجال الاستخبارات العسكريه من الولايات المتحدة الامريكية في ولاية ماريلند ودورات اخرى في تكساس وغيرها كلاً في المجال العسكري، ومن ثم تولى منصب رئيس الأمن القومي التونسي، أي كان رجل يتكلم لغة الامريكان...

وتحت الرئيس الراحل تونس كانت الدولة المثالية في تعاملها الامني والاقتصادي بالنسبة للمصالح الغربيه، وبعد خوض البلاد تنفيذ خطة البنك الدولي بالخصخصة ورفع الدعم عن السلع الاساسيه في الثمانينات ارتفعت ديون تونس من ٣ مليار الى ما يقارب عشرين مليار اليوم من ما يجعل سكان تونس العشرة مليون يعانوا من الجرّع القاسيه ويدفعوا مليار دولار سنوياً لتسديد "فوائد" ديونهم مقابل مساعدات سنويه لا تتجاوز الثلاث مئة مليون دولار، هل تظن المستفيدي من هذا الفساد يريدون اصلاح مالي وحكم صالح؟ اما على الصعيد الاستراتيجي، هل تقبل امريكا احتمالية الغاء اللجنه المشتركه العسكريه الامريكيه-التونسيه أو الغاء المناورات العسكرية السنويه؟ هل تسمح اسرائيل بايقاف قبول جوازاتها في مطارات تونس أو عرقلة الثلاثة الف اسرائيلي الذي يصلوا في معبد جزيرة جربة سنوياً ويخصص لهم نفس العدد من الأمن لحمايتهم؟

ربما تقولو لي ان الزمن تغيّر والتزام امريكا بتشجيع الديمقراطيات واحترام "ارادة الشعوب" كما افصحت الوزيرة كلينتن شيء معلن وصريح. وكل ما ذكرته من مصالح امريكيه واسرائيليه وماليه مجرد اشياء بسيطه ولا تؤثر على دولة مثل امريكا "بعظمتها" وحجمها ومؤسستها العريقة فهي لا تنشغل بالتآمر ضد بسطاء تونس، واكثر من ذلك ستستطيع امريكا ضمان جميع مصالحها ومصالح اسرائيل والبنك الدولي في أي حكومه قادمه، اجيبك ربما، ولكن ماذا لو تكررت هذه السابقه الشعبية في مصر؟ أو غيرها مثلاً؟

قد تكون هذه سابقه معديه فسيقول كل طاغيه "لا سمح إبليس"، فيجب تصغيرها وافسادها وضربها على الفور حتى لا تكون هذه عبره لتشجيع الشعوب بل تكون عبره لتخويفهم للمزيد من الخضوع.

للاسف القصة لم تنتهي بعد ولكن مازالت أمالنا في شعب تونس كبير برغم أن ما بوسعنا الا الدعاء لأبطال تونس والاعتذار لهم فنحن عاجزين عن مساندتكم فنحن لا نستطيع حتى مساعدة انفسنا في هذا الزمن... والله يسامحنا على عجزنا لعلّنا نتعلم من تضامنكم العظيم ونغير ما بانفسنا...

kitabhukm@ymail.com