آخر الاخبار
كيف احترق قرابة 300 يمني في الرياض؟
بقلم/ عبدالعزيز المجيدي
نشر منذ: 16 سنة و 10 أشهر و 16 يوماً
الخميس 07 فبراير-شباط 2008 08:03 ص

سقط عبدالله الفقيه مغشياً عليه ودخل مقبل في غيبوبة بينما كان الحريق يلتهم عمر الغربة بهدوء. لقد اندلع من ثلاثة اتجاهات في آن، ولم تظهر نتائج التحقيقات بعد أربعة أشهر من وقوعه،

بعد سنوات من الكفاح تغيرت أحوال عبدالله الفقيه (42 عاماً) على نحو جذري.

قرابة 8 سنوات ظل يعمل لدى أحد أقربائه في محل لبيع الملابس في أكبر سوق للجملة وسط العاصمة السعودية الرياض.

كان عاملاً مثابراً، ونشيطاً، وصار صاحب محل مستقل في نفس السوق.

لقد شعر لعامين أنه يشق طريقه جيداً في عالم التجارة "الصغيرة"، لكنه بات الآن منطوياً وحزيناً.

وسقط مغشياً عليه عندما رأى ثمرة سنوات عمره في الغربة تتلاشى دخاناً في السماء.

كما المئات غيره من المغتربين فقد استسلم الفقيه لحادث حريق تثار حوله شكوك قوية بأنه مدبر.

وقد أتى على كل شيء في توقيت يعزز الريبة إن لم يكن اليقين بأنه متعمد.

رمضان بالنسبة للمسلمين موسم للعبادة والصوم، وبالنسبة للتجار هو أيضاً موسم لزيادة الأرباح وذروة حركة البيع والشراء.

كان التجار قد استعدوا له جيداً: ملأوا مخازنهم بالبضائع لاسيما في مركز نشط لتجارة الجملة كسوق البطحاء.

لقد أطمأن الكبار منهم إلى تحقيق أرباح جيدة نهاية الشهر بناء على حسابات مردود المبيعات اليومية منذ مطلعه.

وفي لحظات فقط كان عليهم الغرق في تبعات حريق مدمر.

عندما بدأ الناس الانهماك في الإفطار حبات التمر لتوديع الـ18 من رمضان الماضي، كانت النار هي الأخرى تفطر بالتهام سوق كامل مكون من حوالي 500 محل.

لا بد أن كثيراً من التجار وقتها شعروا بشيء من الانقباض قبل ان يعلموا بالكارثة.

تنشط هذه المحلات في تجارة الملابس بأنواعها والمفروشات بالإضافة إلى الكهرباء والعطور.

لكن معظم ملاك هذه المحال من المغتربين اليمنيين، وفقاً لمصادر يمنية في الرياض.

ووصفته الصحافة السعودية بأنه أكبر سوق في منطقة الرياض لبيع الملابس والبطانيات.

إنه في موقع وسط المدينة، ويقوم على مسافة 40 ألف متر مربع وهو قديم نسبياً بالنسبة لعاصمة حديثة باتت غابة من أبراج الإسمنت.

بحسب معلومات مغتربين فإن شركة عقارية تتبع أحد الأفراد كانت عرضت شراء السوق من ملاكه السعوديين غير أن هؤلاء الأخيرين رفضوا.

مكان السوق كانت الشركة تنوي إقامة برج تجاري كبير، فتعثر تنفيذه برفض ملاك الأبنية التنازل عنه.

عملياً فإن المحال التجارية مملوكة لليمنيين (كأماكن مستأجرة)، وفي الواقع فإنهم يزاولون التجارة بأسماء "كفلائهم" السعوديين، حيث يحظر القانون السعودي امتلاك أنشطة تجارية لغير مواطنيه.

 

لقد تكبد الطرفان (التجار اليمنيون وبعض السعوديون) خسارة كبيرة لم تكن في الحسبان، لكن الخسارة أشد وطأة على اليمني كمغترب ألقاه الحريق إلى الشارع.

في 20 رمضان نقلت صحيفة الاقتصادية السعودية عن شهود عيان قولهم إن الحريق شب من جهتين متباعدتين بـ300 متر من السوق.

وقالت الصحيفة إن ذلك "دفع إلى التفكير بوجود شبهة جنائية لدى الكثير من الشهود".

في حين قالت صحيفة الرياض "إن الحريق شب في ثلاث جهات متفرقة من السوق".

يقول أحمد مهيوب، وهو اسم مستعار لمغترب لـ"المصدر" إن الجميع بمن فيهم السعوديين على يقين أن الحريق مدبر.

ولدى الجميع روايات مساندة.

بالإضافة إلى اشتعال الحريق من ثلاث جهات متفرقة في السوق فإن توقيته هو الآخر عزز بقوة من فرضية أنه مدبر.

يعرف عن السوق أنه بلا حراسة، ويكون خالياً من المارة تماماً عند الإفطار.

في لقاءات لصحيفة الرياض السعودية مع متضررين من مواطنيها رجح فهد العمودي وهو صاحب محل لبيع الملابس الجاهزة أن وراء الحريق "أيادي عابثة".

بحسب مصادر المغتربين فإن هناك ما يزيد عن 275 تاجراً يمنياً تضرروا.

لقد دخل مقبل غالب وهو مغترب مستقر مع عائلته هناك منذ حوالي 30 عاماً في حالة غيبوبة استمرت لعدة أيام.

كان لدى الرجل محل وتحول إلى دخان برأسماله الذي يقرب من مليون ريال سعودي أكثر من نصفها ديون.

وخر عبدالله الفقيه مغشياً عليه من هول الصدمة، بينما استسلم عبدالرحمن لنوبة نحيب مؤلمة. والقليل فقط من تحلوا برباطة جأش وتقبلوا الأمر كشيء مقدر.

استمر الحريق لمدة يومين، وقد استخدمت السلطات الطائرات و50 آلية بحسب صحيفة الاقتصادية السعودية لإطفائه.

مع بدء الحريق منعت السلطات الأمنية أصحاب المحال من إخلائها.

يقول مراد وهو الاسم الأول فقط لمغترب جاء اليمن في إجازة عيد الأضحى أن تجاراً كانوا يملكون بالإضافة إلى بضائع أموالاً في خزائنهم بعضها يصل إلى نصف مليون ريال سعودي.

إنها مدخرات المبيعات، حيث كان معظمهم يستعد لإنزال بضائع أخرى، ويقول أحمد مهيوب إن زحمة البنوك وقتها أعاقت الكثير من التجار من إيداع أموالهم فيها ففضلوا الاحتفاظ بها في خزائنهم.

أضاف مراد بصوت خافت: استطاع بعض السعوديين فقط نقل بضائعهم قبل أن يصل إليها الحريق، وتعرض اليمنيون الذين حاولوا فعل ذلك للضرب.

كان على كل يمني وقتها أن يتحلى بالصبر الكثير من اللامبالاة حتى يسفر الدخان عن النتائج. فيما أمكن لقلة فقط بواسطة "كفلائهم" السعوديين من إخلاء محالهم قبل أن تطالها ألسنة اللهب.

بالنسبة للسلطات الأمنية ومسؤولي الدفاع المدني في السعودية فقد فضلوا التريث حتى تكتمل التحقيقات لمعرفة أسباب الحريق.

وطبق الصحافة السعودية فإن الأمير سلمان أمين منطقة الرياض أمر بتشكيل لجنة لحصر الأضرار. ويتداول الناس هناك (لاسيما المتضررون) أنباءً غير مؤكدة عن تعويضات محتملة.

كان المتضررون من اليمنيين يحتاجون إلى شيء من الإسناد ولو معنوياً من قبل سفارتهم في الرياض.

لم يكلف أحد المسؤولين فيها نفسه السؤال حتى عن الحادث. إن طاقمها هناك يحصد المزيد من سخط رعاياها.

يصنف المغتربون هناك السفارة اليمنية كأسوأ سفارة أجنبية في الرياض.

ويقول أحمد مهيوب إن المغتربين يتعرضون دائماً لمعاملات مهينة ولا أحد في السفارة يتعامل مع مشاكلهم.

يضيف منزعجاً: سفارتنا الوحيدة التي لا تتدخل لمتابعة مشاكلنا لذلك لا يحترمنا السعوديين.

مثل كل جهاز حكومي في الداخل فإن السفارة هناك ليست أكثر من عبء على المغترب.

يقول أحمد ساخراً: "هم عملوا سفارة على شان نشقى عليها؛ ندفع باسم بطاقة مغترب 50 ريال سعودي والجواز بـ350 ريال".

لقد خلف الحريق خسائر تصل إلى نصف مليار ريال سعودي حسب تقديرات المغتربين (حوالي 27) مليار ريال يمني، أكثر من نصفها تخص يمنيين.

لاشك إن الكارثة التي حلت على السوق تطاير شررها إلى أنحاء متفرقة في اليمن، وأحرقت الكثير من الأفئدة. فخلف كل متضرر أكثر من عائلة يربو عددها في المتوسط عن 5 أشخاص.

ذلك يعني أن جهداً دبلوماسياً كان يتوجب على الحكومة بذله لمساندة المتضررين بالتواصل مع السلطات السعودية. ومع ذلك فإن وزارة المغتربين بصنعاء لم تعلم بالأمر.

وقد حاولت "المصدر" التواصل مع الوزير بهذا الشأن فقال إن الوزارة لم تتلق أي معلومات، وكان يعني أن الجالية هناك لم تقدم أي بلاغ عن الحادث، ما هي وظيفة السفارة هناك إذاً؟!

حتى الآن لم تعلن السلطات السعودية عن نتائج التحقيقات التي أجرتها وتحديداً أسباب الحريق.

وتقول مصادر المغتربين إن الأمر لم يستجد بشأنه شيء، سوى أن الناجين من الحريق انتقلوا إلى مكان آخر.

يستبعد المغتربون تقديم السلطات السعودية تعويضاً مالياً للمتضررين. إن حدث الأمر بحسب بعض المصادر فإن السلطات لن تتعامل سوى مع السعوديين باعتبارهم الملاك في "الظاهر"، لكن ذات المصادر استدركت في اتصال مع "المصدر" قائلة: السعوديون أغلبهم ناس لن يأكلوا حقوق اليمنيين.

ربما بإمكان الحكومة اليمنية فتح قناة تواصل مع السعودية مخصصة للبحث في تعويض رعاياها المتضررين.

إنه أمر لن يكلف الكثير سوى الشعور بالانتماء للبلد وأهله.

لقد تغيرت أحوال المئات على نحو جذري في لحظة اشتعلت بنوايا سيئة: قذف الحريق باليمنيين الى الشارع.. وبقي الرماد.

لا يبدو أن أحداً يكترث للأمر في الداخل. إنها خسارة أكثر وطأة من تبعات حريق جاء على كل شيء

* نقلا عن صحيفة المصدر