|
الإصلاح يفتح أشرعة سفينته باتجاه رياح العاصفة مؤيدا العاصفة في بيان واضح؛ ربما يكون هو أكثر بيانات الإصلاح وضوحا، ولا لوم على الإصلاح أن يتخذ هذا الموقف- رغم صعوبته- فقد كان الإصلاح في موقف لا يحسد عليه؛ إما أن يعلن التأييد، فتتوجه إليه سهام التخوين والاتهامات من قبل خصومه، وإما أن يظل متفرجا يراقب العمليات ويراقب الوضع الداخلي دون حراك، فيواجه عاصفة من النقد من قبل كوادره قبل محبيه، وهو في كلا الحالتين متهم أيا ما كان موقعه،
المهم فعلها الإصلاح وأعلن التأييد وقرر دخول أعضائه هذه الحرب جنبا إلى جنب مع القوات الشرعية، فما هي دلالات هذا الموقف وما أثره على هذه العصفة؟
ومع هذا السؤال، أجد نفسي مضطرا للعودة إلى أحداث(حرب94) تلكم الحرب التي جرها الاشتراكيون على أنفسهم، وبلغت بهم الحماقة إلى أن يعلنوا الانفصال ظنا منهم أنهم بذلك سوف يضيقون الخناق على قوات الشرعية، ولكنهم على عكس ما توقعوا وجدوا أنفسهم في زاوية ضيقة لا خروج منها إلا إلى الأسر أو الفرار.
في تلكم الحرب كان الإصلاح هو الطرف القوي في المعادلة، وهو الطرف الذي أدار الأزمة ليخرج البلاد إلى بر الأمان ، ومع ذلك لم يسلم الإصلاح إلى يومنا هذا من انتقادات أحزاب كثيرة إلى يومنا هذا، بما فيهم حلفاؤه في تلك الحرب.
واليوم الإصلاح- رغم كل ما واجهه من عنت وما لقيه من استفزاز، يظل هو الرقم الصعب في معادلة العاصفة، ويظل هو الرقم الذي يبحث عنه أي طرف .
اليوم نحن أمام أزمة كانت واضحة المعالم لأي إنسان منصف، كانت واضحة بأنه تحالف حوثي- عفاشي، يسعى للإطاحة بالإخوان وجرهم إلى ميدان المواجهة، للإجهاز عليه؛ بدعم خارجي خليجي ؛ ولكن الإصلاح وجد في الحكمة اليمانية الحل الأمثل لكي يجنب البلاد شر حرب أهلية يؤجج نارها مراهق خرج من جحور التخلف، وكهوف الظلام، يشجعه رجل امتلأت نفسه غيظا وحقدا، فتحالفا وتآمرا على أن يكونا يدا واحدة تضرب بكل عنف وقسوة وأن يوجها الضربة القاضية للتجمع اليمني للإصلاح، ولكن الإصلاح كانت الحكمة اليمانية حاضرة في ذهنه، فآثر الانسحاب والجنوح للسلم، رغم ما لقيه من انتقاد من كوادره قبل غيرهم، ولكن هذا الموقف سجله لهم التاريخ مهما أنكره الكارهون، لأنه موقف كان يغلب مصلحة الوطن قبل غيرها.
ولأن( الإصلاح) كان يدرك-فعلا- أن تكلفة الانسحاب – وإن كبرت، هي خير من تكلفة حرب أهلية تأتي على الإنسان اليمني أولا، ففي الوقت الذي كانت غشاوة العدوان تطغى على عقول الحوثيين فإن قادة (الإصلاح) غشيتهم (الحكمة) وتنزلت عليهم(السكينة) وثبتهم الله في موقف لا يثبت فيه إلا الحكماء.
فقرار الانسحاب وعدم المواجهة هو- بالفعل- قرار شجاع نتج عن رؤية ثاقبة ، ونظرة سديدة، قل أن تجدها في هذا العصر، رغم شماتة الحاقدين، وصراخ الغاضبين، واستغاثة الكاذبين، وآهات المقربين، ولكنها الحكمة اليمانية،
قل ما شئت عن (الإصلاح): لكنك ستؤمن حتما أن (الإصلاح) آثر الوطن، بنفسه ومنجزاته، في ساعة من التاريخ كان الوطن بأمس الحاجة إلى تلكم الحكمة، التي جاءت في وقتها، فلم يفهمها البعض إلا أنها ضعف، وجبن واستسلام، فأجابهم (الإصلاح) بلسان حاله:
(إن كان الضعف سيؤدي إلى سلامة الوطن، فأنعم به من ضعف، وإن كان الاستسلام سوف يحفظ الدم اليمني فأكرم به) .
هكذا كان ( الإصلاح) في عيون الكثيرين إلى ما قبل قرار التأييد؛ فهل يا ترى تجاوز (الإصلاح) الحكمة التي عرف بها ودندن بها وحولها محبوه، وهل فقد السيطرة على نفسه وهو يرى الأطراف المتآمرة عليه تنقلب على بعضها، وأعداؤه في الخارج يضربون رؤوس حلفائهم في الداخل ؟
أم إن له حسابات أخرى في #عاصفة_الحزم ، ربما تتضح تلكم الحسابات من خلال بعض الدلالات المهمة لهذا القرار التاريخي...
- ولعل من أهم دلالات هذا التأييد التي يمكن ان نتلمسها هي أن تحالف #عاصفة_الحزم ، ماض في طريقه حتي تحقيق الأهداف المعلنة وكسر الذراع الإيرانية في اليمن لأنها قد بدأت تبطش ذات اليمين وذات الشمال، وقد نفد صبر الرياض بعد أن رأت المناروات الحمقاء على حدودها، وكما يقال: لم يبق في القوس منزع.
- والدلالة الأخرى التي يحملها هذا البيان تتمثل بأن القيادة السعودية قد اقتنعت- ربما- بالتعامل مع الإصلاح كحليف لا يزال قويا، بما يملك من حضور جماهيري منظم تنظيما عاليا، وما يملك من تأييد قبلي في بعض المحافظات المهمة( الجوف- مأرب- شبوة)، وبما أنها ستعمل على كسر شوكة حليفها(المخلوع مع الحوثي)، فلا بد –إذن- من حليف جديد يكون له قوة وحضور بين أوساط الشعب؛ فهل سيكون(الإصلاح) هو الحليف الجديد للمملكة وهي هي من صفنت جماعة (الإخوان) على قائمة: الجماعات الإرهابية جبنا إلى جنب مع(حزب الله) و( داعش)؟!!!
- ودلالة أخرى يحملها البيان:
قناعة (الإصلاح) بأن مستقبل الوطن يحتاج إلى قرار حاسم، يكسر التردد، ويحدد المواقف التي سيتخذها مستقبلا ويحدد مواقفه من دول التحالف، ويحدد موقفه- أيضا- من صمود الجنوب، ولعل هذه نقطة مهمة، ودلالة أكثر أهمية لا يدركها أولئك الذين يتبعون نعيق عفاش وصراخ حليفه الحوثي، لأننا يجب أن نكون أكثر واقعية بعيدا عن أي مدخل حزبي:
هذه الواقعية تتمثل بأن الجنوب كله، وبجميع فصائله، لا يقبل بالتواجد الحوثي على ترابه مهما كلفه من ثمن؛ على عكس الشمال الذي يجد الحوثي فيها قبولا يتفاوت من محافظة إلى أخرى، ويزداد هذا القبول كلما اتجهنا شمالا، وصولا إلى شمال الشمال.
وهذا النقطة مهمة ولا تقبل أي مساومة، فلأهل الجنوب كل الحق، وكل المشروعية أن ترفض أي فصيل خاصة عندما يريد أن يفرض نفسه بقوة الحديد والنار.
وهذا ما يفسر ترحيب كل أهل الجنوب بالعاصفة، فموقف(الإصلاح) -نصرة لأهل الجنوب- جاء منسجما مع هذه الإرادة، وهذه النصرة شرعية دستورية لأن العاصفة جاءت بطلب من رئيس يتمتع بشرعية كاملة- في المنظور القانوني الدولي- وإن كان ما قام به من تآمر مع الحوثيين ينزع عنه هذه الصفة لو كان في اليمن معارضة قوية يقف معها الشعب لإسقاط الرئيس المتآمر، حينها: ما كنا لنصل إلى هذا الوضع المعقد.
وأخيرا:
هناك من يذهب إلى أن هذه الحرب، كانت فخا تاريخيا للمملكة السعودية لأنها مستهدفة، وأن هذه الحرب طعم لجرها للمواجهات، وهذا الطعم مقدم من إيران وأمريكا....
وعلى نفس هذا النسق:
ألا يمكن أن نقول: إن قرار التأييد الذي أعلنه (الإصلاح)هو طعم تم التحضير له بدهاء ليكون في واجهة الأحداث أمام أعدائه المتربصين به، بعد أن تمكن كما قلنا آنفا من النجاة من هذا المأزق...
وحينها يكون الوطن هو الخاسر الأكبر، وهذا يعني أن الجميع خاسر..
وحينها نتذكر قول الشاعر:
ما كل ما يتمنى المرء يدركه....تجري الرياح بما لا تشتهي السفن.
والباب لا يزال مفتوحا لرصد الكثير من الدلالات والاحتمالات التي ستظهرها الأحداث ولو بعد حين....
في السبت 04 إبريل-نيسان 2015 12:14:11 م