قد يعاني كثير منا أزمة مالية أو بالمعنى الأدق اقتصادية خانقة ، ويختلف الناس في بيان أسبابها وأرى أن هذه الأسباب قد ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم في حديث واحد جاء في بيان لحالة معينة كان يعيش صاحبها مشكلة اقتصادية شخصية فأرشده النبي صلى الله عليه وسلم إلى الاستعاذة بالله عز وجل من آثارها ، ومن هذا الحديث نأخذ أيضا الأسباب الموصلة لهذه المشكلة الحديث النبوي الشريف "عن أبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قال : دخل رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ يَوْمٍ الْمَسْجِدَ فإذا هو بِرَجُلٍ من الْأَنْصَارِ يُقَالُ له أبو أُمَامَةَ فقال: يا أَبَا أُمَامَةَ ما لي أَرَاكَ جَالِسًا في الْمَسْجِدِ في غَيْرِ وَقْتِ الصَّلَاةِ. قال: هُمُومٌ لَزِمَتْنِي وَدُيُونٌ يا رَسُولَ اللَّهِ.
قال: أَفَلَا أُعَلِّمُكَ كَلَامًا إذا أنت قُلْتَهُ أَذْهَبَ الله عز وجل هَمَّكَ وَقَضَى عَنْكَ دَيْنَكَ. قال : قلت بَلَى يا رَسُولَ اللَّهِ. قال: قُلْ إذا أَصْبَحْتَ وإذا أَمْسَيْتَ اللهم إني أَعُوذُ بِكَ من الْهَمِّ وَالْحَزَنِ وَأَعُوذُ بِكَ من الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ وَأَعُوذُ بِكَ من الْجُبْنِ وَالْبُخْلِ وَأَعُوذُ بِكَ من غَلَبَةِ الدَّيْنِ وَقَهْرِ الرِّجَالِ. قال فَفَعَلْتُ ذلك فَأَذْهَبَ الله عز وجل هَمِّي وَقَضَى عَنِّي دَيْنِي." سنن أبي داوود
ففي هذه الحديث دلالة واضحة على علاج فوري ألا هو الاستغاثة بالله عز وجل، ولكن كما يظهر أنَّ فيه إشارات واضحة إلى الأسباب والمظاهر لمشكلة قلة كفاية الموارد لإشباع الحاجات (طبعاً نقيدها بالضرورية والتحسينية) وبالتالي يكون العلاج في التخلص من هذه الأسباب، وسنعرج عليها فيما سيأتي سريعا.
فالحزن
على ما فات
والهمعلى ما هو آتي له دوره في تعظيم المشكلة الاقتصادية أكبر مما عليه، وهذا يدخل في الأسباب المعنوية المولدة لليأس والقنوط الذَين هما أساس التعثر عن إتمام الأعمال، وتحقيق الأهداف.
وهذه هي ميزة الاقتصاد الإسلامي أنه اقتصاد تفاؤلي يدعو إلى التفاؤل وعدم اليأس. كما ذكر تعالى على لسان يعقوب عليه السلام أنه قال لبنيه ( وَلَا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ [يوسف/87]
ومن أسباب المشكلة الاقتصادية
العجزالذي يقف بين الإنسان وبين الاستغلال الأمثل للموارد ، وهذا واضح في عدم قدرة الإنسان الاستفادة من بعض الموارد الاقتصادية بسبب مانع كما ذكرنا تقني أو سياسي أو اجتماعي أو ثقافي.
وعندنا من الأسباب المهمة
كسلهذا الإنسان أمام هذا الاستغلال بميله للراحة والدعة فلا يعمل ولا يسير في الأرض ابتغاء الرزق ثم يقول عندي مشكلة اقتصادية أريد من يمد يده لي.
والخوف
(الجبن) من الإقدام على الإبداع والانتقال والرضى بمثل قولهم " طريق الأمان ولا مسيرة ثمان" فيعيش يتمنى على الله الأماني في جانب الرزق، ولم يغدو خماصاً حتى يروح بطاناً.
وكذلك ا
لحرصعلى المال (البخل) الذي يُصَّير صاحبه أسيراً للمال فلا يشبع ولا يقنع فيصير خادماً للمال يشقى في جنيه ليأتي من يأتي بعده فيأخذوه عذبا زلالا.
فالشعور بالحجة فيه لا تنتهي ولا يشعر بمنة الله عليه في ما رزقه إياه
ثم من أسباب الأزمة الاقتصادية التي يعيشها الفرد هناك أشياء خارجة عن قدرة الإنسان وهي ديون مستخدمة سابقا في محاولة حل مشكلة اقتصادية ولكنها لم تقم بالغرض أو قامت به لفترة معينة فكانت كإجراء علاجي للتهدئة فقط ثم حان موعد استحقاقه فأصبح في ذاتها مشكلة لعدم القدرة على السداد وما يترتب على ذلك من التزامات .
وغَلَبة الدينتتأكد صورتها بأن يكون صاحب الدين (الدائن) لا يراعي أخلاق الدائن من النظرة للمعسر المدين ، والتصدق عليه ومسامحته.
وعلى هذا يكون قهر الرجال هو عائد على أصحاب الاستحقاقات.
والعلاج قد ذُكر في الحديث ضمنا أولها الرجوع إلى الله عز وجل والاستعانة به ، وثانيها التخلص من أسبابه المذكورة في الحديث التي هي الهم والحزن المحبطان الجالبان لليأس (وأدل في هذا بعد كتاب الله عزوجل وسنة النبي صلى الله عليه وسلم على كتاب لا تحزن للشيخ عايض القرني فهو من أجمل ما كتب في علاج هاتان المصيبتان)، ثم من الأسباب عدم العجز ومحاولة تجاوز العوائق بالتعلم لحرفة أو مهارة معينة والطموح المستمر، ثم محاربة الكسل لأنه يقدم ساعات نوم وراحة على راحة عمر كامل.
ثم الإقدام على تجربة مصادر الرزق فإن لم تنجح هذه ستنجح الأخرى، ولا يصير منهوما بجمع المال فقط فيشعر دائما بالحاجة ويشعر بالأزمة في كل فترات حياته، وأخيرا لا يسرف ولا يبذر فيستدين لتغطية صرفياته فيغلبه الدين ويقهره أصحابه.
ــــــــ
*
مدرس ااقتصاد إسلامي جامعة الإيمان/ مدير معهد بناء للتدريب والتنمية/ كاتب عمود تأملات في صحيفة البشائر