حشود هادرة بمحافظة تعز تنديدا بجرائم الابادة والتهجير بقطاع غزة الذكاء الاصطناعي يورط عملاق التكنولوجيا «تسلا» ويقودها للمحاكمة عبر القضاء كلاب آلية تنظف أحد الجبال المصنفة ضمن قوائم التراث العالمي رابطة اللاعبين المحترفين تكشف عن المرشحين لجائزة أفضل لاعب في الدوري الإنجليزي لشهر أكتوبر دولة خليجية تبدأ بسحب الجنسية من المئات من مطلقات مواطنيها الإنذار المبكر ينشر توقعات الطقس خلال الساعات الـ24 القادمة في 11 محافظة يمنية قراءة تركية: من سيحسم المعركة الانتخابية في أمريكا ويفوز بكرسي الرئاسة؟ أول تعليق من أردوغان على تعيين نعيم قاسم خلفاً لـ نصر الله تحذير خطير في أحدث تقرير للبنك الدولي عن الوضع الاقتصادي والإنساني في اليمن اجتماع طارئ لمجلس الجامعة العربية على مستوى المندوبين الدائمين تترأسه اليمن
مأرب برس – خاص
يعتبر شهر مايو من عام 1998 شهرا حزينا وتعيسا، في حياة الشعب اليمني. ففي يوم ما من هذا الشهر أعلن النظام السياسي الحاكم تراجعه عن تنفيذ مشروع برنامج الإصلاح الاقتصادي، المالي والإداري، والذي كان قد تم تبنيه وأُقر العمل به، والتزمت الحكومة بتطبيقه رسميا - بعد الكثير من الضغوطات المتزايدة ، خارجيا وداخليا - منذ العام 1995.
ففي هذا اليوم – والذي لم أستطع تحديده على وجه الدقة – من الشهر المذكور– وافقت القيادة السياسية في اليمن - كما هو معروف – على ق
بول استقالة الخبير الاقتصادي والإداري الكبير، دولة الأستاذ الدكتور فرج بن غانم – رحمه الله – عن رئاسة الحكومة، وذلك بعد حوالي عام من تكليفه برئاستها - من مايو 1997 إلى مايو 1998 – وقد جاءت تلك الاستقالة والموافقة عليها بعد فترة طويلة من الترقب والانتظار، والأخذ والرد استمرت عدة أشهر.
ومعلوم أن تلك الاستقالة - الفريدة من نوعها - لم تأت من فراغ ، وإنما جاءت نتيجة لاصطدام الجهود المخلصة والجدية والسياسات الإصلاحية الهادفة - التي حاول الأستاذ الدكتور فرج بن غانم تطبيقها والسير في ضوئها - بواقع الفساد العتيد والعنيد والمزمن الذي كان يرتع في الحكومة ، وينخر في أجهزتها من قمتها إلى قاعدتها ، وكذا ببعض الوزراء والمسئولين المتنفذين المقربين من فخامة الأخ الرئيس علي عبد الله صالح أو المنتمين لحزبه الحاكم " المؤتمر الشعبي العام " – والذين وقفوا عقبة كأداء في طريقه حائلين بينه وبين المضي قدما في تنفيذ مشروعه الإصلاحي الاستراتيجي . هذا من جهة .
ومن جهة أخرى جاءت تلك الاستقالة ، نتيجة لمراوغة القيادة السياسية، ذاتها ، فيما يتعلق بالوفاء بواجباتها التي كانت قد ألزمت نفسها بها ، قبل – وبعد - تشكيل الحكومة ، وكذا موقفها السلبي والمماطل، إزاء المطالب الحيوية الملحة، التي كان قد تقدم بها إليها، لكبح جماح الفساد والفاسدين ، وللحد من نفوذ مراكز القوى الأخرى الذين لا هم لهم إلا خدمة مصالحهم الخاصة الضيقة ، ثم محاولاتها الفاشلة – أٌقصد القيادة السياسية - لاختلاق المبررات والأعذار الواهية بهدف الالتفاف أو القفز على تلك المطالب - كما هي عادتها – والتعويض عنها ببعض الترقيعات والإجراءات الشكلية وغير العملية ، والتي لا تقدم ولا تؤخر ، ولا تسمن أو تغني من جوع .
ومع أن القبول بتلك الاستقالة يومئذٍ ، وتكليف دولة الأستاذ الدكتور عبد الكريم الأرياني ، برئاسة الحكومة والتي واصلت عملها دون إجراء أي تعديل في أعضائها - لم يكن يعني ، التخلي الصريح عن العمل بمشروع برنامج الإصلاح الاقتصادي ، إلا أن تضحية القيادة السياسية ، بالأستاذ الدكتور فرج بن غانم – وهو الخبير الاقتصادي الكفء والمؤهل والمجمع على أنه الأصلح والأنسب للقيام بهذا المشروع الكبير والهام - وإبقائها للأمور في الحكومة كما هي عليه دون تغيير - رغم الروائح العفنة التي تطفح منها - يعتبر في حد ذاته انتكاسة كبرى لمشروع الإصلاح – بكل ما تعنية هذه الكلمة من معنى .
وهو في نفس الوقت قد دلّ دلالة واضحة – ليس فقط - على عدم رغبة – أو لنقل جديّة - هذه القيادة السياسية ، في الإصلاح والتغيير البنّاء ، وإنما دلّ أيضا على ترجيحها لكفة الفئة المتنفذة التي تعبث بالمال العام ، والمتورطة بالفساد والإفساد في أجهزة الدولة ، على كفة الشرفاء والمخلصين الراغبين في البذل والعطاء ، والذين يستشعرون مسئولياتهم ، ويراقبون الله في أعمالهم ، ويقدمون المصلحة العامة على مصالحهم الخاصة ، بل وتغليبها – أي القيادة السياسية - لمصالح تلك الفئة القليلة الطفيلية والمجردة من الخلق والضمير ، على مصلحة الوطن والشعب برمته . فأخبروني بالله هل يمكن الحديث عن برنامج إصلاح اقتصادي أو غيره، بعد كل هذا ، يا مسلمون؟
علما بأن التصريحات الرسمية التي رافقت - أو جاءت في أعقاب ذلك الحدث الكبير والخطير جاءت لتعزز تلك القناعة السيئة في نفوس معظم الأطراف ذات العلاقة التي كانت تنشد الإصلاح. ففي صبيحة اليوم التالي لإعلان تنحي المرحوم الأستاذ فرج بن غانم عن رئاسة الحكومة رسميا - طلعت علينا صحيفة الثورة الرسمية ، في صدر صفحتها الأولى – في سياق تغطيتها الإخبارية للحدث ، بمانشيت مكتوب بالبنط العريض، يمثل خلاصة موقف وردة فعل الرئيس علي عبد الله صالح من تلك القضية ، وهو قـوله : " أنا راضٍ كل الرضا عن الحكومة ".
ومعنى ذلك أن تنحي الأستاذ الدكتور فرج بن غانم عن رئاسة الحكومة – ذلك الحدث الكبير الذي هز سمعة اليمن ونظامها السياسي في الداخل والخارج - لم يكن يعني شيئا بالنسبة للقيادة السياسية، وكأن ما حدث من وجهة نظرها – وحسب هذا التصريح الصريح والواضح – مجرد حجرٍ هوت في بئر ، أو ورقة خريفٍ سقطت ، ليس إلا . وكيف لا ؟ والبديل جاهز ، وعلى أهبة الاستعداد لتولي هذا المنصب الحساس ، ووللمضي قدما في عملية الإصلاح الاقتصادي ، ليس كما يجب أن يكون ، ولكن طبقا لأهواء القيادة السياسية ، ودون إلزامها بدفع أي ثمن أو بالقيام بأي فعل أو تنازلٍ جدي .
وليس ذلك فحسب، بل يشير هذا التصريح – وإن بشكلٍ ضمنيٍ - إلى غبطة القيادة السياسية بهذه الاستقالة، وكأن الأستاذ الدكتور فرج بن غانم، كان بمثابة كابوس مزعج جاثم فوق صدر هذه القيادة. وحقيقة أن هذا قد يكون واردا وهو قد يحتمل الصحة إلى حدٍ كبير. كيف ؟
ذلك أنه وبالرغم من أن القيادة السياسية ، كانت هي التي لهثت ، لتوليته هذا المنصب ، من أجل الخروج من الأزمة السياسية والاقتصادية التي كانت تمر بها البلاد حينئذٍ ، إلا أنه ونظرا لما كان يتمتع به الرجل من نية صادقة، ومن حساسية مرهفة إزاء الأمانة الكبيرة التي ألقيت على عاتقة ، وإلى كونه كان يحمل في ذاته من المثل والقيم النبيلة والضمير الحي ما يحفزه على التوجه بشكل جدي نحو الإصلاح الحقيقي المنشود بمفهومه الشامل والمتوازن ، وغير المتحيز لفئة معينة على حساب الفئات والشرائح الاجتماعية الأخرى ، وبما يؤدي إلى تصحيح الأوضاع القائمة المختلة ، ورفع المعاناة عن كاهل المواطن البسيط ، بعيدا عن الأضواء البراقة والشعارات اللامعة ، والدعاية الإعلامية الزائفة .
أقول بالرغم من أن القيادة السياسية ، كانت هي التي سعت بإلحاح لتولية الدكتور فرج بن غانم منصب رئيس الحكومة ، إلا أنه ونظرا لتلك الصفات والمزايا الحميدة التي أمتاز بها الدكتور فرج بن غانم ، وكذا لعدم تمكنها من تطويعه وتشكيله على النحو الذي تريد ، فقد وجدت القيادة السياسية نفسها تسير نحو واقعٍ جديدٍ لم تحسب لهُ حسابا من قبل ، ولم تكن مستعدة له ، أو قد هيأت نفسها لقبوله ، وبناءً على ذلك ، فقد اكتشفت عندئذ أنها غير قادرة على المضي قدما في هذه العملية إلى نهاية المطاف .
أي نعم القيادة السياسية كانت تريد الإصلاح، وكانت تتحدث عنه في كل المناسبات وعبر مختلف وسائل الأعلام – ولا زال هذا ديدنها حتى اليوم - ولكنها كانت – ولا زالت - تريد الإصلاح الذي يكون على مقاسها فقط ، أو الذي يكون من منظورها هي ، وكأن لسان حالها يقول : " نجمني ونجمي الأسد " .
أما الإصلاح الحقيقي الجذري ، فهو غير مطروح أساسا ، لما سيترتب عليه من تكليف القيادة السياسية بإصدار قرارات جريئة ، واتخاذ إجراءات صارمة وحازمة ، من شأنها الحد – ولو بدرجة محدودة جدا - من سلطات وصلاحيات الرئيس المطلقة ، وكذا من شأنها المساس بالمراكز المريحة والمناصب الحساسة التي يحتلها المقربون وأصحاب المصالح والامتيازات في النظام القائم ، والضاربين بعروقهم عميقا في أجهزة الدولة ومؤسساتها ، وما قد يسببه ذلك للقيادة السياسية من صداعٍ ومن مشاكل هي في غنى عنها .
والواقع أن أقل وصف يمكن أن ينطبق على هذا التصريح المثير ، والمستفز – حقيقة - هو أنه يفتقر إلى أي نوع من الحكمة أو المنطق، بل ويدل - علاوة على ذلك - على استهتار السلطة وعدم مبالاتها بمشاعر حوالي عشرين مليون يمني ، كانوا قد وضعوا ثقتهم الكاملة ، في دولة الأستاذ الدكتور فرج بن غانم، وعولوا عليه إنجاح برنامج الإصلاح الاقتصادي ، بمفهومه الحقيقي ، والذي ظل حبيسا في أدراج الحكومة في السنوات السابقة ، فيما عدا الشق المتعلق بالجرعات ورفع الأسعار ، وبزيادة الثمن المدفوع من قبل المواطن المسكين ، طبقا لهذا البرنامج ، والذي جاء نتيجة لسوط المشروطية التي يفرضها كل من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ، ودون أن يواكب ذلك – بطبيعة الحال – مثقال ذرة من إصلاح على الصعيدين المالي والإداري – الذين هما لب المشكلة الاقتصادية في اليمن .
وقد ينظر البعض إلى ذلك التصريح ، الذي أدلى به فخامة الأخ الرئيس صالح يومئذ ، على أنه تشجيع لهذه الحكومة ، وتلميع لصورتها أمام الرأي العام – وهي غير قابلة للتلميع على أي حال - لاسيما بعد الإشاعات السلبية الكثيرة التي انتشرت حولها ، والصورة المشوهة التي ارتسمت لها في الأوساط الشعبية ، في أثناء فترة رئاسة الدكتور فرج بن غانم للحكومة وبعدها . وذلك لتحفيز تلك الحكومة ، وإشعارها بمسئولياتها ، ودفعها للنهوض بواجباتها الوطنية والاجتماعية ، وحتى يشعر أعضاؤها بأنهم ليسوا بأقل حرصا على الإصلاح ، وإخلاصا في خدمة الوطن والمواطن من الدكتور فرج بن غانم .
بيد أن ما حدث بعد ذلك في السنوات اللاحقة قد جاء لينسف هذا الرأي المتفائل من أساسه، وليؤكد أن الرأي الصحيح هو عكس ذلك تماما ، وأن تصريح فخامة الأخ الرئيس - المشار إليه - كان بمثابة رسالة صريحة وواضحة لأعضاء الحكومة ولكل المتنفذين والفاسدين ، في أجهزة الدولة ، المدنية والعسكرية ، مؤداها " أفعلوا ما شئتم ، لا تثريب عليكم " .
ومنذ ذلك الحين وحكومة تذهب وحكومة تجيء دون أن نلمس أي تغيير إيجابي على أرض الواقع، بل ما نراه وما يتحقق في الواقع هو العكس ، فالأمور حقيقة كانت – ولا زالت - تسير نحو التدهور ، وتتقلب من سيء إلى أسوأ ، والمواطن البسيط هو الذي يدفع الثمن ، حتى وصلنا إلى هذا الواقع المر والأليم والمزري الذي نعيشه إليوم .
والسؤال : ترى - بعد كل ما حدث وفي ضوء الواقع الاقتصادي والسياسي الرديء والبائس والذي نعيشه اليوم – ترى هل مازال فخامة الأخ الرئيس راضيا كل الرضا عن الحكومة ؟
علما بأن الحكومات المتعاقبة منذ عام 98 وحتى حكومة علي مجور الحالية ، تعتبر – في رأيي الشخصي - حكومة واحدة . فهي – وإن اختلفت في بعض الوجوه وذهب وزير وحل محله وزير - إلا أن ذلك من الناحية الشكلية فقط وإلا فالجوهر واحد والوظيفة واحدة ، والسبب في ذلك واضح - بطبيعة الحال – وهو أن رئيس الجمهورية وصاحب القرار الحقيقي لا زال هو نفسه ، ولم يتغير على مر السنين ، ولا زالت طريقته في الحكم هي نفسها ولم تتغير قيد أنملة .