كان طبيعيا ان تعطي الكويت الوفدين اليمنيين اللذين يتفاوضان في شأن مستقبل البلد مهلة أسبوعين للتوصّل الى تسوية، أي الى حل سياسي يوقف المأساة التي يعيشها افقر البلدان العربية وأكثرها خطورة على امن الخليج.
كان على امير الكويت الشيخ صباح الأحمد، الذي لديه تاريخ طويل في التعاطي في الشأن اليمني، مذ كان وزيرا للخارجية منتصف الستينات من القرن الماضي، وضع اليمنيين امام مسؤولياتهم وذلك بعدما امضوا شهرين، قبل عيد الفطر، في اخذ وردّ لا فائدة منهما ولا طائل.
ليس بالمماحكات التي لا جدوى منها يمكن انقاذ ما يمكن إنقاذه من اليمن. كشفت مفاوضات الشهرين اللذين امضاهما الوفدان في قصر بيان في الكويت ان ليس بين المتفاوضين رجال دولة يستطيعون اتخاذ قرارات كبيرة في حجم المأساة التي يغرق فيها اليمن. يتصرّف الوفدان وكأنّ الوضع طبيعي في اليمن وانّ في استطاعة كلّ منهما تحقيق مكاسب على الأرض من دون أي ادراك من أي لواقع الحال. يقول واقع الحال ان العملية السياسية اليمن في طريق مسدود وانّ كل يوم يمرّ، والوضع الراهن على ما هو عليه، يزيد من عمق المأساة ومن عذابات اليمنيين، خصوصا الأطفال والنساء. كذلك يزيد مرور الوقت الصعوبات التي تحول دون التوصل الى مخرج.
ترافق الإنذار الكويتي الموجّه الى اليمنيين مع اجتماع عقده وزراء الخارجية الاميركي جون كيري والبريطاني بوريس جونسون والاماراتي الشيخ عبدالله بن زايد والسعودي عادل الجبير في لندن خصص للبحث في الوضع اليمني. عكس الاجتماع رغبة دولية وخليجية في اتخاذ موقف جدي يؤدي الى وقف النزيف اليمني. هناك وعي حقيقي لدى السعودية والإمارات لمدى خطورة الوضع اليمني ولأهمّية تضافر الجهود الخليجية والدولية للانتهاء من المأساة. ليس سرّا ان إسماعيل ولد الشيخ احمد مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة اقدم على خطوات كان لا بدّ منها من اجل كسر الحلقة المغلقة التي يدور فيها الصراع في اليمن، خصوصا بعدما استقرّ الوضع العسكري عند خطوط معيّنة بات من الصعب تغييرها، اقلّه في المدى المنظور، اللهمّ الّا اذا كان في الإمكان تحقيق قوات "الشرعية" اختراقا يصب في مصلحتها في تعز او صنعاء.
من بين الخطوات التي اقدم عليها ولد الشيخ زيارة صنعاء وعقد لقاء مع الرئيس السابق علي عبدالله صالح الذي لا يزال موجودا في المعادلة بدليل ان لديه ممثلين في الوفد الذي يشارك في مفاوضات الكويت... إضافة الى امتلاكه لثقل عسكري في صنعاء ومحيطها وحتّى في تعز ومأرب.
الى اشعار آخر، هناك للأسف تحالف بين علي عبدالله صالح والحوثيين. يسمح هذا التحالف بوجود قوة عسكرية قادرة على الوقوف في وجه "الشرعية" ممثلة بالرئيس الانتقالي عبد ربّه منصور هادي ونائبه الفريق علي محسن صالح، ورئيس الوزراء احمد بن دغر.
يعكس البيان الاميركي ـ البريطاني ـ السعودي ـ الاماراتي قدرة على التعاطي مع الواقع من دون أوهام. يمكن تقسيمه الى جزئين مرتبط كلّ منهما بالآخر بشكل عضوي. يتضمن الجزء الاوّل "دعم ولد الشيخ للوصول الى حل سياسي بناء على المرجعيات المتفق عليها في شأن المفاوضات وتحديدا قرارات مجلس الامن بما فيها القرار 2216 ومبادرة مجلس التعاون ومخرجات الحوار الوطني". اما الجزء الثاني فتضمن "اجماع الوزراء على ضرورة الا يهدد الصراع في اليمن دول الجوار مع تأكيد ان إعادة تشكيل حكومة ممثلة للجميع هو السبيل الوحيد لمكافحة جماعات إرهابية مثل 'القاعدة' و'داعش' بفعالية ومعالجة الازمة الانسانية والاقتصادية بنجاح".
تبدو المعادلة المطروحة واضحة كلّ الوضوح. انّها بين قبول القرار 2216 من جهة وتشكيل "حكومة ممثّلة للجميع" من جهة أخرى. ظاهرا، تبدو هذه المعادلة بسيطة، لكنّها في الواقع العملي في غاية التعقيد. صحيح انها تقول لجماعة علي عبدالله صالح والحوثيين، أي "انصار الله"، ان ليس هناك من يريد الغاءهم بشكل نهائي، لكنها تفرض عليهم قبول القرار 2216 الذي يتضمن بنودا يصعب عليهم قبولها في ظل موازين القوى القائمة. ما يزيد الامور تعقيدا انّ هناك عداء كبيرا للاخوان المسلمين واحقادا عليهم في مناطق واسعة من الشمال حيث لم يتمكن بعد الفريق علي محسن صالح المحسوب على هذه الجماعة من استعادة المبادرة، كما ظهرت حدود لما يستطيع أبناء الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر عمله لاستعادة مواقعهم في محافظة عمران خصوصا.
لا شكّ ان "عاصفة الحزم" استطاعت كسر المشروع الايراني في اليمن، كما اقامت واقعا جديدا على الأرض بعدما حالت دون سيطرة الحوثيين على كلّ اليمن. كان البيان الذي رافق بدء "عاصفة الحزم" في آذار ـ مارس 2015 في غاية الصراحة عندما اكد ان الهدف من العملية العسكرية هو التوصل الى "حلّ سياسي". فالكلّ يعرف ان لا احد يستطيع الغاء احد في اليمن. في المقابل، لا يستطيع "انصار الله"، ومن خلفهم ايران التصرّف كأن شيئا لم يتغيّر في اليمن وان في الإمكان العودة الى مرحلة ما قبل "عاصفة الحزم" وذلك بغض النظر عمّا اذا كانت "الشرعية" قادرة وحدها على السيطرة على المناطق التي باتت تحت سيطرتها، خصوصا في عدن ومحيطها وفي محافظة حضرموت... وفي محيط تعز وفي بعض المناطق التي لا تبعد كثيرا عن صنعاء.
وضع البيان الرباعي الخطوط العريضة لما يمكن ان يمهّد لتسوية سياسية تسمح أساسا بالانتقال الى مواجهة التطرف والتخلّف اللذين ارتبطا بالاخوان المسلمين وما تفرع عنهم من "قاعدة" و"داعش"، وذلك من دون تجاهل الدور الذي لعبه "انصار الله"، من خلفهم ايران، في نشر الجهل والتزمت في الطرف الآخر من المعادلة.
يبقى السؤال الأساسي هل في اليمن من يستطيع الاقتناع بالحاجة الى تسوية حقيقية تأخذ في الاعتبار الحاجة الى صيغة جديدة مبتكرة للبلد الذي دخل في مرحلة "ما بعد الصوملة"، وهي مرحلة لن تظهر نتائجها الا بعد مرور بعض الوقت واكتشاف انّ كلّ ما في اليمن انهار بشكل نهائي... انهار الى درجة صار هناك أطفال يموتون من الجوع.
بكل بساطة، هناك حروب أهلية تدور في اليمن. لا تنتهي الحروب الاهلية عادة الّا بتسويات. ما يصعب التكهن به هل آن وقت التسويات، ام لا يزال لدى الحوثيين قناعة بانّهم سيكونوا قادرين في نهاية المطاف على اعتماد خيار قطاع غزّة المحاصر، انطلاقا من صنعاء، خصوصا انّ علي عبدالله صالح لا يستطيع فكّ تحالفه معهم في المدى المنظور.
كلّ ما يمكن قوله بعد البيان الرباعي ان الدول الأربع بذلت، بالتنسيق مع الكويت، جهدا لايجاد بصيص امل. ربّما مهّد ذلك لمرحلة ينضج فيها الوضع اليمني بما يسمح بتسويات تقوم على الصيغة الجديدة المطلوب البحث عنها في بلد تشظّى الى حدّ لم يعد في الإمكان إعادة اللحمة اليه، لا في الشمال ولا في الجنوب ولا في الوسط.
هل لا يزال من امل في اليمن؟