رئيس الوزراء يطالب ممثل اليونيسيف لدى اليمن بممارسة الضغوط على مليشيا الحوثي
وزارة الأوقاف تناقش اعتماد قنوات تحويل آمنة لإعادة مبالغ حجاج موسم العام الماضي 1445هـ عن الخدمات التي تعذر تنفيذها
موظفو مطار سقطرى يرفضون تسليم المطار لشركة إماراتية ويذكرون وزير النقل بنصوص القانون اليمني
انتصارات جديدة ساحقة للجيش السوداني
المجلس الرئاسي يدعو للتوصل إلى ميزانية موحدة للبلاد
أردوغان يكشف عن نجاحات اقتصادية عملاقة لحكومات حزبه ويعلن:الدخل القومي تضاعف 6 مرات وتجاوز التريليون دولار
في مواجهة نارية المواجهة..برشلونة يتحدى أتلتيكو مدريد والريال في مهمة سهلة أمام سوسيداد بكأس ملك إسبانيا
الحكومة اليمنية ترحب بتوقيع اتفاقية مع اليابان لدعم التعليم بتعز بـ4.2 مليون دولار
تحسن في أسعار الصرف اليوم الإثنين
عدن: ''حجز 5 آلاف طن من الدقيق الفاسد والمقاييس توجه بإعادتها لبلد المنشأ أو إتلافها''
لم تٌجمع النخب الوطنية اليمنية باختلاف اتجاهاتها وتنوع مشاربها الفكرية والسياسية والثقافية على شخصية وطنية كما اجمعت على جارالله عمر.. وطني تلون بلون التربة والقرية.. رضع المعاناة صغيرا فكد وكافح وامتهن النضال من النشأة حتى الرحيل المفجع والمبكر؛ التعليم الذي ورثه جارالله عن أبيه "معلم الكتّاب" في قريته الصغيرة بالنادرة كان مدخله الى عالم المعرفة، ومعترك الحياة السياسية في وطن عانى - ولا يزال- من جور واستبداد الطغاة، فتعلم من اصول الدين والفقه في المدرسة الشمسية بذمار، ثم دار العلوم في صنعاء الامر عزز عنده من مفهوم رفض الظلم ومقاومة المستبدين.
تعلم كغيره من شباب جيله أن العدالة في الاسلام فريضة على الحاكم تجاه المجتمع والشعب الذي يحكمه، وتعلم من قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه "متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم امهاتهم أحرارا"؛ فمضى جارالله عمر يبحث عن الحق والعدل فلم يجده في الواقع، ولكنه وجده في كتيبات ومنشورات ما يتبادله الشباب عبر حلقات الدرس ونقاشات الزملاء في الادب والسياسة في المدرسة والمسكن، وتجمعات الأصدقاء.
تحدى جارالله عمر الظروف الصعبة التي مر بها، وعبَرَ من القرية الى المدينة، والمدرسة، الى ميدان العمل السياسي، فشارك في انشطة حية بحثا عن العدالة ومطالبة للحرية قبل ثورة سبتمبر 62 وبعده؛ في كلية الشرطة درس القانون واجاد فهم اركان الجريمة ومسببات العقاب، وانضم لهيئة التدريس فكبرت مساهمته في تنمية الوعي السياسي بين زملائه وطلابه، وكان لارتباطه المبكر بخلايا القوميين العرب (1960) دورا في تنمية وعيه السياسي وتطوير علاقاته التنظيمية والحزبية.
كان جارالله عمر عنصرا فعالا في مظاهرات دعم وتأييد الثورة والجمهورية، ثم مشاركا في الدفاع عن العاصمة صنعاء أثناء حصار السبعين يوماً (28 نوفمبر 1967 - 7 فبراير 1967)، انتماءه الحزبي تسبب له الكثير من المتاعب؛ فتعرض للملاحقة والاعتقال ثم السجن إثر احداث اغسطس 1968، وتعرضت اسرته للمضايقة في قريته "كهال" وفق شهادته في "مذكرات جارالله عمر" .
نضال أم تخريب؟!
اضطرته الملاحقة الامنية بعد خروجه من سجن القلعة بقصر غمدان الى الانتقال الى عدن عام 1971، حيث بدا نشاطا تنظيميا وسياسيا شكل مرحلة جديدة في حياته السياسية، من حيث كونه أصبح قياديا في الحزب الديمقراطي الثوري اليمني، ثم عضوا في المكتب السياسي للحزب الاشتراكي اليمني، شارك في تأسيسه في 14 أكتوبر 1978، وتولى مسئولية نشاطه في الشمال تحت مسمى حزب الوحدة الشعبية اليمني (حوشي)، الذي سبقه تشكيل الجبهة الوطنية الديمقراطية (1975-1990)، التي تولت حينها مهمة مناوشة النظام في صنعاء عبر النشاط المسلح في المناطق الوسطى.
القضية الوحيدة التي (ربما) اعتورت النشاط السياسي والتنظيمي لجارالله عمر في نظر منتقديه هي انخراطه في تنظيم العمل المسلح ضمن قيادات الجبهة الوطنية (1978 ـ 1983)، التي اشعلت المواجهات في المناطق الوسطى (تعز، اب، البيضاء، ذمار، وريمة)، وتسببت في زعزعة أمن واستقرار البسطاء من المواطنين، فكانت اقرب الى التخريب منها الى النضال؛ صحيح ان النشاط المسلح في تلك المناطق فرض على صنعاء شروطا جديدة للتفاهم مع قيادة الجبهة الوطنية، التي كان جارالله عمر أحد ابرز قادتها الى جانب سلطان احمد عمر، لكنها خُصمت بالضرورة من الرصيد النضالي له ولزملائه، لان المواطن كان هو الضحية، وكان المتضرر الاول منها، وهو من دفع ثمنها غاليا من أمنه وأهله وأولاده وأسرته.
هكذا عرفت جارالله؟!
كان جارالله عمر شخصية قيادية وسياسية معروفة على مستوى الساحة اليمنية، برز اسمه بعد اشتعال المواجهات بين حكومة صنعاء والجبهة الوطنية (المدعومة من حكومة عدن) في المناطق الوسطى (78-83)، عرفتُ الكثير عن الرجل منذ كنت طالبا في الاتحاد السوفيتي (79 - 85)، حيث الكثير من الطلاب اليمنيين موفدين عبر عدن والجبهة الوطنية، التي كان جار الله عمر أحد أبرز قادتها، وكانت لقاءات الزملاء ومنتديات رابطة الطلاب اليمنيين التي كان اليسار مسيطرا عليها، لا تخلو من الحديث عن جارالله وعن انشطة ومواجهات الجبهة في الشمال.
عرفت جارالله عمر أول ما عرفته وسمعت عنه عن طريق زميل ابتعث لدراسة المكتبات في منسك (روسيا البيضاء) بعد اصابته في حروب الجبهة الوطنية، وتعرض منزله للتخريب واسرته للتشريد.. عبدالله خالد (الشرعبي) كان أحد قيادات الجبهة الميدانيين في شرعب.. حدثني بشغف كبير عن جارالله عمر.. ثقافته، نظافة يده، شجاعته، اخلاصه للقضية التي كان يقاتل من اجلها..
كان عبدالله خالد يحمل هموما بحجم الجبال وهو يسرد بعض القصص في مواجهات الجبهة في تعز وبقية المناطق الوسطى، ومعاناة اهله وضحايا الصراع بين الشطرين (الشمال والجنوب).. كان يحاول اخفاء حسرته وانكساره عبر الهروب الى عوالم النسيان لكنه لم ينس انه ظَلَمً وظُلمْ - كما كان يقول لي و"بيني وبينك"..!!
المهم كان صاحبي "المناضل" المنكسر عبدالله خالد أول من عرفني بالقيادي الوطني الاشتراكي جارالله عمر، الذي ظللت اتتبع اخباره وانشطته عبر قراءة صحيفة "الامل" الناطقة باسم الجبهة الوطنية الديمقراطية، التي كان يقف ورائها، وصدرت في صنعاء بهيئة تحرير مهنية رأسها الاستاذ سعيد الجناحي بعد التفاهم مع الرئيس صالح (1980)، فصارت متنفسا لعموم اليسار اليمني ولمنتقدي النظام في صنعاء، وكانت الصحيفة توزع عبر رابطة الطلاب اليمنيين في عموم مدن الاتحاد السوفيتي.