ابن فريد...وحكاية الصمت المثير
بقلم/ ماجد الداعري
نشر منذ: 15 سنة و 11 شهراً و 13 يوماً
الإثنين 12 يناير-كانون الثاني 2009 09:41 ص

مار ب برس – خاص

يتساءل الجميع في الشارع الجنوبي عن أسرار ال

صمت المثير والغياب التام الذي اتخذه الكاتب الصحفي/ احمد عمر ابن فريد منذ خروجه من سجن الأمن السياسي بصنعاء نهاية شهر يونيو الماضي, بعد أن داهمت قوات الأمن منزله الكائن في المنصورة ليلة الـ( 30 مارس) وروعت أبناءه وأفراد أسرته, وقبل أن تقتاده إلى سجن فتح, ومن ثم ترحيله وآخرين من قيادات الحراك المقبوض عليهم في تلك الليلة إلى زنازين فردية تحت الأرض بسج

ن الأمن السياسي صنعاء وعبر طائرة خاصة بتلك المهمة.وبعد فترة اعتقاله التي استمرت لأكثر من شهر, وقبل أن يفرج عنه مع غيره من القيادات الجنوبية الأخرى المعتقلة, بعد اعتذاره الشهير لرئيس الجمهورية اليمنية على مابدر منه من إساءة للوحدة اليمنية وامن واستقرار البلد الموحد, وطلبه من الرئيس العفو عنه وأربعه من رفقاءه ضمتهم رسالة اعتذاره للرئيس, وبعد مفاجأته لمحاميه والحضور في قاعة المحكمة بقراءتها على مسمعهم, ورفضه التراجع عن الاعتذار,مكتفيا بالتعليق على ذلك, بعدم جدوى أي شيء آخر غير الاعتذار للرئيس عن مابدر منه في خطاباته السياسية من شطحات وتمرد ـ باعتباره بشر يخطئ ويصيب وباعتبار عفو الرئيس ورحمته قد وسعت كل اليمنيين ـ كما جاء في نص رسالة الاعتذار التي تناقلتها وسائل الإعلام بصورة كبيرة.وتناقل الإنباء بعدها برضوخه ورفقاءه المعتقلين للضغوطات النفسية والأسرية التي واجهونها في المعتقل، مما دفعهم إلى التوقيع على التعهدات الكتابية بعدم عودتهم إلى ممارسة نشاطهم السياسي والمشاركة في التجمعات والمظاهرات الجنوبية أو الكتابة الصحفية عن كل ما يمس الوحدة اليمنية وامن ووحدة اليمن ـ باستثناء باعوم الذي تأخر الإفراج عنه إلى اليوم الثاني بعد إصراره على عدم التوقيع أو القبول بأي تعهدات تمنعه من ممارسة نشاطه السياسي في إطار الحراك الجنوبي ـ حسب قوله.

ففي الوقت الذي اكتفى فيه بتعليق وحيد على سيناريو مرحلة ما بعد المعتقل بقوله (أنه قد استشهد سياسيا) تتزايد كل يوم تساؤلات جمهوره وقراءه عن أسرار غيابه المحير لهم وأسباب ذلك الصمت المثير الذي التزمه منذ خروجه من المعتقل قبل أكثر من شهر مضى؟

 وما وراء اختفاءه المستمر عن المهرجانات والفعاليات الجنوبية, التي كان دائم الحضور والمشاركة فيها, وبشكل أكثر من بعض رفقاء زنزانته التي يحضرونها اليوم باستمرار, وهم الخارجين معه من المعتقل, وفي يوم واحد ـ بينما هو الوحيد فيهم مصر على استشهاده ؟!

وهل فعلا توقف عن ممارسة نشاطه السياسي والصحفي في إطار الحراك الجنوبي وبين قياداته؟ وماهي أبعاد اعتذاره للرئيس, وامتناعه عن الكتابة والمشاركة في المهرجانات الجنوبية؟

 وعلى ماذا تمحورت زيارة قيادات حزب الرابطة له في المعتقل,وهل من صفقة مغرية تلقاها مقابل صمته المثيرـ سيما وان خطاباته تثير الرعب والهلع لدى السلطة ورجالها, نتيجة إدراكه الذكي لكثير من الفجوات التي تحاول السلطة وأجهزتها المخابراتية النفاذ منها, وتركيزه الحساس على قضايا مهمة في خطاباته, إضافة إلى جرأته وحسن انتقاءه للجمل والعبارات المقتضبة في كتاباته ـ كما يقول عنه قراءه ومتابعيه.

و ماذا عن تداعيات اعتقاله, وخلفيات الإفراج عنه ورفقاءه بعفو رئاسي, بعد أقل من أسبوع على تهديد الرئيس لهم وتلويحه بمحاكمتهم جنائيا, باعتبار رفعهم لعلم التشطير في الهاشمي, وتكديرهم للأمن العام ـ قضايا جنائية وليس سياسية كما هي تهم من قام بالإفراج عنهم قبلهم ـ حسب قول الرئيس؟! 

وفي الوقت الذي ندعوه للإجابة على كل الأسئلة الواردة وحقه في ذلك ـ نورد هنا بعض التحليلات التي يقدمها البعض في محاولة لفك طلاسم الصمت المثير الذي التزمه على نفسه منذ خروجه من المعتقل مطلع شهر يوليو الماضي, فهناك من يرى أن صمته جاء بعد تهديدات وأنواع شتى من التعذيب الجسدي والنفسي التي تلقاها في المعتقل ـ خلافا لما حصل لغيره ـ نتيجة حدة خطاباته, ودرجة الخوف التي كانت تحدثها لدى رجال السلطة وعتاولة النظام. وهناك من يرى أن صفقة مغرية قد جرت بينه وبين النظام بوساطة ومباركة قيادات بارزة في حزبه سابقا.

 وهناك أيضا من يتوقع أن قبيلته وقبائل شبوة التي كان يتوقع أنها ستقيم الدنيا وتقعدها عند علمها بنبأ اعتقاله, ولم تفعل ـ وبالتالي تدرك السلطة حجم التأييد القبلي والشعبية التي يلقاها, وتبادر إلى ترتيب وضعه في وظيفة مرموقة بالسلطة,وهو مالم يحصل بالتالي بعد أن طال سجنه إلى حوالي 3أشهر.وهناك من يتوقع أن رسالة الشهرة ونشوى القيادة التي كان يحس بها أثناء إلقاءه لخطاباته السياسية قد وصلت, وتحققت وبالتالي ـ فإن الصمت بعد ذلك الاعتذار "المخرج" أفضل واسلم له من العودة إلى صفوف الجماهير التي يدرك حجم الانكسار وخيبة الأمل التي أصابهم بها نبا اعتذاره للرئيس. 

واليوم.. وبعد مرور أكثر من شهر على الإفراج عنه ورفقاءه من المعتقل لم يعد له أي حضور في المهرجانات الجنوبية والفعاليات الاحتجاجية التي كان يحرص على حضورها باستمرار والدعوة إلى تنظيمها. والتحمس للمشاركة فيها بخطاباته الحادة التي كانت دائما ما تلقى صدى واسع بين جماهير الحراك الجنوبي ـ قبل أن يصطدم غالبيتهم بخيبة أمل كبرى عند مطالعتهم لنص اعتذاره للرئيس على صدر الصفحة الأولى لجريدة الأيام, التي طالما عودتهم صباح كل يوم أربعاء, بمقال ثوري ساخن له, يستبشرون من خلال عباراته الساخنة المنتقاة بذكاء فريدي ماكرـ بعودة دولتهم الجنوبية المفقودة. بينما فضل البعض تسييس الموضوع,وعدم القدرة على تقبل الحقيقة والإفاقة من هول صدمتهم التي دفعتهم إلى شتم الصحف التي تناقلت النبأ, واتهام الصحفيين بالعمالة والعمل على مساعدة السلطة في نشر الأكاذيب,واختلاق الأباطيل المسيئة إلى رموز النضال الجنوبي وقيادات الدولة الجنوبية القادمةـ ومن حينها والجميع يتساءلون عن مصير الجنوب العربي الذي نظر له, والدولة الجنوبية المستقلة التي دعا لها في أكثر من خطاب له؟ ولماذا توارى عن الساحة وصفحات الجرائد, وفضل الصمت المطبق, وفي اللحظة الحساسة التي ينتظره فيها أبناء الجنوب لإكمال مشروع دولتهم الحلم, التي رأوها شامخة مستقلة بين ثنايا كلماته الصحفية وتعبيراته الخطابية التي ظلوا يتابعونها بنهم كبير, إلى ماقبل نبأ انكساره المرير بقاعة المحكمة, وفي ذلك اليوم الجنوبي الغاضب التي كانت فيه المظاهرات الاحتجاجية على استمرار اعتقاله ورفقاءه, تعم شوارع أكثر من منطقة جنوبية!

في مهرجان حضره بمنطقة ردفان الحبيلين بمناسبة ذكرى أحداث يناير 1986م الدامية ـ اعتلا ابن فريد المنصة ليعلن قسمه الجنوبي الشهير, الذي حرم من خلاله دم الجنوبي على الجنوبي, وفي لحظة كان الجميع يردد فيها عبارات القسم خلفه, في إشارة إلى تحمسهم واستحسانهم لفكرته التسامحية, المنطلقة من خطاب ديني يهدف إلى تعزيز عرى الوحدة الجنوبية التي ظهر بها طابع الحراك الجنوبي مبكرا, وتكريس ثقافة التسامح والتصالح التي كانت حينها في طور تشكلها, كردة فعل على ذلك الخطاب الرسمي, الذي شرع في نبش الماضي البغيض, والتذكير بفترة الصراع الدموي بين رفاق الأمس ـ كما جاء في خطاب الرئيس بابين في أكثر من مناسبة,وبعد ظهور تخبط السلطة وعجزها المزري في السيطرة على ذلك الصوت الجنوبي المتنامي يوما بعد يوم .

ولعل ابن فريد حينها ـ كان من أكثر الداعين إلى تلك الفكرة التصالحية, بعد قسمه الشهير الذي أصبح خطوة كبيرة لانطلاق فكرة تأسيس ملتقيات التصالح والتسامح الجنوبي التي تشكلت فيما بعد, كهيئة جنوبية منطوية ضمن الهيئات العديدة التي برزت إلى السطح مؤخراـ ليصبح من حينها محطة أنظار رموز السلطة وأعينها نتيجة الحساسية الخطابية الكبيرة التي يركز عليها في خطاباته وكتاباته, التي حظيت بمتابعة الكثير من الجماهير الجنوبية, التي ظلت تتابع عموده الأسبوعي في صحيفة الأيام كل صباح أربعاء, وقبل أن يتحول فجأة إلى قائد ميداني في صفوف الحراك الجنوبي, ومشارك مستمر في المهرجانات الجنوبية التي تقام هنا وهناك ـ سيما بعد حادثة اختطافه من "الهاشمي" عقب مهرجان جنوبي ساخن بمناسبة ذكرى ثورة 14 اكتوب, ونقله إلى منطقة معزولة في (بئر احمد) من قبل عصابة أمنية ملثمة تولت اختطافه وشتمه وتهديد حياته, في محاولة بائسة منها لإثنائه عن إكمال مشوار دولة (جنوبه العربي) الذي كان من أوائل الداعين والمنظرين له, وقبل أن يفاجئ بعدها قيادة وأعضاء حزبه رابطة أبناء اليمن(رأي) بخبر استقالته من الحزب, لاتهامه قياداته ـ حينها ـ بالتواطؤ والتقصير تجاه ما حدث له, بعد صمت حزبه وعدم تكلفه حتى إصدار بيان إدانة لما حصل له ـ حسب مصادر مقربة منه .

وفي مهرجان يوم الشهيد/ بمديرية الشعيب ـ الضالع فاجأ الحضور بحدة خطابه الجنوبي المتشنج, الذي غير من خلاله كل صيغ الخطابات الأخرى التي ألقيت بعده, في ذلك المهرجان الذي بدا فيه جريئا ومتهورا أكثر من غيره ـ سيما بعد مطالبته الصريحة للأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي ودول الجوار إلى التدخل العاجل لإنهاء ما أسماه "الاحتلال العسكري"المفروض على الجنوب, وتنفيذ قراري مجلس الأمن الدولي رقم 924و 931. ودعوته الجريئة من على منصة المهرجان الذي حضره الآلاف من أبناء المحافظات الجنوبية ـ كل الجنوبيين المتمسكين بمناصبهم في السلطة إلى التخلي عنها سريعا والعودة إلى صفوف إخوانهم الجنوبيين, قبل أن تنهار بهم كراسيهم في غضون أشهر قليلة قادمة ـ حسب تعبيره. إضافة إلى مناشدته لكل الجنوبيين والحاضرين ـ إلى نبذ بطائقهم الحزبية والتخلي عن انتماءاتهم السياسية والسياسية, وعدم الاعتراف بأي من الأحزاب السياسية التي اعتبرها ‘‘شرعنة’’ لاستمرار نظام الاحتلال العسكري القائم في الجنوب منذ حرب صيف 1994م ـ ودون اعتبار منه ـ لكل الشخصيات الحزبية الحاضرة والمساعدة في تنظيم المهرجان, وحشد جماهير أحزابها ـ التي شكلت غالبية الحضورـ إلى المشاركة في المهرجان ــ كما جاء في الانتقادات التي وجهت له عقب المهرجان.

في صراعات مرحلة الستينيات ـ غادر ابن فريد اليمن إلى العربية السعودية قبل ان يبلغ السادسة من العمر, برفقة أفراد أسرته الذين تيتموا بعد أبيهم الذي راح شهيدا في تلك الأحداث, ليكمل دراسته الثانوية والجامعية هناك ويعود إلى لأرض الوطن مع بداية تسعينيات الوحدة اليمنية ببكالوريوس ـ إدارة أعمال من جامعة الملك فهد ـ ولكن الضر وف المحلية في اليمن لم تسعفه وأفراد أسرته في البقاء والاستقرار في اليمن ـ سيما بعد تفجر أزمة حرب صيف 1994م, ليعود بعدها ثانية من حيث أتى وأسرته ـ ولان حنينه لبلده الأول مازال يختلج في فؤاده فقد كرر عودته إليه مرة أخرى في مطلع عام 2000م ـ معتقدا أن أزمة الحرب قد وضعت أوزارها, وأسفرت إلى يمن موحد وبلد آمن ومستقر, يسوده العدل والإخاء, وقبل أن يصطدم حلمه بما رآها من واقع لم يتصوره وهو يحسم أمر عودته النهائية إلى بلدة اليمن الموحد. ليقدم نفسه من مع مرور الخمس السنوات الماضية ككاتب وصحفي وناشط وسياسي في صفوف القيادات الجنوبية المنادية بالقضية الجنوبية, وفي اللحظة التي كان فيها عضو في حزب رابطة أبناء اليمن (رأي) وقبل أن يقدم استقالته منه, ويبرز كأحد ابرز المنادين باستقلال الجنوب والمنظرين للجنوب العربي, حتى ماقبل الزج به في معتقل الأمن السياسي بصنعاء لأكثر من خمسة أشهر. 

أكثر من خمسة أشهر مرت على سجنه في معتقل الأمن السياسي بصنعاء, دون أن يهتز له كيان, أو توجه له تهمة غير الكتابة ذنبه الوحيد التي استحق عليها الاعتقال والبقاء منفردا تحت الأرض, حتى لحظة اعتذاره الشهير لرئيس الجمهورية التي لقيت صد كبيرا قبل ان يغادر المعتقل بمكرمة رئاسية وتعهد سري لم يكشف بعد عن حقيقة وبقايا تفاصيله.التي لا يدركها أحد سواه والسلطة.

 

.