الإرياني .. صاحب القلب الحقود
بقلم/ صحن بن سرحان
نشر منذ: 17 سنة و 8 أشهر و 21 يوماً
الجمعة 06 إبريل-نيسان 2007 06:23 ص

من حيث لا يفقه.. عاد الدكتور/ عبدالكريم الإرياني نائب رئيس الحزب الحاكم ومستشار رئيس الجمهورية السياسي.. إلى رصيف الكولسة السياسية من جيد عن طريق محاولة أريدلها أن تكون "صدفة" قبل أن تفضح نفسها بقراءة أبعاد ما وراء إعلان القيادي المؤتمري أحمد الشرعبي استقالته المفاجأة مع بيان مباشرة التأسيس لما أسمي "حركة التغيير والبناء" انطلاقاً من محافظة إب التي ينتمي إليها الإثنان..

نزعة شمولية كشفت مواصلة الدكتور الإرياني لمخططه القديم القائم على هدف تكوين مركز نفوذ سلطوي يعتمد على تمكين المحسوبين على منطقته والموالين له في مناصب قيادية كبيرة وذات تأثير في أجهزة الدولة دشنها بوزارة الخارجية أثناء توليه حقيبتها ومستفيداً من علاقاته الخاصة بأطراف خارجية عزرت مكانته على حساب الداخل وساعدت كثيراً في تقوية لوبي الإرياني المناطقي في قيادة المؤتمر الشعبي العام وبمواقع حساسة في أغلب أجهزة الدولة بما فيها مجلس النواب والشورى والوزراء والقضاء والأمن والاقتصاد والإعلام طول عقدين من الزمن قضاها بالقرب من رئيس الدولة كواحد من أهم أعوانه قبل أن يستشعر أطراف في الأسرة الحاكمة بخطورة توجهات الرجل الشهير بالدبلوماسية رغم تخصصه في علوم الأحياء البحرية.. لتبدأ مرحلة فرملة تقدم نفوذ الدكتور مع أواخر التسعينات وهو في منصب رئيس الوزراء.. إذ دشنت مرحلة تقليم أظافر التعصب المناطقي بحملة تشهير إعلامية استهدفت تشويش سمعة الدكتور الإرياني لدى الشارع اليمني بإيكال المهمة إلى صحيفة مقربة من القصر اضطلعت بدور التصدي للإرياني من خلال تقديمه للرأي العام كقيادي يقود مساعي سياسية للتطبيع اليمني مع إسرائيل مع اتهامات ملغومة بالعمالة للإمبريالية الأمريكية والتورط في قضايا فساد وتآمر على مصالح الوطن..(!!) تنتهي الضربة الأولى بإقالة الإرياني وايقاف صدور الصحيفة حفاظاً على ماء وجه مجهولين يديرون الصراع من تحت الكواليس.. النهاية التراجيدية حملت لصقها بداية أكثر إثارة كمرحلة تاليه استهدفت تقليص نفوذ الإرياني في قمة قيادة الحزب الأكبر الذي كان هو فيه الرجل الأول كأمين عام قبل أن يسحب البساط من تحت استحواذه على القرار المؤتمري أمناء مساعدين يحملون فكر مغاير لراديكالية الإرياني وينهجون خطاً يتقاطع مع توجهات مزعجة يقودها الدكتور ذاته.. وكلف عبدالرحمن الأكوع القريب جداً من رئيس الدولة بالمهمة الأخطر من خلال ترأسه لفرع الشعبي العام بأمانة العاصمة ودعم قوي يحظى به من أعلى المراكز.. وجاء دخول نجل الأكوع ببطاقة مسئول كبير في وزارة الخارجية بمثابة اختراق لزحمة السيطرة الإريانية على الوزارة الأهم..

وجاء الرد قوياً من الإرياني على ما أحسن بأن استقصاد واضح له.. أثناء الانتخابات النيابية الأخيرة.. بسقوط مدوي لمرشحي الأكوع المؤتمرين في دوائر أمانة العاصمة.. حد ظهور أسنان الدكتور الناقم بارزة بفرح داخلي ذات مؤتمر صحفي في فندق تاج سبأ آنذاك..

الكرة في منتصف اللعبة.. والصراع يتجاوز مربعات الحذر داخلاً خط التربص بالآخر على جبهات عقد فسيولوجية وتصفية حسابات مؤجلة مع تفريغ نزعة حقد دفين مكبوت ومتراكم.. أصبح الإرياني في حالة تأزم.. تكالب عليه الأقوياء.. الضغوط النفسية والتكتيكية أصابته بإنهيار حاد استطاع بمكابرة ابتلاعه.. لكنه ظل محروقاً بقهر من الداخل.. مارس بدهاء صمته المثير للقلق.. توارى عن فلاشات الأضواء وهو لا يعلم لماذا.. والرجل الذي اعتاد البهرجة والمعنويات المرتفعة دلف حلقة لم يعتد أجوائها ولم يكن قد هيأ نفسه بعد للتعايش معها.. .. أحس بإهانة متعمدة.. الجرح الدامي داخله عاود النزيف بألم مضاعف.. شعر بإقصائه وهو لا يريد نهايته تكون على هذا النحو.. إنه مهزوم الآن والظروف التي خدمته في ضربة حظ وصنعت منه رجل نجاحات خارقة أصبح أسيرها مرغماً.. اعتقد أن التاريخ يلفظه إلى المجهول الذي لا يريد أن يقبع عند أعتابه.. إلا إن نفس عميق شفطة وخبرة مزمنة تذكرها في الوقت المناسب ساعدته قليلاً على النهوض وإن بد عثر وإعاقة بائنة.. كان ذكياً بقدر كاف حينما قرر التوقف في تلك اللحظة.. لقد وجد نفسه يسقط بإيقاع متسارع.. لم يعد سوى ساعي بريد ينقل رسائل الرئيس للزعماء وضيف غريب على ندوات وورش عمل.. إنه عبدالكريم الإرياني الذي كان يعتبر ذاته ذراع الرئيس اليمنى..

إنه هو الذي كان يقدم نفسه شريكاً في الحكم.. هو بالفعل الإرياني الذي كان نصيبه وافراً عند كل تشكيل وزاري أو تقاسم لمناصب وأدوار رفيعة.. وهو عبدالكريم الإرياني المعروف بتشبثه بأحقاده التي يحال أن ينساها وهو يتنفس.. القريبون من مراحل نشأته وطفولته ومعايشوه يؤكدون أنه حاقد من الطراز الأول.. ولذلك.. كانوا ينتظرون رده الانتقامي.. في تلك الأثناء لم يعد الإرياني مانشتاً رئيساً للصحف.. لقد صار الرئيس فجأة هو الهدف الأول للصحافة الغاضبة.. حملة إعلامية اشتعلت على مهاجمة الرجل الأول بفتح ملف التوريث.. شراسة الهجمة أفقدت الرئيس بعض صوابه.. وحده الإرياني من كان يتلذذ في الظل.. أولئك الذين يعرفونه جيداً لا يستبعدون وقوف الإرياني بدهاء وخطورة وراء تلك الحملة المركزة.. إنهم يعرفونه جيداً.. ويعرفون جيداً أن كثيراً من معلومات تلك الملفات لا يملك شفراتها إلا القلة بينهم هو.. ربما أصابوا في الحدس.. غير أن الإرياني لم يترك أثراً وراءه يدل عليه.. أنه خبير في صناعة الجريمة المنظمة.. ها قد اشفى غليله بالمثل.. لكنه يريد ضرب عصفور آخر بذات الرصاصة.. سينتقم الآن من عبدالله الأحمر والزنداني.. بصمات الإرياني تظهر بجلاء في هجمة شيطانية من إعلام المؤتمر استهدفت الأحمر والزنداني.. انشغل الجميع بإشكاليات العمل السياسي وتفرغ هو للنيل من الجميع.. ها هو يثبت مهارة في قنص من يعتقدهم يناصبونه الكراهية.. إنه داهية اليمن.. مع كل حدث كان يجيد التصويب.. كول الأمريكية تنفجر في بحر عدن.. سيصوب هذه المرة ناحية علي محسن والمتطرفين دينياً.. ها هو جار الله عمر يسقط برصاص الاغتيال.. حان الوقت لرد الصاع للإصلاحيين.. لكن يحيى المتوكل يموت في حادث سير..

من المناسب إضافة علامة تعجب إضافية بجوار علامات الاستفهام.. ها هو الحوثي يفجر الحرب من صعدة.. ها هو الإرياني يطل كثعلب ليدس سموم الانتقام والحقد في عسل تصريحات صحفية تهاجم الحوثي وتحرضه أكثر للنيل من النظام ورؤس القيادة.. الرجل ذو تركيبه معقدة.. التشخيص يدل على حالة غامضة يعاين تكلساتها.. لم يعد رجل دولة ولا زعيم حسب.. سيعلن بعد قليل اعتزال السياسة الحزبية.. الرئيس يعرف ماذا يريد الإرياني.. لن يتركه وشأنه ولن يمنحه الآخرين فرصة التخلص من نفسه بنفسه.. لقد حالوا من قبل دون محاولته شق المؤتمر إلى اجنحة.. واحبطوا مشروع صحيفة اليبرالية يديرها بأصابع عن بعد.. انهم يعرفون بالضبط ماذا يريد.. ها هو الرئيس يؤكد الحاجة إليه.. القزم الخطير أعيد إلى حضيرة المؤتمر باستحداث منصب شكلي خارج اللائحة يبقيه داخل قفص المراقبة.. ها هي تحذيرات الذين يعرفونه تتبلور بالفعل.. الرجل لا يستطيع العيش دون مكيدة.. من الصعب عليه تنفس هواء غير ملوث بالخبث والملعنة.. هل هو السبب في اقصاء محمد عبدالاله القاضي من الإشراف على محافظة إب في انتخابات الرئاسة والمحليات الأخيرة والتموضع بديلاً عنه؟! بالتأكيد إن له ضلع فيما حصل إن لم يكن هو اللاعب الرئيس.. وأحمد الشرعبي هل تعرفونه؟! إنه التلميذ المدلل للدكتور الإرياني الذي حاول ذات مداخلة إضفاء الأستاذية على الشرعبي وهو يشير إليه كأستاذ ذا فضل عليه.. ليست مجرد مراوغة للمجاملة..

والشرعبي يستحيل أن يفعل شيئاً دون استشارة وموافقة سيده الإرياني.. الإثنان زعلانين من المؤتمر.. فالثاني فقد رئاسة مركز دراسات وبحوث كانت ميزانيتة عشرات الملايين.. ليجد نفسه مصابا بذات الإحساس الذي أصاب عمه الدكتور.. ما يثير الإعجاب هو قدرة الشرعبي على المشاغبة كونه صحفي متمرس.. لكن الحزب الذي يسعى إليه ليس مشاكسة ستنتهي كما تنتهي عمليات الابتزاز.. انتظروه.. سيفعلها لصالح الإرياني.. أما لماذا الآن.. فلأن كوادر مؤتمرية كثيرة ليست راضية عن تعامل الحزب بالتساوي مع جميع عناصره ويبحثون عن إطار حزبي بديل.. وفق التباين الإيدلوجي.. يستخدم الإرياني ورقة "حزب الشرعبي" لمزاحمة مشروع "حزب حسين الأحمر".. الإرياني لا يريد نمو النفوذ القبلي ويشمئز من آل الأحمر.. وصديقي الذي قرأ على عجل ما كتبته مستعجلاً.. همس في إذني محذراً من "حقد" ذلك القريب من الأرض!!

نقلاً عن صحيفة الديار الأسبوعية