|
مأرب برس- محيط
" سفير فوق العادة" عبارة يرددها كثير ممن عرفوا الدكتور عبدالولي الشميري؛ فسفير اليمن لدى مصر تخصص في تخصص في الأدب العربي وحصل على شهادة الدكتوراة، ولكن حياته بعد ذلك مختلفة تماماً؛ حيث تولى مسئوليات إدارية وتشريعية وشارك بحروب دفاعية في اليمن وخارجها .. له إصدارات شتى في التاريخ والسياسة والأدب، وهو من الكتاب الذين لم يتأثروا بمناصبهم الرسمية وفضلوا الصراحة التامة في مناقشة أي قضية تمس المواطن العربي، كما أسس منتدى بارزا لتصحيح صورة العرب في الخارج .. وهو بخلاف ما سبق شاعر يسبر أغوار النفس بدواوينه .
في سفارة اليمن وبختام شهر رمضان التقى "محيط " بالدكتور الشميري الذي ظهر بالزي الوطني لبلاده، وحملت إجاباته عن أسئلتنا أسباب الأزمة اليمنية العنيفة ، وإشارة لأزمات لاحقته بسبب قصائد ومقالات صريحة ، كما تذكر والده الراحل الذي علمه الشجاعة، وتمنى أن يأتي يوم يعود فيه للأديب والمفكر ويخلع عنه الوظائف الرسمية التي تلجم صاحبها ..
*محيط : كيف يجتاز اليمن دعوات إنفصال الجنوب وتوغل القاعدة ؟
- أعترف أن اليمن يمر بتحديات قاسية تتمثل في معركة متجددة في منطقة الشمال ضد الحوثيين وخاصة في محافظة صعدة، ومعركة شديدة تجتازها البلاد ضد تنظيم القاعدة، ومعركة سياسية مع الأحزاب الداخلية كتكتل اللقاء المشترك، ولكن أكثرها خطورة هي نعرات إنفصال جنوب اليمن، وهي دعوات تتصاعد يوميا تريد إعادة اليمن لشطرين كما كانت قديما، وهي فتنة مناطقية تغذيها ثلاث وسائل وقود؛ الأولى أعترف أنها من جانب النظام حيث نعاني من سوء إدارة حكومة الوحدة؛ حيث اعتمدت الدولة على عناصر غير كفء أعطت صورة سيئة لحكومة الوحدة اليمنية.
من جانب ثان هناك القيادات اليمنية السابقة الذين يعيشون بالخارج بعد أن فقدوا مناصبهم، وهم يرفعون دعاوى الإنفصال ليعيدوا أنفسهم لقائمة الصدارة كزعماء للجنوب اليمني، وساعدهم على ذلك ما وجدوه من أخطاء إدارية تجري في الشطر الجنوبي ولكنهم اعتبروها جرائم وحولوا حبتها لقبة
ومن جهة أخرى يعاني اليمن وجود أزمة اقتصادية طاحنة ومن شواهدها ما أعلن عنه الرئيس اليمني من أن البلاد أصبحت مستوردة للنفط وليست مصدرة مثلا، والمال يخفي الجراح والمساويء وللأسف فإن اليمن يغيب عنه النمو في خطط التنمية، وفشلت كثير من دعوات النظام لجذب الإستثمارات بسبب ما اكتشفه من أن التربة مازالت غير مهيأة لذلك من الناحية التشريعية والإدارية والسياسية التي تمنح للمناطق إمتيازات بحسب خصوصية كل منها، ووجدنا ان النافذة المعلنة لجذب رؤوس الأموال الوطنية والأجنبية غير فعالة وتظهر بجوارها نوافذ أخرى تحقق بعضها فعالية أكبر.
ومن هنا فغياب الإستثمار فاقم من ازمة البطالة وهو ما ساعد بعض الأفراد ممن لا يجدون فرص للعمل والمعيشة الكريمة على الإنضمام لدعاة الإنفصال والمتمردين، ليس كرها في حكومة الوحدة وإنما هروبا من الأزمة الخانقة.
إضافة لهذه الأشياء يغيب في اليمن الوعي الثقافي الهادف لتكاتف الأيدي لبناء الوطن من الناحية الاقتصادية، وهو ما سهل وجود جيوب وخلايا تعمل لنفسها ضد الدولة وتبتز المال العام وتعبث في موارد الدولة، وبالرغم من أن المؤسسة الرئاسية تبذل أقصى ما بوسعها لتصحيح الأخطاء ومن ذلك عملية التقشف الخامسة التي تقودها لمنع تبديد الثروات المحدودة، لكن للأسف أحيانا يبدو لي اتساع الخرق على الراقع، وخاصة أن محاولات الإصلاح باتخاذ قرارات عاجلة حاسمة تقف أمامها عقبات قانونية ودستورية.
ولذلك فنحن نشعر أن هذه النيران الثلاث أحرجتنا داخليا وخارجيا، وزاد عليها وجود القاعدة وأفرادها رغم قلتهم ينتمون لقبائل شديدة البأس ويستغلون صعوبة التضاريس اليمنية من جبال وقرى بالأدغال فيسيطرون عليها، ويستغلون كذلك أن خدمات الدولة تاخرت عن هذه المناطق وسيطرتها غير محكمة هناك .
*محيط : من يحرك دعوات الإنفصال المنتشرة في الدول العربية ؟
- هناك أطراف من مصلحتها تغذية الفتن وتمويلها ، ولكن لكل دولة ظروفها؛ ففي حالة السودان هناك من يريد إحداث أزمات بوادي النيل عامة لأغراض خارجية، وكذلك من مصلحته تقوية الإنفصال لأطماع في موارد الجنوب . في السودان نجد في الجنوب قطاعات كبيرة لا تدين بالإسلام ولا بالديانات السماوية مثلا وبعضهم لايزال يعيش بالشكل البدائي في الغابات، ولكن شمال السودان يعيش مدنية وتحضر أكبر ويسوده الإسلام، فلا غرابة من أن تظهر هذه الدعوات، ولكنني أظن أن الأيام علمت السودانيين من أبناء الجنوب أن الوحدة قوة وقد علموا من خلال مشاركة القيادة الجنوبية في الحكم بالشمال صعوبة الإنفصال وتبعاته الخطيرة.
وفي حالة اليمن الوضع يختلف لأننا نرى مدن الشمال مليئة بأبناء الجنوب والعكس، والشعب على مستوى الأشخاص يرفض الإنفصال، ولكن هناك من يريد من الدولة رفع نسبة مشاركته بالقرارات، وهناك كما ذكرت آنفا من يعملون من الخارج لتزكية الفتنة ليعيدوا لأنفسهم زعامة يريدونها.
*محيط : تتابع حديث التغيير في مصر .. كيف تنظر له ؟
- مصر دولة مؤسسات يشعر الجميع فيها بأهمية سيادتها ووحدتها وفيها عقول كبيرة تديرها وتفكر في مستقبلها ، وهذا أكبر ضمانة لاستقرارها وأمنها، فلو افترضنا أن الرئيس مبارك تغيب عن مصر سنة أو أكثر لما شعرنا بتغير كبير في الأداء لأن كل مؤسسة تؤدي عملها .
والتغيير عموما سنة كونية ولكنه لا يأتي سريعا، ودولة المؤسسات ذاتها تجعل مدة بقاء أي نظام أطول وتجعل اهتمام الشعب قليل بمن يخلف في مؤسسة الرئاسة ويبقى الأهم للمواطنين مدى توافر فرص الحصول على لقمة العيش والعلاج والسكن وأن يروا مؤسسات القضاء والقانون تعمل ، أما الدول التي تدار من قبل أشخاص وليس مؤسسات يكون قلق شعوبها أكبر فيما يتعلق بمن يخلف الرئيس .
*محيط : تحدثت بمقالك عن آفة الاستئثار بالسلطة لدى العرب .. كيف نداويها ؟
- بالفعل كتبت ليس بصفتي سفيرا لليمن وإنما ككاتب أتكهن بالمستقبل . وأرى عموما أن الديمقراطية في العالم الإسلامي تعيش أزمة دائمة، فلا تأثرت بالغرب لتكون ديمقراطية حقيقية، ولا نعيش في أنظمة ملكية يتأكد الشعب أن من يملك القطر حريص هو ومن بعده على أمن الناس وتحمل المسئولية، ولكنها أنظمة توفيقية وعموما أرى أن التغيير سيحدث آجلا أم عاجلا .
*محيط : والدك "عبدالوارث فرحان" من رجال العلم والخير .. ما الذي إكتسبته منه؟
- بالفعل كان هكذا ويعود الفضل إليه في أي فضيلة نمارسها بحياتنا بعد الله سبحانه، وقد عاش أبي حياة مليئة بالكفاح ؛ ارتحل ببريطانيا في شبابه، وكان يعمل بساعده في مصانع سيارات وحديد ليوفر لقمة العيش لينفقها على تعليمنا، ويتردد باليمن بين وقت وآخر فيلزمنا بحفظ القرآن والرفق بالضعفاء وصلة الأرحام، فكان يلزمنا بالجانب الروحي الرباني، وحينما يسافر تظل رسائله كل شهر تقريبا تحثنا على طلب العلم ، وكنا نخجل ومازلنا حينما نقرأ رسائله ونقارن بين ما كان يريده لنا من حياة مثالية للغاية وما نحن فيه من ظروف تضطر لأن نكون واقعيين.
وقف الأب إلى جانبي في مواقف كثيرة منها أثناء مشاركتي بالحروب، وكان يشد من أزري ويدعوني للترفع عن النزاعات العشائرية والقبلية وعدم الخوض إلا فيما يخدم الوطن، ويقول لي لا تخشى الموت لأنه يجيء بأجل وكن شجاعا في ساحة القتال، وهو يردد قول الشاعر : " وطعم الموت في أمر عظيم .. كطعم الموت في أمر مهين" أي أن طعم الموت واحد ولذلك اختر لنفسك الحياة الشريفة .
*محيط : لغة الأديب تختلف عن العسكري والسياسي .. كيف وفقت بين المتناقضات؟
- أشعر أن الوظائف الحكومية كالشكيمة التي توضع في فم الخيل يقاد بها في طريق الخيال، ومن اجل ذلك أحب الحرية وأكره الوظائف، لأنني أريد لقلمي أن يكتب ما يشاء، أريد أن أعمل صلحا مع فكري ومع ذاتي، ولكنه قدري .. قدري أن يكون لدي ملكات الشعر والتحليل السياسي والتأريخي، وأرى الوظائف كأثواب نلبسها فإذا اتسخت إما نزعناها أو نزعها عنا غيرنا ، فغدا سأكون السفير السابق لدى مصر ، ولكن لن يقال الشاعر والكاتب السابق، لأنها قضايا أملكها تظل لصيقة باسمي حيا وميتا .
ونلاحظ أن الذين نردد أسماءهم غالبا كتاب وشعراء وليسوا مسئولين؛ لأن من يخاطب الوجدان والعقل في أعماق النفس يعيش أبدا ، والوظيفة لا تخلد صاحبها .
*محيط : بخلاف الدبلوماسيين، تتسم مقالاتك بالصراحة والجرأة .. ألم يعرضك ذلك لأزمات؟
- كثيرا ما حدث ذلك ، ففي كتابي مثلا " من أوراق الأحرار" تسببت كل مقالة فيه لمواقف حرجة وبعضها منعتني من دخول بعض الدول، وأغضبت كثير من أصدقائي . وهناك قصائد بديواني كتبتها على لسان الآخرين مثل "وظفوني" أغضبت أنظمة خارج اليمن بسبب أن المعارضة نشرتها بشكل جنوني واستغلتها لمعارضة الدولة، واعتبر النظام أنني كتبتها عن اليمن، وللحق فإن النظام اليمني يعطي فسحة لمعارضيه ولا يغلق باب الحوار أمامنا حتى لو ضاق به بعكس أنظمة وضعتني على قائمة الخصوم والمعارضين بغير أن يكون ذلك حقيقيا أو بقصد مني .
مثلا قصيدتي " رسالة من صدام حسين لرؤساء العرب " صورته يعاتبهم على تخلي الجميع عنه وقت وقوعه بيد القوات الأمريكية، وتآمر البعض ضد العراق، وخنوع الجميع للبطش الأمريكي في استسلام تام، هذه القصيدة نشرت دون علمي في قمة عربية بتونس ووجدتها في يد الكثير من الوزراء والوفود الدبلوماسية، وكنت أتوارى منهم لشدة الحرج، ولكن بعد أن فشلت القمة في تونس، اتصلوا بي وقالوا أنني صدقت فعلا .
*محيط : بعد عشر سنوات .. ما الذي حققه منتدى المثقف العربي؟
- هو أكبر مؤسسة ثقافية تناولتها الصحف العربية في هذه السنوات، كما اعتبره باحثون أهم وأكبر تجمع ثقافي عربي، وقد تربع على منصته أكثر من 500 مفكر أجنبي وعربي، وتحدثنا في 560 محور تنوعت بين الشئون العسكرية والسياسية والمرأة والتعليم وغيرها وكانت تناقش القضايا بجرأة وشفافية مطلقة ، وتم تكريم عدد كبير من عمالقة الفكر والحياة العربية، وقد أصدر 23 كتابا مطبوعا باسم سلسلة منتدى المثقف، وشاركنا بأكثر من 200 ندوة ومؤتمر بالداخل والخارج، ويشترك بالمنتدى اكثر من 10 آلاف عضو من الداخل والخارج، وهو يعقد فعالياته حاليا بقاعة سبأ بسفارة اليمن، وأطمح أن يتمكن المنتدى من تسيير أموره ماديا وإداريا حتى في غيابي .
وكانت تصدر عن المنتدى مجلة "المثقف العربي" ولكن لأسباب سياسية توقفت؛ حيث اندفعت وكتبت بمقالة افتتاحية في أحد الأعداد عن زعيم دولة عربية معينة ما أدى لمضايقة شديدة حولي، لكننا حولنا المجلة لأخرى فصلية باسم "تواصل".
*محيط : ما جديدك في الكتابة ؟
- لي موسوعة أعلام اليمن في عشرين مجلدا، هي الآن في دار "الجنان" ببيروت وهي تراجم وسير ذاتية لأعلام عرب منذ بدء التأريخ، وعندي مشروع موسوعة "أعلام مصر" ، إضافة إلى أني أعيد إخراج ديواني "العطر" مرة أخرى .
*محيط : صف لنا علاقتك بالمصريين ؟
- الشارع المصري يعرفني أكثر من شارع صنعاء، حتى أنني أشعر بالحنين لمصر حينما أكون خارجها ، وأنا أشعر أنني سمكة ومصر هي البحر وأعايش المصريين الذين يمتازون بالوفاء في أفراحهم وأتراحهم وألتقيهم في مختلف المدن والقرى وليس في القاهرة فقط . وأشعر أنني جزء من هذا المجتمع ثقافة ووعيا وقد تعلمت على يد عمالقة مصريين أشياء كثيرة.
في الخميس 16 سبتمبر-أيلول 2010 04:49:11 م