مليشيات الحوثي تختطف مواطناً من جنوب اليمن للضغط على شقيقه عاجل .. دعم سعودي لحكومة بن مبارك ووديعة بنكية جديدة كأس الخليج: تأهل عمان والكويت ومغادرة الإمارات وقطر دراسة حديثة تكشف لماذا تهاجم الإنفلونزا الرجال وتكون أقل حدة نحو النساء؟ تعرف على أبرز ثلاث مواجهات نارية في كرة القدم تختتم عام 2024 محمد صلاح يتصدر ترتيب هدافي الدوري الإنجليزي .. قائمة بأشهر هدافي الدوري الإنجليزي مقتل إعلامية لبنانية شهيرة قبيل طلاقها قرار بإقالة قائد المنطقة العسكرية الأولى بحضرموت.. من هو القائد الجديد؟ دولة عربية يختفي الدولار من أسواقها السوداء تركيا تكشف عن العدد المهول للطلاب السوريين الذين تخرجوا من الجامعات التركية
ربما تكون القمة العربية التي تبدأ اعمالها (السبت) في العاصمة السورية دمشق هي الوحيدة من بين قريناتها التي لا تستمد اهميتها من القرارات التي ستصدر عنها، وانما مما يمكن ان يترتب عليها من مواقف وسياسات في الايام او الاسابيع التالية بعد انفضاضها.
الادارة الامريكية أرادت عدم انعقادها، والقيادة السورية اصرت علي كسر هذه الارادة بالمضي قدما في استضافتها وبمن حضر من القادة والزعماء العرب، متوقعة بعض الاهانات البروتوكولية مثل التمثيل المنخفض لب
عض الدول، واعتبرت ان الانعقاد في حد ذاته هو النجاح بعينه.
ولم يكن من قبيل الصدفة ان تؤقت السيدة كوندوليزا رايس وزيرة الخارجية الامريكية جولتها الحالية في المنطقة مع بدء اعمال القمة، وهي التي زارت المنطقة قبل اقل من شهر، وكأنها جاءت في مهمة تخريبية لضمان تمثيل منخفض فيها، وتكريس حال الانقسام الحالي بين دول الاعتدال وهي الاكثرية المطلقة، ودول الممانعة وهي الاقلية التي ما زالت تتمسك بالحد الادني من ثوابت الكرامة الوطنية العربية.
السيدة رايس ارادت ان تقول للزعماء المشاركين في القمة انها هي الرئيس ( Bo ) الذي يحدد خطوط اللعبة في المنطقة، ويصنع سياساتها، ويقرر حجم المشاركة في القمم العربية، ولهذا لم يكن مفاجئا ان دولا عديدة تراجع زعماؤها عن المشاركة في قمة دمشق عشية وصولها.
انه صراع إرادات بين الولايات المتحدة الامريكية وحلفائها العرب، والمملكة العربية السعودية علي وجه التحديد، وبين الشق العربي من محور الشر مثلما تسميه الولايات المتحدة، او محور المقاومة مثلما نراه بزعامة سورية، ومن الواضح ان هذا الصراع سيأخذ شكلا اكثر سفورا في الاشهر المقبلة مع بدء العد التنازلي للحرب الاقليمية الكبري التي تخطط لها واشنطن واسرائيل وتهدف الي ازالة اخطار البرنامج النووي الايراني وتصفية حركات المقاومة في فلسطين ولبنان.
الزعماء الذين قاطعوا القمة، وسجلوا سابقة التمثيل المتدني فيها كظاهرة عقابية فريدة من نوعها، للدولة المضيفة، اي سورية، تذرعوا بالملف اللبناني، وأرادوا احداث عملية فرز سياسي في المنطقة العربية، واستخدموا مسألة عدم انتخاب رئيس للبنان كقميص عثمان، فالعاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز تغيب عن القمم العربية الثلاث السابقة رغم وجود رئيس لبناني، والرئيس المصري حسني مبارك تغيب عن قمة بيروت التي تبنت مبادرة السلام السعودية.
السؤال الذي يطرح نفسه هو ما اذا كانت هذه المقاطعة للقمة قد خدمت مسألة انتخاب رئيس للبنان، ام جعلتها اكثر تعقيدا مما كانت عليه قبلها؟ الاحتمال الثاني هو الارجح، لان سياسة لي ذراع سورية، وارغامها علي الرضوخ للشروط السعودية ـ المصرية لانتخاب العماد ميشال سليمان، وكيفية تشكيل الحكومة اللبنانية لم تنجح بدليل المضي قدما في عقد القمة، ومن المؤكد ان الموقف السوري سيصبح اكثر تشددا في الاسابيع وربما الاشهر المقبلة، بعد ان انقطعت شعرة معاوية، او ما تبقي منها، مع حلفائه السابقين في مصر والسعودية والاردن.
ان اهم ما تمخضت عنه هذه القمة هو كشفها لمواقف الزعامات العربية تجاه الكثير من القضايا العربية، وخاصة قضية فلسطين، والمقاومة الفلسطينية والعربية علي وجه التحديد. ولذلك فان دول محور الاعتدال مطالبة بان تقدم لشعوبها اولا، وللشعوب العربية ثانيا بدائلها ، والثمن الذي تقاضته من واشنطن مقابل الاستماع لاملاءاتها، وانخراطها في مشاريعها وحروبها في المنطقة.
فالعملية السلمية التي تدعي السيدة كوندوليزا رايس انها جاءت من اجل دفعها الي الامام لم تعد علي العرب بغير المذلة والهوان والمجازر والحصارات التي يمارسها الشريك الاسرائيلي الجديد لعرب الاعتدال في حربهم المقبلة ضد التطرف ودوله وفصائله. ويكفي التذكير بان ديك تشيني نائب الرئيس الامريكي الذي فرشت له العواصم العربية التي زارها قبل اسبوع السجاد الاحمر، وعلق بعضها (السعودية) ارفع الاوسمة والنياشين علي صدره، قال صراحة انه لن يمارس اي ضغوط علي اسرائيل يمكن ان تؤدي الي تنازلات تهدد امنها، وادان الصواريخ الفلسطينية في المقابل وأيد حق حلفائه الاسرائيليين في الدفاع عن النفس.
لم تنجح اي من القمم العربية السابقة حتي تفشل القمة العربية الحالية، ولم يعول الشارع العربي مطلقا علي النظام العربي الحالي بمختلف اطيافه وألوانه السياسية، حتي يعول علي القمة الحالية، ولكن يسجل للقمة الحالية انها بددت وهم ما يسمي بالتضامن العربي رغم انها حملت اسمه.
مرحلة ما بعد القمة الحالية ربما هي الاخطر حيث من غير المستبعد ان تشهد تصعيدا غير مسبوق بين الاقطاب المتصارعة، علي اكثر من ساحة، واللبنانية منها علي وجه الخصوص، فنحن امام مرحلة كسر عظم وما كان يمكن السكوت عليه قبل القمة، لن يعود كذلك بعدها. فالحرب الاعلامية بدأت مبكرة، وربما تتطور الي مصادمات عنيفة كمقدمة للحرب الشاملة.
سورية قد لا تسكت علي التحدي السعودي، وهي تملك اوراقا عديدة في لبنان وفلسطين، وتجد دعما من ايران، وتستطيع ان تمد بعض اذرعها في العراق، او تخفف تعاونها في ضبط حدودها في وجه المتطوعين للجهاد ضد الامريكيين اذا ارادت. وربما تعاقب الاردن، الذي انقلب موقفه فجأة في القمة من المشاركة علي مستوي عاهله الي مندوب في الجامعة العربية في القاهرة، بوقف كرمها الحاتمي علي صعيد سد حاجات الاردن من المياه والكهرباء والقمح، وهي النخوة التي اقدمت عليها قبل شهرين بعد نداء استغاثة من الملك عبد الله الثاني الذي طار اليها طالبا النجدة.
القمم العربية السابقة مرت مرور الكرام ولم تترك اثرا، وكانت مناسبة لالتقاط الصور، وتأكيد حالة الشلل في مؤسسة القمة العربية، والقمة الحالية قد تؤذن ببدء عملية الانهيار والقطيعة، وتفتيت العمل العربي المشترك، علي طريقة عملية تفتيت الدول وتقسيمها مثلما هو حادث حاليا في العراق ولبنان والمناطق الفلسطينية المحتلة (فصل الضفة عن غزة) وربما اليمن قريبا بين شمال وجنوب.
الادارة الامريكية الحالية اعتمدت مشاريع الفوضي في المنطقة، وها هي تتحقق في اكثر من منطقة، فماذا يمنع ان تنتقل الي مستوي مؤسسة القمة؟ وما نراه حاليا في قمة دمشق هو المثال الابرز في هذا الصدد.
جميع المصائب التي حلت بالمنطقة العربية علي مدي الثلاثين عاما الماضية، وأوصلتنا الي ما نحن فيه حاليا هو نتيجة سياسة التضامن العربي الكاذبة المضللة، ونشوء المثلث السعودي ـ المصري ـ السوري، ولعل مسلسل الكوارث هذا ينتهي بانفراط عقد هذا المثلث او خروج الضلع السوري منه، وعودته الي خندقه الحقيقي، خندق التصدي للمشاريع الامريكية في المنطقة.
ختاما نقول ان قمة دمشق كشفت النفاق الرسمي العربي، ومحاولات تقسيم العرب الي سنة وشيعة، وتحويل الآخرين الي اعداء ، لتبرير، وتمرير، الحلف الاسرائيلي العربي الجديد، والتفريط في الحقوق العربية والاسلامية في فلسطين المحتلة.
بالأمس كان العراق هو العدو الذي يجب تدميره عقابا له علي امتلاك اسلحة الدمار الشامل التي تهدد الدولة الاسرائيلية وتحقق التوازن معها، واليوم تأخذ ايران محله لانها تجرأت علي بناء ترسانة عسكرية قوية اصبحت تشكل خطرا علي اسرائيل وعلي الهيمنة الامريكية علي المخزون النفطي في الخليج.
في الحرب الاولي لم تكن امريكا بحاجة الي اسرائيل لتدمير العراق، لانه كان ضعيفا محاصرا مجوّعا، ولكنها اليوم لا تستطيع مواجهة ايران دون محور التحالف العربي ـ الاسرائيلي، وهذا ما يفسر تفرغ المسؤولين الامريكيين وتعاقب زياراتهم الي المنطقة العربية، وكأنه لا توجد مناطق ساخنة في العالم غيرها. فلا يمر شهر تقريبا دون ان يبدأ مسؤول امريكي كبير جولته في المنطقة جاعلا اسرائيل وعواصم الاعتدال العربي محطات رئيسية فيها، فهل هذه الجولات من اجل نشر الديمقراطية وقيم حقوق الانسان، ام من اجل دعم الاستقرار وإزالة شبح الحروب، ام من اجل قيام الدولة الفلسطينية التي تأخرت كثيرا، مثلما تباكي تشيني اثناء زيارة المجاملة التي قام بها الي رام الله مؤخرا؟
عندما تزور رايس المنطقة للمرة الرابعة عشرة، وبعد ثلاثة اسابيع تقريبا من زيارتها الثالثة عشرة، وقبل شهر تقريبا من وصول الرئيس جورج بوش اليها للمشاركة في احتفالات الذكري الستين لاغتصاب فلسطين، وبعد اسبوع من زيارة جون ماكين، المرشح الجمهوري، وتزامنا مع انعقاد القمة العربية، فان علينا ان نتوقع الاسوأ، فهناك طبخة يتم اعدادها! ويبدو انها اقتربت من مرحلة النضج، وهي طبخة سموم في جميع الاحوال، وعزاؤنا ان طباخيها سيتذوقونها حتما.
* القدس العربي