هل نحن بحاجة إلى من يعلمنا الوسطية!؟
بقلم/ طلال أحمد باديان
نشر منذ: 15 سنة و شهرين و 14 يوماً
الإثنين 12 أكتوبر-تشرين الأول 2009 08:10 م

نشرت بعض الصحف اليمنية المحلية في بداية شهر أكتوبر، خبراً مفاده، أن وزارة التربية والتعليم اليمنية تعتزم استقدام معلمين مصريين للعمل في المدارس اليمنية، لنشر الوسطية والاعتدال، ونبذ التطرف والإرهاب.

عندما قرأت هذا الخبر جالت في خاطري بعض التساؤلات، ماهي الوسطية التي يُراد نشرها؟وهل نحن بحاجة إلى من يعلمنا الوسطية؟، ومن المستفيد من هذا الاستقدام للمعلمين؟، وهل خلت اليمن من الكفاءات الوطنية حتى نستوردها من الخارج؟، وأين مصير الآلاف من خريجي الجامعات اليمنية التي اكتظت بهم الشوارع ، حتى أصبح بعض هؤلاء لا يجدُ عملاً إلاّ (كاشيراً) في مطعم أو سائقاً (لتاكسي).

إنَّ من العدل أن لا ننكر الدور البارز الذي بذله المعلمون الأشقاء ـ المصريون ـ في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي بالارتقاء بالعملية التعليمية في اليمن؛ ولكنَّ المصلحة في وقتنا الحاضر تقتضي الاهتمام بالكوادر اليمنية، وتوفير المناخ المناسب لها ، حتى تكون قادرة على الإبداع والتميّز في شتىَّ المجالات.

فما هي إذاً الوسطية المنشودة في يمننا الحبيب !،التي يدندن و يطنطن عليها المتردي والنطيح !والتي ستُعيد نشر الوعي الديني وبث روح الإخاء والتسامح!،هل هي وسطية معالي الدكتور محمد سيد طنطاوي -الإمام الأكبر- ؟!، أم هي وسطية الدكتورة سعاد صالح؟!، فبعد تصريحات شيخ الأزهر الأخيرة التي تسببت في اثارة الجدل بالشارع المصري؛ أدت به تلك التصريحات إلى اعتزامه منع المنقبات من دخول المدارس والمعاهد الأزهرية،بل تطور الأمر حتى بلغ إلى حد الدعوة لعقد اجتماعٍ طارئٍ لمجمع البحوث الإسلامية لإصدار فتوى بحظر ارتداء النقاب في أماكن التعليم والصحة، فكان أول رد فعل على هذا القرار هي مباركة اليمين الإيطالي المتشدد بزعامة رئيس الوزراء سيلفيو برسلكوني والمعروف بعنصريته الشديدة للإسلام،فهنيئاً لك يا سعادة الدكتور هذا الإنجاز والتقدم في مجال الوسطية والاعتدال! .

لقد أصبح هذا المفهوم - الوسطية - شماعة، يُعلِّق عليها الكل أخطاءه وشطحاته، فترك كثيرٌ من المسلمين تعاليم سنة نبيهم صلى الله عليه وسلم بحجة الوسطية، ونزعت المرأة حجابها ونقابها وخرجت متبرجة بحجة الوسطية، وأصبح من ينكر الاختلاط والسفور مخالفاً للمقام السامي - الوسطية -،فهل ياترى سيطول بنا العمر حتى نرى في شوارع صنعاء ،أو عدن ،أو المكلا، حانات للخمر ودور للسينما، مكتوب على بابها هنا الوسطية!، وهذه لعمري هي البلوى.

إنَّ مصطلح الوسطية أو الحل الوسط ، لم يظهر عند المسلمين إلا في العصر الحديث ، بعد سقوط الخلافة ، وقُصِد به الاعتدال وعدم التطرف ، وهو مصطلح دخيل ، في لفظه ومعناه ، مصدره الغرب والمبدأ الرأسمالي ، ذلك المبدأ الذي بنيت عقيدته على الحل الوسط ، الحل الذي نشأ نتيجة الصراع الدموي ، بين الكنيسة والملوك التابعين لها من جهة ، وبين المفكرين والفلاسفة الغربيين من جهة أخرى .وبعد صراع مرير بين الفريقين ، اتفقوا على حل وسط ، وهو الاعتراف بالدين كعلاقة بين الإنسان والخالق ، على أن لا يكون لهذا الدين دخل في الحياة ، واتخذوا فكرة فصل الدين عن الحياة ، عقيدة لمبدئهم ، التي انبثق عنها النظام الرأسمالي ، الذي نهضوا على أساسه ، ثم حملوه إلى غيرهم من الناس عن طريق الاستعمار وعن طريق حلفائهم.

وإذا اعتبرنا الوسطية نسبةً إلى الوسط فمعنى (وسطا) في قوله تعالى: ( وكذلك جعلنكم أمة وسطا) أي عدلا، وفسرها ابن جرير الطبري بمعنى التوسط بين الإفراط والتفريط، فأهل السنة والجماعة هم العدول الأخيار في العقيدة والعبادة والأخلاق والمواقف، وهم كما قال فيهم الإمام أحمد رحمه الله: (ينفون عن هذا الدين تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، فكم من قتيل لإبليس قد أحيوه، وكم من تائه قد هدوه، فما أحسن أثرهم على الناس،وما أقبح أثر الناس عليهم)، فيكون المفهوم الشرعي للوسطية هو الأخذ بالأحكام الشرعية،المبنية على قال الله وقال رسوله ، دونما إفراط أو تفريط.

لذلك فإنَّ مشروع الوسطية،أو مايسمى بمواصفات الإسلام المعتدل وفقاً لما قرره ونشره مركز راند الأمريكي، والذي يُراد تصديره لنا ولهذه الأمة المباركة، عن طريق الكَّتاب والمثقفين والدعاة الجدد ،مشروع ظاهره فيه الرحمة وباطنه من قبله العذاب، حيث يصور لنا الإسلام على أنه دين للتطرف والإرهاب، دين العصور الوسطى فلا يصلح للعصر الحالي ،وحتى يزيلوا عن الإسلام الإرهاب والتطرف ومايُعَرف بـ ( فوبيا الإسلام)، فإنهم يحتاجون إلى مشروع الوسطية وهي بدورها تقوم بتجديده، وبناء دعائمه، وأُسُسه ،وعقائده على حلٍ وسط يجمع بين كافة الملل والنِّحل. فوجب علينا اليقظة والحذر مما يُراد لنا ولقرآننا ولعقيدتنا من تأويل الجاهلين، وكيد الكائدين.