دعاة الحرية ..أعداء التنوع !
بقلم/ صالح البيضاني
نشر منذ: 12 سنة و 10 أشهر و 10 أيام
الأربعاء 15 فبراير-شباط 2012 06:20 م

تستوقفنا الكثير والكثير جداً من المواقف والتحولات التي طرأت وتطرأ على العقل العربي التواق للخروج بتعريف محدد للحرية كمصطلح وممارسة.. وقد أعادت الثورات العربية هذا الجدل إلى واجهة المشهد الثقافي والفكري بالتزامن مع ارتفاع حالات الانتهاك والاستهداف التي لحقت بالكثير من حملة الأقلام وصناع الرأي نتيجة تصاعد دور القوى “الراديكالية” التي ظلت تعيش حالة صراع فكري وثقافي مع التيارات “الليبرالية” ..وهي في الواقع حالة تمترس وتخندق تجاوزها الغرب منذ قرون بعد محطات طويلة من الصراع المرير والشاق خاضتها المجتمعات الغربية للوصول إلى اللحظة الراهنة التي أصبحت فيها النموذج الديمقراطي الذي يستهوي الكثيرين من المثقفين العرب وهم يشيرون لقمة جبل غير عابئين بالمسالك والدروب التي قادت إليه .

لقد استطاعت النخب الغربية العثور على الحلول المثلى لمجتمعاتها غير أن محاولة إسقاط كل نتائج الديمقراطية الغربية على واقع مختلف يبدو كمن ينتظر من بذرة فاصوليا أن تثمر بطيخاً لمجرد أننا في فصل الصيف .!

فالتفاعلات الشاقة لأي مجتمع هي الكفيلة وحدها بفرز الحلول في نهاية المطاف مع فارق أن تلك الحلول قد تستغرق قرناً وقد تستغرق عدة قرون وقد تحتاج إلى المزيد من الحقب التي تفرز نخبة قادرة على إيجاد المعالجات النظرية التي تليق بمستقبل أفضل .

لقد كانت فكرة الحرية في الغرب جوهر الصراع لقرون طويلة ومن أجلها خاضت العديد من الشعوب يتقدمها النخب نضالاً مريراً وقاسياً كان يقابل في الكثير من الأحيان ببشاعة متناهية ...حيث كان جوهر الحرية في الكثير من الأحيان يتمترس حول فكرة لا تنتمي للطرف الآخر الذي يحاول البعض انتزاع الحرية منه ...كانت الحرية بالنسبة لفريق أو فئة أو إثنية أو مذهب أو جماعة تعني أن تنتزع الحرية من فئات وجماعات ومذاهب واثنيات أخرى في ذات الوقت وهو الأمر الذي جعل الحرية كمفهوم ضيق يدور في حلقة مفرغة من الصراع الذي يخفي خلفه الكثير من المتناقضات والقيم المتناحرة ...

لقد استطاعت العديد من النخب في المجتمع الغربي إدراك جوهر مشكلة الحرية والذي لم يأت متاخماً لجوهر آخر يجعل من تلك الحرية قاسماً مشتركاً بين جميع الإثنيات والفئات.. لقد كان ذلك الجوهر هو التنوع الثقافي والفكري والاجتماعي .. وعندها تم الإيمان المطلق بأن الحرية لايمكن أن تكون محور إيمان الجميع ونواة للتوافق مالم تكن مصحوبة باعتراف كامل بحق التنوع والتعدد والاختلاف حتى في جوهر وأقدس مايمكن أن نؤمن به .

ومن دون الإيمان بحق الآخر في التنوع والاختلاف حتى في أشد صوره تطرفاً فلن تصبح الحرية إلا وسيلة لقمع ذلك الآخر ..

مشهد يتناحر ديمقراطياً

في المشهد اليمني نجد اليوم أن جل النخبة أو ممن يمكن أن نطلق عليهم هذه الصفة من رموز وقيادات سياسية واجتماعية وثقافية مازالوا ينظرون للحرية والديمقراطية والعدالة من ذات المنظور الضيق الذي كان سائداً في بعض الدوائر الفكرية في مجتمع القرون الوسطى في أوروبا ... الحرية مازالت شعاراً لتحقيق ما أؤمن به على حساب مايؤمن به الآخر الذي لايستحق الحرية لأسباب كثيرة ولذرائع مختلفة يمكن اختلاقها على الدوام...!

في الأيام الأخيرة وربما في الشهور الأخيرة وكعضو في الأمانة العامة لاتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين كنت أتلقى الكثير من الاتصالات والرسائل الهاتفية والالكترونية ..كانت في معظمها من الزملاء أعضاء الاتحاد تطالب بمواقف وبيانات للاتحاد تدعو لاتخاذ موقف حاسم و«متطرف» قد يصل إلى حد القطيعة مع فئات ومكونات أساسية في المجتمع والثورة الشعبية مثل القبيلة و«العسكر» والتيار الديني وعلى مختلف المستويات ...!

حقيقة الأمر لقد كانت لي في الأشهر الأولى للثورة بعض الملاحظات على أداء تلك المكونات في الثورة وتساءلت: هل يمكن أن نبني المستقبل بأدوات الماضي ؟!

حينها كان العديد ممن يطالبون اليوم بموقف متطرف من تلك المكونات غارقين في بعض الشعارات السياسية، كان على رأس تلك الشعارات: «لقد جعلت الثورة من شيخ القبيلة وشيخ الدين والقائد العسكري والمثقف شيئاً واحداً» !!!

المشكلة إذن في جوهرها تكمن في غياب الاعتراف بالتنوع والقبول بالآخر على علاته، فإما أن نكون شيئاً واحداً أو لانكون ..!

وهنا تبرز المشكلة وتتعاظم وخصوصاً إذا كنا نعيش في خضم مجتمع متعدد الثقافات السياسية والفكرية ومختلف الانتماءات والتوجهات ويقف اليوم على عتبات تحديات هائلة تكمن معظمها في رفض العديد من المكونات لثقافة التنوع والتعدد وتسعى لإلغاء الآخر فكرياً وحتى مادياً ...

أعتقد أن المثقف اليوم لن يكون مثقفاً لمجرد أنه يحاول وضع نفسه في مواجهة أكثر القوى التقليدية قوة ونفوذاً في المشهد اليمني بقدر ما ينبغي عليه أن يكون همزة وصل مضيئة تقرب بين كل الأفكار وتستأنس المتوثب منها .. لنصنع الجانب النظري من الحلم الذي يمكن في يوم ما أن يصبح جسر العبور نحو المستقبل الذي ينشده الجميع لكي لا يتم إهدار الفرص مجدداً ويدمر -ذلك الجسر- مثل كل مرة سابقة تحت ذريعة: من يعبر أولاًَ !!!.