قادمون يا يمن.. سنثور لأجل هذا!
بقلم/ رياض الأحمدي
نشر منذ: 13 سنة و 10 أشهر و 14 يوماً
الخميس 10 فبراير-شباط 2011 07:31 م

ما بين ثائر ومتواطئ ومصلحِ وناقم وواقف على خط المنتصف بحذر، تتلاحق الأسئلة وتتضارب الروئ ويقول كلٌ ما يقول.. هل ستتكرر التجربتان التونسية والمصرية في اليمن أم لا؟.. الفرق بين "علي" و"مبارك"، هل يشبه اليمن مصر؟.. وذاك يقول علينا قراءة الواقع، وتحكيم العقل..

لنبدأ بالنظر إلى الواقع؟ إنه واقع تعيس.. فيه التخلف والفساد وفيه آلاف الأخطاء والأشواك.. وينذر بالأسوأ.. وأحوج ما يكون الآن لإعادة النظر.. وفي هذا يكاد أن يجمع الفرقاء..

يقولون: الحوار والانتخابات بهذا الواقع.. ليت شعري أين كانوا؟ هل سينزل الوحي على الرئيس علي عبدالله صالح في الستينيات من عمره، فيتوب ويبني ما هدم خلال 20 عاماً من حكمه للوطن اليمني الواحد الذي حلم به عشرات الأجيال وقدموا أرواحهم؟ أفضل ما يمكن أن يقوم هذا الآن هو أن يعمل على تسهيل انتقال السلطة دون منغصات..

عدنا لندافع عن وحدة وطننا الواحد الفتي، وكدنا أن نموت بسهام بعضنا بدافع انتماء بعضنا لجهة ما، وكاد بعضنا أن ينكر تاريخه وهويته مهد الإنسان والحضارة والديمقراطية ووطن الحكمة والإيمان.. بعد أن قضى عمره في خدمة الوطن ولم يره.. سوى في خطابات الرئيس..

كادت مخلفات نظام الحكم العنصري الإمامي أن تعود إلى صنعاء بعد نصف قرن من دفنه.. وقدم اليمنيون الآلاف من خيرة رجال القوات المسلحة والأمن والمواطنين في سبيل الدفاع عن الثورة اليمنية الخالدة 1962-1963.. وعاد الاستعمار يقصف في أرضنا ونحن وندعي أننا قصفنا نحن، كما أًصبح هو من يراقب وينظم ويتدخل في بناء قوات الدفاع عن الوطن!..

ماذا جرى؟ كيف حاربنا الأموات؟ هل متنا؟.. كيف تراجع التعليم في بلادنا في زمن العلم؟ كيف تحول الوحدويون إلى انفصاليين؟.. كيف ارتفعت الأسعار ولم يرتفع الدخل رغم خطط الحكومة؟.. قيل يا قوم إنها معجزات الرئيس الصالح.. يحيي الموتى.. ويمضي بالتاريخ إلى الوراء، ويحارب الوطن دون شعورْ.

لم نقل أنه مبارك.. ومبارك لم يقل إنه بن علي.. وبن علي لم يقل أنه صالح.. وكلٌ له ذنوبه في حق وطنه، وأسبابه التي دفعته إلى الإبحار بعيداً، والاطمئنان والتفكير بالتوريث.. لكنهم لا يؤمنون أن الشعب هو الحقيقة التي تحتاج إلى اتباع، وأن إرادة الضعيف هي الصخرة التي تتحطم أمامها خطط المخابرات وأجهزة الأمن ومراكز القوى. وأن الثابت الوحيد في الدهر هو التغير..

سيقول قائل: علام نثور في اليمن؟.. نثور على ضعفنا، على الواقع التعيس الذي نعيشه، سنبحث عن يمننا الذي حلمنا به وحلم به أباؤنا وأجدادنا.. نريد يمننا، نريد أن نرى اليمني عزيزاً كريماً وأن نقضي على الفساد ورجاله، وعلى مخلفات عهود التشطير والرجعية.. نريد أن نرى دولةً يحكمها القانون والدستور ينصف فيها المظلوم ويجازى فيها المحسن ويعاقب فيها المسيء وأن نرى علمها شامخاً واسمها غير مرتبط بالفساد والقاعدة والتمرد والانفصال والفقر والبطالة.. وأن لا يتم تصنيف وطننا على أنه خطر على العالم.. 

الرئيس الذي حلق بطائرته في مظاهرات 3 فبراير، لكي لا تخدعه التقارير، أثبت غباؤه في حين ظن نفسه ذكياً، لأنه لا يعي سنن الحياة، فالعبرة ليست في العدد أو العدة، وليسأل التاريخ القريب.. فالذين غيروا مجرى التاريخ اليمني منتصف القرن الماضي كانوا أشخاصاً بالعشرات.. حملوا هموم الأمة وكان السواد الأعظم من هذه الأمة يقف إلى جانب الظلم والفساد جهلاً منه.. وانتصر الأحرار وخلدهم التاريخ.. وأصبحوا رموزاً للأمة بعد ذلك..

للحق رجاله، وللفساد أدواته، وبينهما عامة الناس، متى وجدوا صوت الحق عالياً ساروا إليه وساندوه.. وعلى سبيل المثال، من مظاهرات 3 فبراير الماضي ثبت قرابة 50 شاباً إلى اليوم التالي، في اعتصام الجامعة تتراوح أعمارهم بين 18 و30 عاماً، وهتفوا ضد الحزبية من أجل الوطن من أجل المواطن من أجل الجندي هتفوا برحيل صالح وأصروا على ذلك.. حتى تم أخذهم إلى السجن..

خمسون شاباً لا يساوون عدد الموظفين في حراسة بعض المسؤولين.. ولم يكن بيدهم سوى الورود والأقلام وقد كتبوا على "الكراتين" لافتاتهم "ارحل"، ولم يسألوا بعضهم عن مناطقهم، لكنهم كانوا جميعاً على قلب رجلِ واحد، وحزبهم الوحيد هو الوطن ورايتهم راية الجمهورية اليمنية وشعارات الأحرار في مصر وتونس .. ورغم قلة عددهم، وعلمهم أنهم لا يساوون شيئاً من جماهير علي عبدالله صالح، إلا أنهم كانوا على ثقة بأنهم سوف يغيرون.. وعلى استعداد تام للتضحية بأرواحهم من أجل الوطن وعلى وعي تام بالذي يريدونه.. ولم يكن لديهم من قدوة سوى محمد محمود الزبيري وعلي عبدالمغني وابراهيم الحمدي ..

فالواقع لم يعد ذاك الذي يتخيله الساسة والخبراء، وينظرون بأن هؤلاء من الإخوان، أو اليسار أو اليمين، إذ لن يكون لهذا صوتاً عندما تتحرك الأهداف النبيلة ناهيك عن أن الانتماءات لم تعد مؤثرة أو متشددة مثل ما كانت.. فجيل الأحرار اليوم لا يؤمن بالحزبية، ولا القطرية، ولا الأيديولوجية.. ولا تخدعه الشعارات.. لأنه في عصر المعلومة، مهما تحكم فيها أصحاب القرار، فإنها ستصل ولذوي الألباب أن يميزوا الحق من الباطل..

شباب التغيير القادم يقرأ للإمام حسن البنا ويقرأ لماركس ويقرأ للزبيري ويقرأ لنزار ويفتخر بجمال عبدالناصر ويسمع أبوبكر سالم ويتعظ من عايض القرني، ويحترمهم جميعاً ويأخذ منهم ما يفيد.. والدافع الوحيد لهم هو حب الوطن، والثورة على العجز والتخلف والجهل.. والمحرض الوحيد هو ضميرهم.. ويحبون الجيش ورجال القوات المسلحة والأمن ويهتفون من أجلهم.. من أجل وطن قوي من جميع جوانبه..

والكثير ممن خرجوا في 3 فبراير لم يخرجوا من أجل المشترك.. إنما أرادوا التغيير على الطريقة التونسية والمصرية، وهم ليسوا دعاة تخريب كما تزعم السلطات، وباعتقادي أنه لا يوجد فيهم شخص واحد يميل إلى التخريب لأن التخريب بطبيعته هو عمل اللصوص والبلاطجة لا هدف الأحرار أصحاب الأحلام الكبرى.. والتخريب أيضاً شعار وهدف من أهداف الفساد للدفاع عن نفسه من خلال تخويف الجماهير..

وبما أن هناك واقع يستحق الثورة عليه، وبعد أن عجز نظام الرئيس صالح عن الإصلاح الملموس الذي يلبي طموح الناس ويضمن لهم الحياة الكريمة، وبما أن هناك واقع عربي ثوري يطمح بالأفضل، وبما أن هناك أحرار يرفضون الذل والعجز.. فإن الثورة اليمنية تمضي خطوة خطوة، ما لم يبادر الحاكم إلى الإصلاح وإعادة الجمهورية إلى أهدافها ودستورها وإقالة حكومة الحزب الذي أنتج هذا الواقع ويقدم استقالته منه، وتشكيل حكومة بعيدة عن الحزبية وأغلبية الأحزاب ومراكز القوى التقليدية..

والشباب الأحرار عازمون على لملمة صفوفهم للثورة بالأقلام والورود ، وهم يدركون حجم الأشواك التي تقف في طريقهم ، ويدركون أن الشعب سينضم إليهم ولو بعد حين.. ومهما كان عدد هؤلاء الأحرار إلا أنهم على ثقة بالاستمرار من أجل الوصول.. وطريقهم ليس أصعب من ذلك الطريق الذي مر به أحرار اليمن في أوضاع منتصف القرن الماضي.. يومذاك كان الأحرار بالمئات والجهل بالملايين.. أما اليوم فالأحرار من ذلك النوع، بالآلاف إن لم نقل مئات الآلاف..

فثورتنا قدر لا بد منه أو هكذا يفكر الأحرار، فإن ماتوا فإنهم قد خلدوا أنفسهم بالتاريخ، لأنهم ثاروا على العجز والجبن والفساد والتخلف، وكل هذا موجود في اليمن.. و"كل نفسٍ ذائقة الموت"، فمن قبلهم مات جميع الناس في بيوتهم أو في ميادين الشرف والبطولة ..

دعوهم يخرجون من أجل الإصلاح، دعوهم يثورون على العجز، دعوهم يهتفون من أجل الوطن، سواء صار اليمن مصراً أم لا؟ المهم أن الخروج فيه خير للناس، وثورة على الواقع المتخلف، فنحن جربنا ما سوى ذلك.. ولم يحدث أن تحسن الوضع، وعندما بدأ الناس يتحدثون عن الثورة، بالتزامن مع الثورات، وخرجوا إلى الشوارع ومقصدهم الوطن كل الوطن، صغرت أصوات التمردات والدعوات التشطيرية، ورأينا السلطة تبادر إلى رفع الرواتب والتعهد بعدم التوريث وتأجيل الانتخابات وهي وعود وخطوات ترقيعية في طريق طويل يحتاج إلى الكثير.. فلنخرج إلى أن يتم الإصلاح التام.. ويطرد الفساد.. ونرى بلدنا شامخاً عزيزاً ما استطعنا..

وسيلحق بالأحرار المثقفون والإعلاميون والخيرون الواقفون حالياً في المنتصف أو المتخوفون من الفشل وانحراف الوضع، وحتى الأحرار الذين انضموا إلى السلطة بغرض إصلاحها ولم يتمكنوا من ذلك.. وسيحلق كل الشعب اليمني.. وليس لديه ما يخسره؛ لأن سواده الأعظم لا يملك شيئاً، فإذا كان هذا الوضع الذي نعيشه هو مستقبلنا ومستقبل أبناءنا فالموت الآن أسهل من بقائنا على أبواب النافذين ووكلاء الحزب الحاكم من تجار ومشائخ وقطاع طرق.. الخ.. ثم نموت ميتة الجبناء.. ونفوز بلعن أبناءنا وأحفادنا..

لم يعد مقبولاً أن يهاجر من اشتد ساعده من شباب اليمن إلى المملكة العربية السعودية أو غيرها بكفالة أو على ظهر "حمار"، فيتفنن في بيع الملابس أو غسل سيارات الأثرياء، ويفارق أهله.. ليواسيهم بتكاليف الدقيق والغاز والدواء .. ولا ذنب له سوى فشل إدارة بلده..

هناك الآن وخصوصاً بعد ثورتي تونس ومصر، اللتين بعثتا روح الأمل بالأفضل، من يرفض أن يترك وطنه للفاسدين ومراكز القوى ويهاجر بعيداً عنه، أو يتذلل لدى النافذين وينافقهم ما بقي فيه عرقٌ واحدٌ ينبض.. وهم عشرات الآلاف من اليمنيين الذين يستعدون حالياً لما يستعدون.. ودافعهم الأكبر هو حبهم الشديد لوطنهم وضمائرهم النقية وأهدافهم النبيلة..

لست محرضاً، كما قد يقول البعض، إنما هو الواقع، شئنا أم أبيناً ، وأرباب القلم والصحافة هم الأكثر مسؤولية في هذا الوقت الحساس.. فإما أن يقفون إلى جانب الوطن والصدق ويقودون الناس إلى الفجر بأقرب الطرق وتكون كلمة الحق وثورة القلم، وإما أن يساعدون على إطالة عمر الفساد، ثم يموتون معه.. ويدور الزمان..

قال تعالى: "فأما الزبد فيذهب جفاءً وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض كذلك يضرب الله الأمثال"..

خاتمة من البرودني رحمه الله:

أهلا بعاصفة الحوادث ، إنّها .. في الحيّ أنفاس الحياة تردّدُ

لا أمهل الموت الجبان ولا نجا.. منه؛ وعاش الثائر المستشهدُ

يا ويح شرذمة المظالم عندما.. تطوي ستائرها و يفضحها الغدُ!

وغدا سيدري المجد أنّا أمّة.. يمنيّة شمّا ؛ وشعب أمجدُ