الشيخ سنان أبو لحوم
بقلم/ صادق ناشر
نشر منذ: 17 سنة و شهر و 20 يوماً
الجمعة 14 سبتمبر-أيلول 2007 10:47 م

يرتبط اسم الشيخ سنان أبو لحوم بمنعطفات مهمة من التاريخ اليمني المعاصر؛ فهو الشيخ القبلي الذي أسهم إلى جانب غيره من كبار مشائخ اليمن في قيادة انتفاضة القبائل ضد حكم الإمامة، وهو السياسي الذي نأي بنفسه عن تقلد مناصب حكومية رفيعة كان يمكن له أن يتبوأها خلال فترات حياته الماضية.

ويعد الشيخ سنان أبو لحوم من الشخصيات الوطنية التي عاصرت ولاتزال أحداثاً ومتغيرات كان لها أثرها البالغ على الداخل اليمني بدءاً بتداعيات حرب صيف 1994 وانتهاء بالمعضلات التي ترتسم اليوم وبقوة على واجهة المشهد العام في اليمن.

يكشف الشيخ سنان أبو لحوم في حوار صريح مع “الخليج” الكثير من التفاصيل الدقيقة عن علاقاته بمختلف رؤساء اليمن، وبشكل خاص الرئيس علي عبدالله صالح، حيث تمر العلاقة معه على حد تعبيره بمد وجزر منذ توليه الرئاسة عام ،1978 وإن كان يحتفظ له بمكانة مهمة كرئيس حقق حلم اليمنيين بقيام دولة الوحدة مع نائبه السابق علي سالم البيض عام 1990. وعلى الرغم من أنه يتوقع الرحيل عن العالم هذا العام أو بعده، وهو ما ظل يكرره لنا كثيراً أثناء سير الحوار وبعده، إلا أن الرجل المسن، الذي تجاوز الستة والثمانين عاماً لا يزال يحتفظ بالكثير من صفاء الذهن، ولا يزال يعطيك الانطباع بأنه “يمتلك قلب شاب في جسد شيخ طاعن في السن”، كما يقول المحيطون به.

تناول الحوار مع الشيخ سنان أبو لحوم العديد من القضايا الداخلية، سواء التي تعتمل بها الساحة اليمنية اليوم أو في الماضي، وفي كل إجابة كان الشيخ أبو لحوم يضع عصارة خبرته في الحياة ليستفيد منها الجيل الحالي من الشباب وحكام اليوم.

ويكشف أبو لحوم الكثير من الأسرار التي تعلن لأول مرة عن اللحظات الأولى التي سبقت دولة الوحدة وما توصل إليه من اتفاق بين الرئيس صالح ونائبه البيض في الثلاثين من نوفمبر من العام 1989 في عدن، وما لحق ذلك من خلافات بين الرجلين أدت إلى حرب العام ،1994 ورئاسته للجنة الحوار السياسي التي سبقت الحرب، وتالياً الحوار:

 رواية اغتيال الحمدي ليست غامضة لكن الله أمر بالستر

 هناك الكثير من القضايا لم يكشف عنها في موضوع إعلان دولة الوحدة العام ،1990 وأنتم كنتم من الشخصيات التي عاصرت تلك المرحلة، فهل لنا أن نعرف ما دار بين النظامين للوصول إلى ذلك اليوم؟

بالنسبة لتحقيق الوحدة اليمنية كانت ولا تزال عندي نعمة لأنني لمست أنه عندما كنا ندخل عدن في عهد الاحتلال البريطاني آمنين مطمئنين وعندما تولى الاشتراكي أغلقت الأبواب، وكنت محباً للوحدة والناس من حولنا رافضين لها ولا يريدونها.

وأتذكر أنني وصلت إلى عدن قبل تحقيق الوحدة عام ،1990 وكان معي الدكتور حسن مكي، وحينها التقيت علي سالم البيض وسالم صالح محمد وقلت لهما إن الوحدة أفضل لكم، فأنتم ممزقون وكل يوم تتقاتلون فيما بينكم.

والحقيقة أنني لمست منهم تجاوباً وقال لي سالم صالح محمد يومها إنه ذاهب إلى الاتحاد السوفييتي ليرى ما إذا كان هناك طريق، على ان يتصل بي، وبالفعل اتصل بي، وجاء إلى صنعاء واستقبله الرئيس علي عبدالله صالح ومن هنا بدأ الحوار بين الطرفين لقيام دولة الوحدة.

وأتذكر أننا توجهنا إلى عدن على رأس وفد كبير يقدر بعشرين شخصية من الشمال، وكان على رأس الوفد الرئيس علي عبدالله صالح والدكتور عبدالكريم الإرياني وعبدالعزيز عبدالغني والعديد من كبار الشخصيات السياسية في شمال البلاد.

وفوجئنا بإبلاغنا عند الساعة الواحدة والنصف ظهرا بفشل الحوار بين الجانبين وقلت يومها بانفعال إن هذا لا يرتبط لا بالأخلاق ولا بالشرف، وقلت لهم إنه من العيب أن تأتوا بنا الى عدن ثم تقولوا لنا بأنكم فشلتم، كما قلت لهم إن هذا فشل لكم وليس للوحدة، وقد تعاون معي في هذا الرأي والمسعى العميد علي قاسم المؤيد. واتفقنا على أن نتفاهم بعد تناول الغداء، حيث اجتمع بعد ذلك الرئيس علي عبدالله صالح في “مقيل قات” مع علي سالم البيض، الأمين العام للحزب الاشتراكي، والذي كان يعتبر صاحب القرار الأول في الدولة، قبل أن يتصل بي الرئيس ليخبرني بما دار بينه وبين البيض اثناء “المقيل”، وطلب منا التجهز لمغادرة عدن إلى تعز ليلاً، لكنني رفضت.

بعدها جاء علي سالم البيض وقد أقنعته والرئيس علي عبدالله صالح ليوقعوا على اتفاقية الوحدة، وكنت وحيدر العطاس فوق رأسيهما، والصور شاهدة على ذلك عندما تم توقيع اتفاقية الثلاثين من نوفمبر/تشرين الثاني من العام 1989 بمدينة عدن.

وقد استمرت الخلافات بينهم لفترة، كما ساد حال عدم الثقة بين الجانبين، لكننا ظللنا نتواصل حتى اتفقنا على كل شيء وعلى أن تكون هناك ثقة متبادلة وتحققت الوحدة بمشيئة الله تعالى وإرادة المخلصين.

مخلصون للوحدة

 كيف تقيمون دور الرئيس علي عبدالله صالح وعلي سالم البيض في قيام دولة الوحدة؟

 علي عبدالله صالح كان مخلصاً للوحدة، وحتى عندما كان يختلف مع علي سالم البيض فقد كنت أنا الواسطة بينهما لحل الخلاف، أما المشاورات فلا أتدخل.

 هل كان لدى الرئيس علي عبدالله صالح مشروعاً متكاملاً لوحدة اندماجية بين شطري البلدين أم لديه مشروع آخر؟

 المشروع الذي كان يحمله الرئيس علي عبدالله صالح كان عبارة عن فيدرالية بين شطري البلدين تستمر لعدة سنوات، لكن الإخوة في الجنوب كانوا ممزقين من الداخل، وإذا بعلي سالم البيض هو من يطلب أن تكون وحدة اندماجية وفورية، وعلى ضوء هذا الموقف تمت الوحدة في 22 مايو/أيار من العام 1990.

 هل كان الجنوبيون برأيكم مخلصين للوحدة؟

 للأمانة، الكثير منهم أخلصوا للوحدة وعلى رأسهم علي سالم البيض، لقد كان هذا الرجل مخلصا للوحدة ووفيا لها، والآخرون من رفاقه كانوا مقتنعين بأن الوحدة هي الحل الوحيد لاستقرار الوحدة وتقدمها ولا يوجد حل غيره، والمناصب في دولة الوحدة توزعت برضى الطرفين، واخذ الجنوبيون القسط الأوفر من المناصب الحكومية قبل أن يدخلوا بعد ذلك في دوامة الأزمات والخلافات مع الرئيس علي عبدالله صالح أدت إلى الحرب التي التهمت الأخضر واليابس.

وأتذكر أنه قبل عام 93 عندما كانت الأزمة متفاقمة بين الطرفين دعا الرئيس علي عبدالله صالح حيدر العطاس، وكان حينها رئيساً للوزراء وسالم صالح، عضو مجلس الرئاسة، وهاجمهما بشدة على مواقفهما من الأزمة، ويومها عاتبته مع الشيخ مجاهد أبو شوارب على ذلك، وقلت له: “هل هؤلاء طراطير تدعوهم من اجل أن تهزأ بهم؟ عيب عليك”؛ فقال لي الرئيس فليكن بيننا لقاء بعد الظهر، وذهب إلى علي سالم البيض وكان معتكفاً في منزله بالقصر الجمهوري وتحدث معه وتمت تسوية الخلافات بينهما.

بعدها اجتمعنا في عدن، وكنت رئيساً للجنة الحوار السياسي التي ضمت شخصيات من كافة التيارات السياسية والاجتماعية في البلاد، وحين وصلنا اتصلت بعلي سالم البيض وحيدر العطاس ولم يرد علي أحد منهما، ثم جاوبني البيض وذهبت للقائه، وقلت له ناصحا بأهمية أن يعمل على إنهاء الخلافات مع الرئيس، وان لا يعملوا من “الحبة قبة”، لكنني فوجئت بعلي سالم البيض يقول لي لماذا لا نجعلها وحدة فيدرالية؟ فصعقت من موقفه هذا، وقلت له: “أيصدر منك مثل هذا الكلام وأنت من كان يقول: وحدة وشرف؟”، وخرجت من عنده حانقا ولحقني الشيخ مجاهد أبو شوارب مباشرة.

وفي المساء أصدرت مع الشيخ مجاهد أبو شوارب البيان المشهور، الذي قلنا فيه إننا غير مسؤولين عما سيحدث بعد ذلك، وان ما يحدث من خلافات بين الرئيس ونائبه وبين حزب المؤتمر والحزب الاشتراكي هي خلافات مضرة لليمن.

وفي صباح اليوم التالي توجه الشيخ مجاهد أبو شوارب إلى باريس، وتوجهت أنا إلى القاهرة، ويومها اتصل بي الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رحمة الله عليه يسألني عما حدث فشرحت له الأمر، فطلب مني أن أتوجه إليه ومعي الشيخ مجاهد أبو شوارب للتشاور، وفعلاً ذهبت إلى أبو ظبي وعقدت جلسة مطولة مع الشيخ زايد رحمه الله، وبعدها بدأ تحركاته المشهورة لتطويق الخلافات بين الجانبين.

يومها اتصل علي عبدالله صالح بالسفير اليمني في الإمارات محمد الخاوي الذي جاء وأعطاني ورقة تحدد رؤية الرئيس للحل، وقد عدلت فيها وشطبت منها بعض النقاط، ثم أمر الشيخ زايد بترتيب طائرة ترجعني إلى القاهرة، وفي نفس اليوم وصل الرئيس علي عبدالله صالح إلى الإمارات وأجرى محادثات مع الشيخ زايد بن سلطان رحمه الله.

علاقتي بالرئيس

 كيف تبدو علاقتك اليوم بالرئيس علي عبدالله صالح؟

علاقتي بالرئيس علي عبدالله صالح فيها الكثير من المد والجزر، أي أننا نتفق أحياناً ونختلف أحياناً أخرى، وأنا أقدره للمسؤولية التي يتحملها في هذه الظروف، كما أنه إنسان لديه عواطف، وهو يحترمني، لكن لي تحفظات على بعض تصرفاته، فأنا لا استطيع أن أقول له حاضر ومرحباً.

علي عبدالله صالح فيه الكثير من المناقب الجيدة، لكنه لايريد إلا رأيه وأحيانا يبالغ في انفعالاته ومواقفه، وقد نصحته دائما بأن يعزف عن الجوانب التي لا تشرفه وهو بطبعه يتقبل النصح، لكنه سرعان ما ينقلب، أما بالنسبة لي فليست لدي أحقاد أو مطامع، وقد تركت السلطة في وقت كنت قادراً على الإمساك بالسلطة.

إلى ماذا تعيد المد والجزر في العلاقة بينك والرئيس؟

أحيانا يتم شتمي في الصحف ويتظاهر الرئيس بأنه لا يعلم، وقد تم التعريض بي من خلال صحافي يعمل الآن وكيلا لوزارة المالية، وقد بادر أحد الصحافيين بالرد عليه وعلى الرئيس.

 ما سبب الهجوم عليك؟

أنا لا اقبل أن أكون انهزامياً أو طرطوراً واعتز بنفسي، كان معي اعتماد من الرئاسة لأنني كنت عضوا في مجلس الرئاسة ولي مرتب بدرجة رئيس وزراء، لكنني قلت لهم إنني متنازل عن ذلك، ومنذ العام 87 لا استلم أي معاش من الدولة.

والرئيس علي عبدالله صالح، كما أسلفت، فيه مناقب كثيرة، لكن حصل خلاف في فترة من الفترات، وقع خلالها حادث كاد على إثره أن يودي بحياتي، وقد فهمتها على أنها محاولة لاغتيالي.

 متى كان ذلك؟

بدأت القصة بعد حرب العام 1994 عندما قتل واحد من جماعتنا في القرية من قبل أحد المشايخ، فاتصلوا بي وركبت سيارتي كي أتمكن من رؤيته قبل دفنه، وعندما وصلت قالوا لي إنه قد دفن، فقررت العودة، وعند ذاك إذا بطاقمين عسكريين يلحقان بي ويطلق أفراده علي الرصاص، لكن السائق الخاص بي كان ماهرا في القيادة وذكيا حيث قاد السيارة إلى شارع فرعي، ويومها قتلت النيران شخصاً من بيت الشامي، كان ذاهباً لشراء عشاء لأهل بيته.

يومها كان الرئيس علي عبدالله صالح في زيارة إلى اسبانيا، وعندما عدت للبيت اتصل بي نائب الرئيس عبدربه منصور هادي، ولما وصل الرئيس اتصل بي فقلت له أريد محامياً وأريد شريعة، ولم أدر إلا وقد أرسل لي ضباط الداخلية كلهم إلى نهم، على رأسهم وزير الداخلية حسين عرب، وبعد أن تناولنا الغداء معاً سألتهم عن بغيتهم؛ فقال لي الوزير عرب إن الرئيس طلب منهم الاتصال بي والمجيء إلى بيتي للاعتذار مني.

بعدها بساعات قليلة فوجئنا بوصول نائب الرئيس عبدربه منصور هادي وبرفقته محسن العيني وعبدالعزيز عبدالغني، الذين قدموا لي الاعتذار، ثم اتصل بي الرئيس وذهبت إلى عدن، وقال لي: “أنت والدي، وأنت ضيفي في عدن أو في تعز، وأين ما أردت، وأعطاني فيلا في منطقة المعاشيق بمدينة عدن، وهي الفيلا التي كانت مخصصة للرئيس علي ناصر لأسكن فيها”.

القضية الجنوبية

 هل تعتقد أن الرئيس نجح في إدارة أمور البلد بعد الحرب أم أن الأمور فيها تعقيدات، خاصة في هذه الأيام؟

 بكل أمانة تصرفاته تجاه شركائه في الوحدة لم تكن حكيمة ولم تكن في مصلحته ومهما طال الوقت فسيندم عليها، أنا اختلفت مع علي سالم البيض عندما قال مازحاً نرجعها فيدرالية، فأنا أحب اليمن وعشت في عدن والجنوب لفترة طويلة وأشعر أن الناس هناك يحبون الوحدة كما نحبها في الشمال.

وأنا أقول بخصوص هذه المسألة إن موقع الرئيس كبير ويجب ان يراعي موقعه وتصرفاته، هو في موقع رئيس دولة كبيرة؛ فهو مع شركائه من وحّد اليمن، وهذا مفخرة له، الناس يستنكرون ما يحدث اليوم، وما ذا في الأمر لو جاء بجنوبيين ممن تعاهدوا معه؟ 

 بماذا تنصح الرئيس لمعالجة القضية الجنوبية، مع تزايد الأصوات بعودة الأمور إلى ما قبل الوحدة؟

أنا أنصحه بالتراجع عن مواقفه الحالية، ويعطي للجنوبيين ما يستحقونه من مكانة، الجنوبيون هم ألين قلوباً منا، كما أنهم مظلومون، ثم لماذا استطاع أن يكسب ثقتهم في الماضي وان يتعاون معهم، واليوم يقصيهم من مواقعهم في دولة الوحدة ويأتي بآخرين من الشارع؟

 لكن علاقة الرئيس علي عبدالله صالح بالشيخ عبدالله الأحمر ليست كعلاقته معك ؟

بصراحة لم استطع أن أعرف أفكاره، الشيخ عبدالله يمر الآن بظروف صحية وكان ملاذاً له، لكن في ظروفه الحاصلة لا يجب أن يختلف مع حميد (نجل الشيخ عبدالله)، هذا لا يصح.

 ما رأيكم بالتكتلات القبلية التي ظهرت مؤخرا؟

هناك مشكلة مع القبائل بالذات في موضوع السلاح، حين اتصل بي مدير الأمن في المنطقة التي أعيش فيها بشأن موضوع حمل السلاح قلت له أن يقول لعلي عبدالله صالح إنه إذا كان يريد أن يمنع السلاح فليفعل مثل ما فعله رئيس وزراء ماليزيا مهاتير محمد، أي أن يخرج يتجول في البلاد لوحده من دون حراسة، والناس سيقتدون به، لكنه يخرج بعشرين طاقم حراسة فهذا لن ينجح خطة حمل السلاح في البلاد.

 هل الحل للأوضاع المتفاقمة بوحدة وطنية وبإجماع الكل أم أن للرئيس والمؤتمر رأي آخر؟

من تغذى بكذبه ما تعشى به، لقد اتصلت بالرئيس حين أعلن انه سيتخلى عن السلطة، وقلت له: “لا تستقيل، ابق كما أنت في مكانك وسيستر الباري”، لكنه رجع عن قراره وأنفق مليارات الريالات على إعادة انتخابه، والناس تعرف بأنه يريد أن يستمر رئيساً، لكن لماذا يصرف أموالنا؟

 ما المخرج برأيكم لما يحدث اليوم في البلاد، سواء في صعدة أو في بعض مناطق الجنوب؟

هناك من يقول ان ما حدث ويحدث في صعدة من حرب ضد الحوثيين ماهي إلا حرب صورية كي يقتل العساكر والجنود الذين هم من الجنوب، هكذا يتحدث الناس، أنا أرى أنه يجب على الرئيس أن يتفهم الواقع بصدق.

أقول هذا ولدي شعور بأنني قد لا أكمل العام وأنا على قيد الحياة لأنني مريض ومتعب، لكن يجب أن يعرف أن اليمن فوق الكل، وأنا أقول كلمة، وأنا على سرير المرض إن ما يحدث خطأ ومستنكر، صحيح أن اليمنيين عاطفيون، لكن الغلاء أضر بالناس وبدأت الأمور تخرج عن السيطرة، فالناس تعاني اليوم من الجوع، فبدل ما كان كيس القمح بألفي ريال صار اليوم بأربعة آلاف وأحياناً بخمسة.

المشكلة أن من حول الرئيس علي عبدالله صالح لا ينصحونه ويقولون له إن كل شيء تمام.

 هل تعتقد أن الرئيس يعمل على تهيئة نجله للحكم من بعده؟

هذا هو الظاهر.

في قلب الأحداث

 كنت قريباً من صناعة القرار في اليمن، سواء قبل الثورة أو بعدها، فكيف بدت علاقتك بثورة 26 سبتمبر/ايلول 1962 في الشمال، أين كنت تحديدا؟

يوم اندلاع الثورة في شمال اليمن كنت في عدن، وكان علي أبو لحوم من ضمن الثوار الذين نزلوا من الدبابة وأصيب بإحدى عشرة طلقة أثناء اقتحام الإذاعة، وأولاد المشائخ المشاركون في الثورة وعددهم ،22 من خولان وأرحب ومن مناطق عديدة خرجوا من منزلي في ضوران، وقد كافأهم السلال بمنحهم بنادق.

 هل كنتم على قناعة بأن يتسلم الضباط الأحرار قيادة الثورة أم كنتم تعدون انتم كمشايخ قبائل للانقضاض على حكم الإمامة؟

شخصيا، ومعي شاهد هو محمد الفسيل، وهو من الأحرار، قلت للضباط الأحرار قبل الانقلاب على الإمام وقيام الثورة بعشرة أيام إنني غير طامع في الحكم، الضباط زملاؤنا واشتركنا معا في اجتماعات عقدت قبل قيام الثورة في عام ،1957 وكثير منهم أعرفهم مثل عبدالله السلال وعلي ناجي الاشول منذ العام 1937 عندما تخرجوا من العراق وربطتني بهم علاقة، كما أن السلال كان صديقي.

 هل أبلغت من قبل الضباط الأحرار بموعد قيام الثورة؟

كنا مترابطين من القاهرة إلى صنعاء، ولا أريد أن أمدح نفسي، ولدي وثائق نشرتها في كتابي الأول تشير إلى انه كان لنا دور وطني لا أريد أن اكرر الحديث عنه.

 كيف كانت طبيعة علاقتك بالرئيس السلال؟

كنا أصدقاء، لكن عندما ضغط عليه المصريون واضطر للتعاون معهم اختلفت معه وتوجهت وبعض المشايخ إلى السعودية، لكن المصريين غلبوا عبدالرحمن البيضاني على الرئيس السلال، وللأسف فقد لعب البيضاني دورا سيئا وطرده السلال بعد أربعة أو خمسة أشهر من مجيئه إلى اليمن.

وبالنسبة لي فقد تعرضت للاحتجاز في القاهرة بعد قيام الثورة، وأتذكر أن الرئيس السادات تحدث معي وحاول تبرير احتجازي بالقول إنني مختلف مع البيضاني وإنه إذا حدث شيء له فسيقولون إنني وراءه، وطلب مني البقاء في مصر وفي ضيافتها، وقد منحتني القاهرة سكناً في منطقة “الزمالك” ومعاشأً محترماً في تلك الفترة.

 كيف تعامل معكم الرئيس وهو رئيس للدولة وللجمهورية الناشئة؟

نحن كما أسلفت زملاء وأخوة، عندما تحكم المصريون فيه كان ينصاع لطلباتهم، وهذا كان سبب اختلافي معه، لكنه حين استقال عدنا أصدقاء، وكنت أزوره في القاهرة، وكان السلال كما عرفته يحتضن الناس كلهم، كما كان زاهدا ومترفعا عن السلطة، وعندما سافر إلى القاهرة بعد الانقلاب عليه علم ،1967 لم يكن يملك حتى ألف دولار، وقد اعتمد له بعد ذلك الرئيس إبراهيم الحمدي ثلاثة آلاف دولار ليتمكن من تدبير أموره في القاهرة.

 لماذا وافقتم على الانقلاب الأبيض على الرئيس القاضي الإرياني عام 74؟

 بالنسبة لي فقد فرض علي ذلك، ولذلك قدمت استقالتي معه.

 أنت والشيخ عبدالله بن حسين الأحمر؟

 لا، الشيخ عبدالله كان صاحب مشروع الانقلاب على القاضي الإرياني، كان الانقلاب مفروضاً على الجميع أو مملياً عليهم.

سر اغتيال الحمدي

 وكيف كانت علاقتك بالرئيس إبراهيم الحمدي؟

كان الحمدي يعتبرني أباً له، وقد فرض عليه تسريح أسرة آل أبو لحوم من الجيش، وكانت الدولة كلها في أيدينا، فإخواني كانوا قابضين على الجيش أحدهم في تعز وآخر في الحديدة، كنا نستطيع أن نفعل الكثير لو أردنا، لكن موقفه منا فرض عليه.

 ما معلوماتك عن حادثة اغتيال الرئيس الحمدي؟

هناك روايات عديدة للحادثة.

 لكن الرواية الحقيقة لملابسات الاغتيال لاتزال غامضة حتى اليوم؟

 لا، ليست غامضة، رواية اغتيال الرئيس إبراهيم الحمدي شبه واضحة، لكن الله لا يحب الجهر بالسر، وقد رحل الحمدي ولن يرجع، والكشف اليوم عن رواية اغتياله قبل أكثر من ثلاثين سنة لن يفيد بشيء.

 كانت فترة الولاية الرئاسية للرئيس الغشمي قصيرة لم تزد عن ستة أشهر كيف كانت طبيعة علاقتك به؟

قبل شهرين من حادث الاغتيال جاء إلي الرئيس أحمد حسين الغشمي، حيث زارني في بيت أخي محمد أبو لحوم، وبعد أسبوع من تلك الزيارة تم اغتياله، وجاء من بعده علي عبدالله صالح الذي أرسل لي رسولاً واستقبلوني في الطريق، وتوجهوا بي إليه حيث كان محتل القيادة في نفس الوقت الذي كان فيه القاضي عبد الكريم العرشي نائب رئيس الجمهورية وعبدالعزيز البرطي وزير الداخلية آنذاك يستقبلان العزاء في القصر الجمهوري.

في ذات الوقت كان علي عبدالله صالح في القيادة، وحين دخلت عليه سألته عن سبب وجوده في القيادة وإذا ما كان يعتزم تولي الرئاسة خلفا للغشمي فقال لي: “الله المستعان جربني على الصدق والوفاء”، وقمت أنا بدعوة الناس ورشحناه وكان الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر موافقاً على ترشيحه رئيسا للجمهورية لأنه من حاشد.

 عن الخليج