قصة الحرس الجمهوري قبل المشهد الأخير (2)
بقلم/ كاتب/مهدي الهجر
نشر منذ: 13 سنة و 3 أشهر و 4 أيام
الثلاثاء 20 سبتمبر-أيلول 2011 05:06 م



لا أدري بأي وجه سيلقى به ضابط أو جندي الحرس الجمهوري مواطنه ذات صباح وقد سفك دمه ظلما ، وهدم داره ، وأحرق مزرعته ، وقطع عليه الطريق وتقرصن على الغاز والوقود ، وقطع عنه الكهرباء ، وحاربه في الخبز والملح والماء .

كيف سيستطيع أن ينظر في عيني طفلة هو من قتل أباها ، أو يبتسم لصبية هو برشاشه من فتح رأس خطيبها ، أو يمر من أمام عجوز هو من فجعها بحفيدها ، أو يسأل المارة عن محروقة تولول وتشد شعر راسها ..ما بالها ؟ هو برصاصة الغدر من قلب شريك عمرها .

وعلى بعد خطوات هناك إمام في المسجد يقنت ، ويدعو على الظالم وأعوانه ، على من قتل الفتية ، وأحرق الأفئدة ، وصادر الأحلام ، وأبقى البسمة محترقة والمآقي متحجرة ، بعد أن كسر الحجر ، وأحرق الشجر ، وأتى على البشر بالإعاقة والفناء ...أتراه وهو يسمع .... سيسأل (ما خطب من يقنت بالدعاء وخطب من يردد خلفه آمينا ؟)

في كل الأحوال ..هي في ذمة وفي عنق وعلى مسؤولية ضابط وجندي الحرس ما دام هناك مرابط ، أكان هو في الساقة او المقدمة ، من أرسل رصاصة الموت ويد الدمار ، أو ساعد ، أو ابتسم ، أو شاهد وكفى .. فهو أمام الله ثم أمام الخلق من فعلها حتى لو سار في المؤخرة حافيا لا يحمل سوى جسده ولا يُمصمص سوى شفتيه ، فيكفيه أنه قد كثر السواد وعزز من شوكة القتلة ، ونفث دون ان يشعر في رُوع صالح صلافة (أن يواجه التحدي بالتحدي )

أمام الحرس الجمهوري كمنظومة مكتملة من الرقيب الى الابن العميد ، ومن الطباخ الى المستشار ثأر في كل زاوية من اليمن ، وملاحقات قانونية أو عرفية تطلبه وستطاله حيثما ولّت الوجوه أو تحركت بهم الخطى .

اليتيمة بدم أبيها تطلبه ، والثكلى في دم وحيدها تطلبه ، والأرملة المفجوعة في حبيب القلب تطلبه ، والمزرعة المحروقة تطلبه ، والقرية والحي والمدينة المهدمة تطلبه ، والشعب اليمني بكيانه واعتباره على خنقه وحصاره ونهبه يطلبه ، والانسانية تبعا لمبادئها وما سارت عليه في التقنين والمؤسسية تطلبه .

في أرحب حكايات والف قصة ، مع الزمان والمكان ، والبشر والحجر ، مع القطة والفأر ، والذئب والكلب ، مع الغنم والبقر ، والحمير والجمال ، مع المدرسة والمسجد ، مع البيئة والعصر ...دمار طال كل شيء ، عم ولم يستثني ..

عشرا ت من غارات الميج 29 بأسلحة حدّثها الروس ومولها الخليج قيل ان منها انشطارية وأنها غير موجهة بعفوية تُلقى وعلى من كان جامد او متحرك ، وبالتزامن مع القصف المدفعي والصاروخي تبعا لخطة وتوجيه الخبير العراقي الذي لا زال على التزام بعقيدة الجيش العراقي في القتال البري في عهد صدام التي تقوم على ضرب مدفعي صاروخي مكثف ومهول حارق كما طبق في الحرب مع ايران . 

صار الكثير في أرحب أطلالا ، وسيأتي المؤرخ للأجيال اللاحقة بفجيعة ، أحسبه سيستهل مدونته بما استهل به بن الأثير وهو يكتب عن ما فعله التتر ببغداد ، غير أن مؤرخ أرحب سيزداد نحيبه وشهيقه عند كتابته عبارة ( أن من فعلها هم الحرس الجمهوري ، من ابناء هذا الشعب برمجهم صالح وابنه فكانوا من تحت يمينه يضرب بهم من شاء وكيف شاء بعد سيطرته على عقولهم )

وسيكون الصمع متحفا أثريا كبيرا يحشد اليه كل أثر وبقية من ارحب ، واحسب أن نحاتين سيبدعون في عمل تماثيل ومجسمات لهولوكات عائلة صالح ، وأشهر بلاطجتهم ، ولعلك تبصر أحدهم وقد رسموا على فمه لحم بشر يأكله والدم يسيل ، وآخر بأنياب طويلة على هيئة مصاصي الدماء ، ستكون تلك المناظر عند البعض من الجيل القادم ربما كنوع من الترفيه والتسلية بعد تحول الزمن لكنها قطعا ستكون عند الأغلبية والفاعلين بمثابة الصيحة والعناد والتحدي والثورة تنبعث في النفوس نحو البناء والعمران جملة ومواجهة الظلم المتجدد .

وفي مدينة الحصبة واحيائها للحرس الجمهوري آثار وقصص ، ودروس وعبر ، ومخطوطة من هنا مروا .

زعموا انها كانت مدينة يقطنها الاحرار ، وفي وسطها دار كان يطلق عليه بيت كل ابناء اليمن ، يقصده الجائع ، والخائف ، والمظلوم ، والشريف ، والفقيه والقاضي ، والمثقف والسياسي ، والعامل والفلاح ، كلا فيه يجد بغيته .

وزعموا انه كانت تجتمع فيه اقيال اليمن فتتفق على تسوية الخلافات ، والتسديد والمقاربة ، والعودة الى الجادة عندما تدلهم الخطوب وتعجز الحكومات في مواجهة التحديات .

صاحبه الشيخ عبدالله الاحمر ، مقامه عند اليمنيين كمقام نيلسون مانديلا عند الافارقة ، له مكانة واعتبار ولداره نفس حرمته ...الاّ أن الحرس الجمهوري كعادته أقتحم العقبة فهدمه هو الآخر على من فيه سواء سواء مع كل سارية او مبنى كان في الحصبة ..

وفي ساحات جامعة صنعاء للحرس الجمهوري حكايات وقصص تتقدمها جمعة الكرامة بأهوال تشيب لها الصبيان ، لعلها تُوثق بمجسمات ومخطوطات في متحف تُسيج له الساحة ذات يوم ، تحكي آثاره عن عهد صالح والابناء ، ووحشية الحرس الجمهوري .

وفي تعز ، وابين ، وكل حيز في اليمن جراح وحريق ، وقتيل من خلفه قتيل ، ومعاق يجر معاق ، وخراب يلحقه دمار ..

هي كلها بحجمها ولونها حيثما ووقتما في ذمة وعنق جندي وضابط الحرس الجمهوري ..

سيقولون كلا بل فعلها هناك بلطجي ، وهناك الامن المركزي أو من جند محمد خليل ، فلم تقحمونه الحرس .؟

والحق ان هذا البلطجي او ذاك إنما فعلها بريح الحرس وبتوجيه من قائد الحرس ، وبحمى الحرس ، وبرصاص الحرس ، وتحت ظلال صلف الحرس . ولو ان جندي الحرس أو ضابطه استيقظ فيه ضميره وعاد اليه عقله وانفضوا عن الطاغية لسكن الذَنَبَ ، وعادت السكينة وحُقنت الدماء ، ولما سُمع في الاجواء صُراخ .

لكنه الحرس الجندي والضابط ... ومع ذلك فما زالت الفرصة أمامه والمسافة إن ضاقت فلم تغلق بعد، وما زال هناك سعة ليستعيد عقله ويراجع واجبه ومهامه ، ويُلقي نظرة على بلده وشعبه من بينها الشفقة والانتماء والحنان .

يمكنه في هذا الحيز الصغير ان يلحق ويعلن انتماءه لبلده وشعبه ويستعيد وقفته في الاصطفاف .

أما إن أصر وكابر وبقي على حاله فإنما هي ذنوب ركبته بعد ان تراكمت فاذهب الله بها عنه رشده وبصيرته الى ان حدد حتمية مصيره هو .

فوالله ما قاتلٌ استلذ بعيش بعدها ابدا ، ولا استوت له حياة أو نعم بعيش ... هذا قدر الله .

وإنه ما من قاتل أزهق روح بغير حق الا قتله الله بجنس قتلته هو ، والجزاء من جنس العمل .

فكيف بمن قتل شعبا ، ودمر وأحرق ، بفعل مباشر او بمساعدة وتعزيز .

 

لله في خلقه ما يشاء ، لا معقب لحكمه وحكمته ، ولنا نحن بما يتفق وسنن الله ونهجه أن نلاحق بقوانين الارض التي ارتسمناها أو إرتسمها غيرنا من نظنه وتشهد عليه الوقائع أنه ظلم أو قتل أو اعتدى أو اساء للإنسانية بأي حال .

وإن غدا للقتلة والبلاطجة كغد قد انبلج وشهدناه في تونس ومصر وليبيا الاحرار .

فهل بعد هذا وذك ريب ، أو التباس ؟

فاقتلوا ما شئتم ، واحرقوا ما شئتم ، وانهبوا ، ودمروا ، ومزقوا ، فإن العاقبة تجمعنا ، ولسنن الله بيننا وبينكم لقاء .

وأنتم ..........

دعوها ، ولا تمسوها بسوء فإنها مأمورة ، وما نراه اليوم على أنه ضيق وأحزان سنراه الغد بعين العزة والمجد والافتخار ، وأمنيات كانت فحققها الله .

* للإطلاع على قصة الحرس الجمهوري (1) إنقر هنا