متى يكون الإصلاح إصلاحا
بقلم/ هاني غيلان عبد القادر
نشر منذ: 11 سنة و شهرين و 28 يوماً
الخميس 26 سبتمبر-أيلول 2013 01:30 م

من السهل انتقاد الاخرين ورميهم بالتهم ووصفهم بالزيغ والضلال والإنحراف وإدعاء الفهم والعلم والحقيقة ولكن من الشاق جدا على النفس أن تعترف بخطأها وترجع إلى الصواب وترضى به كما هو لا كما نريده أن يكون ولهذا كان الإمام أحمد يكثر من الدعاء (اللهم من كان من هذه الأمة على غير الحق؛ ويظن أنه على الحق فرده إلى الحق)

النبي صلوات الله وسلامه عليه عندما أرسل اليه زعماء قريش عمه ابوطالب ليقول له لو تريد ملكا ملكناك علينا ولو تريد مالا اعطيناك حتى تصبح اكثرنا مالا رد عليهم بهذه العبارة الرائعة فقال يا عم \"والله لو وضعوا الشمس علي يميني والقمر علي يساري ما انا بتارك هذا الدين إلا أن يهلك او أهلك دونه\" والسؤال الذي أود طرحه هنا: لماذا لم يقبل الرسول (ص) هذا العرض من منظور سياسي بحت, كان بمقدوره صلى الله عليه وسلم الإستجابة لعرضهم ثم الإنقلاب عليهم بعد أن تصبح القوة والثروة بيده ليفرض عليهم ما يشاء ولكن هل سيصب هذا في مصلحة الدعوة أم لا، هل أراد (ص) أن يعلمنا بأنه لم يكن طالب سلطة أو رئاسة أو كرسي وأن التغيير يبدأ من القاعدة بإصلاح الفرد فالأسرة فالمجتمع ثم يأتي بعدها التفكير في إصلاح النظام الحاكم، هل أراد (ص) أن يضرب لمن بعده المثل والأسوة الحسنة في الأناءة والتدرج والثبات والصبر وعدم قياس الأمور من منظور الربح والخسارة الدنيوي القاصر والإستقامة على المنهج القويم وإن كان في ذلك التعب والمشقة.

والأمثلة على ذلك أكثر من أن تحصى فقد مكث نوح عليه السلام يدعوا قومه ألف سنة إلا خمسين عاما ثم ما آمن معه إلا قليل وما آمنت به حتى امرأته وولده، فالأمر كله بيد الله وحده (ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين) علينا فقط أن نمضي في الطريق الذي خطه الله لنا ومضى عليه الأنبياء والتابعين والعلماء الربانيين -الذين هم ورثة الأنبياء- وأن نبذل الأسباب المشروعة في الدعوة إلى الله وتبليغ رسالته بالحكمة والموعظة الحسنة والإمتثال بأخلاق الإسلام وآدابه وأحكامه في معاملاتنا فـ (الدين المعاملة) وأن نصبر على هذا الطريق وإن كان صعبا وَعِرا ولا نستعجل قطف الثمار أو نحاول المراوغة وإختصار المسافات أو القفز على الواقع أو مسايرته كما يقال فـ (من استعجل الشيء قبل أوانه عوقب بحرمانه).

أتمنى أن يعي هذا جيدا أولئك المغامرون الذين حرضوا على إسقاط الأنظمة عبر وسائل مستنسخة أثبتت أنها غير مجدية كالثورات والإنقلابات والإغتيالات والسيارات المفخخة والأحزمة الناسفة وما شابهها لما في ذلك من مخالفة لسيرة الأئمة والتابعين الذين صبروا على جور الحكام وظلمهم حتى فرج الله عنهم وفتح الله عليهم كابن عمر وابن حنبل وابن تيمية رضوان الله عليهم حقنا للدماء وللأعراض والحرمات وحفاظا على بلاد الاسلام من التدمير والتفتيت وحفاظا على جيوش المسلمين من التقسيم والإضعاف.

واليوم بعد كل هذا الخراب والتشريد والدماء التي سالت في العامين الماضيين هل وصل أولئك المغامرون إلى نتيجة هامة مفادها أن اقلاق الأمن والسكينة وإنشاء الفرق والجماعات والمليشيات المسلحة والتنسيق مع السفارات الأجنبية وتدبير المؤامرات واصطناع الأزمات والثورات والتقرب إلى الله بها لا يمكن أن يقيم شريعة أو ينهض بأوطان أو يصنع نصرا وعزا وتمكينا، وأنهم ما مكنوا إلا الأعداء وما كانوا إلا وبالا على هذا الدين وسببا للتضييق على أتباعه.

إن ما يحدث اليوم من صراع دموي على الكرسي في أكثر من بلد ومن تحريض وسعار إعلامي فى القنوات الفضائية المحسوبة على المتناحرين سياسيا نتيجة طبيعية لأزمة الضمير والقيم والأخلاق التي تعيشها الأمة وللإنحطاط والتردي السحيق الذي وصلنا إليه –ربما- بسبب الانشغال الطويل للأمة بالجانب السياسي على حساب الجانب التربوي, لهذا فمن المعيب جدا الإستمرار في التعامي عن رؤية الإنحرافات السلوكية والفكرية والمنهجية والفساد المستشري بكل أنواعه وتحميل عيوبنا ومشكلاتنا وواقعنا المزري لظهر الحكام فقط وكأن من يجلس على الكرسي ليس مننا وفينا وكأنه قادم من كوكب اخر أو بيده عصا موسى بمقدوره حل الأزمات والإتيان بالمعجزات بين لحظة وأخرى

يقول تعالى: ((ان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)) فهل نقف مع أعمالنا وقفة موازنة هل أصلحت أم أفسدت بعد حساب دقيق للنتائج والمآلات إن كانت تلك الإعمال –حقا- سعيا للإصلاح وابتغاء لوجه الله وجهاداً في سبيله، فالجهاد له شروط وآداب وغايات سامية لا ينبغي تشويهها أو تجاهلها ويتطلب الإعداد والقدرة والدراية وإلا كان ضربا من الإنتحار والسفه والغباء ولهذا لم يشرع الله الجهاد للمسلمين في مكة بداية النبوة حتى لا يعود الجهاد بالأذى والضرر عليهم، أما إصلاح المجتمعات وهدايتها وإقامة شرع الله فيها فينبغي ألا يكون مقترنا بالشعور بالعُلو والتفوق عليها عبر لغة الإقصاء والتخوين والتكفير (ولو كنت فضا غليظ القلب لانفضوا من حولك) بل التعامل مع الاخر بإحسان وصبر ورفق وحكمة تنفيذا لأمره تعالى لنبيه الكريم (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) وفي ذلك إشارة إلى أن أحد غايات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو تحقيق السلم الأهلي والسلام العالمي الذي يستند على تطبيق أحكام الشريعة وحماية المجتمعات ودفع الشرور والمصائب عنها لا حسب المصالح الذاتية أو الفئوية التي قد تدفع البعض لتطويع النصوص لهوى النفوس.

أخيرا أذكر بحُرمة أذية المسلم بأي نوع من الإيذاء التي أعلنها النبي (ص) في أعظم مجمع اجتمع فيه بأمته في حجة الوداع حيث قال (إن دماءكم، وأموالكم، وأعراضكم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا) وقوله \"إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق\" فأين نحن من سنته وهداه وماذا قدم هؤلاء المغامرون للإسلام والمسلمين غير الأذى والتشويه والهزائم والنكبات إن قارنا أفعالهم بالجهود المباركة للقائمين على المعاهد والمراكز الدعوية في أدغال أفريقيا وأمريكا وأوروبا وروسيا وأستراليا وكندا وفي كل أصقاع الدنيا الذين افنوا حياتهم وأعمارهم في سبيل نشر تعاليم الإسلام الصحيحة السمحة وتقديم صورة حسنة عنه حتى بدأت حكومات تلك البلدان تدق ناقوس الخطر محذرة من تنامي المد الإسلامي والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون