وكيل محافظة مارب الشيخ حسين القاضي: عاصفة الحزم لم تكن مجرد تحرك عسكري بل نقطة تحول إقليمي أفضت إلى تغييرات استراتيجية
من عمق الصحراء وفي مضارب البدو بمحافظة حضرموت...حيث الإنسان يؤسس مركزا لمحو الأمية وينتشل نساء المنطقه من وحل الجهل الى واحات العلم.
مركز الفلك الدولي يقول كلمته بشأن موعد عيد الفطر وهل تحري الهلال يوم السبت ممكنة؟
قتلنا عدد من القادة الحوثيين.. بيان للبيت الأبيض يحسم أمر استمرار الغارات على اليمن ويكشف عن عدد الضربات والأهداف المقصوفة حتى الآن
إيلون ماسك يختار السعودية لمشروعه العملاق الجديد .. تفاصيل
عاجل: المواقع التي استهدفها الطيران الأمريكي مساء اليوم في صنعاء
اليمن تحصد المراكز الأولى في مسابقة دولية للقرآن الكريم
عاجل: سلسلة غارات أمريكية تستهدف جنوب وشمال العاصمة صنعاء قبل قليل
21 حوثيًا يحملون رتبًا عسكرية أقرت الجماعة بمقتلهم في أعلى حصيلة يومية ''الأسماء''
مأرب: إحياء ذكرى استشهاد أيقونة الحرية حمدي المكحل والشهيد خالد الدعيس
في وطني الحزين طبولُ الحربِ تصم الآذان، ورائحةُ الموتِ تكتمُ الأنفاس، وثقافةُ الإضطهادِ والإستعلاءِ الفرعونية تضربُ بجذورها الراسخة في أعماقِ الأرضِ، والشرُ المطلقُ يُعلنها معركةً فاصلةً حاميةً على كل ما هو جميل..
في وطني ينخرُ الإستبدادُ في البلاد نخراً، ويتمايل الفساد راقصاً متبختراً، ويطحنان الغلاءُ والفقرُ الناس طحناً، ويقضي بينهم الجهلُ والتخلفُ والتعصبُ والرشوة والمحسوبية، وتزهوا راية الطغيان مختالة ويعلوا علمُ الشيطان خفاقاً، يُغتالُ الضميرُ الحيُ على الملأ كل يوم، ويُنحرُ الدستورُ والقانون علناً كل لحظة، يُكرمُ اللصوص والمجرمون والقتلة ويرفعون، ويُحبس الشرفاء والأبرياء ويُعذبون..
في وطني السُلطان كالقران مقدسان، وتليهما السُنة المُطهرة في المنزلة والشأن، أجمع على ذلك الفقهاء وبينوا، ما كان من أمر الحاكم العُجاب، وقوله الصواب وأمره المُجاب، أقاربه وأحباؤه هم الكرام البررة، رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، لذا وجب علينا طاعتهم ولزم إتباعهم، أما مُعارضوه وأعداؤه فهم الكفرة الفجرة، أولئك خانوا الله والوطن، أضاعوا أماناتهم وباعوا ضمائرهم وإرتدوا على أدبارهم، فقتلهم مباح، والتنكيل بهم فرض عين..
القوي في وطني يُوقر ويُحترم، والضعيف يُهان ويُداس ويُمتهن.. من يملك المال يحقق المُستحيل، لأن كل شيء أضحى معروضاً للبيع في المزاد العلني، بدء بأبسط الوظائف وإنتهاء بأعلى المناصب..
وأنا - في هذا الوطن- تُحاصرني الغُربة، وتتملكني الوحشة، وتقتلني الكآبة، مواطن عادي فقير على باب الله، لا يملك سكناً إلا بيت الله، ولا يعرف أحداً إلا وجه الله، فلا تسألوا إذاً عن إسمي ولا عن عنواني، إن شئتم أنا غريب عابر سبيل، نكرة لا قيمة لي ولا رصيد، مطارد متخفي – دائماً - يُلاحقني الدائنون في صحوي، وتلاحقي الكوابيس في منامي!!
تائه هائم في الطرقات والأرصفة على وجهي أخبط عشواء كالمعتوه، كعادتي كل صباح أفتش عن وظيفة، أسأل عنها الرُكبان والأحبار، وأفتشُ عن ذاتي أيضاً، أمنعُ عني أشعة الشمسِ المُحرقة ببضعةِ أوراقٍ أحملها فوق رأسي، وأحمل معها خيبة أملي وتعاستي وبؤسي..
مُجهدُ الأطرافِ، خاويُ البطنِ، مكسورُ الفؤادِ، مجروحُ الكبرياءِ، منحنيُ الهامةِ أمشي صِفراً، وعلى كتفي أثقالٌ تأبى حملها الجبالُ، أدفعُ جسدي السقيم المتهاوي دفعاً، وأسحبُ حذائي الأثري المتهالك سحباً، أتحاشى النظر إلى من هم حولي وأتجاهلُ نظراتهمُ المستفهمة، أتابعُ السيارات المُسرعة المارة بجانبي وأعُدها عداً، وأتابعُ سعيي البطيء المتعرج المعوج نحو المجهول، وأحُث الخطى!!
آآآهٍ يا رجلي، طالت المسافةُ كثيراً وطالت، زادت وعورةُ الطريقِ وازدادت معها حرارةُ الشمسِ وقسوتها، حتى أحسستُ بنارها تكوي جسدي المثقلُ الذي أخذ يتبخرُ ويتصببُ عرقاً وسخونةً، جف الريقُ، أجهدني العطشُ، كلت الأقدامُ، لم أعد أقوى على الإستمرار فقعدتُ على أحدِ جانبي الطريق أستريحُ وأفكرُ.. لم أنا أحمقٌ وغبي، إلى متى سأظلُ على هامشِ الدنيا، أكتفي بالمشاهدةِ، أتأملُ ببلادة وأراقبُ بذهولٍ، فاتحاً فمي كالأبله، إلى متى أكدُ وأشقى طوال النهارِ - كالماكينةِ التي لا تمِلُ ولا تتوقفُ - ولا آخذ إلا الفُتات، القليلُ القليلُ الذي لا يسد جوعي ولا يكادُ يكفيني ليومٍ واحدٍ فقط، نفسُ الأسئلةِ عادتْ تراودني، نفسُها: إلى متى تعبٌ، تعاسة، ضيقٌ، ضنكٌ ..الخ؟؟؟
أي مخلوقٍ عجيبٍ أنا، إلى أي فصيلةٍ تراني أنتمي؟؟ منذ قترةٍ طويلة لم أعدْ أشعر أني بشرٌ بل ريبوت آلي متحرك، فقد جفتْ عبراتي وتوارت إبتسامتي، ثم تحجر قلبي وتجمدت أحاسيسي تماماً، ورويداً رويداً لم أعدْ أحِبُ أحداً، ولا أبْغضُ أحداً أيضاً، لم أفرح منذ سنين ولم أحزن، لم أضحك ولم أبكِ أيضاً، لا أرغبُ بحاجةٍ ولا أطمحُ لشيءٍ - قشة في مهب الريح تتقاذفها الأمواج وتتلاعب بها الأقدارُ - لا أخافُ ولا أهتزُ ولا أتأثر ولا أطربُ ولا أشتاقُ ولا أتألم، يشغلني ما هو أهم - لقمة العيش - لا وقت لدي لهذه السخافات ولا طاقة لي بها..
أخذتُ أسترسلُ في تساؤلاتي العبثية تلك، استلقيتُ على ظهري بجانب الطريق مُلوحاً بقدمي المجهدتين كالمجنون - منْ ينظرُ إلي أصلاً ومنْ يأبهُ بي – أغمضت عيناي وتخيلت محبوبتي المفترضة، قوامها الغضُ الجميل، عيناها السودُ الواسعتان، شفتاها المتوردتان الرقيقتان، شعرُها الأملسُ الطويل، إبتسامتها المشرقةُ المتلألئة، آهٍ كم أحبها آآآه، لا شيء يخففُ عني إلا أنت يا حبيبتي، تناولتُ قلمي سريعاً قبل أنْ أنسى أي حرف، وكتبتُ على أصابعِ كفي الأيسر خمس كلمات سهلةٌ جداً على صُعوبتها : (مهر بيت وظيفة زوجة وأولاد)!!
متى آخرُ مرةٍ نظرتُ للمرآة ؟ كان ذلك منذ زمن بعيد، أتذكرُ الآن كيف كنت نحيفاً جداً ولا أكادُ أبين، أذلك أنا الصنمُ المحنطُ على هيئة إنسان، رثُ الثيابِ، مُبهذلُ الهندامِ، مُغبرُ الشعرِ، يابسُ الوجهِ، غائر العينين، شاردُ النظراتِ، حائرُ الخطواتِ، كائنٌ خرافيٌ أسطوريٌ يبعث على الشفقة - أكل عليه الدهرُ وشرب - لا يشبهُ أحداً ولا ينتمي لهذا العالم, قادمٌ بالتأكيد من رواية البؤساء لـ (فيكتور هوجو)، كم رثيتُ لحالي حينئذٍ معاهداً نفسي أن لا أعيدُ النظر في مرآةٍ أبداً..
أذلك أنا حقاً مُجرد كرت، مواطن بلا وطن بلا هوية، مكافحٌ بلا هدفٍ بلا قضيةٍ، بقايا جسدٍ بلا روحٍ، مبحرٌ بلا شاطئٍ، مسافرٌ منذُ الأزلِ، راحلٌ عبر الأزمنةِ، شحنةٌ هائلة من العواطف المحبوسة المقيدة، سلسلة معقدة من ردود الأفعال والأقوال، بركان هادرٌ من الأوجاع والآلام والغضب المتراكم القابل للإنفجار في أي وقت.. أذلك أنا اللاهث وراء التعاسة، الراكضُ خلف السراب، القاطنُ في بحرِ الظلماتِ، القابعُ في زنزانةٍ موحشةٍ مخيفةٍ في كهف منسي مهجورٍ في أسفل السافلين!!
أذلك أنا العجوز المسن - الذي لم يبلغ الثلاثين - الضارب في القدم، الماضي في غياهبِ الدهر، الماضْ بين الرمال المتحركة، القابضُ على النار، على الجمرِ، الناحتُ في الصخرِ، اليائسِ البائسِ المهمومُ المعدومُ..
أعلمت يا هذا كيف تُسْرقُ الأمنيات وتُسْحقُ الثوراتُ وتُشوهُ الحقيقة وتُخدعُ الشُعوبُ، أرأيت ماذا تفعل المعاناة وماذا يخلق الكبتُ والقهر والإستبداد، إندفاعاً لا ينتهي، إشتياقاً لا يتبددُ، حرية لا تنطفئ، وقوةً لا تنهزمْ، أشاهدت ذلك الصنديدُ المجربُ الذي لا يُقهر، السيفُ المسلولُ الذي لا يُغلب، الصوتُ المجلجلُ الذي يملئ الآفاقُ، لم يولدْ من يخافه بعدُ، ولا يُوجدْ ما يخشى عليهِ قطْ..