آخر الاخبار

ترامب يخسر معركته الأولى.. الاقتصاد الأمريكي يتهاوى البنك المركزي الأوروبي يعلن عن أكبر خسارة على مدار تاريخه هل تستطيع أوروبا الدفاع عن نفسها بدون دعم أميركي؟ توجيهات عسكرية مشددة من رئيس مجلس القيادة الرئاسي لوزير الدفاع ورئيس هيئة الاركان ..تفاصيل وفد حوثي يسافر سراً للمشاركة في تشييع حسن نصر الله ووفد أخر يغادر مطار صنعاء يتم الإعلان عنه.. إستياء واسع لحلفاء المسيرة .. جناح إيران يتفرد بكل التفاصيل احتشاد قبلي مُهيب بمأرب.. قبائل مذحج وحمير تُعلن جاهزيتها الكاملة لمواجهة مليشيا الحوثي وتدعو التحالف العربي لمواصلة الدعم العسكري وتطالب الشرعية إعلان معركة التحرير بيان توضيحي عاجل لشركة الغاز اليمنية حول الوضع التمويني وحقيقة تهريب مادة الغاز إلى الخارج الشركة المالكة.لفيسبوك وواتساب وانستغرام تعلن عن نشر أطول كابل بحري بالعالم.. يربط القارات الخمس؟ خفايا وأطماع مواجهات نارية في الدور الستة عشر في دوري أبطال أوروبا قرعة دور الستة عشر للدوري الأوروبي لكرة القدم

صباح الخير أيها الكفرة!
بقلم/ سلمان الحميدي
نشر منذ: يوم واحد و 11 ساعة و 3 دقائق
الخميس 20 فبراير-شباط 2025 03:03 م

صباح الخير أيها الكفرة..

العفو.. ليس هناك أي خطأ في هذه التحية.. دعوني أشرح القصد: أعمل في الإعلام منذ 2010. وهذا ما تفصح عنه الخطابات التحريضية لقيادة الحوثي ويردده أنصاره تجاه الإعلاميين اليمنيين: كفرة.

أما لماذا كفرة؟. يقولون ببساطة: بأنكم تريدون أن تطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون. معاذ الله أن يكون المشروع الذي أدخل البلاد في ظلام دامس ويمثله عبده الحوثي: هو نور الله. إن هذا يجعلني سعيداً لأحييكم: صباح الخير أيها الكفرة.. بمشروع الإمامة.

 

عندما دعيت إلى هذه الندوة، ترددت في الحضور لسببين: لست معتاداً على الحديث، والثاني: أن هذا الموضوع المهم للغاية، مؤرق بالنسبة لي، بسبب هذه العوامل:

ـ واقع الإعلام اليمني، عامة، ليس بخير ويغرد خارج نظريات الاتصال

ـ الضخ الهائل للمضمون الذي يبثه الحوثي للجمهور اليمني، وتحديداً في مناطق سيطرته، وأثر ذلك على تشكيل أنماط اجتماعية تتواءم مع أهدافه.

ـ تأثيرات الأوضاع وانعكاسها على الإعلاميين المناوئين لمشروع الحوثي…

سأتحدث عن هذه المحاور وفق الترتيب باختصار…

 

-أولاً: الإعلام والنظريات

تدرك الدول المتقدمة والمؤسسات الإعلامية المحترفة، حجم الأثر الذي تتركه وسائل الإعلام في الوعي الباطن للجمهور. ولهذا تضع أهدافاً معينة في الرسالة، وتكررها، للحصول على التغيير المطلوب في الوقت المنشود. وهذا ما تدرسه النظريات الإعلامية. قبل استعراض واقعنا، دعونا نأخذ هذا الموجز في سياق حرب غـ_ـزة:

 

– في يناير 2024 كشف تحليل كمي أجراه موقع “ذا إنترسبت الأميركي” إلى أن تغطية الصحف الكبرى في أميركا في الأسابيع الستة الأولى من الهجوم على غــ_ـزة أظهرت تحيزا شديدا لصالح إسـ_ـرائيل. وفي في إبريل 2024، كشفت مذكّرة مسرّبة عن تعليمات أصدرتها إحدى أشهر الصحف في العالم، هي صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية، للصحافيين الذين يغطّون العدوان الإسرائيلـ_ـي على قطاع غـ_ـزة، التعليمات تمنع الصحافيين من استخدام بعض المصطلحات وتقيدها مثل مصطلحي الإبادة الجماعية والتطهير العرقي، واستخدام عبارة مثل الأراضي المحتلة.

قبل ذلك، كانت وسائل الإعلام قد كشفت عن تعليمات وجهتها وزارة الخارجية الأمريكية إلى السفارات والمكاتب والمسؤولين التابعين لها، لاستخدام مصطلحات محددة أمام الصحافة وتجنب أخرى في التعليق على حرب غـ_ـزة، من بينها تكرار مصطلح “حق إسرائـ_ـيل في الدفاع عن النفس”.

 

– إن الغرض من الاستشهاد بهذا النموذج، هو التذكير بأهمية نظريات الاتصال. من المؤسف حقاً، أن هذه المادة هي أكثر مادة كانت تخيفنا كطلاب أثناء الدراسة الجامعية كما كانت أيضاً، أكثر مادة باعثة للملل. عند الخروج للعمل، وبعد مرور الوقت، يكتشف المرء إن معرفة النظريات أهم ما يحتاجه لصياغة رسالة إعلامية. من المحزن أن الإعلام في اليمن لا يتبع النظريات وأكثر ما يتقيد به هو الالتزام بقالب الهرم المعكوس في كتابة الخبر!.

 

تدرس نظريات الاتصال، قدرة وسائل الاعلام في التأثير على الجمهور، درسنا نظريات الإدراك والفئات الاجتماعية والنموذج ودوامة الصمت ونظرية الغرس الثقافي، وغيرها، تختلف الفرضيات من نظرية إلى الأخرى، إلا أن نتائجها شيقة.

 

– إن نظرية النموذج تتناول تأثر المتلقي بالنماذج التي تقدمها وسائل الإعلام. إن تكرار الرسالة وتكثيفها، تجعله يلتقط النموذج ويحتفظ به على الأقل في الذاكرة طويلة المدى حتى تحين لحظة التحول. إن وجود قطعة قماش عليها قوس قزح وظهورها في مسلسل أمريكي، مثل بروكلين 99، تنغرس في الوعي الباطن للجمهور الأمريكي، وتجعل أعداد من المتلقين، في مرحلة ما، يتقبلون الشذوذ، ويعدلون سلوكهم ليصيروا شواذ.

 

– تناقش نظرية الغرس الثقافي، قدرة التلفزيون على غرس معلومات وصور في أذهان المشاهدين والتأثير على معتقداتهم. وبما أن العلاقات الاجتماعية متشابكة بين أفراد غير منعزلين، فإن التأثير يسري بين أغلب الأفراد بما في ذلك الذين لم يتلقوا الرسالة بحسب نظرية الفئات الاجتماعية.

 

ثانياً: المضمون الحوثي وأثره على اليمنيين

 

– في كتابه المهم: الذرة الاجتماعية.. لماذا يزداد الأثرياء ثراء والفقراء فقراً، ينظر باحث الفيزياء مارك بوكانان إلى تفاعل الفرد مع الآخرين، من منظار فيزيائي، وكيف تنجذب الذرة المفردة إلى الذرات التي تشبهها، إضافة إلى التفاعلات المؤثرة الأخرى. وبالنسبة لنا كبشر، يقول مارك: «نحن بالغو البراعة في التعرف على الأنماط والتكيف بعالم متغير. نحن نتفاعل مع العالم ونتعلم منه. نحن نعيش حياتنا داخل أسرنا وشبكات أصدقائنا ومع زملاء وجيران ووسط لغط ولغو من أصوات وأراء تنفجر من التلفزيون والصحف والانترنت» ويضيف «إن الانطمار الاجتماعي يؤثر في ما نرتديه وما نلسبه، وفي العمل الذي نتخذه مهنة لنا، وفي آرائنا وأفكارنا. نحن لا نفكر من تلقاء أنفسنا تماماً. إن ما نعتقده ولماذا نعتقده يتوقف بشدة على تفاعلاتنا مع الآخرين». إن التأثير الذي يبدأ في وعي فرد ما، يعمل على نشوء أنماط سلوكية يمتد تأثيرها إلى شبكة واسعة من الأفراد نظراً للطبيعة الاجتماعية التي يتميز بها الكائن البشري. وكما يشير بوكانان هناك نزعة لدى الإنسان في محاكاة الآخرين والتلاؤم مع ما يحيط به، وبهذا يكون الإعلام أحد الأسلحة الرئيسية في معارك تعديل السلوك..

 

إن مشكلة الإعلام اليمني، افتقاره للهدف المؤثر الذي يساهم في وعي الجمهور وتحويل الحياة إلى الأفضل. وحتى إن توفر الهدف، فهناك إغفال تام عن النظريات والاستفادة منها لصياغة الرسالة وتكرارها بطرق مباشرة أو غير مباشرة، من خلال تغطية الأحداث أو التعليق عليها، وترديدها في برامج كاملة النص، بما فيها الدراما.

 

واقع الإعلام في اليمن خلال السنوات الأخيرة يثير الحزن والاشمئزاز في آن. ففي مناطق سيطرة الحوثي، يستقبل اليمنيون، مجبرين رسالة واحدة ذات مضمون خطير من مرسل واحد يسيطر سيطرة شبه تامة على الإذاعة، غياب تام للصحافة الورقية، وهناك يجبر الجمهور على مشاهدة أخطر الوسائل وأكثرها متابعة وتأثيراً: التلفزيون، وتحديداً قناة المسيرة. الرسالة نفسها يتلقاها الجمهور، أو عدد من اليمنيين، من خلال عملية الاتصال المباشر، عبر المشرف، أو ما يسمي بالدورات الثقافية، إضافة على إجبارهم على الإصغاء للمضمون نفسه الذي يلقيه زعيم المليشيا عبده الحوثي، ولا ننسى حشد الجمهور من فئات مختلفة من بينهم صغار السن، وطلاب المدارس في طابور الصباح لتلقي هذا المضمون. ومقابل هذا الضخ المكثف، تحشد الشرعية طاقتها الإعلامية للرد عبر هاشتاج في منصة إكس..

 

صحيح أن هناك نظريات تشير إلى أن اختيار الرسالة أو الوسيلة، هو اختيار انتقائي، وبالتالي فإن التأثير محدود. غير أننا نتحدث عن جمهور مجبر على التعرض لمضمون واحد في ظل تدابير معيشية ووضع قاس تحتم عليهم إظهار بعض الاستجابة للحوثيين. علاوة على أن هناك متلقين، وخاصة صغار السن والأقل تعليماً، أسرع استجابة مع الرسالة الإعلامية المكررة.

هل عرفتم الآن لما ترتفع معدلات الجريمة في مناطق الحوثيين؟

 

ثالثاً: تأثيرات الأوضاع وانعكاسها على الإعلاميين المناوئين لمشروع الحوثي

 

-هل واقع الإعلام اليمني، في اللحظة الراهنة، يعني أننا انهزمنا في المعركة الإعلامية أمام المليشيا؟

الإجابة.. لا.

 

-خلال الفترة التي بدأت باجتياح جماعة الحوثي العاصمة اليمنية صنعاء، في 21سبتمبر/أيلول 2014، وحتى سنة 2022 «رصدت المنظمات الدولية والمحلية نحو 3000انتهاك ضد الصحفيين، بينها 49واقعة قتل» وفق تقرير نزيف الصحافة، وهو تقرير أصدره مركز فري ميديا للصحافة الاستقصائية سنة 2022.

 

-وخلال سنوات المواجهة مع الإمامة، دفع الصحافيون أبطال المواجهة الفردية، أثماناً باهظة بسبب أدوارهم الإعلامية التي تظهر حقيقة الحوثيين للجمهور. دفع الصديق محمد عبده العبسي حياته ثمناً للمهنة، بعد أن تطرق لفساد الحوثيين في قطاع النفط.. اغتالوه بطريقة احترافية. اعلاميو الحديدة تعرضوا لملاحقات ومطاردات واعتداءات وصلت إلى حد زراعة عبوات ناسفة في سيارة الزميل محمود العتمي ومقتل زوجته الصحفية رشا الحرازي، وعبوة أخرى في سيارة الزميل صابر الحيدري أدت إلى مقتله وتعذيب الآخرين بقسوة. احتجز الحوثيون الزميلين يوسف العيزري وعبدالله قابل في موقع عسكري تعلم تماماً أنه سيقصف… اعتقلت صحفيين بلا تهم أمثال الأستاذ حسن عناب، ومنذ عشر سنوات لا تعرف أسرة الصحفي وحيد الصوفي مكانه حتى اليوم. حكمت أيضاً على صحفيين بالإعدام.. وعشرات الانتهاكات مازالت مستمرة وتحدث حتى اليوم.

 

-رغم الواقع المأساوي للإعلام، لم تنطفئ الرسالة الإعلامية التي يحملها الأبطال في الظروف الحالكة، وخلال هذه الفترة برزت نماذج عديدة، ينير أثرها الطريق للباحثين عن حلول ولو بصورة فردية، لتعويض الغياب المؤثر للإعلام الرسمي: منشوراً واحداً في فيسبوك للزميل محمد المياحي، أدخل الحوثيين في حالة هيسيترية. سخرية محمد الأضرعي من أفكار الإمامة يصيبهم بمقتل، تهكم محمد الربع وهو يكشف مغالطات إعلامهم ويفضحها تثير قلق الجماعة على أعلى المستويات.

المشكلة هنا، تكمن أن البرامج موسمية، ولا تأتي إلا بعد من تراكم المضمون الحوثي في أذهان المشاهدين، ناهيك عن توقف هذه البرامج في المواسم الأخيرة.

 

-وضع العاملين في حقل الإعلام، الذين يعيشون في مناطق سيطرة الحكومة، يحتم عليهم، حمل الرسالة، للقيام بدورهم الوطني، إضافة للوفاء لتضحيات الزملاء في مناطق سيطرة المليشيا..

 

من حسن حظ الإعلاميين اليمنيين أن جماعة الحوثي تقوم على ثلاث قواعد: السلوك الإجرامي إلى درجة القتل، الفساد، وطبيعة الفكرة القائمة على الخرافة وتقديس السلالة. القاعدتان الأولى والثانية هي ميدان العمل الصحفي الحقيقي الذي يعري حقيقة الجماعة لدى الجمهور، والقاعدة الثالثة تشكل ميدانا للنقاش الفكري الذي يكشف استعلاء الجماعية وعنصريتها، بينما تشكل خطابات التقديس مادة دسمة للمحتوى الساخر واللاذع الذي ينزع ثوب القداسة عن الأولياء الفاسدين.

 

هذا ما ينبغي التركيز عليه لمخاطبة الجمهور وتعزيز صموده أمام المضمون الإمامي المكثف.. ولتحقيق الأثر المطلوب، أعتقد أن المهمة تتطلب التنسيق بين الكفرة الذين يعملون بشكل فردي، وأقصد بذلك الإعلاميين والناشطين وكل من يراهم الحوثيون كفاراً بمشروعه.

 

*مداخلة للكاتب سلمان الحميدي في ندوة أقامها تكتل وهج الشبابي- تعز- حول ”واقع الإعلام اليمني في ظل المعركة الوطنية” الأربعاء 19 فبراير 2025م

المصدر: صفحة الكاتب على فيسبوك