صحيفة أمريكية تتحدث عن تورط دولة كبرى في تهريب قائد في الحرس الثوري من صنعاء أردوغان يكشف ما تخبئه الفترة المقبلة وأين تتجه المنطقة .. عاصفة نارية خطيرة اجتماع حكومي مهم في عدن - تفاصيل بن مبارك يشن هجوما لاذعا على موقف الأمم المتحدة وتعاطيها الداعم للحوثيين وسرحد فتاح يكشف عن نتائج تحركات المستوى الوطني والدولي وزير الدفاع يقدّم تقريرا إلى مجلس الوزراء بشأن مستجدات الأوضاع الميدانية والعسكرية قطر تقدم تجربتها الأمنية في إدارة الجوازات والخبرات والتدريب لوزير الداخلية اليمني إسبانيا تُواجه كارثة هي الاولى من نوعها... حداد وطني وعدد الضحايا في ارتفاع المليشيات تستكمل «حوثنة» الوظيفة العامة بقرارات جديدة لماذا تعرقل إيران انضمام تركيا إلى البريكس؟ إغتصاب الأطفال.. ثقافة انصار الله في اليمن
مأرب برس- خاص
نشرتُ في الأسبوع الماضي مقالاً تحت عنوان: "قدمٌ في إسرائيل وأخرى في إيران"، وكنتُ قد حاولتُ في هذا المقال التركيز على الطريقة التي تستغل بها الإدارة الأمريكية وجود إسرائيل والمخاوف المتعلقة بهذا الوجود لتمرير مصالحها الخاصة تحت ذرائع عدة أبرزها حتمية حماية الأمن والوجود الإسرائيليين ( قد تكون المصالح متداخلة بين الطرفين الأمريكي والإسرائيلي، كضرب إيران مثلا الذي اعتبرنا الترويج له كان هدفاً أولياً في كلمة بوش بالكنيست، مستغلاً مناسبة الاحتفال بقيام الدولة الإسرائيلية والحضور الدولي الكبير الذي رافق هذه الاحتفالية)..
وكنّا قد أرجعنا ـ في ذات المقال ـ الطريقة الاستغلالية الأمريكية لوجود إسرائيل في المقام الأول إلى علاقة المصالح والتي تمنهج للدعم الكامل والدائم للدولة العبرية، وليس إلى اعتبار روحي وحيد وبحت، مستندين في وجهة نظرنا هذه إلى ما قام به من تأصيل المفكر الكبير عبد الوهاب المسيري صاحب موسوعة " اليهود واليهودية" ذائعة الصيت.
وفي هذه النقطة بالذات، كان لبعضٍ من أصدقائي(المهتمين بتنظيرات الفكر السياسي) وجهة نظر نقدية تجاه الطريقة التي عرضتُ بها علاقة المصالح المتبادلة بين الغرب وإسرائيل، وأشاروا إلى أنني لم آتِ على التفصيل لها بشكلٍ كافٍ، وجاءت وكأنها مبتورة..
وبعد مراجعتي للمقال، وجدتني أتفقُ مع وجهة نظرهم،، ويبدو أنني ساعة كتابة المقال لم أحب أن أحشوه بتفاصيل ربما رأيتها لن تضيف إليه بالكثير، ولن تفعل به معروفاً عدا إطالته بحيث يصعب على المتلقي "الانترنتي" (ذات الهوى الخفيف) إكمال قراءته!... وإن شاء الله، سنحاول تدارك النقص التأصيلي لهذه الإشكالية بشكلٍ منفرد في هذا المقال.
وقبل الشروع بالحديث المستفاض عن هذه الإشكالية، ينبغي الاعتراف بمدى التباعد بين وجهات نظر المفكرين والفلاسفة في محاولاتهم لتفسير طبيعة العلاقة الأثنية القائمة بين الغرب والدولة العبرية وفهمهم لأسبابها المخفية والظاهرة.. وكنتُ ـ منذ أيامٍ قليلة ـ قد قرأتُ للفيلسوف "ريجيس دوربريه" رؤيته في تفسير علاقة إسرائيل بالغرب ـ خصوصاً دول أوروبا ـ والتي أرجعها إلى أن إسرائيل بالنسبة لهذا الجزء من العالم هي ندم وخطأ، وإحساس دائم ناحيتها بدين لم يُدفع ثمنه بعد اسمه "الهولوكست"، وهذا الشعور بالذنب جعلهم يرون إسرائيل دائماً في وضع الضحية، وحتى مجرد ممارسة أي ضغط ضدها، معناه التواطؤ في ارتكاب جريمة ضد الإنسانية..
وربما قد نتفق مع الرؤية التي طرحها دوبرية ـ وهي ليست رؤية جديدة بالمناسبة ـ لو نظرنا للمسألة من نافذة أن التأثير الديني لا زال له حضور قوي في صياغة الوعي الباطني لأوروبا الآنية، بحيث تتوافق فكرة تأنيب الضمير الكبيرة والممتدة لفترة زمنية غير قصيرة (غير قصيرة بالنسبة لنا) والتي لا تتواجد بهذه الطريقة عند أي شعبٍ آخرٍ مع أهم فكرة تقوم عليها الديانة المسيحية وهي مسألة صلب المسيح، والمفهوم الذي ترتب على الصلب، وتأنيب الضمير الذي رافقه بصورة أزلية لعدم التمكن من الحيلولة دونه!.
لكن لا أعتقد أن التأثير الديني له هذا الحضور القوي في تشكيل وعي أوروبا الحديث وهي التي نشأت تحت مطرقة وسندان الفكرة العلمانية الداعية إلى فصل الكنيسة وتعاليمها عن الحياة أو بتعبير نيتشه: "الله قد مات، ومعه مات الدين وكل الأخلاق والقيم المطلقة"..
بالتالي، فالرؤية القائلة بأن الأساس الذي تقوم عليه علاقة الغرب بإسرائيل تحكمه حالة من الشعور بالذنب وتأنيب الضمير لا تقدم تفسيراً جوهرياً ـ على الأقل، بالنسبة لي ـ لطبيعة هذه العلاقة حتى وإن حاول دوبريه عدم إطلاق حكم شمولي تجاه كل دول أوروبا، وتصنيفها في دعمها لإسرائيل بناء على تعامل هذه الدول مع اليهود أثناء وقبل الحرب العالمية الثانية، فالدول ـ كما يقول دوبريه ـ التي لم يتم فيها اعتقال اليهود ووسمهم بالنجمة الصفراء، هي الدول الأكثر موضوعية وشجاعة في ما يخص القضية الفلسطينية.
ولو أخذنا ايطاليا ودعمها المتواصل لإسرائيل كمثال (لعل أخرها حضور رئيس وزراءها "برلسكوني" للاحتفال بميلاد دولة إسرائيل، وقوله بأن هذا الميلاد ميلاداً جمعيّاً، وإن الإيطاليين هم أقرب شعب لإسرائيل، ثم استضافتها إسرائيل كضيف شرفٍ على معرض "تورينو" للكتاب بمناسبة هذه الذكرى)، لاتفقنا ربما للوهلة الأولى مع تصنيف دوبريه كون إيطاليا من الدول التي لم تُعامل مع اليهود على نحوٍ لائق أثناء الحرب العالمية وكانت في ذات الوقت حليفة هتلر الذي أمر بحرق اليهود!..
لكن، وكما قلتُ أنفاً، هذه المثالية المطلقة لا تتوافر لدى الوعي الأوروبي الحديث، واعتقد أن "برلسكوني" (الداعم الكبير لإسرائيل) قد أفصح عن سر هذا الدعم عندما رد على المحتجين لاستضافة إسرائيل في معرض "تورينو" ( كان من بين المحتجين شخصيات كبيرة، منهم صاحب نوبل الأديب الإيطالي داريو فو).. قال برلسكوني: "المحتجون على الاستضافة يشكلون صفراً من السكان"!.. ولم يُشر من قريب أو بعيد إلى دَين المحرقة على اعتبار أنه سيكون أكثر قبولاً من كلامٍ كهذا لتبرير قرار الاستضافة لو أخذنا بفكرة دوبريه التأنيبية.
و هذه الخلفية المصلحية التي تؤسس للدعم هي القيمة الجديدة التي تفهمها وتسير بها العقلية الأوربية في علاقاتها السياسية وارتباطها بدول العالم، وتأتي أمتداداً للفكرة الأستعمارية التي قامت في أساسها على تنظير مثالي بغرض تحضير الشعوب المتخلفة، بينما كان واقعها يقول عكس ذلك تماماً.. وهي بالمناسبة ذات القيمة التي اعتمدتها الحكومة الأمريكية كأساس لبناء علاقتها بالدولة العبرية. وتكشف كلمة الرئيس الأمريكي ترومان التي رد بها على اعتراض سكرتير خارجيته "جورج مارشال" عندما حاول إقناعه بعدم الاعتراف بدولة إسرائيل وإن تبقى فلسطين تحت وصاية دولية.. تكشف هذه الكلمة عن أن المصلحة هي كل ما في العلاقة من قيمة، قال ترومان: ( لدي مئات آلاف من أصوات الناخبين اليهود الأمريكيين الذي يريدون نجاح المشروع الصهيوني، وليس عندي أصوات من الناخبين العرب)!
وحتى هذا الرأي الذي يربط حجم التأييد والدعم بالصوت والنفوذ للجاليات اليهودية في الدول الغربية قد تعرض للنقد من بعض المفكرين، منه ما ذكرناه في مقالنا السابق للدكتور المسيري عندما نفى وجود علاقة طردية بين الصوت اليهودي والتأييد والدعم لإسرائيل، وقد عقد مقارنة في هذا الشأن بين ما حصل عليه "كلينتون" من أصوات اليهود الأمريكيين وبين ما حصل عليه "نيكسون"، ثم حجم دعم كل منهما للدولة العبرية، وتوصله إلى استنتاج أن هناك ثوابت استراتيجية عامة تحكم السياسة الأمريكية ولا تتأثر بأمور جزئية مثل عدد الأصوات الذي تمنحه أقلية دينية أو عِرقية ما لرئيس الجمهورية، وأشار إلى أن قرارات جورج بوش الابن لم تتأثر كثيراً بأن معظم أعضاء الأقلية الإسلامية والعربية في فلوريدا قد منحوه أصواتهم مما أدى لنجاحه ( إن لم تأتِ في عكس الطريق!)... وأيضاً مقارنته بين مواقف كل من انجلترا وهولندا المتسم بالدعم الكامل لإسرائيل وبين فرنسا التي تتخذ مواقف أكثر اعتدالاً رغم الفارق الكبير في نسبة ما تشكله الجاليات اليهودية من تواجد في الدول الثلاث لصالح الأخيرة.
و أعتقد بأنه لا يمكننا إنكار التأثير الذي يشكله اليهود في الدول الغربية في حجم تأييد هذه الدول لإسرائيل، وفي ذات الوقت، لا يمكننا تحميل كل التأييد عليه.. فنتفق مع المسيري على أساس أن السياسة الأمريكية تحكمها ثوابت استراتيجية عامة فهي سياسة إمبراطورية في الأول والأخير ولا يمكن أن يوجه أيّ من خياراتها أو علاقاتها صوت أقلية مهما بلغ لها النفوذ إن لم تتوافق الحسابات الإمبراطورية الخاصة مع هذا الخيار.. وأعتقد أن المعادلة تتم بهذه الطريقة، الدول الغربية تفرّق في تعاملها بين إسرائيل كدولة وبين الأقليات اليهودية الموجودة بداخلها، فتتعامل مع إسرائيل باعتبارها استثمار استراتيجي مهم كما يقول المسيري، وتتعامل مع الجاليات اليهودية حسب الاحتياجات والمتطلبات الداخلية كالانتخابات وما شابهها..
ويأتي في هذا المقام الدور على مدى الارتباط بين إسرائيل الدولة وبين امتداداتها اليهودية في الدول الغربية في تشكيل أركان العلاقة، فبعض الجاليات تبرز التحاماً شديداً بدولتها الأم حتى تبدو وكأنها كيان إسرائيلي في عمق الدولة الغربية، لذا كان لا بد على أي طرفٍ يسعى إلى كسب ودها عليه أولاً أن يسعى إلى كسب ود الدولة الإسرائيلية وتأمين متطلباتها كما هو الحال في أمريكا ( ونلحظ ذلك في كلمة الرئيس ترومان بربطه بين اليهود الأمريكان وارتباطهم بالمشروع الصهيوني على حد قوله)، على عكس الجالية اليهودي في فرنسا (ذات النفوذ القوية والنشاط الكبير) التي تظهر أقل ارتباطاً بالدولة الأم وتوجه الأطراف المتنافسة التي تأتيها لغرض كسب ودها إلى احتياجاتها المحلية، فيظهر الموقف الحكومي الفرنسي أكثر اعتدالاً كما يشير المسيري.
وعلى كلٍ، فما يهم الرأي الغربي حالياً بخصوص إسرائيل وحتمية وجودها يتلخص في أمرين:
الأمر الأول يرجع إلى تفوقها في المجالات التكنولوجية والعسكرية كافة، ونسمع كثيراً بين فترةٍ وأخرى في بلدان عدة من العالم عن طائرة مقاتلة أو طائرة تجسس أو دبابة يعود بها الميلاد إلى إسرائيل.. بل أصبحت إسرائيل في كثير من الصناعات تتصدر الترتيب العالمي كالبرمجيات على سبيل المثال، وأصبح لها علماء في كافة التخصصات ذات تصنيف متقدم جداً.
الأمر الثاني متعلق بالشرعية كما يقول الأستاذ هيكل، والشرعية لا تعني تفردها باستناد قيامها إلى قرار أممي؛ فكل دولِ العالم كذلك، لكن الشرعية تعني بالنسبة للدول الغربية حجم الاحتذاء بنموذجها الحضاري في كل المجالات الاقتصادية والسياسية والثقافية والاجتماعية، وإسرائيل تبعاً لهذا التصور هي الدولة الشرعية الوحيدة في المنطقة والتي تسير ذراعاً بذراعٍ، وشبراً بشبرٍ بعد هذا النموذج.
ويبلغ هذا التصور ذروته في الولايات المتحدة التي لديها عقيدة تصورها بأنها هي العالم، وبأن العالم هو أمريكا، ولها نظريات وخطط كثيرة تتبنى فيها إعادة صياغة العالم (مشروع الشرق الأوسط الجديد مثالاً)، بناء على شرطها الحضاري باعتبار الخارج عنه خارج عن العالم لذا دائماً ما يصور مسئولوها وقوفهم بجانب إسرائيل هو وقوف للدفاع عن الحضارة في وجه البربرية التي تحيطها وتحاول بشتى السبل اقتلاعها كتلك الكائنات الغريبة ـ التي تبرزها أفلام هوليوود ـ والتي تحاول تدمير الأرض وإنهاء الكائن البشري.. دون أدنى اعتبار للحق التاريخي ـ الذي يتشبث في إظهاره الطرف العربي، فالتأريخ يسبب حساسية مفرطة عند الأمريكان..
انتهى.. وللحديث بقية إن شاء الله.