تحظى جزيرة سقطرى اليمنية باهتمام دولي كبير نظرا لتنوعها الحيوي الفريد و كان آخر تجليات ذلك الاهتمام هو إدراج أرخبيل جزيرة سقطرى ضمن الشبكة العالمية لمحميات المحيط الحيوي الذي تم إقراره من قبل برنامج الإنسان والمحيط الحيوي MAB التابع لمنظمة الأمم المتحدة للثقافة والعلوم اليونسكو.
أما أن العلماء والباحثين البيئيين من مختلف بلدان العالم كانوا ولازالوا مهتمين بهذه الجزيرة فلا تزال البعثات العلمية الأجنبية تتوافد لإجراء الدراسات على أنواع النباتات والكائنات الفريدة التي تتميز بها جزيرة سقطرى من اجل دراستها واكتشاف المزيد منها.
من هؤلاء العلماء و الباحثين البروفسور ولفانج فرانك الباحث والأكاديمي الألماني بجامعة روستاك و الذي سبق له في ثمانينيات القرن الماضي تأليف كتاب عن التنوع الحيوي في جزيرة سقطرى أحد المراجع العلمية الهامة والنادرة كما استعرض في أواخر العام 2004م نتائج دراسة أجراها على أربع سحالي سقطرية يعتقد إنها من الأنواع النادرة على مستوى العالم والتي لها دور في التوازن البيئي في الجزيرة.
وقد وصف البروفسور ولفانج الدراسة بأنها وضعت أهداف مستقبلية أهمها الحفاظ على المنظومة البيئية وتكاملها في الجزيرة، وأوضح أن جزيرة سقطرى ذات بيئة هشة لا تحتمل التدخل الإنساني غير المنظم والمبرمج الذي لا يراعي التنوع الحيوي النباتي والحيواني الذي تحتويه الجزيرة مؤكداً أن الجزيرة لا تزال من الجزر الطبيعية الخالصة القليلة على وجه الأرض وتحتاج لعملية تعداد علمي للكائنات الحية والنباتية الموجودة عليها.
وأضاف: "لا توجد مؤشرات على وجود خطر يهدد أي من الأنواع الحية المعروفة في الجزيرة بالانقراض إلا أن اكتشاف احد الأنواع النادرة من السحالي المعروفة باسم بسبورس والتي يعيش النوع السقطري منها في الغابات الشجرية المعروفة باسم أشجار الشورى التي كانت توجد في منطقتين في الجزيرة لم تعد توجد إلا في منطقة واحدة مما ينذر باحتمال اختفاء البسبورس مع اختفاء أشجار الشورى".
وأكد ولفانج إن السحالي السقطرية وغير السقطرية في اليمن ليست من الحيوانات الضارة بالإنسان وأن ارتباطها لدى العامة بالأمراض الجلدية أو السموم ليس صحيحاً مشيراً إلى أنها تساعد على التوازن الطبيعي في المحيط الذي تعيش فيه وخاصة عندما تتغذى على الحشرات الضارة.
ودعا البروفسور ولفانج إلى الحفاظ على التنوع الحيوي المحيط بهذه الكائنات والذي يمثل منظومة بيئية متكاملة قد يؤدي الإضرار بها والتسبب في اختفاء أحد عناصرها إلى حدوث اختلال في توازنها وفطرتها السليمة وشدد على الاهتمام بدراسة تاريخ الجزيرة جيولوجياً وتحديد عمرها الجيولوجي مستعرضاً المرحلة التي مرت فيها الجزيرة دون اتصال مع بيئات محيطة بها وهو ما يؤكد وجود الأنواع المستوطنة.
وجزيرة سقطرى هي واحدة من أهم المحميات البيئية اليمنية بل وذات اهتمام دولي كما بيّنا في مطلع تناولنا لمحمية سقطرى الدولية وهو ما سنتعرف عليه لاحقاً. إن المحميات الطبيعية هي إحدى الوسائل التي تعمل على حفظ التنوع الحيوي والتي اتبعتها اليمن لحماية البيئة الطبيعية في أماكن محددة وذلك بعد إجراء الدراسات والأبحاث على مناطق متعددة ومتنوعة للبيئة اليمنية حيث أظهرت الدراسات بان هناك أكثر من خمسين منطقة بحرية وبرية في اليمن يمكن أن تعلن كمحميات طبيعية وهو ما سيسهم و بشكل فاعل في حماية البيئة الطبيعية في اليمن وحماية مواردها وتطويرها.
وحتى الآن تم إعلان منطقتين يمنيتين كمحميات طبيعية وهي منطقة عتمة الواقعة في محافظة ذمار كمحمية طبيعية يمنية وذلك في 5 يونيو 1999م كما أعلنت جزيرة سقطرى رسمياً محمية طبيعية في 27 سبتمبر 2000م إضافة إلى ذلك هناك أربع محميات مرشحة للإعلان كمحميات طبيعية ومخطط لها على المدى القريب وهي محمية حوف في محافظة المهرة ومحمية برع في محافظة الحديدة ومحمية شرمه في محافظة حضرموت ومحمية بلحاف في منطقة بئر علي في محافظة شبوه.
على الرغم من التنوع الحيوي الذي تتميز به المناطق اليمنية المعلنة كمحميات طبيعية أو تلك المرشحة كمحميات طبيعية إلا أن جزيرة سقطرى وأرخبيلها الذي يضم 6 جزر صغيرة تعتبر الأجمل والأغنى والأكثر تفرداً في تنوعها الحيوي.
جزيرة سقطرى هي أكبر وأهم جزيرة ضمن خمس جزر تكون أرخبيل يعرف باسمها "أرخبيل سقطرى" وهي: سقطرى وعبد الكوري ودرسة وسمحة وكعول فرعون.
يقع أرخبيل سقطرى عند نقطة التقاء المحيط الهندي بالبحر العربي وشرق أفريقيا، وتتناثر جزره على مستوى أفقي تقابل في امتدادها الساحل الجنوبي الشرقي لليمن عند محافظتي المهرة وحضرموت أما المساحة الإجمالية للأرخبيل فتقدر بنحو 2650 كيلو مترا مربعا ويبلغ طول جزيرة سقطرى وحدها 125 كيلو مترا وعرضها 33 كيلو مترا.
يتمتع أرخبيل سقطرى بتنوع حيوي فريد حيث يتميز بنباتاته المتنوعة والمتعددة فقد سجلت الدراسات احتواء سقطرى على نحو 850 نوعا من النبات منها 293 نوعا مستوطنا ونادرا تنفرد بها سقطرى عن باقي مناطق العالم إذ يعتبرها العلماء والباحثون في مجالات الطبيعة والبيئة بأنها تحتضن اكبر تجمع للتنوع النباتي في العالم.
من أبرز أنواع النباتات النادرة والطبية التي تزخر بها جزيرة سقطرى شجرة (دم الأخوين) المعروفة علميا باسم Dragon Tree Blood وشجرة (امتة) المعروفة علمياً باسم Euphorbia Arbuscula وشجرة (سيرو) المعروفة علمياً باسم Jatropha Uni cortata وتنتشر شجرة الاسفد بشكل واسع في الجزيرة التي تشكل احد ابرز معالم الأرخبيل وتتميز بجدعها الضخم والأوراق ذات الشكل النجمي إضافة إلى ذلك تتواجد في الجزيرة أشجار البخور ونبتة الصبر.
أما بالنسبة للأحياء البرية فان سقطرى تعتبر موئلاً طبيعياً للعديد من أنواع الطيور والحشرات والزواحف والأحياء المائية فقد ذكر أعضاء البعثة الفرنسية التي قامت بدراسة علمية للأحياء في الجزيرة أن هناك ستة أنواع من أنواع الطيور السقطرية المستوطنة والتي لا توجد في غيرها وهي طائر (اللوتوغنو) وطائر (الشمس) وطائر (الوار بلر) وطائر(السيستي كون) وطائر (الاسبارو) وطائر (البانتيج) النادر والمهدد بالانقراض. كما توجد في الأرخبيل عشرة أنواع أخرى من الطيور التي تعيش بصفة دائمة في الجزيرة وتوجد في مناطق أخرى من العالم.
أما بالنسبة للحشرات فقد ذكر أعضاء البعثة الفرنسية أن أرخبيل سقطرى يتميز بحشرات لا توجد إلا به منها الفراشات مثل فراشات النهار والتي يوجد منها نحو 15 نوعاً مستوطناً إضافة الى60 نوعاً من فراشات الليل كما يوجد 100 نوع من الحشرات الطائرة 80 نوع منها لا يوجد إلا في سقطرى.
أما بالنسبة للحيوانات البرية في أرخبيل سقطرى فأنه توجد الآلاف من الماعز السقطري المميز الذي ينتشر في الجبال والأودية كما يوجد حيوان قط الزباد الذي يستخرج منه الأهالي مادة الزباد وهي مادة عطرية تستخدمها معامل إنتاج العطور في أوروبا، ولعل ما يميز أرخبيل سقطرى هو أنة يخلو من الحيوانات المتوحشة والتي أعطت الفرصة لوجود أنواع عديدة من الحيوانات الأليفة.
بالنسبة للزواحف، يوجد في سقطرى العديد من السحالي النادرة ذات الأحجام الصغيرة والكبيرة وكذا الثعابين والعقارب منها أنواع سامة تشكل خطورة على الإنسان.
هذا على مستوى التنوع الحيوي البري أما بالنسبة للتنوع الحيوي للأحياء والنباتات المائية فان ذلك الأمر يحتاج إلى فصل كامل إلا أن ما يثير الدهشة في أرخبيل جزيرة سقطرى هو أن سرطان البحر وغيره من أنواع النباتات والهوائم التي تعيش في المياه المالحة يتواجد في وديان سقطرى وهي بيئة المياه العذبة، ويوجد في سواحل الأرخبيل وأعماقه أنواع متعددة من الأسماك والأحياء البحرية الأخرى منها أسماك الهامور والقرش وكثير من الأسماك التي لها أسماء محلية، وأيضا يوجد فيها الدلافين التي تقوم باستعراضات بديعة على سواحل الأرخبيل كما توجد أنواع متعددة من أسماك الزينة ومن القشريات كالشروخ والجمبري.
ومن الأحياء المائية البحرية الأخرى يوجد هناك نحو 60 نوعا من الإسفنجات إضافة إلى أنواع أخرى من الصدفيات والأحياء البحرية المائية الأخرى والتي تلعب دوراً مهماً في عملية التوازن البيئي كما أن أنواعا من الإسفنجات المائية لها خصائص حيوية تتسم بالتأثير القاتل لأنواع من البكتيريا الضارة وهذا يعني انه بالإمكان استغلالها في الصناعات الدوائية.
أما ما يتعلق بالطحالب والهوائم النباتية فيوجد نحو 15 نوعا منها 6 أنواع سامة. كما تعتبر أعماق البحر في أرخبيل سقطرى غنية بالشعاب المرجانية التي اكتشف الباحثين بأنها لا تزال تحتفظ بالخصائص الطبيعية الخالصة.
المصدر / أخبار الغد
في السبت 28 أكتوبر-تشرين الأول 2006 11:09:52 ص