آخر الاخبار

اول دولة توقف استيراد النفط الخام من إيران تقرير حقوقي يوثق تفجير مليشيا الحوثي لِ 884 منزلا لمدنيين في اليمن. منفذ الوديعة يعود لظاهرة التكدس .. وهيئة شؤون النقل البري تلزم شركات النقل الدولية بوقف رحلاتها إلى السعودية المبعوث الأممي يناقش في الرياض مع مسئولين سعوديين معالجة الأزمة الاقتصادية في اليمن وقضايا السلام أسباب وخفايا الصراع بين فرعي العائلة الملكية في قطر وقصة الجوهرة الماسية التي فجرت الخلافات توجه لإلغاء تقنية الفار من مباريات كرة القدم واستبدالها بـ(FVS).. ماهي؟ حمدي منصور لاعب نادي السد بمحافظة مأرب ينتزع ثلاث ميداليات ذهبية ويحقق أعلى النقاط في بطولة الأندية العربية للووشو بالأردن صورة.. هل ظلم الحكم الإماراتي المنتخب السعودي أمام استراليا؟ مع تواصل انهيار العملة.. الرئيس يبحث هاتفيا مع رئيس الحكومة خطة الانقاذ الإقتصادي وتدفق الوقود من مأرب وحضرموت ترامب يرشح أحد الداعمين بقوة لإسرائيل في منصب وزير الخارجية

هل يمكن لثورة قامت ضد الظلم.. أن تشارك في الظلم؟
بقلم/ د. عيدروس نصر ناصر
نشر منذ: 12 سنة و 8 أشهر و 11 يوماً
السبت 03 مارس - آذار 2012 03:22 م

يثير الحديث عن القضية الجنوبية تشوشا كبيرا لدى الكثير من قوى الثورة الشبابية السلمية الذين ما يزالون مرابطين في الساحات رغم تنحي صالح وانصرافه غير مأسوف عليه، بانتظار استكمال بقية أهداف الثورة الرامية إلى اجتثاث قوى الفساد ومراكز النفوذ العائلي ومن بنوا أنفسهم وثرواتهم بالمال الحرام وبالاعتماد على منظومة الفساد الذي نما وترعرع واستأسد واستفحل على مدى ثلث قرن ويزيد، من حكم العائلة الواحدة ومن ثم حل بقية المخلفات والشروع في بناء الدولة المدنية.

ذات مرة تناول كاتب هذه السطور القضية الجنوبية في أحد المواقع الإلكترونية متحدثا عن مظلومية الجنوب وما تعرض له من نهب وتشليح واستئصال بعد حرب 1994م ومما قيل في هذه التناولة: "أن القضية الجنوبية ليست قضية مصطنعة اخترعها أحد ما للمماحكة السياسية مع أحد ما آخر، بل إنها قضية دولة دمرت وحقوق اغتصبت وأرض نهبت وثروة سلبت وتاريخ زور وثقافة شوهت وهوية مسخت ودماء سالت وأرواح أزهقت، وهي بذلك تستحق من كل أنصار حقوق الإنسان الالتفات لها فالجنوبيون لا يطلبون أي طلبات تعجيزية بل يطلبون استعادة ما أخذ منهم، وهو حقهم في الشراكة الوطنية في السلطة والثروة وصناعة القرار السياسي وصياغة المستقبل مع شركائهم في المشروع الوحدوي" الموءود.

بعد هذه المقالة تلقيت عشرات الاتصالات الهاتفية والرسائل الألكترونية على بريدي الإلكتروني وعلى صفحة الفيسبوك وعلى هاتفي المحمول البعض يؤيد ما قلته جزئيا أو كليا والبعض الآخر يعاتبني بناء على فهم مغلوط لما قلته، ويتساءل البعض الثالث عن المقاصد الواردة في هذه المقالة ناهيك عن مئات الشتائم والاتهامات التي يتسلل عبرها كتاب الأمن القومي الذين لا يمكن الالتفات إلي ما يكتبون إلا من باب إنه نوع من خلط الأوراق ومضاعفة التشويش الحاصل لدى البسطاء من القراء.

أحدهم ممن أعزهم ويعزونني كتب علي بريدي الألكتروني يقول: لا أصدق بأن من كتب هذا هو من كان يأتينا إلى ساحة التغيير ويؤيد الثورة الشبابية ويندد بجرائم النظام العائلي ويدعو إلى الدولة المدنية، وها هو اليوم يؤيد الانفصاليين، لكنني رددت عليه بأن موقفي من الثورة الشبابية لم يتغير ولن يتغير ومثلي مثل كل السياسيين والأكاديميين اليمنيين الأحرار لست مخيرا بين إما تأييد الثورة الشبابية، وإما الانتصار للقضية الجنوبية، بل الخيار هو إما مع القضيتين معا أو ضدهما معا، لأنهما أختان لا عداء بينهما ولا تصادم، إنني منذ العام 1994م لم أأيد أي سياسات انفصالية وكنت أقول دوما أن الانفصالي الأول في اليمن هو النظام العائلي الذي دمر المشروع الوحدوي وحوله إلى مكسب شخصي وحول الجنوب إلى ساحة نهب وغنيمة حرب يتقاسمها المنتصرون كما يتقاسمون ما ورثوه عن آبائهم وأجدادهم بينما أقصي الجنوبيون من كل شي حتى من تلك الأملاك التي اشتروها بعرق جبينهم مما نهبه الناهبون واستولوا عليه كما لم يستول الاسرائيليون على أراضي الفلسطينيين، هذه هي السياسات الانفصالية وليس مطالب أبناء الجنوب الذين قد يخطئون في التعبير عن مظلوميتهم لكن هذا لا يعني أن هم ليسوا هم الضحية وأن نظام علي عبد الله صالح ليس هو الجلاد.

هذه الأيام تتسع الشقة بين قوى الثورة الشبابية وبعض مكونات الحراك السلمي وكان كاتب هذه السطور قد دعا مرارا إلى أهمية التنسيق بين القوتين باعتبارهما رافدين لنهر واحد وهو نهر التغيير في اليمن، وسيكون من غير المنطقي أن يتحاربا في حين خصمهما المشترك يقتل الطرفين ويعبث بالجميع ونحن نتفرغ لبعضنا، لكن المشكلة أن بعض متطرفي الطرفين هم أصحاب الأصوات الأعلى ضجيجا، ففي وسط الحراك من اعتبر الثورة الشبابية مؤامرة على الحراك وهذا هراء لا معنى له ولا مضمون، بينما قال متطرفو شباب الثورة أن القضية الجنوبية قد انتهت بانطلاق الثورة الشبابية وإسقاط الرئيس المخلوع، وزادوا هذه الأيام أن الجنوبيين لديهم رئيس ورئيس وزراء ووزير دفاع ونصف مجلس الوزراء فماذا يريدون أكثر من ذلك؟

لقد انطلقت الثورة الشبابية اليمنية السلمية ضد الظلم والفساد والإقصاء والاستعلاء والتفرد والاستبداد والقمع، وضد سياسات النهب والمصادرة والغنيمة والاستئثار، وهي بهذه المعاني النبيلة لا يمكن أن تكون إلا ثورة من أجل العدل والمواطنة المتساوية والدولة المدنية وهذا ما ظل وما يزال يردده شباب الثورة في كل الساحات، فإذا ما انطلقوا من هذا المعطى في نظرتهم للقضية الجنوبية التي هي قضية عادلة يقر بها حتى الذين شنوا حرب 1994م على الجنوب فإنهم بذلك سيساعدون على الاقتراب من عقلاء الحراك واتجاهاته الواقعية، وبالتالي فيمكن الحديث عن معالجة القضية الجنوبية بما يرتضيه المواطنون الجنوبيون، بغالبيتهم، أما إذا أصر شباب الثورة أو من التحق بهم على إننا قد قضينا على رأس الفساد وأتينا برئيس جنوبي ونصف الحكومة ويا دار ما دخلك شر فإنهم بذلك لن يكونوا مختلفين عن علي عبد الله صالح ونظامه البائد في شيء.

إن مواطني الجنوب الذين فجروا أول ثورة سلمية في بلدان الربيع العربي قبل خمس سنوات، بغض النظر عن حرمانهم من حقهم في تسليط الأضواء على قضيتهم، لم يكونوا حينها يطالبون برئيس جنوبي، ولو كانوا كذلك لاكتفوا بباجمال ومجور وعبدربه منصور ومحمد ناصر أحمد وبن دغر، وغيرهم من الوزراء ذوي الأصول الجنوبية، إنهم كانوا يعبرون عن ظلم واستبداد ونهب دام عقد ونصف من الزمان التهم كل شيء. . . الأرض والإنسان والتاريخ والثقافة والهوية والانتماء والماضي والحاضر والمستقبل، وأرادوا بذلك أن يقولوا أن الوحدة التي لم تدم إلا ثلاث سنوات، قد قضت عليها الحرب، وأن وحدة سبعة يوليو ليست تلك التي توافق عليها شريكا الوحدة بل هي وحدة الضم والإلحاق والاستئثار لأنها تعبر عن وحدة المنتصرين وليس وحدة الشعب.

لا يمكن للثورة الشبابية أن تستأصل الظلم في الشمال وأن تقبل بأن تكون سببا في استمرار ظلم الجنوب بحجة أن لدى الجنوبيين رئيس جنوبي ورئيس وزراء جنوبي، وسيكون من الخطأ القاتل أن تقف الثورة وشبابها في صف الظالمين وتقصي المظلومين حفاظا على هدف تم تدميره وصعب ترميمه، وغدا مجرد ذكرى علينا أن نعيد لها الاعتبار بالاعتراف بجوهر المشكلة وليس بالحديث عن الممنوعات، فطالما اعترفنا بأن الحرب قد قضت على الوحدة السلمية التوافقية، علينا أن نبحث عن خيار جديد لا يجيز ممنوعات، ولا يعترف بمحرمات، ولا تابوهات، بل يترك الأبواب مشرعة لكل الخيارات الممكنة لحل القضية الجنوبية على النحو الذي يرتضيه المواطنون في هذا الجزء المغلوب من الوطن.

على السياسيين اليمنيين أن يكفوا عن النظر إلى الجنوب على إنه مجرد أرض واسعة بها بعض الثروات وبها سكان قليلون، بل يجب رد الاعتبار للتاريخ الجنوبي الناصع الذي ما يزال يعامل في الكتب المدرسية على إنه مجموعة من الخطايا جاء سبعة يوليو ليصوبها، أو أن الجنوب كان مجرد فرع مارق أعادته الحرب إلى أصله الرشيد.

كان كاتب هذه السطور قد كرر كثيرا أن القضية الجنوبية ليست صراعا بين الشمال والجنوب بل بين الناهبين والمنهوبين، والسالبين والمسلوبين، والظالمين والمظلومين، وبالتالي فلما كان الجنوب هو ساحة السلب والنهب والظلم منذ حرب 1994م فعلى كل من يدعي أنه نصير للحق وعدو للظلم أن يتفهم منطلقات الجنوبيين في رفضهم لنتائج حرب 1994م.

نحن دائما نقول أن حقيقة أن هناك قضية جنوبية لا تعني بالضرورة أن كل الشمال ظالم وأن كل الجنوب مظلوم، صحيح أن حرب 1994م جعلت الجنوب ساحة ظلم مطلق ما عدا شركاء الحرب والفيد من الجنوبيين وهم بالتالي محسوبون على صف الناهبين والسالبين والظالمين، وهم كثر، لكن نظرة بسيطة على واقع الحياة في محافظات شمالية كثيرة تجعلنا نجد ملايين ضحايا الظلم جراء السياسات الإقصائية والقائمة على النهب والسلب، مع الأخذ بالاعتبار أن الجنوب كان له دولته وهو ما لم يكن موجودا في أي محافظة من تلك التي يعاني غالبية سكانها من الظلم المطلق في الشمال، كما إن الجنوب أخذ في حرب شعواء أباح فيها المنتصر الأرض والمال والدماء والأرواح والأعراض، لكنه سيكون من الحماقة اعتبار الشمال عدو الجنوب كما سيكون من الظلم أن ينظر أبناء الشمال إلى الجنوب على إنه مجرد مجموعة من المارقين والغوغائيين الذين يجب أن يؤدبوا وإلا فإننا سنواصل سياسة علي عبد الله صالح باسم الثورة والثوار وبذلك تكون الثورة بالنسبة للجنوب والجنوبيين كـأن لم تكن.

ستنتصر الثورة لنفسها وشعاراتها عندما تقر بالقضية الجنوبية وتعلن مؤازرتها لمطالب المواطنين هناك في رفع الظلم الذي وقع عليهم منذ ما يقارب عقدين، وسيكسب متبنو القضية الجنوبية أنصارا كثر إذا ما أقروا أن الثورة الشبابية هي ثورة كل اليمنيين في الشمال والجنوب، وإنها مثلما تستهدف استئصال الظلم في كل اليمن لا بد أن تقر بمظلومية الجنوب والجنوبيين وحقهم في الانعتاق من نتائج حرب 1994م الظالمة وآثارها المدمرة.

برقيات:

*لطالما تبجح قادة المؤتمر الشعبي العام على أحزاب المعارضة باتهامها بالفردية والشمولية لأن بعض قياداتها أمضت عشر إلى خمس عشرة سنة في الهيئات القيادية، اليوم يطل علينا رئيس كتلة المؤتمر ليؤكد أن رئيسهم ضرورة تاريخية، لا غنى عنها حتى بعد أن أسقطته الجماهير وانسلخ من حزبه أكثر من النصف، ليس هذا فحسب بل وأن ابنه أيضا قائدا ضرورة، وهو ما يعني أنهم مصممون على الإطاحة بالمؤتمر مع رئيسه، "هكذا الديمقراطية والا بلاش".

*ربما مثلت التعيينات الجديدة في محافظة عدن خطوة إجرائية للتخلص من الذين تسببوا في ما تشهده عدن والمحافظات الجنوبية من انفلات متعمد وتسيب بادي للعيان، لكن لعلم الأخ الرئيس (الذي نتمنى أن يتخلص من عقدة الفخامة) أن هذه العيينات لا علاقة لها بمعالجة القضية الجنوبية.

قال الشاعر الفلسطيني توفيق زياد:

نحن أصحابك فابشر يا وطن

 نحن عشاقك فابشر يا وطن

ننحت الصخر ونبني ونعمّر

ونلوك القيد حتى نتحرر

نجمع الأزهار والحلوى ونمشي في اللهيب

نبذل الغالي ليبقى رأسك المرفوع .. مرفوعاً

على مرِّ الزمن

نحن أصحابك

عشاقك . . فابشر يا وطن