بين السلطان قابوس والرئيس كابوس!!
بقلم/ أ د فؤاد البنا
نشر منذ: 13 سنة و 7 أشهر و 8 أيام
الأربعاء 06 إبريل-نيسان 2011 03:18 م

منذ بداية فبراير من هذا العام وملايين من أحرار اليمن يجوبون الشوارع ويلزمون ساحات الاعتصامات في كل المدن اليمنية ، ولاسيما في عواصم المحافظات ، وبعد أكثر من شهر على هذه الثورة ، اندلعت في سلطنة عمان ـ وهي جارتنا الشرقية ـ بعض الاحتجاجات ، وبعد أسبوع انتهت هذه الاحتجاجات .

في هذه المقالة نعقد عدداً من المقارنات والمقابلات ، حتى تتضح الصورة في بلادنا أكثر لمن ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون ، فمنعهم هذا الران ـ والجهل ران ـ من رؤية الصورة البشعة لنظام صالح الذي جمع بين كل بنود التخلف والطغيان والفساد .

مقارنات بين السلطنة والجمهورية:

مع أن نظام الحكم في سلطنة عمان ملكي سلطاني ، والنظام اليمني جمهوري ، إلا أن واقع الحال يقول إن دائرة المشاركة في صناعة القرار في السلطنة أعرض من اليمن، بل إن الدائرة تضيق كل عام ، بحيث لم تعد تتسع إلا لأسرة صالح الصغيرة أي الأبناء والإخوة والأصهار والأنساب ، وقد ضاقت الدائرة حتى على أهل سنحان ممن ليسوا من الأقارب ، ولا سيما إن كانوا لا يجيدون حمل المباخر وتلقي الإهانات والتسبيح بحمد صالح وأولاده ، مثل عبدالله القاضي وابنه البرلماني محمد ، وقبلهما علي محسن الأحمر نفسه الذي تعرض لمؤامرات كثيرة من مطابخ السلطة ، أقلها عمل كل ما يمكن من أجل تضييق الدائرة عليه وسط الجيش والشعب لما عُرف من حب الناس له ، نتيجة حبه لهم وحبه لهذا الوطن ، وأتوقع أن ينحاز إلى الشعب في اللحظات الشديدة الحرج!.

قبل ثلاثة عقود كانت اليمن وعمان شديدتي الشَّبَه ببعضهما في كل مفردات التخلف ، بل كانت اليمن أقل سوءاً في بعض مفردات التنمية البشرية .

وبعد عقود من حكم قابوس وصالح صار الفارق بين البلدين الجارين لا يكاد يُحسب إلا بالسنين الضوئية ، وإذا أخذنا بضع أمثلة فإن الريال العماني يساوي ثلاثة دولارات وربع دولار ، بينما الدولار الواحد يساوي حوالي 230 ريال (ساعة كتابة هذا المقال) أي أن الريال العماني يساوي حوالي سبعمائة ريال يمني ، وهذا يعني ـ مما يعني ـ أن قوة الاقتصاد العماني تساوي قوة الاقتصاد اليمني بمئات الأضعاف ، وبالضرورة يعني أن الجهد الذي قدمه السلطان قابوس لخدمة بلاده يساوي سبعمائة ضعف ما قدمه صالح!!

وإذا نظرنا إلى هذه القضية من زاوية متوسط الدخل الفردي فإنه بلغ في اليمن مع نهاية 2009م إلى 1260 دولاراً ، مع سوء التوزيع بالطبع بسبب الفساد ، حيث ينعم 5% من السكان بأكثر من نصف دخل البلد!

وفي عمان يزيد متوسط الدخل سنوياً بما يفوق المتوسط اليمني كله ، لأن الناتج الإجمالي ينمو بنسبة عالية وصلت عام 2008م إلى 13% ، حيث وصل متوسط دخل الفرد إلى 600 , 9 ألف دولار ، وفي 2010م قفز هذا الرقم إلى 630 , 25 ألف دولار ، لتصبح عمان الخامسة عربياً والسادسة والثلاثين عالمياً .

وفي هذا العام احتلت عمان المركز الأول على مستوى العالم في معدل التحسن الذي حققته مقارنة بما كانت عليه عام 1970م ، ولو حدث مثل ذلك على يد الرئيس صالح لطلب منا منافقوه وزبانيته أن نصلي له خمسة فروض!!.

أما عن نسبة الأمية والبطالة وبقية الخدمات الصحية والتربوية وما يرتبط بها ، فإن الأرقام تظهرأن عمان تنافس على مركز الصدارة ضمن أفضل خمس دول عربية ، وفي المقابل تقبع اليمن غالباً في المركز الأخير ، وفي بعض المرات تحتل المركز قبل الأخير ، مما يعني أن دولاً مثل موريتانيا وجيبوتي والصومال وجزر القمر تسبق اليمن ، ومع ذلك فإن نشرة الأخبار تستمر ساعتين عندنا لتحدثنا عن المنجزات العظيمة لفريد العصر و (وحيد القرن) علي عبدالله صالح ، ولا غرابة فإن الإناء الفارغ أكثر جلبة وأكبر صوتاً من الإناء الممتلئ!!.

بين مظاهرات عمان وثورة اليمن:

عندما أُبرز هذا التفوق العماني الساحق لا أدعي أن عمان هي النموذج ، وأنه ليس في الإمكان أحسن مما كان ، فكلنا في التخلف عرب ، لكنني أردت إبراز العمى اليمني بجانب العَوَر العماني ، مقارنة بدول نهضت إلى الأعلى في المجال الحضاري ، مثل ماليزيا وهي دولة بدأت إقلاعها الحضاري على يد مهاتير محمد سنة 1975م ، أي بعد سلطنة عمان بخمس سنوات وقبل حكم صالح بثلاث سنوات ، أما الثورة فقد قامت في 1962م كما هو معلوم للجميع!.

ومع ما تحقق في واحة السلطان قابوس ، لا تزال هناك بعض الثغرات والنواقص ، ولا سيما في مجال الحريات ، مع وجود أعداد يسيرة جداً من الشباب العاطلين ، لأنهم تركوا كثيراً من المهن التي يرون أنها لا تليق بهم للعمالة الوافدة ، وعندما بدأ ربيع الشعوب ، وفي مطلع شهر مارس خرج ثلة من العمانيين في مدينة صحار للتظاهر ، وهنا نعقد مقارنة بين تظاهرات اليمن وعمان ، نلخصها في النقاط الآتية:

1.من حيث عدد المشاركين: تطابقت وكالات الأنباء على أن عددهم في عمان بالعشرات وفي يومين فقط كان العدد بالمئات ، أي أنهم أقل من ألف متظاهر في كل الأحوال ، أما في اليمن فلا يوجد أي خلاف بين وكالات الأنباء وقنوات التليفزيون على أن عددهم الإجمالي يعد بالملايين ، ويكفي أن نعرف أن مراقبين ذكروا أن الذين صلّوا في (جمعة الكرامة) في ساحات الحرية والتغيير وصلوا إلى خمسة ملايين شخص ، فكم خلف هؤلاء من نساء وأطفال ومرضى وطاعنين في السن؟

2.من حيث عدد الأيام: تظاهر العمانيون لنحو أسبوع أما اليمنيون فقد أوشكوا على إكمال الشهر الثاني .

3.من حيث الانتشار الجغرافي: انحصر التظاهر في عمان في مدينة صحار والعاصمة مسقط ، أما في اليمن فقد عمت جميع المدن ولا سيما عواصم المحافظات ـ كما أسلفنا ـ ومن خلال مراقبتي فإن أقل المحافظات مشاركة هي المهرة لظروف عديدة ، ومع ذلك فقد شارك فيها الآلاف .

4.من حيث الانضباط: رغم أن العدد قليل جداً في عمان ، ومع ذلك فقد لاحت بوادر شغب ، بل ذكرت الشرطة العمانية أن شغباً قد حدث ، وحَدَا بها إلى التدخل بالقوة مما أدى إلى مقتل متظاهر واحد على رواية الحكومة ، أو أربعة على رواية المتظاهرين ، وتبع ذلك هجوم عنيف من قبل المتظاهرين على عدد من مراكز الشرطة وبعض المؤسسات الحكومية .

وفي اليمن رغم مشاركة مئات الآلاف في معظم المدن الكبرى ، ووصول العدد إلى مليون على الأقل في صنعاء وتعز ، ومع ذلك لم يحدث أدنى حادث من قبل المتظاهرين ، ووقع حادث في عدن بعد سقوط العشرات بين قتيل وجريح. وفي المحصلة زاد القتلى عن مائة والجرحى وصل عددهم إلى الآلاف ، ومازال الجرح ينزف .

5.من حيث الظروف: حدثت المظاهرات في عمان فجأة بعدما نجحت الثورةفي تونس ومصر ، أما في اليمن فقد كانت جزءاً من مسلسل طويل بدأ قبل ثورتي تونس ومصر ، وسبقتها إنذارات عديدة للسلطة ، ودعوات للتراجع عن الطغيان والتفرد بتقرير مصير البلد ، وكان المشترك وحلفاؤه يهددون بهبَّة شعبية ، حتى أن قنوات السلطة من الإعلاميين ، كانوا يسخرون قائلين: هددت المعارضة اليمنية بالهبَّة الجماهيرية والاستجابة جاءت من الجماهير في تونس!!

وبجانب ذلك فإن الشعب اليمني كله مسلح ، ويعاني من الغياب الإيجابي للدولة في الوسط ، وغيابها الكامل في الأطراف ، أما في عمان فإن الشعب لا يعاني شيئاً من ذلك ولا يملك أحد السلاح سوى الدولة!

كل ذلك يجعل من المفترض أن تكون استجابة السلطة اليمنية للإصلاح فورية وصادقة وشاملة وعميقة ، مما لا يتطلبه شيء من المعطيات في عمان ، ورغم ذلك حدث العكس ، وقد رأيتم وسمعتم ، ومع ذلك تعالوا معي لنتذكر ما حدث بطريقة منظمة ومختصرة .

حكمة السلطان قابوس:

في اليوم الثاني من التظاهرات في عمان ، رغم قلتها وضعف دوافعها ، أعلن السلطان قابوس عدة قرارات إصلاحية ، منها تشكيل لجنة لتوسيع صلاحيات مجلس الشورى ، توفير خمسين ألف فرصة عمل ، وإقالة الوزيرين المرتبطين بالبلاط السلطاني، لأنهما لم يوصلا مشاكل هؤلاء الشباب إلى السلطان .

هذا كان يوم 5 مارس تقريباً ، لكن المظاهرات رغم قلتها استمرت ، فأعلن السلطان يوم 7مارس عن إقالة اثني عشر وزيراً من بينهم وزراء الداخلية والتجارة والاقتصاد ، ورفض بجانب ذلك خروج مظاهرات مضادة من قبل من يحبه وهم كثيرون بصدق!.

تناقص المتظاهرون ، لكن بعضهم استمر في الاعتصام بالعاصمة وهم بالعشرات ، ومع ذلك لم تغره بطانته بقمعهم ، بل أصدر يوم 12 مارس مرسوماً بإعطاء صلاحيات واسعة لمجلس الشورى في مجالي التشريع والرقابة ، مع إعداد قانون حكم خلال شهر من تاريخه ، إضافة إلى رفع مستحقات الضمان الاجتماعي بنسبة 100% ، ورفع المعاشات والمكافآت بنسبة 50% .

كل ذلك حدث دون أن يتعلل بالحوار ، ولم يتهم أحداً بالعمالة ، رغم أن الوضع جيد والعدد يسير ، والأغلبية مرتاحة من نظام حكمه ، وبدأ بجانب ذلك بإجراءات عملية لمحاربة الفساد ، رغم أن فساد عمان بجانب فساد اليمن لا يساوي فأراً بجانب فيل!!

فماذا فعل صالح في المقابل؟ وماذا فعلت الحكمة اليمانية التي جنى عليها صالح ومرغها في التراب بحماقاته التي زادت الطين بلة ، وصبت الزيت على النار؟

حمق الرئيس (كابوس):

ظل صالح يرفض الحوار في البداية زاعماً أن ذلك على حساب الدستور ، ولما اشتدت الجماهير ، ظل يتعلل بالحوار ، ليمارس لعبته المفضلة ، لعبة القط والفأر ، ولما رفضت المعارضة الحوار ، ظل يُصَعِّدفي كل الاتجاهات:

- أخرج رؤوس الفتنة والفساد من الوزراء والقادة إلى مناطقهم لحشد المرتزقة والمنتفعين والبلاطجة والضعفاء للخروج إلى الشوارع للتظاهر طلباً بأن يبقى صالح زعيماً إلى الأبد ، حيث ظل يردد بلسان الحال مثل رفيق دربه القذافي: إما أن أحكمكم وإما أن أقتلكم وأُشطر وطنكم وأُدخلكم في نفق أشد ظلمة ودموية من النفق الصومالي ، وأنه لا طريق سلمي لتبادل السلطة إلا على يد عزرائيل عليه السلام!.

- مارس التضليل والخداع ، بحيث يؤشر بسيارة قيادته نحو اليمين ويتجه نحو اليسار، بمعنى أنهيدعو إلى الحوار والحرص على المصالح الوطنية ، إمعاناً في ذر الرماد في عيون 60% من الأميين من هذا الشعب ، وفي نفس الوقت يعقد يومياً مقابلات مع مشائخ القبائل ولاسيما المحيطة بصنعاء ، ومع قادة الجيش والأمن وأجهزة الاستخبارات ، سواء منها الحكومية أو الصالحية ، ومارس في كل هذه اللقاءات تحريضاً لا يؤدي إلا إلى المضي في طريق الفوضى والحرب الأهلية ، وإثارة العصبيات المناطقية والقبلية والمذهبية بل والشطرية .

وحتى المبادرة التي قدمها كانت جزءاً من هذه (الاستراتيجية) ، وقد نطَّقه الله ـ عندما قال في جملة اعتراضية ـ إن هذه المبادرة براءة ذمة مع أنه يعلم أن المعارضة لن تقبل ، لأنه يعلم أن المعارضة تعلم أنه لا يريد الإصلاح والتغيير ، حيث يرون ما يفعل لا ما يقول ، وشتان ما بين القول والفعل!!.

- عالج نجاسة الفساد المالي الذي يطالب الشعب بإزالته بنجاسة أغلظ ، حيث أنفق المليارات على مئات من قادة الفساد والبلطجة ، ليُخرجوا مئات الآلاف إلى الشوارع مقابل فتات ما يحصل عليه الكبار ، لكن هذا الفتات يستنزف خزينة الدولة يومياً بالمليارات ، فقد صار برنامج صالح الإصلاحي: وداوني بالتي كانت هي الداء! .

- شنّ حملة إعلامية ضخمة لقلب الحقائق ، منطلقاً من مبدأ: "الغاية تبرر الوسيلة"، ومن المثل العربي: "رمتني بدائها وانسلت" ، ولم يبق في هذا السياق ضمن قواميس الصحف والفضائيات والمواقع الحكومية ، شيء من التهم ، ولا قليل من البذاءات لم يوجه إلى الشباب المعتصم الذين هم أغلى ما يملكه شعب اليمن ، وأنْفَس ما يباهي به اليمنيون اليوم ، ووصل الأمر إلى اشتراك الرئيس نفسه بصورة سافرة ووقحة وغير معقولة في هذه الحملة ، حيث اتهم الشباب الثائر ـ ليس في اليمن فقط بل في كل الوطن العربي ـ ومن معه من العلماء والمفكرين والفقهاء والباحثين والناشطين السياسيين ، وناشطي مؤسسات المجتمع المدني بأنهم مأجورون ويُدارون من غرفة عمليات في (تل أبيب) وتُوجه من (واشنطن)!!.

 -عندما أقال السلطان قابوس اثني عشر وزيراً من حكومته ، أقال صالح خمسة محافظين منتخبين ـ على الأقل في نظره هو ـ ليس لفسادهم ، ولكن لأنهم رفضوا الاشتراك في مؤامرات ضد المعتصمين لأذيتهم وقتلهم في الحديدة والجوف، أو الإساءة إليهم في عدن وأبين وحضرموت ، وذلك بتسيير مظاهرات انفصالية تُحسب عليهم. وفعل مثل ذلك مع عدد من القادة العسكريين الذين رفضوا إطلاق النار على المتظاهرين!.

وفي يوم 13مارس قام بتعديل طفيف في حكومة مجور ، أدخل بموجبه أحد أكبر البلاطجة في بلاطه كوزير للشباب والرياضة ، ونقل الوزير السابق وهو بذات المنزلة من البلطجة ـ باستثناء تفوقه في تأليه صالح في خطاباته المنمقة ـ نقله إلى وزارة الاوقاف ، بدلاً عن الوزير المستقيل القاضي حمود الهتار ، وهي رسالة بالغة الدلالة على رغبته في إصلاح الأوضاع وتهديء الشارع والمحافظة على سفينة الوطن!!.

- أما الداهية العظمى ، فهي تسليط أجهزته الأمنية وإطلاق بلاطجته على الشباب الذين أثاروا إعجاب العالم بانضباطهم رغم البيئة التي فخخها صالح ، ورفعوا من أسهم الإنسان اليمني بعد أن مرَّغ صالح سمعته في التراب ، والنتيجة عشرات الهجمات الدموية على المعتصمين في كل المدن اليمنية ، والحصيلة حتى الآن أكثر من مائة شهيد وآلاف الجرحى والمخنوقين والمشوَّهين ، لكن أسوأ من ذلك تبريرات صالح التي تنضح بالأكاذيب الممجوجة التي تكفي واحدة منها لإقصائه عن السلطة ، لأنه إذا كانت لا تجوز شهادة الكاذب ، فلا ولاية لكذاب من باب أولى!!

وهو بذلك يكون قد قتل الشباب مرتين ، وقتلهم للمرة الثالثة عندما اعتبرهم شهداء ديمقراطيته المزوَّرة وأعلن عليهم الحداد يوم 20 مارس ، إمعاناً في الختل والمخادعة والكل يعرف أن القتلة هم من القوات الخاصة ، وقد ثبت ذلك بالدليل والبرهان عندما قبض المعتصمون على عدد منهم!!

وهكذا ، نلاحظ كيف تم تبادل المواقع بين السلطان والرئيس وكيف تم وأد الحكمة اليمانية ، بحيث استحال الرئيس صالح إلى "كابوس" مقارنة بالسلطان قابوس!.

*أستاذ الفكر الإسلامي السياسي بجامعة تعز

رئيس منتدى الفكر الإسلامي