إدانة في ثوب حصانة!
بقلم/ مراد اسماعيل
نشر منذ: 12 سنة و 11 شهراً و 5 أيام
الأحد 22 يناير-كانون الثاني 2012 01:07 ص

توقعتُ أن يطلّ صالح في الأيام القليلة الماضية بثقة واحدٍ من نسل سيف بن ذي يزن الحميري ليقول إنه لا ينتظر قانون حصانة ولا يريد من أحدٍ ضمانة؛ لأنه واثق من أنه لم يرتكب جُرماً يستدعي ذلك الحديث المستفز عن حصانة من الملاحقة القضائية. هكذا توقعتُ وانتظرت –بحُسن نية وبسوئها أيضاً- وربما غيري شاطرني التوقع والانتظار، على الأقل كان باستطاعة صالح أن يفعل ذلك في النهار، ثم يقضي الليل في الضغط والاستجداء لنيل الحصانة، كما فعل من قبل في تصريحه المتذاكي حول «غرفة في تل أبيب وتُدار من واشنطن» الذي حرمه النوم فرفع سماعة الهاتف معتذراً لأصحاب واشنطن، وبدورهم –ربما- نقلوا الاعتذار لأهل تل أبيب! لكن صالح هذه المرة غير مستعد للعبث بهذا الملف، طالما أن القضية حياة أو موت، بعد أن كانت إلى وقتٍ قريب قضية بقاء في الرئاسة أو رحيل عنها !.

من يظن أن صالح مسرور بقانون الحصانة مخطيء، قبل أن نقول إنه يجهل الواقع اليمني جيداً، والثقافة التي أسسها نظام صالح نفسه تُجاه احترام القوانين والالتزام بها. يدرك صالح ما زرعه وما سيحصده، من أجل ذلك يستمطر سراب الحصانة ليرتوي بحمايتها، ولن يكتفي أو يستطيع الاكتفاء فضلاً عن الارتواء، وعليه أعتقد أن صالح سيكون في الأخير في مواجهة حتمية وحاسمة مع أسلوبه في الحُكم، بمعنى أن المواطن علي عبدالله صالح سيكون ضحية يوماً ما لنظام الرئيس علي عبدالله صالح، سيموت بالسُم نفسه الذي صنعه منذ عقود، سُم الفوضى واللا قانون، بصورة أقرب ما تكون إلى النموذج الليبي، بصرف النظر عن اتفاقنا أو اختلافنا حول طريقة ما جرى للقذافي .

يمكننا أن نتذكر عبارة صالح الشهيرة التي نقلها غير واحد: «أنا القانون» في اللحظات الحاسمة ستفارق روح القانون جسد صالح بعد عقود من الالتباس والمَس الشيطاني، الذي حاول صالح ومطبلوه أن يوهمونا أنه مَس قانوني!، كما يتوهمون اليوم بقانون حصانة يقيه من عدالة البشر، فيما عدالة القدر فوق أي حصانة أو تمنُّع. سمعتُ من جدتي يوماً أن القاتل لا ينام مستريح البال، وإذا نام فإن شخيره أنين !.

في الجهة الأخرى هناك من تأخذه الحماسة الزائدة للاعتقاد أن عدم وجود قانون ضمانات سيتيح له الذهاب إلى النيابة العامة غداة تنحي صالح، والخروج بأمر إلقاء القبض عليه وإيداعه السجن وصولاً إلى المحاكمة التي ستخلص نهاية اليوم أو الشهر أو العام إلى إصدار حكم الإعدام، مع ثقتنا بأن بعض المطالبين بالمحاكمة – وكاتب السطور منهم- يهدفون إلى غرس قيَم العدالة في مجتمع جديد على احترام سيادة القانون على ما دونها من السيادات والولاءات والعنتريات والتسويات، ويهدفون كذلك إلى المعنى الاعتباري في محاكمة رئيس سابق أخلّ بمسؤولياته وأساء استخدام سلطاته، لكن ذلك متعذر الآن في حالتنا الراهنة، لأن الطريق إلى المحاكمة محفوفةٌ بالمخاطر والدماء وسقوط مزيد من الشهداء، وهكذا يفعل المجرمون حين يستخدمون الأبرياء كدروع بشرية من أجل الفرار من الجزاء، وقد وفّرت لنا أفلام «الأكشن» عناء التخيّل، وهي تعرض مجرماً يضع فوهة مسدسه على رأس بريء يحتضنه من الخلف مهدداً بقتله إن حاول أحدٌ الاقتراب منه!، فتغدو مسألة القبض عليه بحاجة إلى حساب دقيق وربما مُعقّد وغير مكترثٍ بمناشدات القبض والمجازفة !.

لقد وصلت الحلول الأخيرة عبر طريق طويل من الأحداث والمواجهات والاختلافات مع كل التوقعات والحسابات والتحليلات، ولم تكن في الحُسبان الثوري - ولا السياسي ربما- أيام الانطلاق وفي أوجّ الاشتعال وقوة الصمود، لكن المِراس الثوري أكسب الحلول واقعيتها، وله الفضل في وصولها، والسبق في انتزاعها، طالما أن مُنتهاها يصبُّ في نهر التغيير ويحقق أهداف الثورة .