صواريخ أمريكا إلى أين.. إيران ليست هنا.
بقلم/ عبدالفتاح الحكيمي
نشر منذ: 11 شهراً و يومين
الخميس 25 يناير-كانون الثاني 2024 04:59 م
 

لم يحقق منع الحوثيين عبور بعض سفن التجارة إلى الكيان الصهيوني ولا عمليات مليشيات الضاحية الجنوبية ومفرقعات شيعة العراق الصوتية أدنى اشتراطات الممانعين العنترية, فلا رفع نتانياهو يده عن المساعدات الإنسانية والغذائية لغزة, ولا سعى إلى تهدئة أو رفع حصار ووقف إطلاق النار, في تخادم واضح بين الفريقين, نتنياهو الهارب بالحرب من المساءلة والمحاكمة لتمديد سلطته, والإيراني وأدواته الساعين إلى خلط الأوراق ليتناسي العرب والمسلمين جرائمهم في الوطن العربي مقابل مذابح الإحتلال الصهيوني الراهنة.

لم يكترث نتانياهو وحكومته لأصحاب المفرقعات لمعرفتهم بعدم جدية وحزم مواقفهم.

 

فلم تتحرك نخوة هؤلاء بنظره لمقتل وإصابة أكثر من مئة ألف فلسطيني أكثر من حميتهم للثأر لدماء مستشاري الحرس الثوري الإيراني أو نفوق بعض قيادات ضاحية نصر الله.

 

وربما أنجزت طهران دعاية عابرة لنفسها في المنطقة العربية بسبب توظيفها للتخاذل الرسمي وليس نتيحة لجعجعة المفرقعات المسرحية الهزلية لأدواتها.

والنتيجة العكسية أيضاً بدلاً من سيطرة عملاء إيران على منافذ التجارة والملاحة الدولية استجلبت حماقات الطرفين أمريكا وقوى دول أوربا الغربية وغيرها إلى باب المندب وبحر العرب والبحر الأحمر لتدفع اليمن اليوم بالإنابة عن ملالي إيران ثمن معركة حصار طويلة أخرى حقيقية من الخارج بعد خنق مليشيات الحوثي الإنقلابية للبلد من الداخل لسنوات.

 

ولا يمثل مسمى جبهة لبنان مع الكيان الصهيوني أي أهمية حقيقية لإيران إلا كونها واجهة مغالطة لصرف الرأي العام العربي والعالمي عن هاجس أطماع سيطرتها على منافذ وسواحل اليمن البحرية الإستراتيجية بقميص دعم قضية التحرير الفلسطينية بخراطيش حسن نصر الله.

 

وأكبر مغالطة ماكرة أعلنتها طهران باسم الحرس الثوري وخارجيتها منتصف حرب غزة لدعم المقاومة الفلسطينية ضد الإحتلال, أنها سوف تغلق مرور سفن الكيان الإسرائيلي عبر البحر المتوسط لتمويه تواطئها الفاضح مع العدو بتأمين مرور سفنه وتجارته عبر مضيق هرمز التابع لها, وتآمرها على الغير بالتضحية بمصالح اليمن وأمنها واستقرارها بعدوان أمريكي و بريطاني غاشم استجلبته أدواتها الغَبِيَّة.

 

* حسابات أمريكا إيران *

 

تغيرت قواعد وحسابات اللعبة الدولية, وتفاجأت مليشيات الحوثي والعالم كله بتحركات أمريكا العسكرية بعكس ثوابتها السياسية في تحييد البحر الأحمر وباب المندب والنأي بالمنطقة من الإنجرار إلى أي مواجهات تهدد تدفق مصالحها التجارية.

كل شيء قد تغير ليس بتغلغل إيران في المنطقة وحسب, وباستعصاء إزاحتها لاحقاً أيضاً.

 

ربما تفاجأت حماس نفسها أيضاً بتغيرات مماثلة في حسابات المعركة مع الكيان الصهيوني الذي كان على استعداد من قبل لمقايضة أسير واحد من جنوده أو ضباطه فقط مقابل كل الأسرى الفلسطينيين بالآلاف.. لإن معركة الكيان الغاصب هذه المرة كما قال النتن ياهو وحكومته وجودية لا قيمة فيها عندهم لحياة مئات من أسراهم وأسيراتهم ولو دفنوا بغارات طائراتهم وصواريخهم نفسها !!.

 

حدث ذلك تماماً في انقلاب الرؤية الاستراتيجية الأمنية الأمريكية لحماية المصالح الحيوية في باب المندب والبحرين الأحمر والعربي, وأن المبالغة في إظهار الصَّبر والنَّفَس الطّويل خوفاً على مصالح اقتصادية آنية أغرت جماعة مسلحة صغيرة بتهديد مستقبل تجارتها والمصالح الدولية الأخرى قبل أن يتفاجأ هؤلاء بانقلاب المزاج الأمريكي وردة الفعل العسكرية المباغتة غير المتوقعة ضدهم.

 

* ألممر الدولي وفرزة صنعاء *

 

تعامل الحوثيون مع الممر المائي الدولي في باب المندب كأي نقطة تفتيش عسكرية بين عمران وصنعاء أو كفرزة باصات نقل ركاب, يتحكمون بحركة السفن التجارية بمجموعة عسكر وزوارق فيبر بدائية.

لكنهم تفاجأوا بمقتل ١٠ من منفذي حملة استيلاء شَنُّوها بخمسة زوارق على سفينة تجارية قرب باب المندب.. وأغرق الأمريكان ثلاثة منها.

أظهرت بوسترات الحوثيين احتفالهم لاحقاً بصور ثمانية من القتلى اليمنيين, والإثنان الباقون المعلن عنهم من الضحايا التي اختفت صورهم لم يكونوا يمنيين كما يبدو!!.

 

طار صواب الحوثيين الذين لم يعملوا حسابهم لتدخلات سلاح الجو والبوارج القريبة منهم بعد رهانهم على عدم رغبة الأمريكان في جرهم إلى معركة تهدد مصالحهم أكثر مما تحميها في المنطقة والإكتفاء بدور المراقب والتصدي للصواريخ والطائرات المسيرة فقط, والتي اعتبرها الحوثيون عجز أمريكا عن المواجهة لا تكتيكات لتوريط الخصوم.

 

أجَّلت الصدمة(أللَّطمة) رد فعل الحوثيين العسكري المعروفين بسرعة الرد ليتجهزوا ببطئ على ما يبدو للأسوأ واستجماع كل ما لديهم أكثر من أسبوع كقوة مليشاوية صغيرة في مواجهة ترسانة أكبر دولة إعتبر الحوثة أعادتها لتموضع قواتها البحرية خارج باب المندب بعد سحق قواربهم بمن فيها هروباً من مواجهتهم وليس تكتيكاً قتالياً جديداً يستدعى حشد تحالف دولي كبير لحصار اليمن..

 

أعادت إيران ترتيب أوراقها العسكرية في باب المندب والبحر الأحمر أواخر ديسمبر2018م عندما أنقذت بريطانيا أدواتها الحوثية من هزيمة نهائية ماحقة في الحديدة على أيدي أبطال قوات العمالقة الشرعية وتحويل التقهقر إلى ماء حياة في أوردة المهزوم باتفاقية ستوكهولم المشؤومة.

منذ ذاك عرفت إيران ليس أن لا تسقط أدواتها العميلة وحسب بل وتحويل كل ثقل نشاطها العسكري- الإستخباري في الوطن العربي إلى اليمن مفتاح التأثير وإخضاع العالم.

دخلت في الربح وخرجت من الخسارة, وتلقت اليمن عنها كل هذا الدمار والأذى والخراب الذي جلبته أدواتها القذرة.

ولا يزال بيننا من يصدق إن الموت لإسرائيل وليس لليمنيين المنساقين بعواطف ساذجة إلى الحتف بأظلافهم.

 

* هكذا ضلت الصواريخ *

 

لم تؤثر الضربات الأمريكية-البريطانية الحالية العابرة على مليشيات الحوثي كما لم تفعل بهم من قبل أيضاً ضربات جوية كبيرة ومكثفة قرابة ثمان سنوات.

وكان يوجد لدى الأمريكان خرائط خاصة دقيقة بمواقع إطلاق الصواريخ, إعترف عبدالملك الحوثي قبل تسعة أشهر في تسريبات لعبدالغني الزبيدي أنهم أرسلوا له نموذجاً منها عبر وسيط قبل ثلاث سنوات بعد استهداف جماعته بالصواريخ الإيرانية من اليمن قاعدة العَديْد العسكرية الأمريكية في الدَّوحة بعد مقتل مستشار الصواريخ الإيراني في صنعاء حسن إيرلو..

لكن عبدالملك أكد بعد ضربة صاروخية تالية للقاعدة العسكرية نفسها بعد يومين فشل الأمريكان في تحديد مواقع إطلاقها, ما يؤكد بنظري تخبط الأمريكان الحالي في معاودة استهداف المواقع الحوثية الجديدة نفسها أكثر من مرة أو ظهور نقاط رادارية متقلبة تدل على قدرة تخفي الخصم وعدم نجاعة ضرباتهم إلَّا في مواضع محدودة لا تتعدى الإصابة فيها خلال أسبوعين من العمليات ستة صواريخ فقط كانت جاهزة للإطلاق بحسب تصريحات أمريكية.

 

معطيات شاهدة على التكنولوجيا الفائقة غير المعروفة التي تزود بها الحوثيون واستمرار خطر قدراتهم القتالية الصاروخية والطَّيرانية المُسَيَّرة في التصعيد الطويل وجعل أمريكا بين خيارين أسوأ من بعضهما, إما اقتصارها على معركة استخباراتية بطيئة النتائج وحصار موانئ ومطارات فشلت من قبل, وتحولت عكسياً مؤخراً إلى حصار ومنع سفنها التجارية والحربية من العبور, أو الإنتقال إلى معركة عسكرية برية وجوية شاملة ومباشرة لا تتوفر ضمانات نجاحها لجهة تفريط الحلفاء في منتصف الطريق بتضحيات قوى دعم الشرعية اليمنية كما حدث في اتفاقية استوكهولم التي أفرزت نتائج هيمنة الحوثيين الحالية على ممرات الملاحة والتجارة الدولية, أو خذلانها على أبواب صنعاء بتدخل بريطاني أمريكي خليجي.

 

وسوف تمكن تسويات منتصف الطريق الانقلابيين من رقاب اليمنيين مرة أخرى نهائياً وإلى الأبد.

 

ولا مفر أنها معركة أمريكا و بريطانيا مع إيران وحدها يمكن حسمها بين الطرفين من أي منطقة أخرى غير اليمن بما فيها خيار المواجهة المباشرة مع طهران الساعية لتصديرها إلى اليمن بأي ثمن باسم نصرة القضية الفلسطينية التي يتاجرون بها.

 

وكلها خيارات مجهولة النتائج والأثر ومكلفة الثمن مع سعي الأمريكان في تحقيق نتائج سريعة وحاسمة على محور إيران الذي تحول إلى كابوس لهم في اليمن قبل محاور العراق ولبنان وسوريا.

 

تمكن الحوثيون من امتصاص الهجمات الأمريكية-البريطانية المشتركة الإخيرة ونجحوا في تحصين مواقع إطلاق الصواريخ والطائرات المسيرة وشن هجمات عكسية مباشرة شملت إصابة بوارج حربية وسفن تجارية أمريكية و انجليزية وغيرها, وانتقلوا من باب المندب والبحر الأحمر لتشمل عملياتهم خليج عدن وبحر العرب أمام شلل واضح ومريب لرد الفعل الآخر. 

 

وحتى مع نهاية حرب الإبادة الصهيونية في غزة قد يعيد الحوثيون تطبيع حركة الملاحة والتجارة في باب المندب والبحر الأحمر, لكنهم لن يتخلوا عن مزايا تحكمهم العسكري الكامل الذي أتيح لهم الآن فجأة, وطعموا معه لحظات نشوة السيطرة والتحكم وأشبعوا معها نزوة إذلال الآخرين التي تميز طباعهم في التعامل مع اليمنيين أيضاً إلى اليوم.

 

وتشبه شعارات دفاع الحوثي الرنانة عن فلسطين التي صدقها بعض اليمنيين معركة إسقاط جرعة الأسعار قبل استيلائه على صنعاء ٢٠١٣م, فلا كانت الكذبة دفاعاً عن المواطن اليمني, ولا كانت كما هي اليوم حقيقة دفاع الحوثيين أولاً وأخيراً عن إيران ومشروعها الإستعماري وليس عن غزة وفلسطين.

 

ومثلما تسلح أمريكا الكيان الصهيوني لإبادة الشعب الفلسطيني تكدس إيران الأسلحة الفتاكة والمُحرَّمة دولياً في مخابئ الحوثيين لإبادة الشعب اليمني وتهجيره من أرضه ووطنه, مع فارق الشعارات والحيلة السياسية الخبيثة باسم دعم مقاومة غزة وفلسطين التي لم تسعف بايدن وإدارته بكذبة مجلجلة مشابهة لمواجهة إيران في اليمن.

مشاهدة المزيد