دفاعًا عن المنهج لا عن سيد
بقلم/ الشيخ علي القاضي
نشر منذ: 11 سنة و 3 أشهر و 21 يوماً
الخميس 05 سبتمبر-أيلول 2013 07:20 م
 فقط نصوص الكتاب والسنة الصحيحة ضافية حول أخلاق النقد وتقويم الغير (أشخاصًا وأفكارًا ومذاهب)، فالعدل ركن أصيل في الحكم على الغير، "وإذا حكمتم فاعدلوا"، والإنصاف - حتى مع العدو- واجب مهما كرهناه، قال تعالى: "ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا.."، ولزوم حسن الظن والتماس الاعذار لا سيما لأهل الفضل ممن عرفوا بالخير وبدت منهم الزلة والخطأ الذي هو من طبع الصفه الآدمية واجب شرعي، قال رسول الله: "أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم إلا الحدود".. رواه بعض أهل السنن وغيرهم بسند صحيح.. والمعنى اعفوا عمن عُرف بالصلاح إن زل ما لم يصل الحدود ولزوم العدل والحق في حال الانفعال والهدوء والرضى والسخط واجب. حرص الرسول على سؤاله من ربه، فكان يقول في أدعية الرفع من الركوع: "اللهم إني أسالك كلمة الحق في الغضب والرضى" وفي رواية كلمة العدل.. رواه أحمد وغيره، وهو صحيح، وأما لزوم حسن القصد وسلامة النية فواجب لا ينفك عنه المؤمن لا سيما عندما يريد إصلاحًا لغيره أو إرشادًا له، ونحو ذلك، وبهذه الأخلاق الواجبه ونحوها من القيم والآداب النبيلة التي زخرت بها الشريعة يشرع المسلم في النقد إن احتاجه، وتقييم غيره إن كان أهلًا لذلك.
وعندما ضعفت هذه القيم عند كثير من المشتغلين بنقد غيرهم أهينت كثير من الرموز على أيديهم، وشُوّهت كثير من القدوات، وحالوا بين انتفاع الأمة بعلمهم وفضلهم، بل امتد التشويه والظلم الى محبيهم فنالوا قسطًا مما ناله رموزهم، وإلى الله المشتكى، ولعل من أبرز المظلومين في هذا العصر الذين تعرضوا وما زالوا وسيظلون لحملة حاقدة مظلمة اجتاحت كتبهم وأفكارهم، بل حتى أشكالهم، بل ونواياهم، سيد قطب شهيد الإسلام ومتذوق القرآن ومخرج كثير من كنوزه وأنواره الى الأمة كما يشعر بذلك كل منصف قرأ كتبه لاسيما الظلال.
ولا أظن عاقلًا منصفًا يقرأ كتبه يقدر على حبس عينيه وقلبه من التأثر، وعقله من الإعجاب بعمق السيد وقطبية أفكاره التي هي أعمدة وأقطاب تقوم عليها كثير من العقائد والمبادئ.
ومع كل إعجابنا بسيد قطب فإنا لا نغلو فيه ولا ننزهه عن الغلط والخطأ كبر أم صغر، ولكنا ندعو إلى إنصافه ومراعاة المرحلة التي أخطأ فيها مرحلة السجون والمطاردة والتعذيب إلى أن أعدم (رحمه الله)، فلم يتح له مراجعة بعض أخطائه.
والمنصف يجد أن معظم ما زلّ فيه سيد في كتاب من كتبه بيّنه في موضع آخر من كتبه، وبعضها أخطاء نقلها عن علماء قبله بل أئمة، لا ينبغي أن نحاسبه على أمر أخطأ فيه من هو أكبر منه، فاتهامهم بالتكفير يفهم من بعض عباراته نعم، ولكنه بريء من ذلك، ولعل أدبه وأسلوبه البلاغي سبب مباشر في اتهامه بكثير من التهم لأنه كان يكتب بأسلوب فضفاض راق ممتع، ولكن قد يفهم منه المبغض ما يشنع به عليه، فقد بين في مواضع كثيرة من الظلال وغيره كرسالته "أفراح الروح" أنه يحنو على العصاة، ويدعو إلى الرفق بهم والصبر عليهم لا إلى تكفيرهم وقتلهم.
وهكذا شبهة أن القاعدة والجماعات التكفيرية هو مصدرها، فهذا القول يقوم على اجتزاء كلامه وتقطيع أفكاره وعدم تقديم الصورة كاملة كما يريدها سيد وبشهادة أقرب الناس إليه، وهو المفكر الكبير محمد قطب شقيق سيد، فقد نفى كل تهم التكفير والإرهاب عن أخيه.. نعم.. نفى سيد الايمان عمن ألغى حاكمية الله وحكم بالقوانين الوضعية، وهذه نصوص لا يخالف فيها من له عقل وذرة إسلام.. والخلاصة لا يتسع المجال هنا لذكر ما قيل في حق السيد من مطاعن فقد أُلّفت مجلدات قدحًا ومدحًا فيه، وإنما أردت فقط التنبيه على مسائل شرعية في النقد، وأشرت إلى أسطر مما قيل في سيد لضيق المساحة المتاحة، ومَن أحَب الاستزادة فليرجع إلى ظلال القرآن في الميزان د. الخالدي (3 أجزاء)، وفكر سيد قطب لمحمد أبو صعيليك، وغيرها كثير.. رحم الله سيد ونفعنا بفهومه، وغفر لنا وله الزلات ورزقنا الإنصاف.. آمين.