آخر الاخبار
مقال يهدد الوحدة اليمنية
بقلم/ محمد البركاني
نشر منذ: 17 سنة و 4 أشهر و يوم واحد
الأحد 15 يوليو-تموز 2007 05:50 م

مأرب برس - خاص

ليست المشكلة أن يطلق الإنسان زمام فكره يتجول فيما يقوله الآخرون , ثم يُعْمِل القواعد العقلية والشرعية في الفهم والتطبيق أو الرد, ولكن المشكلة عندما يسلم المرء زمام فكره للآخرين , ومن ثم يجند جارحة اللسان والقلم تبعاً لما يمليه عليه الغير من الأحكام المسبقة .

لقد فاجأ الدكتور عادل الشجاع الساحة الثقافية والعلمية بمقاله " كتاب يهدد الوحدة الوطنية" - الذي نشر في صحيفة الجمهورية بتأريخ 29/5/2006م - ؛ عندما خاطب معالي وزير الأوقاف مناصحا , واعتبر نفسه أنه أكثر حرصاً على نجاح عمل هذه الوزارة من الوزير, وأكثر حرصاً على وحدة اليمن من صناع الوحدة.

الشجاع يجيد قراءة العناوين!!

الشجاع يجيد قراءة عناوين الكتب , لكنه في نفس الوقت يمنع فكره من التجول في طياتها ,وعينيه من التصفح , ويظهر هذا جلياً للمقارن بين مقاله المذكور سابقاً وبين محتوى كتاب " يوم عاشوراء ومقتل الحسن رضي الله عنه بين الرافضة والناصبة " , إذ تبدوا للقارئ المثقف فوارق ذات بون شاسع بين المقال والكتاب منها:

1- عدم وجود أي ارتباط بين العنوان وبين موضوع الكتاب, إذ أن موضوع الكتاب دراسة فكرية , ونقل موضوعي لأحداث تاريخية كفلتها حرية الحوار العلمي قديماً وحديثا , وليس في الكتاب ما يدعو لشهر السلاح ولا دعوة لعصيان مدني ؛ حتى يسمه الشجاع بأنه يهدد الوحدة , وهنا يظهر الشجاع المفاجئة للجماهير التي طالما صور نفسه بأنه أحد دعاة الثورة العلمية والتحرر من قيود الإتباع , فإذا به يقف بصرامة أمام موضوع كتاب حمل راية الثورة العلمية أمام جمود التقليد , ودعا إلى حوار في ظل سعة أفق علمي وأخلاقي.

2- صور الشجاع ما ذكر في الكتاب من أن الصوفية ربيبة الرافضة قنبلة خطيرة , تتفجر, فحاد عن الأصالة اللغوية في انتقاء الألفاظ , وليس المقام مقام تعديل لغوي , إذ لو سلكنا تلك المسالك لما اتسعت الصفحات للنقد اللغوي , والتركيب اللفظي , والاستعمال النحوي , وإصلاح الخلل الذي وقع ويقع فيه الشجاع دائماً, لكن الأهم هو لفت نظر رواد الثقافة وأهل النهمة العلمية والتتبع التأريخي إلى أن هذه المقولة ليست لأحمد بن حسن المعلم ( مؤلف الكتاب ) , بل هي قول المؤرخين , وأهل السبر والتتبع للتأريخ , ومنهم : ابن خلدون واضع علم الاجتماع, وقد قدم الدكتور العراقي كامل مصطفى الشبيبي رسالة الدكتوراه في هذا الموضوع , وأثبت بمالا يدع مجالاً للشك أن الصوفية ربيبة الشيعة, بل إن فحول علماء حضرموت يثبتون أن الجد الأول للأسرة الحضرمية العريقة ( آل باعلوي ) جاء من العراق شيعياً إمامياً ؛ ثم تصوف أبناؤه من بعده , ولا زال يخرج من بين صفوفهم من يحن إلى مذهب الجد ويلتحق به , وبالذات في هذه الأيام حيث كثر التشيع فيهم في حضرموت وغيرها.

3- قال الشجاع :"وخطورة هذا الكتاب لا تتمثل بما يحمله من أفكار تكفيرية لفرق الصوفية فحسب , بل إن ....."وهذا أكبر الأدلة على أن الشجاع لم يتصفح الكتاب , وربما لم يره , بل ربما نقل له عنوانه مع حصائد أفكار الغير, وإلا فأنا أعطيه مهلة شهراً لتصفح الكتاب وإخراج ما فيه من أفكار تكفيرية تنطبق عليها قواعد الإلزام المعروفة عند العلماء , مع العلم أن أهل السنة من أبعد الناس عن تكفير المسلمين , واستحلال دمائهم فليس من عقائدهم تكفير أهل القبلة بذنب , ولا استحلال دم مسلم أو ماله أو عرضه , فهل الحوار العلمي صار تكفيراً عند الشجاع؟ سبحانك هذا بهتان عظيم.

4- قال الشجاع: يقول مؤلف الكتاب: " ماذا يحصل في حضرموت في يوم عاشوراء؟...الخ" , فأوقع القارئ في إرباك فكري, وانقطاع في تسلسل الفكرة , الذي كثر في مقال الشجاع , ماذا يريد الشجاع من إيراد هذا النص ؟ وما وجه الانتقاد فيه ؟ وما مناسبة ذكره؟ حال الشجاع كحال من يأمر الناس بإيتاء الزكاة فلما قيل له ما الدليل على فرضية الزكاة ؟ قال قوله تعالى: (قل أعوذ برب الفلق...) ,إن الخطر يكمن في تصدر بعض الكتاب دون هضم مادة التعبير, وإتقان قواعد الربط للأفكار , وإيراد نصوص لا وجه للدلالة فيها, ولقد نهل من هذا الكدر كثير من أبنائنا الذين ينسبون أنفسهم للثقافة وهي منهم براء فشابوا على ما شبوا عليه.

الشجاع والوحدة الوطنية:

يقول الشجاع:"لقد كانت اليمن عبر تأريخها مفتوحة على المذاهب كلها , ...الخ", ويقول:"اليمن التي بدأت منها أنوار التسامح الأولى , وخرجت منها شعلة الحرية إلى مشارق الأرض ومغاربها, أمامها الآن رسالة إيصال التسامح إلى أبعد ما تستطيع , ولكي يتحقق لها هذا لا يكفي الحديث عن الوسطية والتسامح , فلابد من صياغة قانون يؤكد على حريات الآخرين...الخ" , والناظر فيما ذكره الشجاع , يظن به ظناً حسناً, إذ أن الرجل يصور نفسه بأنه حامل لواء التسامح والحرية الفكرية والوحدة الوطنية, لكن هذه الطلاسم التي ذكرها ؛ لا تثبت أمام إعصار التهم التي وجهها الشجاع للآخرين بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير, منها : التكفير, الأصولية, التأريخ الدامي, الرجعية,...الخ" وكذا تحريض السلطة على المواطن , ومطالبة السلطة بمنع حقوق الممارسة لأهل الكفاءات في مجالاتهم , يظهر ذلك جلياً من قول الشجاع:"نحن على يقين بأن الأخ وزير الأوقاف لن يقدم المساجد ولا أماكن الإرشاد لتلك الجماعة القادمة بكل تأريخها الدامي ورغبتها المحمومة في شفاء غل صدرها...الخ " , وقوله " لقد ظن وزير الأوقاف أنه سيرضي الإسلاميين ؛ ليقربهم إلى وزارته زلفى لكنه لا يدرك أنه قد فتح الطريق أمامهم ليحقروا ويعبثوا بخصومهم في الفكر" وقال:" الخوف كل الخوف أن يحدث ائتلافا بين الوزارة والأصوليين...الخ", وقال:" الأخ الوزير إننا نعاني من مشكلة ثقافية كبرى , وهي تتمثل في بروز هذه الجماعات , التي تريد أن يكون الماضي بكل أحداثه المرجعية التي تتحكم في قرارات الحاضر , بل والتي تتحكم في اتجاه المستقبل أيضاً" , وقال:" إن هؤلاء المغالين لم يتركوا شيئاً إلا وعبثوا فيه , ويفرضون على الناس ما يضيق حياتهم " وهنا تندثر إدعاءات الشجاع , بأنه من دعاة الوحدة الوطنية والحرية الفكرية والتسامح والتآخي , وبدلا من أن أفند شبهه شبهة شبهة , رأيت أن أضع طلبا أمام الشجاع - الذي ينادي بالوحدة الوطنية ويريد أن بقصي الملايين من أبناء اليمن - فأقول له ابحث للجماعات الإسلامية عن وطن غير اليمن , فإنهم لما ذكرت ؛ غير صالحين للعيش فيه , وليبق اليمن لك وحدك , وللقلة من أبناء نخبتك الفكرية - الذين لا يصلون ربما إلى عشر من حكمت عليهم بالإقصاء والنفي - هذه هي الوحدة الوطنية التي يدعو لها الشجاع وهي أشبه بقوانين لينين وماركس التي أعدمت ملايين الفلاحين تحت شعار إسعاد الطبقة الكادحة .

إن الذي يتابع مقالات الشجاع يتلمس فيها روح التقارب مع الفكر الحوثي ؛ وإن كان يحاول العزف على أوتار السلطة ؛ ليظهر تقيا من طراز جديد , توالي عدوها القوي , وتعيش في أكنافه , وتسلطه على عدوها الضعيف ,... دواليك ... دواليك... , حتى تتخلص من الكل .

فنقول للشجاع : كفى تحدثا باسم الوطنية , وكفى تحدثا باسم الدين , فالوطنية لها رجالها والدين له فحوله , ومقالك هذا الذي حَّولت فيه الحوار العلمي إلى تفرق طائفي , والنقد البناء إلى صدام مسلح , والتوثيق للحقائق إلى تأريخ دامي , ووسم المخالف بالصفة المعتبرة عند أهل التحقيق سميته تكفيرا , إن هذا المقال لهوا لمهدد الفعلي للوحدة الوطنية ؛ لأنك أردت إشعال فتيل الفتنة ؛ بدلاً من أن تتسلح أنت ومن ساءه الكتاب بالعلم , وتنزل إلى ساحة الحوار والرد.