انتحار أم استشهاد ؟
بقلم/ د.رياض الغيلي
نشر منذ: 17 سنة و 4 أشهر و 13 يوماً
الثلاثاء 03 يوليو-تموز 2007 08:28 م

مأرب برس - خاص

إنه "انتحارٌ" بكل ما تعنيه الكلمة من معنى .. إنه انتحار وليس "استشهاد" !!

إنه انتحار لأنه قتل للنفس المحرمة الذي حرمه الله تعالى : " ولا تقتلوا أنفسكم ، إن الله كان بكم رحيماً" ، " ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق " !!

 إنه انتحار لأنه عدوان على حدود الله .. وظلم للنفس ، "ومن يفعل ذلك عدواناً وظلماً فسوف نصليه ناراً ، وكان ذلك على الله يسيرا " ، وأي عدوان وظلم أكبر من قتل الآمنين المستأمنين؟

 إنه انتحار لأن جزاءه النار .. وليس استشهاداً .. لأن الاستشهاد جزاؤه الجنة .

إنه انتحار .. وليس استشهاد .. لأنه حدث في مأرب وليس في تل أبيب أو إحدى مدن العراق أو أفغانستان !!

إنه انتحار .. وليس استشهاد لأنه ضد سواح عزل آمنين مستأمنين ، وليس ضد الاغتصاب الصهيوني في فلسطين ، ولا ضد الاحتلال الأمريكي في العراق وأفغانستان ، ولا ضد الاستكبار الروسي في الشيشان !!

وسواء كانت الجهة المنفذة لهذه العملية الإجرامية هي القاعدة أو غيرها ، فقد أساؤوا إلى الإسلام وسماحته ، وإلى الشعب وأريحيته ، وإلى الوطن واستقراره .

بهذه العملية الإجرامية التي أراقت الدماء في مأرب أو بمثيلاتها التي رُتِبَ لها في بريطانيا هذا الأسبوع ؛ تزيدُ الحرب على الإسلام والمسلمين ضراوةً وشراسةً ، وتزيد من تضييق الخناق على العمل الخيري الإسلامي ومؤسساته ، وتزيد من ملاحقة العاملين للإسلام مهما كانوا معتدلين !!

بمثل هذه الأعمال الإرهابية ، يزيد النفور من الإسلام وأهل الإسلام ، وتقوى حجة أعداءه ، ونضيف لهم على أسلحتهم سلاحاً ، ونهديهم فوق مبرراتهم مبرراً ، وبها وبأمثالها يصبح الإسلام كالطير مقصوصاً جناحاه!!

إنني أشك أن هذه الأعمال ينفذها قوم مسلمون ، حتى وإن ادعوا ذلك ، حتى وإن صلوا وصاموا وتهجدوا وتبتلوا ، وقرأوا القرآن فهو لن يجاوز تراقيهم ، كما حدث المعصوم صلى الله عليه وسلم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية" ، بل أجزم أن هذه العمليات يُخَطط لها في دهاليز أجهزة الاستخبارات الصهيونية والأمريكية لخلق المبررات والدوافع التي تتيح لهم مزيداً من المكاسب في حربهم على الإسلام واحتلال بلدانه ، والداهية الدهماء أنهم يحيكون المؤامرات ، وينسجون خيوطها ، ويرسمون فصولها ، ويسلمونها جاهزة للإخراج لعملائهم من الذين باعوا دينهم أمتهم ، وهؤلاء العملاء الذين يندسون في صفوف المصلين الخاشعين العابدين للبحث عن شباب اختلط عليهم الأمر لا يعرفون حلالاً من حرام ، ولا يميزون بين خطأ وصواب ، ولا يفقهون من الإسلام إلا قشوراً ، فيدفعون بهم لتنفيذ مخططات العدو .

إن لم يكن غير هذا هو الذي يحدث من وراء الكواليس ؛ فما هي المكاسب التي سوف يحققها تنظيم القاعدة على المستوى المحلي والعالمي ؟!

لا شيء مطلقاً ، وبكل تأكيد ... بل هناك خسائر جمة يجرها تنظيم القاعدة لنفسه على وجه الخصوص ، وللمسلمين عامة .

أما الخسائر التي سوف تلحق تنظيم القاعدة محلياً فهي :

- فقدان التعاطف الشعبي ، والتأييد الجماهيري لجهاد التنظيم ضد الأمريكان في العراق وأفغانستان .

- ملاحقة أعضاء التنظيم من قبل الأجهزة الأمنية بصورة همجية وفضة ، والزج بهم مجدداً في السجون والمعتقلات ، خاصة أولئك الذين أفرج عنهم بعد اعتقال طويل .

- اعتقال كل من له صلة بأي عضو من أعضاء التنظيم ، والتنكيل بهم وبأهاليهم ، والتسبب في ظلم الأبرياء الذين لا ناقة لهم ولا جمل في العملية .

- التشديد على المعتقلين من أعضاء وأنصار التنظيم المتواجدين حالياً في المعتقلات ، وتعريضهم لنوبات صعبة من التحقيق ، وبالتالي قطع أمل الخروج القريب لهم من هذه المعتقلات .

- التأثير على سير محاكمة الخلايا المتهمة بتنفيذ أعمال سابقة ، مما سيؤدي إلى تشديد الأحكام ضدهم .

- سد الطريق أمام محاولات الحوار وآمال الإصلاح .

وأما الخسائر التي تلحق غير التنظيم على المستوى المحلي والعالمي فمنها :

- تشويه صورة الإسلام ، وإبراز صورة شائهة له أمام الغرب متمثلة في القتل وسفك الدماء والتدمير والتنكيل بالغير .

- تضييق الخناق على كل أشكال العمل الدعوي سواءً على مستوى الوطن أو على مستوى العالم ، فمدارس التحفيظ وحلق العلم والمراكز الصيفية الدينية، والمراكز الإسلامية ، وخطبة الجمعة ، والأربطة العلمية ، والمعاهد والمدارس الإسلامية ، والجامعات الإسلامية لم تتعرض للتضييق والإغلاق ، إلا بعد حدوث مثل هذه العمليات الإجرامية .

- تضييق الخناق على كل أشكال العمل الخيري الإسلامي على مستوى الوطن أو على مستوى العالم ، فالجمعيات والمؤسسات الخيرية ، التي تقوم على بناء المساجد والمراكز الإسلامية ، وكفالة الأيتام ، ورعاية الأرامل والمساكين والفقراء ، ومعالجة المرضى ، ورعاية أسر الشهداء ، وإغاثة المنكوبين ، والتعريف بالإسلام ، وغيرها من أعمال الخير ، كل هذه الجمعيات والمؤسسات ما تعرضت للإغلاق والحصار وتجميد الأرصدة ومصادرة الأموال إلا بعد حدوث مثل هذه العمليات الإرهابية .

- التأثير سلباً على الجاليات المسلمة في بلدان العالم الغربي ، وإحباط محاولاتها في تقديم الإسلام بصورته السمحة ، وتعريضهم للمضايقات الأمنية والاجتماعية والاقتصادية ، مما يسبب في خسائر فادحة للإسلام سياسياً واقتصادياً .

- توجيه ضربات للحركات الإسلامية المعتدلة ، وإلحاق الهزائم السياسية بها مما يسبب في تأخير المشروع الإسلامي .

- قطع الطريق أمام مؤسسات ومنظمات حقوق الإنسان والناشطين في الدفاع عن الحريات ، بتوفير مبررات الكبت والاعتقال والتنكيل للأجهزة الأمنية التي تتأزم من كل محاولة لهذه المنظمات لصون الحقوق وكسب الحريات .

هذا غيض من فيض الخسائر التي هي لعدونا مكاسب !!

فهل بعد هذا شك أن العدو هو من يخطط وينفذ هذه العمليات ، ويرمي بها على عواتق أقوام ضلوا الطريق ، وحادوا عن الصراط ؟! .