سياسة اليمن الخارجية (بلد سايبة)!
بقلم/ د. عبد الله أبو الغيث
نشر منذ: 12 سنة و 4 أشهر و 12 يوماً
الجمعة 06 يوليو-تموز 2012 06:47 م

ارتهن نظام الرئيس السابق على عبدالله صالح اليمن للخارج؛ خصوصاً في السنوات الأخيرة لحكمه، ما جعل اليمن مسرحاً مفتوحاً تنفذ عليه العديد من الدول والقوى الإقليمية والدولية أجنداتها الخاصة، الأمر الذي مكن الخارج لأن يصبح لاعباً أساسياً في تقرير شؤون الدولة اليمنية.

ولذلك فقد كانت معظم النشاطات السياسية لسلطات الدولة اليمنية موجهة للخارج قبل شعبها، وهو ما انعكس بصورة تلقائية على مواقف أحزاب المعارضة فيها أيضاً، حيث أصبح الطرفان يتنافسان على كسب ود سفراء تلك الدول والهيئات التابعة لها –خصوصاً في مواسم الانتخابات- مثل المعهد الديموقراطي الأمريكي والبعثة الأوربية، وصاروا يترقبون تصريحاتها وينتشون بها أيما انتشاء، وتتسابق عليها وسائل إعلامهما، بعد أن يعمل كل طرف على ترويج الجزء الذي يرى أنه يخدمه ليدلل به على صوابية مواقفه.

وإذا عرفنا أن معظم تنازلات نظام صالح للخارج كانت تقدم في إطار من السرية وبطريقة بعيدة عن الأعراف الدبلوماسية المتعارف عليها سندرك لماذا كانت تلك القوى تتشبث بحكم صالح وأسرته، وتحاول العمل على إبقائه بشتى الطرق الممكنة، ليس حباً فيه بطبيعة الحال، ولكن حباً بمصالحها التي صارت تعتبرها بمثابة الحقوق المكتسبة، ويصعب عليها أن تفرط بها بسهولة، مالم تجد نفسها مجبرة على ذلك. وبعد أن أجبرت الثورة الشعبية الرئيس صالح على التنحي صار من الضرورة أن تعيد الدولة اليمنية تقييم سياستها الخارجية وتعيدها إلى أوضاعها الطبيعية كما هو الحال في دول العالم المختلفة.

العلاقات الإقليمية

يتحتم على سلطات الدولة اليمنية التوافق مع دول الجوار الإقليمي من أجل إقامة علاقات طبيعية، تقوم على أساس الندية وعدم التدخل في الشؤون الداخلية. والشيء الطبيعي أن تعمل دول مجلس التعاون الخليجي على دعم اليمن لتتمكن من إعادة أوضاعها إلى المرحلة الطبيعية والسوية، وأن تكون تلك المساعدات غير مشروطة، ولا يقصد منها الضغط على الطرف اليمني للحصول على تنازلات غير مشروعة.

وبعد الدعوة التي وجهتها دول مجلس التعاون للأردن والمغرب للانضمام للمجلس سيكون من الطبيعي أن تواصل اليمن مطالبتها بعضويته، وهي التي تشارك دول الخليج جوارها الجغرافي في جزيرة العرب. ولكن على اليمن قبل ذلك أن توفر الشروط اللازمة لطلبها -أثناء فترة تأهيل تدعمها الدول الخليجية- بحيث يتم اتخاذ خطوات جادة وحازمة من أجل تفعيل كفاءة النظام الإداري والمالي والقضائي للدولة اليمنية عن طريق محاربة المحسوبية والرشوة والفساد، إلى جانب فرض هيبة الدولة على كل أراضيها في إطار من الولاء للقوانين والأنظمة، والحد من فوضى تجارة السلاح وحمله وحيازته. وكذلك حل القضايا التي تواجهها الدولة في الجنوب وصعدة، والعمل على إنهاء الثارات والصراعات القبلية.

هذه الإجراءات في حال اتخذتها الدولة اليمنية ستعزز من فرص استقرار ونهوض اليمن، وذلك سينعكس ايجاباً على ثقة الدول الخليجية بها، وسيجعلها تعيد التفكير في وجهة نظرها الممانعة لانضمام اليمن إلى مجلس التعاون الخليجي، حفاظاً على مصالها قبل مصلحة اليمن، ذلك أن أوضاع اليمن عادة ماتنعكس على أوضاع الدول الخليجية بخيرها وشرها. وسيؤدي اندماج اليمن في المنظومة الخليجية إلى رفع نسبة المشاريع التنموية والاستثمارية في اليمن، مع توفير فرص عمل كبيرة للمواطنين اليمنيين، شريطة أن يتم فتح المعاهد والمراكز لتأهيلهم، ليكونوا قادرين على منافسة العمالة الأسيوية في دول الخليج.

 وسيتطلب الأمر أيضاً من الدولة اليمنية التخطيط لإقامة علاقات إستراتيجية مع محيطها الجغرافي خارج دول مجلس التعاون الخليجي والمتمثل بالدول العربية ولإسلامية ودول القرن الأفريقي، ولا يخفى أن مصر وتركيا وإيران تأتي في مقدمة تلك الدول، شريطة أن تقوم تلك العلاقة في إطار من التوازن وتبادل المصالح المشتركة والابتعاد عن افتعال المشاكل والقلاقل في اليمن.

العلاقات الدولية

إذا أخذنا العلاقات مع الدول دائمة العضوية كنموذج لعلاقات اليمن الدولية سنجد أنها في مجملها تعد علاقات غير طبيعية، فهي مع روسيا والصين تعتمد على كون اليمن سوقاً مهمة تروج فيها تجارة الأسلحة المصنعة في البلدين. أما بالنسبة للدول الغربية فعلاقتها باليمن تكاد تكون محصورة في مجالين رئيسيين: أولهما الشركات الغربية العاملة في اليمن في مجال التنقيب على النفط والغاز، ويتمثل ثانيهما بالاتفاقيات الأمنية والشراكة من أجل مايسمى بمكافحة الإرهاب.

لذلك سيكون من مهام الدولة اليمنية العمل على إقامة علاقات طبيعية مع الدول الغربية الكبرى بصفة خاصة، وسيتطلب ذلك إعادة صياغة الاتفاقيات مع الشركات النفطية والغازية التي قامت في عهد النظام السابق على الغموض، وأحاطت بها عمليات فساد كبيرة أستفاد منها رأس النظام والدائرة الصغرى من حوله. أما مكافحة الإرهاب فيتحتم على الدول الغربية المهتمة به النظر إلى أسبابه في اليمن وليس إلى ظواهره، لأن معالجة الأسباب سيؤدي إلى الحد من الظواهر ومن ثم اختفائها بشكل طبيعي.

ولا يخفي أن من الأسباب التي روجت للعمليات الإرهابية في اليمن سياسة الرئيس السابق الذي أتخذ من الإرهاب وسيلة يتكسب بها ويخوف بها العالم ليتغاضى عن فساده ورغبته في توريث السلطة لابنه من بعده. وتعد مشكلة الفقر وعدم توفر فرص العمل أمام الشباب، وغياب العدالة الاجتماعية والمواطنة المتساوية، وانتشار الصراعات المسلحة سبب رئيسي يساعد الجهات التي تمارس العنف على استقطاب بعض أفراد الشباب اليمني إلى صفوفها.

 يضاف إلى ذلك غياب العدالة في مواقف الدول الغربية من القضية الفلسطينية، وكذلك النظرة التحقيرية التي باتت الدوائر الغربية تصر على إلصاقها بالعرب والمسلمين، وجعل مسمي العربي والمسلم لديهم لفظتين مرادفتين للإرهابي.

ويتطلب كل ذلك من الدول الغربية تصحيح تلك الاختلالات، وتوسيع دعمها غير المشروط لليمن، بحيث يشمل الجوانب الاقتصادية والاجتماعية ولا يقتصر على الجوانب العسكرية والأمنية، مع التركيز على المشاريع التي توفر فرص عمل للشباب، ودعمها لقيام ديمقراطية حقة في البلد، وعدم النظر للأوضاع في اليمن من زاوية مصالحها الأنانية والضيقة.

خلاصة القول

على سلطات الدولة اليمنية أن تعمل من أجل ربط العلاقات الخارجية بمؤسساتها الدستورية، بعيداً عن الاتفاقيات السرية الغامضة التي ميزت السياسة الخارجية لعهد صالح، وأن تكون تلك العلاقات التي ستقيمها دولة الثورة في اليمن قائمة على أساس الندية والشفافية والمصالح المشتركة وعدم التفريط بسيادة البلد وحقوقه وثرواته مهما كانت الدوافع والمبررات. وكذلك منع القوى الإقليمية والدولية من إقامة أي علاقات مع أطراف يمنية خارج الأطر الرسمية للدولة،أو اتخاذ اليمن مسرحاً لتصفية حساباتها ودفع اليمنيين لإشعال صراعات وحروب بالوكالة عنها.

وذلك لن يتأتى إلا بتنمية الدولة اليمنية لمصادر دخلها، خصوصاً بعد أن صارت ميزانيتها عالة على مساعدات بعض القوى الإقليمية والدولية، التي من البديهي أنها ستقدم مصالحها على مصلحة الشعب اليمني. وسيتطلب الأمر تصحيح الاختلالات المشينة التي تشوب عمل السفارات والقنصليات اليمنية في الخارج، واعتماد مبدأ التخصص والقدرة والكفاءة والنزاهة لتعيين العاملين فيها؛ بدلاً من تحويلها إلى منفى للمسؤولين المستغنى عنهم أو غير المرغوب فيهم، وكذلك بعض المرضى والطلاب من النافذين الذين تم تعيينهم فيها بغرض مساعدتهم بواسطة المرتبات التي يحصلون عليها، وهو ما حول تلك السفارات والقنصليات إلى وكر منتن للفساد،وأوصل السياسة الخارجية لليمن إلى الحضيض.

أخيراً: قد يقول قائل بأن اليمن صارت واقعة تحت وصاية إقليمية ودولية بموجب المبادرة الخليجية، فكيف نتحدث عن علاقات تقوم على الندية وعدم التدخل في الشؤون الداخلية؟ ونحن نقول بأن الشعب اليمني قد قبل بتلك الوصاية على مضض خوفاً من انهيار الدولة اليمنية، على أساس أن يتم ذلك لفترة مؤقتة خلال المرحلة الانتقالية، أما إن امتدت لما بعدها فمن المسلم به أن الشعب اليمني سيخرج بثورة عارمة أخرى تطيح بتلك الوصاية ومعها كل القوى اليمنية التي ستقبل بها أو تتعامل معها.. فذلك ديدنه على مر التاريخ.