كيف خاض هادي المعركة وحيداً ..لكي لانخطئ مرة أخرى
بقلم/ جميل امذروي
نشر منذ: 12 سنة و 7 أشهر و 7 أيام
الثلاثاء 10 إبريل-نيسان 2012 05:13 م

في جلسة برلمانية ساخنة حضرها وزير الدفاع والداخلية وطالب فيها أعضاء برلمانين بمساءلتهما عن هشاشة الوضع الأمني وانقسام الجيش، كان لافتاً فيها وحتى قبلها دعوات بعض المؤتمريين لسحب الثقة عن وزير الدفاع المؤتمري، ربما كانوا يعتبرون ولائه الوطني أكبر من ولائه الحزبي، يالضخامة التهمة. كانت كلمت الوزير قوية "ومبشرة" والجمت الجميع وانتهت بقوله: أعطونا اسبوعان وان لم نستطع أن نصنع فارقاً في هيكلة الجيش فسنقول لكم مع السلامة.

بعدها وبأقل من أسبوعين وفي جمعة القرارات أصدر الرئيس هادي عشرون قراراُ قضى أهمها بتعيين قائداً جديداً للقوات الجوية بدلاً من محمد صالح الأحمر، هذا القرار أثار ومايزال يثير زوبعة كبرى. لاقى القرار إرتياحاً عريضاً ولافتاً في الوسط الشعبي، لكن الوضع العسكري تأزم وشهد تمرداً وتم احتلال مطار صنعاء الدولي من جماعات محسوبة على قائد القوات الجوية ونائبه بداعي رفضها للقرار في تمرد واضح المعالم وخطير على مستقبل العملية السياسية وعلى البلد، وكمؤشر يدل على الانزعاج الشديد من موقف هادي وأمريكا ظهرت تصريحات تنسب للمتمردين تطالب بعزل وزير الدفاع ورئيس الأركان.

الوسط السياسي أظهر ردات فعل مرتبكة تجاه قرارات بشّر بها سكرتير الرئيس قبل صدورها بأيام وكانت متوقعة. المؤتمر أخطاء خطاءً لايغتفر بإعلانه الرسمي على لسان مصدر مسؤول لم يسمّه وعلى لسان بعض مسؤوليه في وسائل الاعلام أنّ قرارات الرئيس تلبي رغبات طرف واحد ولم تخضع للتوافق! ياللكارثة حزب سياسي يحاول تغطية التمرد العسكري واحتلال مطار العاصمة وعصيان قرارات رئاسية نافذة، هذا فعلٌ سياسي خاطئ، وقد يدفع المؤتمر لاحقاً ثمن تخليه عن رئيس الدولة "المؤتمري حتى الآن".

حكومة الوفاق بدت هي الأخرى في حالة ارتباك، فلم تخرج ببيان سياسي سريع يدين عملية التمرد العسكري واحتلال المطار، وهنا يعتقد البعض أن هذا قد يكون مبرراً لكونها حكومة توافق ونصفها "على الأقل" معارض للقرارات، لكن الصمت حينها عن حالة التمرد واحتلال مطار العاصمة ورفض قرارات رئاسية بدت فيها حكومة هادي وكأنها قد تخلت عن هادي لصالح تماسكها أو لكي لايجد المؤتمر ذريعة لافتعال أزمة حكومية، وكأن سقوط هادي لن يعني سقوط الحكومة والبلد.

أحزاب اللقاء المشترك هي الأخرى كان يمكن لها أن تعرب وبشكل قوي وواضح عن تأييد الرئيس في قراراته لكنها بدت أيضاً مرتبكة نوعاً ما، فلم تصدر أي تصريح في ليلة كان البلد فيها على شفا جرف هار. يعتقد البعض أن المشترك كان عليه أن لايظهر سعادته بالقرار لكي لايعطي مؤشراً على صحة مايقوله المؤتمر، ولاندري هل هم مصيبون أم أنّ نص تصريح المؤتمر كان هو الفخ الذي وقعوا فيه. مازاد من ارتباك المشهد كان ماقامت به بعض المواقع الالكترونية المحسوبة على الإصلاح من نشر مقالات وفي وقت واحد وبأقل من 24 ساعة على صدور قرارات الرئيس تصف الأخير بالمجامل للعائلة! وبتجاهل شباب الثورة! وتعدَت ذلك لتغمز هادي مناطقياً وبأنه يعمل لمصلحته الشخصية! وغيرها من التهم التي كان التهافت فيها وغياب المهنية ملفتاً للغاية، ياللطامة الإعلامية والتموضع الخاطئ في الوقت الخاطئ، لقد بدى هادي حينذاك أيضاً وحيداً. شخصياً وهذا اعتقادي، على الإصلاح أن يضبط جهازه الإعلامي الغير رسمي لأنه قد يسيئ إليه كثيراً ويعطي إشارات خاطئة عند القراءة الأولية لسياسة الإصلاح وحقيقة توجهاته.

لم تستفق أحزاب اللقاء المشترك الا متأخرة وعن طريق كتلها البرلمانية عندما قام الهجري يوم الأحد بجمع عشرون توقيعاً لمناقشة موضوع اغلاق المطار معتبراً اياه جريمة حرب ومشددا على وجوب تنفيذ قرارات رئيس الجمهورية. هذا موقف جيد وأن تأتي متأخراً خيرٌ من أن لا تأتي، رغم أن الأزمات من هذا النوع تحتاج الى سرعة تحرك أكبر بكثير.

موقف الثوار في الساحات كان الأكثر غرابة، فرغم التأييد الشعبي الواضح للقرارات ورغم أن الهيكلة كانت هي مطلب الثوار الذي تضاهروا طويلاً من أجلها، ورغم أن غالبيتهم من الملايين التي صوتت لهادي ووضعت ثقتها فيه لكنهم لم يضهروا القدر الكافي من الحماسة والدعم. ضل الثوار ولجانهم المنظمة يراقبون المشهد دون القيام بأي دور في وقت كان هادي والبلد يحتاجون فيه لكل الدعم. تخيلوا معي وسائل الإعلام العالمية والمحلية تنقل أخبار عن مسيرات لعشرات الآلاف من الثوار في ساحة التغيير في العاصمة المنقسمة تأييداً لقرارات الهيكلة وتنديداُ بالتمرد، كان ذلك ومايزال قادراً على تحسين فرص النجاح. يعتقد البعض أنّ موقف الساحات كان بسبب صمت المشترك ويضيف آخرون أن هناك تململاً مما يعُدّه البعض خسارة لبعض القيادات المؤيدة للثورة، هذا الموقف يمكن تفهمه – نوعاً ما - من الأحزاب السياسية التي قد تعتبر نفسها طرفاً خاسراً بدرجة أو بأخرى، لكن أن ينجرّ هذا على موقف شباب الثورة في الساحات فهذا هو الموقف السياسي الغير مبرّر لانه يقدّم مصالح فرعية على الصالح العام. علينا أن نتذكر أن الثورة لم تقم أصلاً لحماية قادة عسكريين أو من أجل توريث الجيش للأحزاب السياسية، علينا أن نتذكر أنّ الثورة قامت من أجل الوطن - كل الوطن - ومن أجل أن يكون الجيش جيش كل الشعب. كان موقف الساحات وصمتها حينذاك يشبه الى حدّ ما تخلي الساحات عن آل الأحمر في بداية حرب الحصبة، لكن وقعها كان أشد في هذه الأزمة، وهنا بدى هادي أيضاُ وحيداً.

حتى المجلس الوطني الذي كدنا ننساه جاء بعد أيام ببيان ذكر فيه الكثير من القضايا والمواقف، ورغم إدانته "لإغلاق" المطار لكنه نسي أن يدين التمرد على القرارات الرئاسية التي كان احتلال المطار أحد تداعياتها، ونسي أن يعرب عن تأييده للشرعية الدستورية، ورغم ذكره للكثير من الأسماء لكنه تحاشى أن في بيانه أي ذكر لاسم هادي أو رئيس الجمهورية.

وحده محسن من تمتع باليقضة في الداخل والتقط المشهد وبسرعه وقدم دعماً معنوياً لقرار هادي بإعرابه عن الاستعداد التام لتقبل أي قرار رئاسي يصدر بحقه وهو التصريح الذي يضع الطرف الآخر في موقف لايحسد عليه ويعزز صورتهم وبوضوح أمام الداخل والخارج كمتمردين عن الشرعية.

الغريب كل الغرابة أن من دعموا هادي وبقوة وبالوقت المناسب كانت دول الخليج وأمريكا والأوروبيين والصين وروسيا، جميعهم اعتبروه صاحب الشرعية واعتبروا قراراته تصب في خدمة المبادرة الخليجية والشعب اليمني. لقد بدى كل العالم وكأنه يراقب المشهد اليمني لحظة بلحظة وبانتباه شديد وبدى كل الداخل تقريباً إمّا غير معني أو مرتبك في لحظة محرّم فيها الارتباك.

بربكم أخلصوا النية مع الشعب وأجعلوا بوصلاتكم تتجه نحو أشرعة الوطن وانتبهوا فالأيام القادمة ستكون مليئة بالقرارات الكبرى وستعتمد سرعة اتخاذها على ردود الأفعال المختلفة ومدى "التأييد الشعبي" الذي ستحظى به، والتقطوا الاشارات من تصريح اللواء الركن عبيد الناطق باسم لجنة الشؤون العسكرية الذي قال : إنّ قرارات هادي تضمنت استبدال القيادات العسكرية التي لديها مشاكل في وحداتها أو عجزت عن أداء مهامها.

ستشهد الأيام القادمة محاولات مستميته من الأطراف المتضرره من أجل إفراغ مؤسسة الرئاسة من فاعليتها عبر محاولات للتمرّد والعصيان في المؤسسة العسكرية والمدنية الخاضعة لقرارات التغيير، الأمر الذي يتطلب اليقظة والدعم الشعبي لإنفاذها. ستكون القرارات القادمة مهمة ومصيرية وسيعتمد صدورها على نجاح ماسبقها من أجل إتمام المرحلة الأولى من الهيكلة وهي مرحلة لاتحتمل الكثير من الحسابات ولاتقبل بالقسمة الا على واحد، والواحد هنا هو الشعب.