دكتاتورية تسلطية .. لا قبل لسلمية ثورة بها !
بقلم/ د. حسن شمسان
نشر منذ: 13 سنة و شهر و 3 أيام
الخميس 13 أكتوبر-تشرين الأول 2011 02:15 م

إن من يهتم بالحديث عن (الثانية) ولا يهتم أو يكترث أن يفسد عليه ذلك ما فوقها من الدقيقة والساعة والشهر والسنة والقرن؛ فإن أقل ما يقال عنه: إنما هو قد فقد عقلة؛ وهو بالفعل قد يفقد (عقله)؛ لأن هناك (طرفا آخرا) مبرمج بعكسه تماما؛ لا يعجبه الحديث عن الثانية؛ بل يتمنى ألاّ ترد فكرتها؛ لأنها إذا ما صارت حقيقة وتجاوزت الفكرة فإنها ستكون بالنسبة له هي (القاضية)، وهي من بيدها أوامر الإعدام؛ فالحديث عن (الثانية) يصيب ذلك الطرف بالدوار ثم الغثيان فالإستقياء ثم الإستلقاء، كل هذا قد يحدث - ابتداء - في بضع دقائق بسبب الحديث عن (ثانية) أو شيء من تلميحات عنها؛ ناهيك عن التصريحات؛ فإذا ما حصلت (ألأخيرة)؛ فإنها قد تكون في مسلسل الحياة الزوجية أو عرش الزواج هي (الحلقة الأخيرة)؛ نعم هو (عرش) بالنسبة للمرأة/الزوجة؛ وليس (عُش)؛ كما كان يهيأ لنا، فهذا الأخير - بتصوري – لم يكن أكثر من مجرد خطأ شائع أثبتت خلافه - تماما- كل الوقائع، والذي يريد أن يجرب عليه أن يغمز للزعيمة/الزوجة بالتلميح دون التصريح؛ عندها لن يرى إلا ذلك الانتفاش الممزوج بالارتعاش لتجعل نفسها من حيث حب البقاء في صورة (عفاش)، وساعتها قد يكون الحديث عن (الثانية) مؤذن بحرف نفسية هي للمشاعر (فانية) لا تنفع معها وسائل السلمية، كما لن تخل من كذبات الجندي ومفاجآت قحطان.

وخطابها؛ أي المرآة/الزوجة حينها يكون قريب الشبه بخطاب (زعيم عربي) صار عرشه على قاب قوسين أو أدنى من السقوط في الهاوية؛ بمعنى أن قاموس خطابها؛ يتحدث عن الدمار وعن الزلازل والأهوال؛ التي ستحدث للحياة الزوجية فالثانية/الفانية قد تحلها دار البوار؛ فيصبح أغلب حديثها حول تهديد للمدينة (المثالية الفاضلة) التي كان يعيش فيها زوجها وفي ضل عرشها والتي قد تنتهي في ساعة من ليل أو نهار بانتهاء عرشها أو نصفه إلى زوال، فهي الزوجة المثالية التي لم يخلق مثلها في البلاد؛ وهي من ستجلب له مزيدا من الأمن والأمان والاستقرار، وهي من سيرى منها زوجها السعادة والسرور غايتاهما، والحزن على يدها يلقى نهايته والكآبة مصيرها رحيل كلام أكيد ومن دون ذرة تضليل؛ نعم حينها ستغرق زوجها بالكثير والكثير من المبادرات والكثير من الوساطات؛ فهي وحدها من يبادر وهي وحدها من يعلن الحرب إذا فشلت المبادرات؛ كل ذلك مقابل بقاء تفردها بالعرش لوحدها وأظن أنها ساعتها ستكون جدا صادقة في مبادرتها وفي كل بنودها، وليست – أبدا - كاذبة مثل أي أزعيم عربي/يمني.

هذه هي نزعة الفردية والتسلط والدكتاتورية عند النساء/الزوجات - وقد تجد دونهن في حبها (الزعامات) - على الرغم من أن الأُوَلَ قد يفقدن نصف السلطة أو الملك؛ إذا ما أفضت ثورة الزوج ضد دكتاتوريتهن الفردية التسلطية إلى النجاح بالوسائل السلمية؛ في حين الأُخَر – ليس ثمة شك - سيفقدون سلطتهم وعروشهم كاملة؛ ومع ذلك يكنَّ الزوجات/الزعيمات أكثر تصلبا في التمسك بغطرستهن وفرض فرديتهن من الزعامات؛ إذا ما استثنينا صالحا والقذافي وبشار ممن فات وقد يكونوا الأبشع فيمن هو آت والذي ستدك عروشهم الثورات والصيحات؛ فثلاثتهم متمسكون بالعروش ولن يتخلوا عنها حتى تصير لهم - إن شاء الله - نعوش؛ ومع ذلك أرجع وألتمس العذر - شيئا ما - لهم عندما نجد الصلف نفسه من تلكم المتسلطات على الرغم من أنهن لن يفقدن العرش برمته إلا في حالات ضيقة؛ أي إذا لم ينه الأزواج/الثائرون ثورتهم بوسائل سلمية؛ إذ هي في هذه الحالة ستفضي إلى حصول التخريب أو ما سماه الشرع (الكسر) وهذا الأخير نادرا ما يحصل أو يحدث؛ وإذا ما حصل؛ فيحصل من غير الحكماء والعقلانيين.

واعتقد – جازما – أن المرأة/الزوجة يرجع صلفها وتصلبها في موقفها البديهي الرافض لفكرة الزواج بالثانية وحتى المفاوضة فيها إلى العوج الذي جعله الشرع من صميم فطرتها أو غريزة خلقتها؛ لهذا أظن - وقد أصل إلى الجزم - أن هذا هو الشيء الوحيد الذي يستعصي على الاعتدال في طبيعة المرأة/الزوجة؛ والتي تعجز وسائل السلمية على التأثير فيه إلا بنسبة (واحد إلى مليون) وعندها لا تستغرب عندما تجد المرأة المطلقة - والذي جعل الله عز وجل الرحيم التعدد حلا منطقيا لها حتى لا تيأس من الزواج - تحشر أنفها واقفة هي الأخرى مع أختها ومع تسلطها ودكتاتوريتها، وفي الوقت نفسه ضد فرصتها من الزواج ثانية؛ ليتأكد لنا عدم إمكانية تعديل هذا الجزء الغريزي في المرأة/الزوجة على الإطلاق؛ وغالبا - إذا ما ركب الرجل رأسه وخرج عن وسائل السلمية - ما ينتهي بالكسر والخراب؛ لهذا نجد نسبة المتعددين – وبتعبير الزوجة المعتدين - ضئيلة جدا مقارنة بالجبناء والخوافين الكثيرين الذين يحرمون أنفسهم مما (طاب) (وإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة)، فيرضون بالمصاب.

 إذا أعلى سقف في عوج المرأة هي أن تقف ضد التعدد وضد مادة في الدستور الإلهي تجيز للزوج التحرر من تسلطها الفردي، والتمرد على شرعية المرأة - استغفر الله – على دكتاتورية المرأة/الزوجة؛ فهذه الأخيرة تؤمن أو تسلم بالقرآن كله دون نقاش إلا ما يتعلق بهذه الجزئية، فهي تفصل فيها وتجادل فعلمها يفيض ليغلب بحر ابن حيان؛ إذ كثيرا ما تخترع أسبابا كثيرة لا مقطوعة ولا – عندها – ممنوعة إذا ما تحققت هذه الأسباب فللزوج – برأيها – أن يتحدث عن الثانية، مع أن سياق الآية لم يتحدث عن أسباب أو على الزواج بالثانية؛ (ما طاب لكم) لكن هذا لا يطيب للمرآة/الزوجة مطلقا؛ وهو العوج الذي بلغ شأوا وسقفا عاليا؛ لهذا أكاد أجزم أن هذا هو أعلى سقف في عوج المرأة/الزوجة والذي يمكن أن نصطلح عليه بدكتاتورية المرأة/الزوجة؛ وليكون في الوقت نفسه يكون غير قابل حتى لفكرة الحوارات أو المبادرات أو التدخلات الشقيقة والصديقة؛ بل إن أي مبادرة فيه تعد ضمن النيران الصديقة وفقط.

وبناء عليه فالزوج الثائر على فكرة تسلط المرأة/الزوجة على عرش الزوجية هو بين خيارين أحلاهما مر؛ إما أن يرضى بالوضع دون الثانية أو قيام الحرب الفانية فإذا بالمرأة - ثانية - تنقلنا لنتذكر وضع الثورة ووضع دكتاتورية الزعيم الذي غالبا يقول: (أنا أو الطوفان) وإذا ما ركب الزوج رأسه ومضى في ثورته فإنها ستضعه في أتون حرب نفسية؛ إمكانية نجاحه فيها ضئيلا جدا؛ خاصة إذا خرجت عن نطاقها السلمي. وفرص الزعيمة/الزوجة هي طبعا أكثر حظا من الزوج الغلبان؛ لما بيد الأولى من وسائل وتكتيكات وشعبيات؛ ناهيك عن مكر النساء (العظيم)؛ فهذا بحد ذاته كاف للصمود ضد إرادة الزوج - بالإضافة إلى افتقاد الأخير أو ثورته المطالبة بإسقاط التسلط الفردي للمرآة/الزوجة - لأهم منطق الثورات؛ إذ فردية تسلط المرأة تواجه بفردية ثائر واحد هو (الزوج) لا سواه في هذه الحرب النفسية؛ ومنطق الثورات يرى بأن الجماهير هي من يسقط الفرد وما حصل ولن يحصل في تاريخ الثورات أن استطاع فرد أن يسقط الجماهير عبر الطرق السلمية. والزوجة – وحدها في هذه الثورة - هي من تمتلك تلكم القاعدة الجماهيرية لا الزوج؛ وتسخرها لصالح تسلطها وبقائها الفردي الأناني بكل مكر ودهاء؛ وبناء عليه يكون من السهل أن نسقط عرش زعيم بطريقة سلمية بيد أنه من الصعب جدا أن نسقط نصف عرش امرأة/زوجة بالطريقة نفسها؛ حتى لو وفرنا لها كل الضمانات التي تجعلها تحظى بالنصف الآخر كاملا غير منقوص.

وبتصوري لو انعدمت كل أسباب الزواج بالثانية؛ لكانت النسوة اللاتي فقدن عرشهن وصرن بغير عرش/عش الزوجية - بغض النظر عن نوع السبب الذي أدى إلى الفقدان – لكان ذلك سببا كافيا في قيام ثورة الزوج؛ وداعما لوقف سلطوية المرأة/الزوجة؛ لكن بالمقابل أرجع وأقول: إذا كانت المرأة/الزوجة لم تسلم تسليما بآية مشروعية التعدد؛ فتقرأها أو تفسرها وتخترع لها – كما سلف - أسبابا كثيرة لا مقطوعة ولا ممنوعة؛ فكيف لها أن تؤمن بقاعدة (ارحموا عزيز قوم ذل) لترحم أختها التي فقدت عرشها؛ فهذه بحد ذاتها كافية لإرجاع المرأة/الزوجة عن دكتاتوريتها إلى جادة الصواب والقبول بالأخرى شريكة لها في الملك؛ لأن الزوج إذا قرر إنهاء ثورته متجاوزا وسائل السلمية فإنها نفسها ستقع في المطب نفسه؛ وساعتها قد تقبل بأن تكون زوجة بنصف عرش أو نصف سلطة .

وعودا على بدء؛ فإنه مهما كانت الأسباب واقعية ومنطقية إلا أن الزوجة تستعمل كل ما يتاح لها من وسائل مشروعة وغير مشروعة لتؤثر نفسها دون سواها بذلك العرش، وتلجأ إلى ابتزاز الزوج ورغبته في الزواج من الثانية؛ وأول وأهم جبهة أو تكتيك تستعمله هم الأبناء؛ فغالبا بل ودائما ما يقف الأولاد بجانب أمهم الأسرة والعشيرة؛ ولم يبق للرجل شيء ينجيه من الخسارة؛ وهذه الجبهة أو التكتيك (الأبناء) هو أقوى سلاح فتاك تستخدمه المرأة/الزوجة ضد الثائر/الزوج؛ إذ لا قبل له بهذا التكتيك الماكر؛ وساعتها المرأة هي من يسارع بالمبادرة التي تتضمن إصلاح كثيرا من اعوجاجها، لتجعل نفسها مستعدة لأن يعتدل عوجها كله بسهولة ويسر وقد تسمي ذلك تنازلات مع أنه في الحقيقة من واجباتها - التي كانت تغفل عنها كثيرا - تجاه زوجها؛ وبتعبير آخر: سوف يجتمع العوج كله ليستقر أمره وتركيزه في امتناع المرأة عن قبول أي حوار أو مبادرة حول أمكانية مشاركة (الثانية) في عرشها الزوجي فهي مستعدة لأن تكون زوجة مطيعة رومانسية تتجمل له بكل ما لذ وطاب من الثياب، المهم أن الزوج لا يتزوج بثانية فهو بالنسبة لها من أشد ألوان العقاب وبعده العذاب؛ فهذا العوج هو الذي يستعصي على كل طرق العلاج ومحاولة تعديله لا يغني غير كسره، وكسر الضلع يكون حينها مدلوله هو الأقرب للطلاق لا شيء آخر؛ وليس أقرب للزوجين من بعضهما؛ وليس أقرب للضلع من القلب؛ وأي محاولات تعديل شديدة لعوجه يعني كسره وكسره قد يفضي إلى إحداث جرح عميق وغائر في القلب فتنزف منه المشاعر حتى يموت الحب بينهما وقد ينتهي بالحياة الزوجية إلى الموت .

بيد أن الثورة قد تنجح سلميا ويحصل أن تأتي الثانية لكن لا نستطيع أن ننكر أن الكسر قد حصل ساعتها في قلب الأولى، وما يحصل بعده هو محاولة ترقيع لا أكثر؛ بيد أنه مهما حصل من ترقيع للكسر؛ فإن الحياة لن يستقيم ظلها؛ كما كانت قبل تهاوي نصف العرش؛ إذ عوج المرأة من هذه الناحية يضل يعمل ويدب دبيبا فلا يتوقف؛ وفي هذه الحالة مطلوب من الزوج أن يكون أكثر لطفا؛ إذ مطلوب منه أن يرفع الراية البيضاء ويحافظ على بقائها كذلك ناصعة ونقية بتنازلات يقدمها تجاه قبوله أو حشر نفسه في داخل هذا العوج الذي أصر أن يقحم نفسه فيه عندما تزوج بالثانية.