شباب الثورة وأولويات المستقبل...
بقلم/ نصر طه مصطفى
نشر منذ: 12 سنة و 7 أشهر
الثلاثاء 17 إبريل-نيسان 2012 05:50 م

تشيع بعض القوى السياسية قدرا من أجواء الإحباط في أوساط شباب الثورة اليمنية بأن ثورتهم قد سرقت أو تم بيعها أو أنها فقدت وهجها أو أنه تم إجهاضها وغير ذلك من الأقاويل بغرض تدمير عزيمتهم وإصابتهم بالإحباط والحط من هممهم وصرفهم عن الحماس لاستكمال أهداف الثورة وإنجاز رؤاها وتحقيق الأحلام التي خرجوا من أجلها متقدمين صفوف أبناء الشعب وقدموا تضحيات غالية من أجل انتصارها وإسقاط حكم الفرد والعائلة واستعادة وهج الثورة اليمنية سبتمبر وأكتوبر وألق الوحدة اليمنية وتصحيح مسارها الذي اختل بفعل السياسات التدميرية التي انتهجها النظام السابق... والأكيد أن تصحيح هذا المسار لن يتم إلا بإقامة الدولة المدنية الحديثة دولة القانون التي لا يتسيد عليها طرف ولا يعلو فيها فرد أو جماعة على الدستور والقانون.

أهمس في أذن الشباب ألا يقلقوا على ثورتهم فإنها ثورة منصورة بإذن الله تعالى لأنهم اختاروا السلمية نهجا لها فحفظ الله اليمن وحقق مرادهم، وهاهي تحقق أهدافها واحدا تلو الآخر وبخطى مدروسة وعقلانية... وبرغم التضحيات التي قدموها من خلال مئات الشهداء وآلاف الجرحى والمعوقين الذين بذلوا نفوسهم ودماءهم الزكية ثمنا لحرية وطنهم وشعبهم إلا أنها تظل تضحيات بسيطة نسبة إلى عظمة الإنجاز الذي تحقق بإنهاء حكم الرئيس علي عبدالله صالح الذي بدأ قبل ثلث قرن مفعما بالآمال وانتهى مثقلا بالفساد والاستبداد فحقت عليه سنة الله في نزع ملكه... ولقد رحل صالح ونظامه وعائلته إلى غير رجعة وأصبحوا جزءا من التاريخ، فلا يقولن لكم أحد غير ذلك حتى وإن رأيتم بعضهم لازال يتولى موقعا هنا أو هناك لكنها مواقع لم يعد لها معنى في نظرهم بعد أن فقدوا غطاء المشروعية الذي كان يجعلهم فوق الدستور وفوق القانون وفوق رجال الدولة الذين كان الكثير منهم يسمعون لهم ويطيعون دون تردد، كما أن هذه المواقع التي لازال بعضهم يتولاها هي ثمن لابد منه لسلمية الثورة، ولا ضرر منها في كل الأحوال ماداموا سيلتزمون بالدستور والقانون ناهيك عن أنهم - أي شباب الثورة - سيكونون رقباء من الآن وصاعدا على أداء أجهزة الدولة والحكومة ليحولوا دون تكرار الأخطاء والممارسات السابقة التي سكت عنها الجميع فدفع ثمنها شعب بأكمله... وهاهي قرارات الرئيس عبدربه منصور هادي بإجراء بعض التغييرات في القوات المسلحة والتي طالت عددا من أقارب الرئيس السابق تؤكد للشباب أن أولئك لم يعودوا سوى مجموعة من الموظفين حتى وإن حاولوا الرفض والتعنت فليس أمامهم في النهاية إلا القبول والتنفيذ.

إن اليمن على مفترق طرق فلا يجعلونا نظل مشغولين بالماضي الذي انتهى يوم 21 فبراير 2012م... فمنذ ذلك اليوم فتح اليمن صفحة جديدة وبدأ عهدا جديدا ولن تعود العجلة إلى الوراء مهما كانت الصعوبات والعراقيل التي يجب ألا ينشغل الشباب بها ذلك أن الرئيس المنتخب والحكومة والساسة ورعاة المبادرة من المحيط الإقليمي والمجتمع الدولي كفيلون بمعالجتها وتجاوزها... وفي تصوري أن على الشباب أن يوفروا طاقاتهم ويشحذوا هممهم باتجاه التفكير في المستقبل وأن يوحدوا جهودهم ومواقفهم بمختلف توجهاتهم حزبيين ومستقلين نحو القضايا المستقبلية المتعلقة بمؤتمر الحوار الوطني والإصلاحات الدستورية والسياسية والاقتصادية حتى يسهموا بشكل حقيقي وفاعل في صياغة مستقبل اليمن الذي هو مستقبلهم هم وليس مستقبل قادة التيارات السياسية والاجتماعية التي ستدير الحوار الوطني فهؤلاء مع التقدير لكل جهودهم فإن شمسهم على وشك المغيب، إذ يصعب هنا قبول فكرة أن يتولى جيل ماضوي التفرد بصياغة مستقبل الأجيال الجديدة المعنية أساسا بهذا المستقبل... لكن بالمقابل أيضا لن يتمكن جيل الشباب هو الآخر أن يتفرد بصياغة صورة يمن المستقبل لأنه لا مناص هنا من استجلاب خبرة الأجيال التي عاشت خلاصة تجربة نصف قرن على الأقل من تاريخ اليمن المعاصر منذ قيام ثورتي سبتمبر 1962م وأكتوبر 1963م وأصبح لديها خبرة واسعة عن المشكلات التي عانى منها اليمنيون في ظل الحكم الثيوقراطي العنصري والاستعماري والفردي والمدني والعسكري والحزبي والعائلي والاستبدادي وشبه الديمقراطي وهي أنواع من أشكال الحكم والأنظمة التي مرت على اليمن خلال القرن الماضي وبداية هذا القرن.

يقف اليمن اليوم على مفترق طرق فهناك الكثير من الخيارات المطروحة على طاولة الحوار الوطني سواء بالنسبة لشكل النظام الجديد، وشكل الدولة وموقع الجيش فيها ومفاهيم الدولة المدنية وموقع القضاء منها وقضايا أخرى كثيرة، ناهيك عن مسائل حيوية تتمثل في الرقابة الشعبية على أداء رئيس الجمهورية والحكومة إجمالا ووزراءها كل على حدة، إضافة إلى القوانين التي ينبغي على البرلمان القائم والمنتهية ولايته إقرارها خارج إطار نصوص المبادرة وآليتها مثل القوانين المتعلقة بالحريات واستقلال السلطة القضائية وبعض الجوانب المتعلقة بالإصلاحات الاقتصادية والإدارية، وهي قوانين ستسهم في صياغة المستقبل الذي يعني الشباب بالدرجة الأولى... لذلك لابد أن يتجه الشباب حزبيين ومستقلين نحو انتهاج التفكير الجمعي الجاد في ابتداع آليات تساعدهم على طرح رؤاهم وتصوراتهم على طاولة الحوار الوطني وبلورتها والضغط من أجل تنفيذها... وهذا سيقتضي منهم وضع آليات لتجميع وتنسيق جهودهم وتجاوز أي نوع من أنواع الخلافات الهامشية التي يجري هذه الأيام زرعها بكثافة في ساحاتهم، وعليهم أن يفكروا بشكل جاد في مثل هذه الأمور منذ الآن حتى لا يفاجئهم انعقاد المؤتمر الوطني فيما هم منشغلون بخلافاتهم السطحية التي يستطيع الساسة حلها إن حسنت نواياهم... ففي تصوري أن هذا هو أهم ما ينبغي أن تتجه جهودهم نحوه في قادم الأيام ليحصدوا ثمن تضحياتهم من أجل الدولة المدنية التي يسودها القانون، فهذه لحظة تاريخية إن لم ينتهزوها فقد لا تتكرر قبل عقود طويلة من الآن سيظل اليمن ينتج خلالها ذات المشكلات ويعاني من نفس المعضلات.

مشاهدة المزيد