قراءة في واقع الثورة اليمنية والمصرية
بقلم/ م. عبدالرحمن العوذلي
نشر منذ: 12 سنة و 4 أشهر و 27 يوماً
الخميس 21 يونيو-حزيران 2012 05:21 م

من المعلوم ان من يقوم بالثورات هم النخب المثقفة وطليعة المجتمع في أي بلد وليس بالضرورة أن يشترك كل الشعب حتى تنجح الثورة ، وما حدث في ثورات الربيع العربي من نزول للشعوب إلى الشارع فأعتقد أن الثورة اليمنية كانت الأكثر انتشارا ومشاركة شعبية اقترانا بعدد السكان في بلدان الربيع العربي .

اختلف المناخ السياسي والاجتماعي لكل دول من دول الربيع العربي ونتيجة لذلك فقد اختلفت نتائج الثورات العربية فمنها ما كان سريعا وخاطفا ومنها من انتهى باستخدام القوة والسلاح كما هو معلوم ومنها من التفت عليه قوى الدولة العميقة لتسرق ثورته وباتت هزيمتها قريبة لوعي الشعب وانتباهه لكل ما يدور له وعودته الى الميادين والساحات ومنها ثورة تحول النضال السلمي الى كفاح مسلح لما تقتضيه الضرورة من الدفاع النفس وقتل الناس الأبرياء والتخفيف من المجازر في حق الأطفال والنساء وهو سلاح الشعوب الأخير عندما لا تستجيب الأنظمة للتغيير بل وتبدأ في استخدام الآلة العسكرية في كبح شموخ الشعوب ، ومنها ما التقت فيه الثورة بالسياسة وطغى الجانب السياسي على الثوري أحيانا لكن في ظل الاعتراف الشامل ان الثورة لازالت مستمرة .

تداول المثقفون العرب في الآونة الأخيرة مصطلح الدولة العميقة والتي توجه سياسة الحكم والبلد في خدمة جهة معينة وهي مشابهة إلى حد ما بالبيروقراطية وتوجيه الحكم وبقوة القوانين لخدمة أشخاص محددين وتيار محدد في البلد ،ربما يصدق معنى الدولة العميقة في دولة مصر العربية بعد الثورة للسياسات التي تمارس وتنفذ وكلها تحت جناح الإطار القانوني ظاهرا .

من الأخطاء الجسيمة التي ارتكبها الثوار في مصر واليمن هي الإتكالية والثقة المفرطة في الأطراف التي تسلمت قيادة الثورة رغم الاختلاف الشاسع بين قوى المعارضة اليمنية وبين المجلس العسكري المصري ،فالمجلس العسكري المصري قد تسلم السلطة كاملة في مصر وأعلن تأييده للثورة ظاهرا وبإعادة إنتاج النظام القديم باطنا والثقة المفرطة من قبل الشعب المصري في نزاهة ووطنية المجلس العسكري هي من أوصلهم إلى هذه النتائج الحالية ، بينما في اليمن كانت أحزاب المعارضة تلعب دورا سياسيا بامتياز في الثورة واستمرت بالتعامل مع الثورة سياسيا بينما يوجد قواعدها في الساحات أند شعبيا مع باقي شرائح المجتمع ونظرا لتجاوب قواعد الأحزاب الشعبية في الساحات مع قيادات الأحزاب فلم تستطع الثورة الشعبية تجاوز القيادات السياسية مما أعطى النظام الفرصة الكاملة للمناورة متسترا تحت عباءة المبادرات ومصورا الوضع في اليمن على انه مجرد أزمة سياسية بين سلطة ومعارضة ولا توجد هناك ثورة ومن يوجد في الساحات هم شباب الأحزاب المعارضة فقط .

رغم كل الحوارات السياسية من سنوات بين السلطة السابقة والمعارضة إلا أن المعارضة اليمنية وقعت في فخ ما يسمى بالحوار ثانية مما أفقد الثورة من مضمونها الفعلي أحيانا مستندا في كلامي إلى الأهداف التي أعلنت للثورة اليمنية والوسائل التي اتخذت لتحقيق تلك الأهداف ، فيما اندمجت كل مكونات الثورة المصرية في بوتقة واحدة اسمها الشعب رافضة المساومات والحوار مع النظام السابق ،ربما تعلل المعارضة اليمنية بقولها أنها معارضة سياسية منذ سنوات ولها حضور سياسي وشعبي بينما لم تكن هناك معارضات سياسية حقيقية في البلدان الأخرى ،لا نريد التشكيك في نوايا الأحزاب المعارضة اليمنية وربما اجتهدت ورأت ما فعلته صوابا لتحقيق أهداف الثورة لكن هذا لا يمنع أنها وقعت في أخطاء واضحة لكل المتابعين والمراقبين السياسيين .

أعتقد أن الثورة اليمنية الآن تمر بمرحلة من الجمود الثوري في ظل ارتفاع الأصوات أن الدور الفعلي للساحات قد انتهى ولم يعد له التأثير الواضح في رسم معالم القرار السياسي في اليمن أو توجيهه وهي مرحلة طبيعية نتيجة لما يدار سياسيا في البلد فالساحات كانت الداعم الأكبر للرئيس الحالي والمؤقت وكانت الداعم أيضا للتقاسم الوزاري الحالي وان كان بشكل غير مباشر من حصل من استقبال الشباب في الساحات بالترحاب الشديد لرئيس الوزراء دلالة واضحة على رضاهم بما يقوم به وبما يؤديه في الوقت ،وبذلك تصبح الساحات خاملة سياسيا وتؤدي رسالة محددة في ظل الانتظار السياسي للساحات لما تفرزه قرارات الرئيس المنتخب والذي يظهر انه أدى دور جيد في سحب البساط عن العائلة رغم التمهل الشديد في إصدار القرارات الجمهورية التي ينتظرها الشارع اليمني لكن في كل الأحوال تبقى الساحات هي الضامن الوحيد والأسرع لتنفيذ كل المطالب .

تلقي العسكري المصري صفعة قوية من قبل الشارع المصري بانتخاب مرسي رئيسا ، ولذلك انقلب على الإعلان الدستوري بإعلان دستوري مكمل ينزع صلاحيات الرئيس القادم لأنه يدرك حقيقة انه اذا فاز شفيق فسيزيد عدد أعضاء المجلس العسكري فردا واحد ولن تتغير القرارات والأحكام ،لكن فوز مرسي وأخذه صلاحيات الرئيس كاملة يعبر عن تغييرا جذريا للحكم في مصر وسحبه من العسكر بعد حكم قارب من الستين عاما ، قرارات العسكري أعادت الشعب المناصر للثورة إلى الميادين مجددا وفيما يبدو أن العسكري بالفعل بدأ في عقد الصفقات السرية مع مرسي وهو القبول بالإعلان الدستوري مقابل الرئاسة مع الاعتراف بحل البرلمان أو السيناريو الآخر وهو شفيق رئيسا مما يدخل مصر في أزمة سياسية طاحنة تستدعي قيام ثورة أخرى لإسقاط شفيق والعسكري معا فيما تنتشر الشائعات هنا وهناك مخوفة الشارع المصري من حدوث السيناريو الجزائري في مصر ، مما أدخل الشعب المصري هذه الأيام في دوامة الهواجس والتخوف من المستقبل .

وضع العسكري نفسه في موقف حرج بينما وضع الرئيس القادم والثوار في موضع صعب فالعسكري لا يستطيع التراجع عن قراراته وإبداء الضعف أمام التيار الإسلامي والثوار ، بينما لن يقبل الثوار بصلاحيات منقوصة للرئيس مما يستدعي دخول مصر في أزمة جديدة ما لم يتنازل كل طرف عن بعض صلاحياته وتغليب المصلحة الوطنية ولكن في كل الأحوال يبقى الشعب هو الأقوى.

Eng.abdulrahmann@gmail.com