يموت الزمار وصوابعه بتلعب
بقلم/ د. عيدروس نصر ناصر
نشر منذ: 12 سنة و 7 أشهر و 26 يوماً
الخميس 22 مارس - آذار 2012 03:45 م

ما تداولته المواقع الإلكترونية عن قيام الرئيس المخلوع، علي عبد الله صالح، بعقد مجموعة من اللقاءت الهادفة إلى عرقلة عمل حكومة الوفاق الوطني من بينها توجيهه لوزراء الحزب الذي يرأسه بمقاطعة الحكومة والانسحاب منها وإشرافه على عصابات قطع الطرق وتجنيد المرتزقة الدوليين والأفارقة، وغير ذلك من النشاطات الهادفة إلى إرباك الرئيس وحكومة الوفاق الوطني ، كل ذلك يبين أن الرجل لا يرغب في ترك اليمنيين يديرون شئونهم بعيدا عن أنفه التي يرغب في دسها في كل صغيرة وكبيرة رغم أن الشعب قد قال له ارحل واعتقدنا أنه قد رحل.

عندما نقارن حالة الرجل مع أشباهه من الدكتاتوريين العرب، بن علي ومبارك مثلا، نترحم على حالة زميليه، لأن الأول اكتفى بالنجاة بجلده واللجوء إلى إحدى الدول الشقيقة لتوفير الحماية والإقامة الآمنة واكتفى بالصمت ولم يطلب حصانة تحميه من جرائمه التي لا تساوي شيئا بالمقارنة مع ما فعله صاحبنا خلال ثلث قرن من العبث والقتل ونشر الحروب والتفكيك والنهب المنظم، والآخر سلم نفسه للسلطات الجديدة وقبل بدخول المحكمة أما صاحبنا الذي مارس من الابتزاز ما لم يمارسه نيرون مع سكان روما، فقد اطمأن لخروجه محصنا واعتقد بأن الحصانة التي انتزعها ظلما وعدوانا من هذا الشعب المغلوب على أمره، ستجعله يواصل ازدراءه للشعب وامتهانه لإرادته في التغيير، وما أحداث الأيام التالية لتولي الرئيس هادي مهماته من توترات وأعمال عنف، فضلا عن ما صدر عن الأخير من تصريحات استفزازية تتناقض مع أهداف ومضامين المبادرة الخليجية وآليتها، ومن أفعال تبين مدى استهتار الرجل بالناس وبالسياسة وبالوطن وبالمواثيق التي وقع عليها، وكان آخرها أمره باعتقال رئيس الوزراء فقط لأنه قال الحقيقة عن مجرمي جمعة الكرامة، التي أغضبت الزعيم المحصن، كل ذلك لا يدل إلا على أن الرجل لا ينوي الكف عن العبث بآمال وتطلعات الشعب اليمني إلى الاستقرار والعودة إلى العمل والبناء وإعادة إعمار ما دمره وعصاباته المتعددة على مدى ثلث قرن من الزمان.

يقترن بند الضمانات الذي احتوته المبادرة الخليجية والذي أقره البرلمان اليمني بقانون يعفي علي عبد الله صالح وأنصاره من كل جرائمهم، يقترن في الذهنية السياسية اليمنية، وفي الوعي الجمعي عموما باعتزال كل من تشمله الضمانات لكل ممارسة سياسية وهذا أمر منطقي ذلك إنه لا يمكن تصور مجرم يطالب بالحصانة فيحصل عليها ثم يعود مرة أخرى ليواصل تبوأه للمناصب العامة التي مارس فيها كل الموبقات التي حصل على حصانة من المساءلة عليها وإلا لتحول موضوع الضمانات إلى أداة لمواصلة الإجرام والسلب والنهب والقتل والتنكيل، وهو أمر لا يمكن أن يستقيم.؟

لكن يبدو أن سهولة الحصول على هذه الضمانات قد أغرى الرئيس المخلوع بمواصلة استهتاره بالشعب وبالسياسية وبمن مكنوه من الحصول على تلك الضمانات من الشركاء الإقليميين والدوليين وها هو يعود من جديد ليس فقط لمواصلة استفزاز الشعب اليمني بل ولعرقلة تطبيق الاتفاقية التي حصل بفضلها على الحصانة لتصبح الاتفاقية في حكم المشطوبة ما عدا بند الضمانات فقط وبالتالي تتحول الثورة إلى مجرد ضمانات حصل عليها من قامت الثورة ضده.

تصرفات الرئيس المخلوع تمثل رسائل اختبار للرئيس هادي لفحص مدى قدرته على التصدي للتعدي على صلاحياته، والمخلوع يعلم أن الرجل يتمتع بقدر من الصبر والتواضع والأخلاق الرفيعة، وربما الطاعة المعتادة لرئيسه السابق ما يجعله يستنكف التوجيه مثلا بمنع الرئيس المخلوع من دخول قصر الرئاسة ناهيك عن توجيهه ورئيس وزرائه بالتقيد بالتعليمات الصادرة عن فخامة الرئيس المخلوع.

تهديد الرئيس المخلوع بسحب وزرائه من حكومة الوفاق الوطني يبين أن الرجل يحتقر حتى حزبه ووزراءه وينظر إليهم على إنهم مجرد ملحقين بـ"فخامته" وفوق هذا يبين رغبته في التحايل على المبادرة الخليجية وآليتها وعدم جديته في الذهاب باتجاه التنفيذ الحرفي لمتطلبات هذه المبادرة.

لقد اعتاد الرجل على الاستهتار بكل شيء وهو يظن أنه سيواصل الاستهتار بالعالم كله ولا يعلم أن العالم اليوم صار شاهدا على كل العبث والخداع الذي يحاول ممارسته مع اليمن واليمنيين، ومن هنا فإن على الأشقاء والأصدقاء الرعاة للمبادرة الخليجية وملحقاتها أن يكونوا عند مسئوليتهم في ردع الرجل وإلزامه بالتقيد بما وقع عليه وإلا فسينبغي على الموقعين على بند الضمانات أن يتراجعوا عنه ومن ثم تقديم الرجل وجميع شركائه في جرائم الثلث قرن المنصرم إلى القضاء ليكون الفاصل بيننا وبينه ولينال عقابه على كل الجرائم التي ارتكبها في حق اليمن واليمنيين.

استمرار الرجل في افتعال الفعاليات بما في ذلك عيد ميلاده الذي لم نسمع عنه إلا هذا العام، والظهور على القنوات الفضائية وممارسة الضغوط السياسية والثرثرة الدائمة باسم اليمن التي ألحق بها أبلغ الأضرار خلال توليه لمهام السياسة فيها وإصراره على التنكيد على اليمنيين وعدم رغبته في الاختفاء من حياتهم يؤكد انه لا يستطيع العيش بدون استفزاز وتعالي وازدراء لكل القيم والأعراف مصداقا للمثل المصري القائل : "يموت الزمار وصوابعه بتلعب" مع الاعتذار لكل الشرفاء من الزمارين الذين يقدمون مهنة محترمة يستمتع بها كل الناس.

برقيات

* تهديد رئيس الكتلة البرلمانية لحزب المؤتمر الشعبي بسحب الثقة من حكومة الوفاق الوطني لا يأتي في إطار التهريج، المهنة التي يتقنها الشيخ البرلماني بامتياز، بل إنه يبين ما في العقل الباطن للحزب و"قائده الرمز" تجاه متطلبات المبادرة الخليجية، ولو فعلوها، فإن ذلك سيفتح الباب لإلغاء كل مضامين المبادرة التي جنوا منها ما لم يجنه اللصوص وقطاع الطرق من ضحاياهم.

*سيظل الحرس الجمهوري والأمن المركزي والأمن القومي وغيرها من القوى التابعة لأفراد بعينهم، أدوات تخدم القتلة والمجرمين وناهبي الأموال العامة طالما ظلت القيادة بيد أبناء وأقارب الزعيم الرمز، الذي أزاحه الشعب ولن تتحول إلى مؤسسات وطنية إلا متى ما تحررت من سطوة القادة الطارئين الذين خرجوا من الحضانة إلى القيادة مباشرة.

* قال الشاعر الفيلسوف إيليا أبو ماضي:

من ليس يضحك والصباح مورّدٌ *** لم يكتـــــئب والصــبح غير مورّدِ

سيّان أحلام أراها في الـــــكرى *** عـندي ، وأشياء قد اشتــملت يدي

هيهات ما أرجو ولا أخشى غدا ***  هل أرتـــــجي وأخاف ما لم يوجدِ

والأمس فيّ فكيف أحسبه انتهى *** أفما رأيت الأصل في الفرع الندي؟

قـــــــــــــــبلٌ كبعدٍ حالةٌ وهميّةٌ   *** أمــــسي أنا، يومي أنا، وأنا غدي