تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَواءٍ!
بقلم/ د.منصور علي سالم العمراني
نشر منذ: 14 سنة و 5 أشهر و يومين
السبت 12 يونيو-حزيران 2010 05:53 م

إنَّ الأمة الإسلامية اليوم وهي تمر بمنعطف خطير، سواء بمهاجمة أعدائها لها، أو بتشتتها وتشرذمها مع بعضها البعض، ليدعونا إلى أن نفكر تفكيرا جادا نحو الحوار والجلوس مع بعضنا البعض، وتغليب مصلحة الوطن فوق كل المصالح.

وبما أننا أبناء اليمن الحبيب، مَن وصفنا صلى الله عليه وسلم بالإيمان والحكمة، ولين القلوب ورقة الأفئدة، إننا نقول: أيها العقلاء، تعالوا إلى كلمة سواء- سواء في السلطة أو المعارضة- وَلْنَلَتَفَ حول النداء الذي وجهه فخامة الأخ رئيس الجمهورية علي عبد الله صالح، عشية الاحتفاء بالعيد العشرين للوحدة اليمنية المباركة إلى كل اليمنيين، أن يجلسوا على طاولة الحوار، من أجل رأب الصدع، ولمَ ِّالشمل بدلا من المساس بالمصالح والخيرات، وتفجير المنشآت، والإخلال بالأمن والاستقرار، لأن كل هذا يمس قدسيتكم أيها اليمانون يا من بنيتم مجدكم فلا تضيعوه.

إننا ندعوكم أيها العقلاء أن تعوا جيدا، أن الذين سيجنون الويلات من وراء الانجرارات اللامسؤولة هم أبناء الشعب اليمني، والذين سينعمون بخيرات الأمن والاستقرار- إن أخذ العقل والحكمة مجاله- هم أيضا أبناء الشعب اليمني، ولهذا فلنكن عند مستوى العقل، والحكمة التي ترفع من قيم الإنسان ومكانته، فالذين يحاولون اليوم جر الوطن إلى الانفلات، خاصة تلك الأصوات التي تأتي من هنا وهناك، لن نراهم في وقت شدتنا ومصيبتنا، وتجارب الزمن علمتنا كثيرا من الدروس، فنأمل أن ترى هذه النداءات الواعية صدى على الساحة اليمنية، يمن العزة والإباء والشموخ.

إن المرحلة الراهنة التي يمر بها بلدنا الحبيب، ينبغي أن تكون لغة الحوار هي السائدة بين فرقاء العمل السياسي؛ من أجل الوصول بالبلد إلى بر الأمان، بدلا من التأزم والتوتر الذي لا يولد إلا العنف، والأسف على ما فات، وإنَّ من فضل الله علينا أننا أبناء دين واحد، وملة واحدة، ينبغي أن نسمو بأنفسنا إلى مستوى يليق بالمكانة التي جعلنا الله عندها، وأن لا تجرنا سفاسف الأمور إلى الخروج عن لغة الحوار والمنطق، فالإسلام دين التجمع لا التفرق، وتوحيد الكلمة لا شتاتها، وإننا لنعجب حين ننعم النظر في الآية الكريمة التي يخاطب الله فيها نبيه صلى الله عليه وسلم بفتح منهج للحوار مع الأخر- وهم أبناء ملة مختلفة- من خلال قوله: ﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ ...الآية﴾[ آل عمران:64] ؛ ليتجسد لنا عظمة هذا الدين الذي جاء به صلى الله عليه وسلم، حاملا معه منهج الحوار مع الآخر وقبوله، واحتواء الخلاف بين الفريقين عن طريق التفهم والإقناع، فلم يقف الدين حجرة عثرة في حوار الآخر كونهم من معتقد آخر، لا حوار و لا مقاربة معهم كونهم أعداء، بل نراه على العكس من ذلك، يحاورهم بالحجة والإقناع والأسلوب والطرح، وإنك لتذهل حين ترى النبي صلى الله عليه وسلم يحاورهم في أمور لا يستبد بموقف المحق كونه رسول الله، والكل يعلم أن الحق معه حتى الخصوم- فأين يكون الحق؟ إن لم يكن معه- رغم هذا نرى القرآن يعبر على لسانه بقوله: ﴿ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾[ سبأ: 24]، فمن باب الإقناع لابد إن تنزل إلى مستوى يقبلك الآخر، فرسول الأمة يقول: لا شك أن أحدنا مخطئ فيما هو عليه، وحاشا رسول الله أن يكون مخطأً أو في ضلال مبين، ولكنه أسلوب الحوار في إقناع الآخر، وهي المرحلة التي يقبلك الآخر عندها، ويجلس معك على طاولة التقارب والتفاهم.

هذا هو النهج الإسلامي في الحياة؛ لأنه من الصعب أن تعتقد أن غيرك هو أنت، مهما كان التقارب والاتفاق، ولهذا لابد أن تقبل بالآخر، فالله قد زوده بأمزجة وطباع لا يمكن أن تكون كطباعك، وأمزجتك، وهذه هي سنة الله في خلقه قال تعالى: ﴿ وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ ﴾[هود: 18-19] فهي إذن سنة الله في خلقه، ومن الصعب أن تكون فلسفتك: الآخر هو أنا. لا وألف لا! فالآخر هو غيرك، ولا بد أن تفتح مساحة كافية بينك وبينه؛ لتكون نقطة لقاء وانطلاق مشترك في بناء حياة يسودها الأمن والاستقرار والرخاء.